كان طبيعياً أن يصدر الصوت الداعي الى تكريس مصير منفصل لقطاع غزة، عن الوسط الصهيوني الأشد عداء للأمنيات الوطنية الفلسطينية، وهو الوسط الذي يُعد أفيغدور ليبرمان أدق من يمثله. وفي وسعنا الآن، أن نطلب ممن كرسوا التمرد والانقسام، وشجعلوا عليه، وروجوا لطُهرانيته ولتناقضه مع الدنس؛ أن يفسروا لنا حماسة أفيغدور ليبرمان لإحالة المسؤولية عن غزة الى «حماس» كحزب وكحركة، ليست داخل كيان وطني فلسطيني، وإنما كإمارة أو كُيَيْن جغرافي حزبي، له توجهات لا تقلق ليبرمان ولا أوساطه الموغلة في التطرف والحاقدة على «معتدلي» العرب قبل «ممانعيهم»!
كنا في غير مرة، نفسر المعنى الجيوسياسي لتكريس الفصل بين غزة والضفة. وفي كل مرة، نّوهنا الى ما يبيته الحمساويون ضد مستقبل الحياة السياسية الديموقراطية، باشتراطاتهم للمصالحة، وآخرها اشتراطات د. الزهار بمقايضة الاعتراضات «المبدئية» على ورقة المصالحة المصرية، بحدوث قسمة بين حركتي فتح وحماس، لعدد الوظائف في الأجهزة الأمنية، على أن يرتبط ذلك شرطياً بمتطلب يتعلق ببنية ما سماه «لجنتي الانتخابات المركزية». ففي شرط التقاسم الوظيفي الأمني، يتعمد الحمساويون في كل مقاربة للمصالحة، الإبقاء على عنصر القدرة على التمرد في أي وقت يريدون، ولأي سبب وتحت أي عنوان، ولن يتحقق ذلك ـ بالنسبة لهم ـ إلا بوجود المليشيا الحزبية داخل المؤسسة الأمنية. أما الشرط المتعلق بلجنة الانتخابات، فإن الحمساويين يقصدون تقاسم الحق في تسمية القضاة ومن يصفهم الزهار بـ «المستقلين» وكأن لجنة الانتخابات التي أشرفت على انتخابات 2006 والتي لم تكن حماس؛ خالفت ضميرها وأعلنت نتائج مغايرة وانحازت. ومن المفارقات، أنه كلما رفضت فتح شروطهم ومتطلباتهم السلطوية، كانوا يقولون إن الآخرين يريدوننا أن نعترف بإسرائيل والقبول بشروط الرباعية. والصحيح، إن هؤلاء لا يريدون خوض الانتخابات. إنهم على دراية بأن تزويرها بأيديهم في غزة، هو السبيل الوحيد للنجاة من الهزيمة ذات الدلالات الكثيرة. فإن تفاءل الناس بالمصالحة، يشترطون من التدابير الإدارية، ما يجعل التزوير ممكناً، وفي الوقت نفسه يشترطون من عناصر القوة، ما يضمن تموضع المليشيا داخل الجهاز الأمني، لضمان قلب الطاولة عند الحاجة وإن لم يكن التزوير ممكناً!
* * *
اليوم ليبرمان يدفع في الاتجاه المتوائم مع نوايا تكريس السيطرة الحزبية على غزة. هو يريد الإمارة، ويحدث الأوروبيين في ذلك. ومن خلال هذا التوجه المسموع، يحق لنا تذكير الناس بأن ما قلناه في هذه النقطة لم يكن تجنياً على حماس أو غيرها. الآن، ليفسر لنا المتفذلكون حرص ليبرمان على المجاهرة بهكذا توجه. ونسأل: هل ما يقوله هو الذي يناسب «سلطة دايتون» حسب اللغة التي أقرفت الناس لشدة عفونتها؟! وهل الذي يريده ليبرمان، يخالف ما تريده حماس؟ وهل عندما نقول ذلك بمنطق السياسة نكون بصدد النيل من المقاومة التي تزلزل الأرض من تحت أقدام الصهياينة؟ فمتى يستفيق المخدوعون ويتفكرون ويقرأون جيداً قسمات وعلائم ومآلات المشروع الذي تدفع حماس الشعب والقضية اليه؟
إن الأمر لا يتعلق بغزة وحدها. إنه محاولة نسف لمشروع وحدة الفلسطينيين واستقلالهم، اتضحت مراميها منذ اليوم الأول للانقلاب. إن الأمر، مثلما كتبنا في غير مرة، يتعلق بتأسيس جغرافيا سياسية للإخوان، في أقل 1.5% من أرض فلسطين التاريخية، على شريط ضيق مساحته نحو 364 كم مربع. إن الهدف، هو تعزيز الديماغوجيا «الإخوانية» في المنطقة طلباً للحكم وللتمكين في دائرة أوسع، وهذا هو بالضبط، ما يعرفه ليبرمان ويدفع اليه. ففي الأيديولوجيا الحزبية الدينية، لا وطنيات تُحترم، بل إن الوطنيات أصنام أقل شأناً من تلك التي سافر القرضاوي الى أفغانستان الطالبانية، لكي ينقذها من النسف بالديناميت!
* * *
إن الوفاق الوطني هو شقيق أرواح الوطنيين. فليس أعز من الوفاق ووحدة الصف، ليس على مستوى الشعب وحسب، وإنما على مستوى الأمة كذلك. لكننا ننبه الى ضرورة تحاشي الكارثة التي يمثلها أي أتفاق يُبقي في يد حركة ـ أية حركة ـ القدرة على ممارسة الإكراه والتمرد أو الانقضاض على السلطة الشرعية. فهذه الأخيرة، هي صاحبة الحق الحصري، في ممارسة الإكراه، نيابة عن المجتمع، ولمصلحته، وبالقانون. ففي غزة وانطلاقاً من غزة، جربنا المقاومة المسلحة، ولم تعد تناسبنا، ليس لأننا لا نطرب لكلمة المقاومة ولمصطلح الكفاح المسلح الذي هو من اختراعنا أصلاً؛ ولكن لأننا لا نستطيعه موضوعياً، وحماس تفهم ذلك جيداً. لذا لا يصح، في أية تدابير إجرائية لتنفيذ اتفاق تفصيلي للوفاق الوطني، أن تؤخذ المقاومة ذريعة لاحتفاظ طرف بالحق في الإكراه. بل يتوجب أن نكون واضحين وأن نقول، لن ننجح في تنفيذ أي اتفاق تفصيلي للمصالحة، إن كان هذا الاتفاق سيعطي ضمانات لقاتل، لكي يمنع وصول يد العدالة اليه. إن الاتفاق الذي بات الفلسطينيون في حاجة ماسة اليه، هو ذلك الضامن لنفاذ القانون الذي تنحني له كل الهامات. وهو المستند الى هيبة الجهاز القضائي، ولمُجريات العدالة. وبغير ذلك لا يصح أن نتعب أنفسنا. إن وحدة الأرض الفلسطينية تحت سلطة واحدة، شرعية ومقتدرة، هو هدفنا الذي لن نحيد عنه، وها هو ليبرمان يجاهر برغبته في قطع الطريق لكي يستمر الحمساويون فيما هم عليه
الكاتب عدلي صادق
كنا في غير مرة، نفسر المعنى الجيوسياسي لتكريس الفصل بين غزة والضفة. وفي كل مرة، نّوهنا الى ما يبيته الحمساويون ضد مستقبل الحياة السياسية الديموقراطية، باشتراطاتهم للمصالحة، وآخرها اشتراطات د. الزهار بمقايضة الاعتراضات «المبدئية» على ورقة المصالحة المصرية، بحدوث قسمة بين حركتي فتح وحماس، لعدد الوظائف في الأجهزة الأمنية، على أن يرتبط ذلك شرطياً بمتطلب يتعلق ببنية ما سماه «لجنتي الانتخابات المركزية». ففي شرط التقاسم الوظيفي الأمني، يتعمد الحمساويون في كل مقاربة للمصالحة، الإبقاء على عنصر القدرة على التمرد في أي وقت يريدون، ولأي سبب وتحت أي عنوان، ولن يتحقق ذلك ـ بالنسبة لهم ـ إلا بوجود المليشيا الحزبية داخل المؤسسة الأمنية. أما الشرط المتعلق بلجنة الانتخابات، فإن الحمساويين يقصدون تقاسم الحق في تسمية القضاة ومن يصفهم الزهار بـ «المستقلين» وكأن لجنة الانتخابات التي أشرفت على انتخابات 2006 والتي لم تكن حماس؛ خالفت ضميرها وأعلنت نتائج مغايرة وانحازت. ومن المفارقات، أنه كلما رفضت فتح شروطهم ومتطلباتهم السلطوية، كانوا يقولون إن الآخرين يريدوننا أن نعترف بإسرائيل والقبول بشروط الرباعية. والصحيح، إن هؤلاء لا يريدون خوض الانتخابات. إنهم على دراية بأن تزويرها بأيديهم في غزة، هو السبيل الوحيد للنجاة من الهزيمة ذات الدلالات الكثيرة. فإن تفاءل الناس بالمصالحة، يشترطون من التدابير الإدارية، ما يجعل التزوير ممكناً، وفي الوقت نفسه يشترطون من عناصر القوة، ما يضمن تموضع المليشيا داخل الجهاز الأمني، لضمان قلب الطاولة عند الحاجة وإن لم يكن التزوير ممكناً!
* * *
اليوم ليبرمان يدفع في الاتجاه المتوائم مع نوايا تكريس السيطرة الحزبية على غزة. هو يريد الإمارة، ويحدث الأوروبيين في ذلك. ومن خلال هذا التوجه المسموع، يحق لنا تذكير الناس بأن ما قلناه في هذه النقطة لم يكن تجنياً على حماس أو غيرها. الآن، ليفسر لنا المتفذلكون حرص ليبرمان على المجاهرة بهكذا توجه. ونسأل: هل ما يقوله هو الذي يناسب «سلطة دايتون» حسب اللغة التي أقرفت الناس لشدة عفونتها؟! وهل الذي يريده ليبرمان، يخالف ما تريده حماس؟ وهل عندما نقول ذلك بمنطق السياسة نكون بصدد النيل من المقاومة التي تزلزل الأرض من تحت أقدام الصهياينة؟ فمتى يستفيق المخدوعون ويتفكرون ويقرأون جيداً قسمات وعلائم ومآلات المشروع الذي تدفع حماس الشعب والقضية اليه؟
إن الأمر لا يتعلق بغزة وحدها. إنه محاولة نسف لمشروع وحدة الفلسطينيين واستقلالهم، اتضحت مراميها منذ اليوم الأول للانقلاب. إن الأمر، مثلما كتبنا في غير مرة، يتعلق بتأسيس جغرافيا سياسية للإخوان، في أقل 1.5% من أرض فلسطين التاريخية، على شريط ضيق مساحته نحو 364 كم مربع. إن الهدف، هو تعزيز الديماغوجيا «الإخوانية» في المنطقة طلباً للحكم وللتمكين في دائرة أوسع، وهذا هو بالضبط، ما يعرفه ليبرمان ويدفع اليه. ففي الأيديولوجيا الحزبية الدينية، لا وطنيات تُحترم، بل إن الوطنيات أصنام أقل شأناً من تلك التي سافر القرضاوي الى أفغانستان الطالبانية، لكي ينقذها من النسف بالديناميت!
* * *
إن الوفاق الوطني هو شقيق أرواح الوطنيين. فليس أعز من الوفاق ووحدة الصف، ليس على مستوى الشعب وحسب، وإنما على مستوى الأمة كذلك. لكننا ننبه الى ضرورة تحاشي الكارثة التي يمثلها أي أتفاق يُبقي في يد حركة ـ أية حركة ـ القدرة على ممارسة الإكراه والتمرد أو الانقضاض على السلطة الشرعية. فهذه الأخيرة، هي صاحبة الحق الحصري، في ممارسة الإكراه، نيابة عن المجتمع، ولمصلحته، وبالقانون. ففي غزة وانطلاقاً من غزة، جربنا المقاومة المسلحة، ولم تعد تناسبنا، ليس لأننا لا نطرب لكلمة المقاومة ولمصطلح الكفاح المسلح الذي هو من اختراعنا أصلاً؛ ولكن لأننا لا نستطيعه موضوعياً، وحماس تفهم ذلك جيداً. لذا لا يصح، في أية تدابير إجرائية لتنفيذ اتفاق تفصيلي للوفاق الوطني، أن تؤخذ المقاومة ذريعة لاحتفاظ طرف بالحق في الإكراه. بل يتوجب أن نكون واضحين وأن نقول، لن ننجح في تنفيذ أي اتفاق تفصيلي للمصالحة، إن كان هذا الاتفاق سيعطي ضمانات لقاتل، لكي يمنع وصول يد العدالة اليه. إن الاتفاق الذي بات الفلسطينيون في حاجة ماسة اليه، هو ذلك الضامن لنفاذ القانون الذي تنحني له كل الهامات. وهو المستند الى هيبة الجهاز القضائي، ولمُجريات العدالة. وبغير ذلك لا يصح أن نتعب أنفسنا. إن وحدة الأرض الفلسطينية تحت سلطة واحدة، شرعية ومقتدرة، هو هدفنا الذي لن نحيد عنه، وها هو ليبرمان يجاهر برغبته في قطع الطريق لكي يستمر الحمساويون فيما هم عليه
الكاتب عدلي صادق
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر