بقلم: إيناس الطويل
إن الهبة الفلسطينية المسيحية المتمثلة في وثيقة كايروس فلسطين والتي جاءت بعد دراسة مستفيضة امتدت لحوالي العامين والتي أطلقها الفلسطينيون المسيحيون في الحادي عشر من ديسمبر 2009 الماضي، تكمن أهميتها في الجهة الصادرة عنها وفحواها وما تطالب به بكل وضوح ومن تخاطب في هذا التوقيت العصيب داخليا وخارجيا في عمرالقضية الفلسطينية،
فتأتي كايروس فلسطين وبكل جرأة تتسم بالصدق وتنطلق من رحم المعاناة الفلسطينية وتوجه بشكل مباشر من قبل شخصيات دينية مسيحية لاهوتية وشخصيات علمانية مسيحية ذات مصداقية عالية في المجتمع الفلسطيني لتخاطب القادة الدينيين والسياسيين والمجتمع الفلسطيني والمجتمع الاسرائيلي والأسرة الدولية وكل كنائس العالم,
إن جرأة وثيقة كايروس فلسطين تكمن في مخاطبتها لكنائس العالم قاطبة وندائها لهم بالتوبة وإعادة النظر في مواقف لاهوتية أصولية داعمة لمواقف سياسية ظالمة للإنسان الفلسطيني فهي تطالب وبشكل مباشر كل الكنائس في العالم ألا تعمل على إعطاء غطاء لاهوتي للظلم الذي نحن فيه أي كما توصفه كايروس فلسطين لخطيئة الاحتلال المفروض علينا فإن هذه الوثيقة الشاملة تباشر كلماتها لكل كنائس العالم نصا بقولها: إنه لا يجوز تحويل كلمة الله إلى أحرف جامدة تشوه حب الله وعنايته في حياة الشعوب والأفراد ,وبصوت غاية في الوضوح تبين كايروس فلسطين أن هذا الخطأ في التفاسير الكتابية الأصولية أدى إلى جلب الموت و الدمار للفلسطينيين عندما جمدت كلمة الله التي نؤمن أنها كلمة حية فلا يجوز تحويل كلمة الله الى إحرف جامدة تشوه حب الله وعنايته في حياة الشعوب والأفراد فتسلمها إلى الأجيال المتتالية كلمة ميتة يستغلونها أبشع استغلال كسلاح يحرم على الفلسطيني أرضه أرض آبائه وأجداده,
فإن المنطلق الإيماني الذي تنطلق منه كايروس فلسطين أن للأرض التي خلقها الله رسالة كونية شاملة لا تستثني أحدا من الجنس البشري وعندما نفهم بأمانة ونفسر بصدق هذه الشمولية نصل إلى حقيقة مجردة لا لبس فيها أن مفاهيم الوعد والأرض والاختيار وشعب الله تشمل كل الجنس البشري منذ بدء الخليقة فتعلن كايروس فلسطين وبوضوح لا غموض فيه وحرفيا للعالم وكنائسه:أنه في ضوء تعاليم الكتاب المقدس فإن الوعد بالأرض لم يكن يوما عنوانا لبرنامج سياسي ليتخذه الاحتلال الاسرائيلي ذريعة فيصبح الوعد نذير شؤم بقتل وطرد و تشريد الفلسطيني من أرضه التاريخية الدينية المقدسة فقد أرسل الله إلى هذه الأرض الآباء والأنبياء والرسل يحملون إلى العالم رسالة كونية شاملة فاليوم نحن فيها ثلاث ديانات اليهودية والمسيحية والاسلام, فكما تعلن كايروس فلسطين إدانتها لكل أشكال العنصرية الدينية منها والعرقية بما فيها المعاداة للسامية وكراهية المسلمين (الاسلاموفوبيا) فهي تدعو كل العالم لإدانتها وفي الوقت نفسه تدعو إلى قول كلمة الحق واتخاذ موقف الحق من الاحتلال الاسرائيلي لأرضنا الفلسطينية,
وتنطلق كايروس فلسطين برصد دقيق للواقع المأساوي الذي تعيشه أرضنا الفلسطينية جراء الاحتلال الاسرائيلي الوحشي الذي وصفته حرفيا الوثيقة بأنه خطيئة ضد الله وضد الإنسان ,فتفند الوثيقة وباستفاضة واقعنا الفسطيني الأليم متطرقة إلى هذا الاحتلال البغيض الذي حرمنا كفلسطينيين حريتنا وما نتج عنه من عواقب وخيمة فندتها الوثيقة كما يلي :
رسخت هذه الوثيفة أن الجدار الفاصل الذي يقيمه الاحتلال عنوة على أرضنا تسبب في مصادرة قسما كبيرا من أرضنا التاريخية فجعلنا نسكن في سجون منفصلة متمثلة بقرانا ومدننا التي أصبحت اشلاء متبعثرة,وسلطت هذه الوثيقة الضوء على قطاع غزة وما تعرض له من حرب وحشية امتدت اثارها وما زالت إلى حصار ظالم يعاني منه أهلنا في قطاع غزة حتى اللحظة,
إن هذه الوثيقة التي تخاطب كنائس العالم لتضعها في الصورة الحقيقية لما يحدث على الارض الفلسطينية تطرقت و بكل وضوح إلى قضية الاستيطان الاسرائيلي و الذي وصفته بأنه ينهب أرضنا بقوته المتغطرسة مستغلا الدين أسوأ استغلال, فقد حان الوقت كما ترى هذه الوثيقة أن يعلم كل العالم بالمذلة التي يلاقيها الفلسطيني عند الحواجز الاسرائيلية العنصرية يوميا وأن يدرك العالم الفصل الذي نعاني منه وحرماننا للوصول لمقدساتنا التي حرمها علينا الاحتلال كمسيحيين و كمسلمين ,وحملت لهم في صرختها الايمانية أن أصحاب حق العودة لا يزالون ينتظرون عودتهم جيلا بعد جيل وأن آلاف الأسرى يقبعون في السجون الإسرائيلية بينما إسرائيل تقلب العالم رأسا على عقب لتحرير أسير واحد,وتحدثت لهم عن الواقع الاليم لقدس أقداسنا وجريمة تفريغها من سكانها الأصليين الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين عبر هدم بيوتهم و مصادرتها,ودقت ناقوس الخطر أمام العالم العربي ومجموع الأسرة الدولية وكنائس العالم لأن يتخذوا موقفا ضد هذا الاستخفاف الاسرائيلي بقرارات الشرعية الدولية, وقد ركزت وثيقة كايروس على معاناة أهلنا فلسطينيي 48 الذين ما زالوا يعانون حتى اللحظة أشد المعاناة من سياسات التمييز ضدهم,
وفي موضوع المقاومة توضح كايروس فلسطين أن الدين المسيحي قائم على المحبة فهي وصية السيد المسيح لنا فالمحبة هي رؤية وجه الله في كل إنسان و لكن رؤية وجه الله في كل إنسان لا تعني قبول الشر أوالاعتداء من قبله بل تقوم المحبة بإصلاح الشر ووقف الاعتداء ,فالمحبة في المفهوم المسيحي هي محبة الإنسان لأرضه ومن هنا وجبت المقاومة لكل من يريد سلب أرضنا عنوة وظلما, فقد أقرت هذه الوثيقة المشرفة أن الاحتلال هو السبب الاصلي في وجود مقاومة فلسطينية فبحسب الوثيقة نعم هناك مقاومة فلسطينية مشروعة لاحتلال إسرائيلي ظالم وبغيض لإنهائه ووضع حد له ولو لم يكن الاحتلال لما كانت المقاومة ,وتدعو صراحة الاحتلال الى إنهاء احتلاله لأرضنا التاريخية ليلقى الأمن والسلام ,وتذهب هذه الوثيقة إلى أبعد من ذلك في تناولها لموضوع المقاومة فترسخ أن خيارنا المسيحي في وجه الاحتلال الاسرائيلي هو المقاومة فالمقاومة حق وواجب على المسيحي للوصول الى الهدف المنشود الى استرداد الارض و الحرية و الكرامة والاستقلال ,فتدعو هذه الوثيقة التاريخية الأسرة الدولية وكل كنائس العالم أن تعلن حملات المناصرة للقضية الفلسطينية بصدق وجدية وعلانية بالمقاطعة الاقتصادية والتجارية لكل ما ينتجه الاحتلال وسحب الاستثمارات منه وإلى كل أشكال المقاومة السلمية التي تصب في خدمة قضية الحق وإرجاع الحق الى أصحابه وترسخ حقيقة أن جذورالإرهاب تكمن في شر الاحتلال,
كما تحمل كايروس فلسطين رسالة محبة وعيش مشترك للمسلمين في العالم وتدعو العالم الى التعامل مع العالم الاسلامي على أساس انهم هدف سلام و عنوان حوار,
وتبعث كايروس فلسطين برسالة الى اليهود مفادها أن بإزالة الاحتلال يحل العدل و السلام,
وفي كلمتها للأسرة الدولية تطالب كايروس فلسطين بالكف عن الكيل بمكيالين وبتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية على كل الأطراف وتدعو الى البدء بتطبيق نظام العقوبات على اسرائيل لإسقاط هذا النظام العنصري لا للانتقام ولكن لأجل التوصل الى سلام عادل و نهائي,
وبالنسبة للوضع الداخلي والانقسام الأليم لم تغفل كايروس فلسطين هذه النقطة الغاية في الأهمية حيث وجهت كلمتها للقيادات الفلسطينية بأن الانقسامات الداخلية هي إضعاف لنا وسبب لمزيد من المعاناة وفي نفس الوقت وضعت الأسرة الدولية عند مسئولياتها في موضوع الانقسام بالمساعدة على إعادة هذه الوحدة وباحترام إرادة الشعب الفلسطيني كما يعبر عنها بحريته,
و بعد هذا التأمل و القراءة المستفيضة في وثيقة كايروس فلسطين لابد لنا من العودة تاريخيا لوثيقة كايروس جنوب أفريقيا والتي كتبت بواسطة مجموعة من القساوسة و اللاهوتيين في سويتو بجنوب أفريقيا حيث لم يعلن عن أسمائهم رسميا ولكن الكثير يعتقد أن هذا القرار الواعي بعدم الإعلان رسميا آنذاك عن أسماء كاتبيها جاء لأسباب أمنية حيث أن تظام التفرقة العنصري في جنوب أفريقيا آنذاك عرف بمضايقته التي تصل إلى حد الاعتقال والتعذيب لرجال الدين الذين عارضوا حكومة النظام العنصري,وإنه على الأغلب وحسب دراسات مختلفة فإن الأب فرانك تشيسكان راعي الكنيسة الخمسينية والأب ألبرت تولان من كنيسة الروم الكاثوليك وعدد آخر من رجال الدين هم من كان وراء تلك الوثيقة المشرفة التي أعلن عنها رسميا في العام 1985 بتوقيع أكثر من 150 من قادة الكنيسة و التي دعت إلى العصيان المدني والنضال لأجل الحرية والعدل,وقد أثارت تلك الوثيقة ردود فعل قوية وجدالات عميقة وجادة في مختلف كنائس العالم ونجحت كونها أحد أهم الأدوات التي أسقطت نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا حيث أدان أكثر من 150 من رجال الدين الموقعين على تلك الوثيقة نظام الفصل العنصري وهذا ما سمح بعودة المؤتمر الوطني الأفريقي بعد تسلم دي كليرك الحكم عام 1989 ووضعت نهاية لهذا النظام الظالم بعد انتخابات 1994 والتي جاءت بالزعيم نيلسون مانديلا رئيسا لجنوب أفريقيا هذا القائد العظيم الذي لعب دورا سجله التاريخ بأحرف من نور في تحرير جنوب أفريقيا من الاضطهاد والفصل العنصري والذي قاسمه ذلك الدور الرئيس السابق لأساقفة جنوب أفريقيا الحائز على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو والذي نقد بكل قوة النظام العنصري في ذلك الوقت و نصر نيلسون مانديلا في سجنه السياسي انطلاقا من استلهامه لأفكار نظيره الأمريكي داعية حقوق الإنسان في الستينات مارتن لوثر كينغ,
ومن هنا يتضح أن وثيقة كايروس جنوب أفريقيا هي مثال حي لمنهج التحرير وقد قادت إلى وثائق مماثلة تدعو الى الحرية والعدل في بلدان كثيرة مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا وزيمبابوي والهند وآخرها فلسطين,
وبالعودة إلى وثيقة كايروس فلسطين التي بدأت بإثارة جدل و نقاشات في الكنائس الهولندية والكندية والأفريقية والأمريكية اللوثرية والأمريكية اللاتينية والتي من المتوقع أن تثير جدلا أكثر في الأسابيع والأشهر المقبلة في مختلف الأوساط الكنسية والعالمية،فإن المسئولة حاليا تقع على عاتق المجتمع الفلسطيني المسيحي أولا لمواصلة التوقيع على هذه الوثيقة والمسئولية تقع في نفس الوقت على المجتمع الفلسطيني بمسيحييه و مسلميه بمؤسساته الرسمية والمدنية بالعمل الداعم لوثيقة كايروس فلسطين سواء بالتعريف عنها بكل الوسائل المتاحة المقروءة والمسموعة والمرئية وبعقد ندوات تثقيفية عنها ودراسات تفصيلية لها وصولا إلى كل أشكال الدعم والاحتضان من كل مؤسسات مجتمعنا الفلسطيني في كل مكان لتحقق كايروس فلسطين هدفها الذي وجدت من أجله أولا وهو فضح تشويه الاحتلال لنصوص دينية مسيحية لاهوتية يستغلها لقتل وطرد وتشريد وحرمان الفلسطيني من مقدساته وأرضه فلسطين،وثانيا بمقاطعة العالم بكل كنائسه للاحتلال الإسرائيلي البغيض وإنزال العقوبات على إسرائيل حتى يسقط هذا النظام الاحتلالي العنصري البغيض و ليتحقق حلمنا كفلسطينيين مسلمين ومسيحيين بعودة الحق إلى أصحابه بعودة أرضنا التاريخية فلسطين بعاصمتها الأبدية قدس أقداسنا،
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر