بقلم: د.يوسف عبد الحق
حين تشكلت السلطة الفلسطينية أعلنت بشكل قاطع بأن نظامها الاقتصادي هو "الاقتصاد الحر" وهو المصطلح التجميلي للمصطلح الحقيقي "الاقتصاد الرأسمالي" والهدف معروف بالطبع لدارسي الاقتصاد وهو إخفاء حقيقة الاستغلال البشع للرأسمالية الذي فصله بوضوح وصدق المنهج الماركسي في تحليل رأس المال، وبذلك تم وضع الاقتصاد الفلسطيني منذ البداية تحت رحمة القهر المركب من هوامير المال الفلسطيني المستغل للوطنية ومن سياسة الاحتلال الاقتصادية الناهبة للموارد الفلسطينية بحكم سيطرتها المطلقة على كل شيء في مناطق السلطة الفلسطينية.
في ظل هذا الفهم يمكن قراءة سياسة الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في مجال العدالة الاجتماعية والتي ترتكز باستمرار على علاج أو بالأصح على تسليك مشكل الفقر الناتج المنطقي عن النظام الرأسمالي المعتمد، وذلك دون الخوض في عمق المشكل باعتباره ناجما عن استغلال من يملكون لمن لا يملكون. في سياق ذلك يتضح جوهر ما نشرته صحيفة القدس المقدسية في 15/2/2010 عن برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية الحماية الاجتماعية للفقراء، حيث نجد أن مفاهيم " صعلوك النهب الدولي" عفوا صندوق النقد الدولي التي فشلت فشلا ذريعا في كل بلد وقع فريسة له مثل المغرب ، مصر والأردن على المستوى العربي، وتتمثل هذه المفاهيم في الإعانات الاجتماعية التي لا تكفي الأسرة خبزها وصناديق ملهاة المشاريع الصغيرة التي لا تملك إلا نزرا يسيرا من التمويل يكاد لا يعلم على إصبع المشكلة الحقيقية للفقر.
يتحدث برنامج الحماية الاجتماعية المذكور أعلاه عن أفكار نظرية جميلة وبراقة لكنها بعيدة عن الحقيقة التي تنحتها الأرقام على أرض الواقع، تقول أرقام المراقب الاقتصادي في عدد ديسمبر 2009 أن الفقر يقدر بحوالي 31% من السكان البالغ عددهم حوالي 4 ملايين نسمة أي بواقع نحو 660 أسرة، أي أن الأسر الفقيرة تبلغ أكثر من 200 أسرة، حصل حوالي 50 أسرة منها فقط على مساعدات بقيمة لا تتجاوز 330 شيكل شهريا لا تكفي فعلا رغيف الخبز، في حين بقي الباقي في براثن الفقر ناهيك عن اسر أخرى لم ترد في ارقام المراقب الاقتصادي نظرا لصعوبة الدقة في حساب أعداد الفقراء، إذ تقدر بعض الدراسات الدولية بان الفقر يتجاوز 50% من السكان. وتقدر المساعدات النقدية المتوقعة للأسر الفقيرة عام 2010 بحوالي 60 مليون دولار، وإذا خصص للأسرة الفقيرة في المتوسط نصف دخل خط الفقر البالغ سنويا أكثر من 6 آلاف دولار فإن عدد الأسر المستفيدة لا يمكن أن يتجاوز 20 ألف أسرة أي اقل من 10% من الأسر الفقيرة.
نقطة أخرى حول برنامج الرائد للمشاريع الصغيرة الذي يديره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، يفترض أن تنتقل إدارته لوزارة الشؤون الاجتماعية هذا العام، تشير التقديرات النظرية أنه من خلال تمويل المشاريع الصغيرة سيمكن الرائد 4000 أسرة من الخلاص من الفقر سنويا، لا أريد أن أناقش في مصداقية هذا القول بالرغم من أن النتائج في الدول الأخرى هي عكس ذلك، لكن أشير إلى أن المشروع في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2008 لم يقدم قروضا إلا لحوالي 2000 اسرة فقط وفق ما صرح به وزير الشؤون الاجتماعية السابق في حينه، ومع ذلك وعلى فرض أنه تمكن من تحقيق تقديراته أي إنقاذ 4000 أسرة سنويا، فإن ذلك يعني أننا بحاجة إلى 50 سنة للسيطرة على الفقر الحالي، ناهيك عن حالات الفقر الجديدة المتراكمة بسبب تزايد قوة العمل بمعدل 3.5 % سنويا وضعف بل أحيانا سلبية معدل نمو التشغيل.
أما ألأدهى والأمر هو أن المانحين هم الذين سيمولون الحماية الاجتماعية للفقراء الفلسطينيين، كيف نصدق ذلك، لا أدري، ولماذا لا يتم تمويل الحماية الاجتماعية من الواردات الفلسطينية المحلية التي لا تقل عن 1.6 مليار دولار بما فيها المقاصة، أظن أنه إذا كنا نعي الدور الحاسم للعدالة الاجتماعية في تحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة، لا بد لنا من تمويلها من مواردنا الذاتية، وهذا لا يقتصر فقط على الإيرادات المحلية المتحققة حاليا بل لا بد من إعادة النظر في السياسة الضريبية الفلسطينية التي تلاحق الكادحين تاركة رأس المال المستغل يسرح ويمرح، فقد نشرت الصحف مؤخرا أرباح أحد البنوك البالغة أكثر من 20% من رأسماله ، شيء لا يصدق ، بنوك في أمريكا وأوروبا تفلس بالعشرات والمئات وبنوكنا تحقق معدلات ربح عالية خياليةـ هل يمكن أن يتم ذلك بغير استغلال الوطن والمواطن؟ إنه دين الدولار الذي نتوهم في هذه الوزارة أو تلك بأنه سيحقق لنا الحماية الاجتماعية، إن المطلوب من الجميع التكاتف لوقف هوامير المال الفلسطيني عند حق الكادحين في العدالة الاجتماعية لا في الحماية الاجتماعية، بذلك نضع القدم على أول طريق الحرية والاستقلال والعودة.
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
» مبارزة شعرية .......
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
» أتثائب... عبلة درويش
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918