ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

ملتقى أجراس العودة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى أجراس العودة

سياسي، ثقافي ، اجتماعي، إخباري


    العرب بين البداوة والحضارة

    شقائق النعمان
    شقائق النعمان
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    انثى الحمل جنسيتك : اردنية
    نقاط : 95
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 04/03/2009

    العرب بين البداوة والحضارة Empty العرب بين البداوة والحضارة

    مُساهمة من طرف شقائق النعمان الثلاثاء 10 نوفمبر 2009, 12:26 pm

    أ.د. يحيى عبد الرؤوف جبر


    أثارت هذه المقالة ضجة أول ما نشرت؛ فقد بادر الأخ س.الرفاعي إلى نشر مقالة مضادة في صحيفة الزحف الأخضر التي تصدرها حركة اللجان الثورية الليبية تحت عنوان" متى يخرج الثوريون من حفرهم" يريد منهم ذلك لمحاكمتي إذ تجرّات على نشر هذا الفكر " المتخلف " من وجهة نظره، فرددت عليه في الصحيفة نفسها بمقالة عنوانها" دستور يا سيدي يا رفاعي"، وإني لأرجو أن أنشرهما في ما بعد.




    إذا كان الاستقرار مدخل البشرية إلى الحضارة المادية، فإن التنقل والبداوة مدخلها إلى حضارة القيم والمثل. وما أكبر ما بين المادة والقيم، هذه تؤدي إلى التسامي، وتلك تقود إلى الحضيض. وفرق بين قمة الجبل وأخمص قدمه.

    وقد كان العرب أبناء أم قاسية؛ هي الطبيعة. كانت تقلبهم وتكيفهم، ولا تستقر بهم على حال، فهم دائمو التنقل والترحال في معظم أنحاء الجزيرة العربية، إلى حد غير بعيد من هضبة الأناضول. فلا عجب إذا، أن تكون كلمة "عرب" مشتقة من المادة نفسها التي اشتقت منها كلمة "أعراب" التي تحمل معنى البداوة وعدم الاستقرار. ولا عجب أيضا، أن جاءت لغتهم لغة الطبيعة والفطرة البشرية. وأن كان أدبهم خير ما يعبر عنهما؛ سواء أكان ذلك على نحو مباشر أم لم يكن. ولا عجب، أيضا، أن جاء في تراثهم ما يؤكد اعتزازهم بالبداوة وتقاليدها. فلم تغرهم بهارج المادة، ولم تجذبهم الحياة المستقرة، فتجعلهم يهجرون نمط الحياة البدوية، بل لم يعيروها أدنى اهتمام، وكانوا ينفرون منها ويؤثرون عليها حياة الزهد والتقشف.

    وفي وقتنا الحاضر، فإن مشكلة تحضير البدو "توطينهم" تعد أكبر "المشاكل" التي تواجه بعض الأقطار العربية، لكأنّ البدو يرون في توطينهم، طي أكثر صفحات الحياة البشرية إشراقا، وأكثر ها حيوية .. أليسوا دائمي الحركة، والحركة دليل الحياة؟! أوليس الاستقرار، شأن أهل الحواضر، ضربا من السكون، والسكون علامة الموت؟!

    ولست أوافق الذين يرون أن الماء هو الذي تحكم في رسم خريطة الحياة البشرية في بلاد العرب على نحو واحد في الزمان والمكان. نعم، إن للماء مكانته فهو أساس الحياة، ومصداق ذلك قوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، ولذلك منّ الله على الناس بما ينزل من السماء من ماء أسماه رحمة، حيث قوله: "هو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته"، وقد سمعت التهاميين يخاطب بعضهم بعضا عقب نزول المطر بقولهم: تباركن امرحمة، أي تباركت الرحمة يطمطمون. لكن ! كيف نفسر عدم استقرار معظم العرب في العراق أو في مصر، حيث المياه الجارية بكثرة تكفي ملايينهم الحاضرة .. كيف نفسر إطلاق كلمة ـ أرابيا ـ في القبطية على الضفة الشرقية من نهر النيل، وما والاها من سيناء؟ لكأنّ ثمة شيئا آخر، أعمق، يتحكم في توجيه نمط الحياة ..

    ولو كان الماء ووفرته، هما السبب في استقرار الناس وتحضرهم لما بقي على ظهرها بدوي منذ أمد بعيد!

    إذا، ما السبب؟! لقد فطر الله الناس على طباع مختلفة، فمنهم من يكره الاستقرار، لن الحياة هي الحركة، وكلما زادت الحركة زادت الحياة. أرأيت إلى الدم المتحرك في موضعه من البدن ـ كيف إذا توقف؟ والهواء المتحرك في موضعه من جهاز التنفس ـ كيف إذا توقف؟ بل كيف إذا توقفت الشمس عن السباحة في فلكها؟!.. ومن الناس من يحب السكون والخلود إليه، فأولئك هم الأحياء الأموات، مصداقا لقول الشاعر الحكيم:

    ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
    ويطلعنا الأدب العربي على عدد جم من الشواهد التي يمكن أن نتكئ عليها في تعضيد ما ذهبنا إليه. أليس في خبر ميسون بنت بحدل الكلبية ما يؤكده؟ لقد تزوجها معاوية بن أبي سفيان الخليفة الملك الأموي، ونقلها إلى دمشق، حيث الماء والخضراء و "الحضارة" لكنها كرهت بقاءها هناك، فلم تلبث حتى باحت بتبرمها والرغبة في العودة إلى البادية، فعبرت عن ذلك بأبياتها المشهورة:


    لبيت تخفق الرواح فيه أحب إلي من قصر منيف
    ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف
    وكلب ينبح الطرّاق عني أحب إلي من نقر الدفوف
    مما حمل معاوية على تسريحها بإحسان. وأنت ترى أنها تفضل ما ذكرته في صدور أبياتها على ما جاء في أعجازها. والأول من البيئة البدوية والثاني من البيئة الحضرية.


    إن الحضارة المادية ـ من وجهة نظر شخصية ـ قائمة على فلسفة الطعاميين والنفعيين، الذين يؤثرون الظاهر على الباطن، والمحسنات البديعية على المعاني ، الذين يميلون إلى الأخذ بأهون الأمور وإن لم يؤدّ إلى الغرض المطلوب على نحو وافٍ، أما رأيت حشم المتوكل وقد هموا بقتل علي بن الجهم الشاعر البدوي عندما مدحه بقوله:

    أنت كالكلب في حفاظك للودّ وكالتيس في قراع الخطوب
    بينما لم يجد القوم سوءا في مدح عمرو بن معد يكرب الزبيدي لخصمه بقوله:


    نازلت كبشهم ولم أر من نزال الكبش بدا
    أولئك قوم كانوا أقرب إلى الله من نواحٍ كثيرة لولا جهالتهم .. كانوا يأخذون بالنوايا والبواطن. إن البادية هي منبع الخصال الحميدة، كالكرم والوفاء والمروءة والنجدة وغيرها مما أقره الإسلام .. وهي أم الأنبياء، أفما ترى أن الله ما بعث نبيا إلى رعى الغنم؟ هذا وذلك لأن البداوة تقوم على فلسفة التسامي ما أمكن ذلك من نفسه، فلسفة تقوم على العلم بأن "كل" نعيم لا محالة زائل.


    ونقف قليلا عند قوله تعالى: "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" .. حيث الحث على السير في الأرض واضح من الله تعالى لعباده، للتبصر والاعتبار والتأمل. وهذه أمور البدو أولى بها من الحضر، لأنهم أكثر صفاء، وأدنى إلى الحكمة، ذلك بأن السير في الأرض ديدنهم ودأبهم.

    سمعت قصيدة شعبية لشاعر من الجبل الغربي في ليبيا ترجم فيها مشاعره تجاه البادية وتذكره من الإقامة في البيوت المسقوفة " بين سقف واربعة حيطان" . لأن ذلك يحول بين ناظريه والآفاق الفسيحة، فلا تجد ما تقع عليه مما يبعث التأمل ويطلق عنان الفكر.

    ويقف دارس الأدب العربي على كثير من الشواهد التي تعكس أنفة العرب عن الحضارة المادية، وأنهم كانوا يؤثرون البداوة عليها رغم المشقة وشظف العيش، ولذلك كانوا ذوي بأس شديد، ما حوربوا أو حاربوا إلا كان النصر حليفهم، فهذا هو القطامي التغلبي يفاخر ببداوته، ويهزأ بالحضارة وأهلها، حيث قوله:

    فمن تكن الحضارة أعجبته فأي رجال بادية ترانا
    أي ... إن كان ثمة من يباهي بأنه حضري، فنحن نباهي ببداوتنا ونفخر عليه بذلك.


    وإن البدو لعلى حق في تعلقهم بالبادية، فهي خير من المدينة في نواح كثيرة، نذكر منها ملاءمة هوائها للصحة، وقلة الأوبئة التي يمكن أن تنتشر فيها، وقد نبه إلى ذلك بعضهم في الجاهلية، الأمر الذي نجده واضحا في قول كعب بن سعد الغنوي، وقد مرض أخوه:

    وحدثتماني أنما الموت بالقرى وكيف وهاتا هضبة وقليب؟
    قال البكري: "إنه قد قيل له اخرج بأخيك من الأمصار فيصح" أي من المدن والقرى، لأنهم كانوا يعتقدون أنها غير صحيحة، وإنها لكذلك.


    والبدو يكرهون الفلاحة والفلاحين ... لأن الزراعة تؤدي إلى الاستقرار. وهم يعيرون سكان المدينة بالبخل، وإنها لحقيقة نسبية، وإن كثيرا من القيم انتفت من الممارسات الاجتماعية المدنية، بينما هي حية إلى يومنا الحاضر في البوادي العربية.

    وأذكر أنني حججت بيت الله مع نفر من بدو قحطان الذين ينتقلون في النواحي الشمالية الغربية من الربع الخالي، فلما جئنا الطائف في طريقنا إلى مكة، إذا بيمني بباب مطعم ينادي: تفضلوا تفضلوا (أي للطعام بثمن) ... وكنا جياعا، فدخلنا ولما انتهى أحد الصحبة من تناول طعامه، استأذننا وخرج ولم يدفع ثمنا ... فلحق به العامل ... وطلب منه الثمن. فقال مستهجنا: ثمن ماذا؟ قال: ثمن الطعام الذي أكلت. قال: أولم تكن تنادي تفضلوا. تفضلوا؟ قال: بلى. قال: فكيف يكون هذا؟ تعال عندي وأنا أذبح لك شاة دون مقابل ... تخسأون يا أهل المدن ... فأدركنا ما يجري بينهما فتداركناهما بدفع الحساب.

    إن البدوي لفخور ببدويته، حيث يجد فيها ما يعبر عن المعاني السامية والقيم الطبيعية التي يعتز بممارستها، وبأنها ما تزال حية في بيئته، وقدسمعت شاعرهم في المشرق يقول:

    ألا بارك الله في فلاح تبدوى ولا بارك الله في بدوي تفلح
    يدعو بالبركة للفلاح يترك أرضه ويعتزل قريته، وينصرف للحياة الفطرية، حياة البداوة. ويدعو بعكس ذلك للبدوي الذي أغرته حياة الاستقرار فعزف عن بداوته وتقاليدها، ومال إلى حياة الدعة واللين.


    ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث يقفنا قول أبي الطيب المتنبي:

    حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب
    ـ يقفنا على حقيقة كبيرة تتمثل في نظرة العربي ـ بعامة ـ إلى المعايير الجمالية، فالحسن في البيئات الحضارية غير طبيعي، وإنما يتم بوساطة التطرية "والمساحيق وألوان الحرباء" بينما هو حسن طبيعي في البادية، ولم تمتد له يد العطار ولا يد الحلاق، وحيث لا واصلة ولا منمصة ...


    لقد كان الطبع العربي، حتى طبع أولئك الذين استقروا في الأمصار ـ كان أقرب إلى البداوة منه إلى الحضارة. لأن البداوة ليست بالضرورة خلاوية صحراوية، فقد يحياها الإنسان في الأوساط المتمدنة، ذلك أنها سلوك أكثر منها نمطا حياتيا مقترنا ببيئة محددة.

    ويتكشف ذلك واضحا في بائية أبي نواس ـ وكان شعوبيا ـ التي رفع بها الفرس قومه، وحط فيها من قدر العرب استنادا إلى أمور كان يراها مثالب يمكن أن يعيروا بها! وهي أنهم بدو، وأن طبيعة بلادهم قاسية، وأنهم يشربون اللبن .. ونحو ذلك حيث قوله:

    دع الأطلال تسفيها الجنوب وتبلي عهد جدتها الخطوب
    وخلّ لراكب الوجناء أرضا تخب بها النجبيبة والنجيب
    فأين البدو من إيوان كسرى وأين من الميادين الزروب
    بلاد نبتها عُشَرٌ وطلح وأكثر صيدها كلبي وذيب
    إذا راب الحليب فبل عليه ولا تحرج فما في ذاك حوب
    حيث الحملة موجهة ضد العرب جميعا، وحيث نعتهم بالبداوة، بالرغم من أن كثيرا منهم كانوا حضارا في العراق والشام واليمن وغيرها.


    ولم يغفل ابن خلدون هذا الموضوع في مقدمته، فعرض إلى الطبع العربي، ووصف العرب بأنهم أميل إلى البداوة منهم إلى الحضارة، وفي نظري أن ذلك من حسناتهم، فاستنادا إلى الواقع، وإلى رأي ابن خلدون، وغيره، وإلى سنة الحياة ـ نجد أن الحضارة وهي مادية في معظم جوانبها، تؤدي إلى طريق واحد هو مجافاة الفطرة وفساد الطبع، وهذه أمور ليست مما يُحمد، ذلك أن الإنسان ابن بيئته الطبيعية، والحضارة المادية تجعل البيئة صناعية، قد يعتادها أبناؤها!...لكنهم سيكونون "صناعيين" لا "طبيعيين".

    ومن هنا نجد أن بعض المجتمعات المتحضرة أخذت تشهد ظواهر انتكاسية غير مألوفة، كظاهرة "الهيبز" في المجتمعات الغربية، وظاهرة الهجرة المعاكسة إلى المدن والأرياف في بعض البلدان المتحضرة. ذلك يبين إلى أي حد بلغ الفساد في الفطرة والطبع الإنساني في البلدان المتحضرة.

    ولئن كان الإنسان مدنيا بالطبع ـ كما قال ابن خلدون ـ فإنه بدوي أصلا، ثم إنه بدوي في النهاية باختياره. فها هو قد بدأ يترك المدينة إلى الأرياف في نزهات أو إقامات قد تقصر وقد تطول، وبدأ يعتدل في تحضره، ومن يدري، فقد يستمر ذلك حتى يرجع الإنسان إلى ما كان عليه في عصور التجول.

    وانظر إلى سلامة الطبع والفطرة عند الأعراب، حيث ينامون مع الطبيعة ويستيقظون معها، وحيث شرابهم نقي، وهواؤهم خال من المكدرات الحضارية، وطعامهم جني إلا ما اضطرتهم الظروف إلى تقديده من لحم أو تخزينه من أقط.

    وقد أخبرني أحدهم حديثا لعل العلم يصدقه، هو أن المرأة البدوية قد تستمر في الحيض إلى ما بعد الخامسة والخمسين، وهذا يعني أنها قد تنجب في هذه السن المتقدمة... اولم تنجب سارة يعقوب وزوج زكريا يحيى وهما عجوزان؟ وقال إن المرأة الريفية قد تحيض بعد الخمسين، وأن حيض الحضرية ينقطع ما بين الأربعين والخامسة بعدها.

    ومرد ذلك كله إلى الحركة الدائبة والنشاط المستمر ... وهذان يتطلبان قوة وينميان قوة. والقوة ليست قوة العضلات وحسب، وإنما هي القدرة على التفكير والتخلص من المآزق وإيجاد الحلول لها، أيضا، فالعقل السليم في الجسم السليم ... وهاتان القوتان متلازمتان، وهما اخص بالرجل منهما بالمرأة، ولمثلهما خلق الرجل، أما المرأة فحسبها ما في الحمل والحيض والحضانة من شواغل لا تمكنها من القيام بأكثر من شئون الأسرة الداخلية. وأنت ترى أن اشتغال المرأة المعاصر بأمور ليست من قبيل ما تقدم، قد تم على حساب الطفل الأسرة وسعادتها، وهذا أمر غير طبيعي، لأنه ناجم عن أمر مخالف للفطرة.

    إن الفارق الفطري بين الرجل والمرأة يوضح معنى قوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض في الرزق" ذلك أن الرزق لا يكتسب بسهولة حتى بالنسبة للرجال، إذ لا بد من العمل لاكتسابه، الأمر الذي يتنافى مع ما فُطرت المرأة له من عمل: الحمل والتربية والقيام على شئون الأسرة الداخلية، ومع ما فطرت عليه من خلق جسماني، لا يمكنها من القيام بكثير من العمال، لأنها تحتاج لمجهود لا تقوى عليه، أو لأنه لا يتناسب مع أنوثتها، حيث يفقدها ذلك العمل كثيرا من رقتها وبهائها.

    ومن هنا كانت نظرة كثير من العرب إلى المرأة نظرة انتقاص لشأنها، ذلك لنقص قوتها، أي لأنها لا تقدم شيئا يذكر إزاء ما يقدمه الرجل للأسرة وهي أحد أعضائها ـ ذلك من وجهة نظرهم ـ .

    فقد وجدناهم في الجاهلية يئدون البنات، "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم" ووجدنا كفرتهم يجعلون لله البنات ولهم البنبن ... إلى غير ذلك مما تطالعنا به آيات القرآن الكريم.

    ثم هذا هو أبو العلاء المعري، بعد ذلك، يذم المرأة بأبيات نذكر منها:

    إذا بلغ الوليد لديك عشرا فلا يدخل على الحرم الوليد
    ألا إن النساء حبال غيّ بهنّ يضيع الشرف الرفيع
    وقد سمعت بدو المشرق يقولون: معرفة الرجال تجارة، ومعرفة النساء خسارة. ومثله عند عرب جنوب الجزائر، حيث قولهم: معرفة الرجال كنوز، ومعرفة النساء خنوز. وقريب منه قولهم في زوارة غرب ليبيا:


    لافي البحر واد معلوم

    ولا في الشتا ليل دافي

    ولا في النساء واسطة خير

    ولا في العدو قلب صافي

    ومثله قولهم في منطقة درنة شرق ليبيا:

    ولا في البحر ينجهر بير

    ولا في النسا طيبة خير

    إلى غير ذلك مما يصعب حصره، نجده فيكتب التراث والآداب الشعبية، وإنه لعجيب أمرهم فيما أجمعوا عليه.

    كان الجاهليون يقتلونهن، فحرّم ذلك الإسلام، ورفع شأنهن وأعطاهن حقوقهن كاملة ... لكن القوم عادوا فانتقصوهن معممين، إنني أعتقد أن المر راجع إلى سيطرة نزعة جاهلية ما تزال حية في النفسية العربية. عن البداوة الجاهلية التي كانت ترسم صورتها بيد الأقوياء، مستخدمين الضعفاء من الرجال، والنساء والولدان، أداة لذلك ... هي التي أدت إلى هذا الموقف من المرأة ... فكأن ما جاء به الإسلام من حكم مناف لذلك ـ لم يستمر مفعوله في الممارسات الاجتماعية، فانتكس القوم إلى ما كان عليه أجدادهم في الجاهلية.

    ولم يُذم الأعراب في القرآن لأعرابيتهم، إن قوله تعالى "الأعراب أشد كفرا ونفاقا ..." مقصود به مقارنة كفارهم بغيرهم من الكفار وليس وصفهم بذلك على نحو مطلق. وإن سيئات أعراب الجاهلية لا علاقة لها بالبداوة، وإنما هي ناجمة عن جهالة، كانت في الحاضرة ابرز منها في البادية.

    ولعل موقفهم من المرأة؛ ان يكون الرجل اولا ثم هي ثانيا، موقف فطري سليم، وقد أقره الإسلام، ولكن ليس على نحو مطلق، أحيانا يكون هو الأول وهي ثانيا في بعض المواقف والشؤون، وأحيانا العكس؛ مثل أي الناس أحق بحسن صحابتي أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك وغير ذلك.

    أما أن يُنظر للمرأة نظرة انتقاص للنقص في قوتها، فذلك موقف مجانب للصواب؛ لأن المرأة خُلقت هكذا، ولا يجوز أن تجمل عاقبة ما ليس لها فيه يد، لكننا نعتذر لهم بأن ذلك لم يكن منهم إلا في ظروف طبيعية قاسية، كانت المرأة فيها أضعف من أن تتمكن من تقديم مساندة للرجل تمكنه من التغلب على تلك الظروف، غير أن في استمرار أثر ذلك إلى يومنا الحاضر، ما يجعل العذر شبيها بالذنب.

    وخلاصة القول في نقاط:

    1. "الإنسان بدوي أصلا"، وهذه مقولة لا بد منها لتصح مقولة "الإنسان مدني بالطبع".

    2. البيئة العربية بيئة بداوة في كثير من جوانبها، وما تزال معظم العادات البدوية حية في البوادي العربية، وفي بعض الحواضر إلى حد ما. ومنها ما نجم عنه أمزجة نفسية عميقة ما تزال تظهر على نحو غير مباشر في موقف المجتمع من المرأة.

    3. الطبع العربي أميل إلى البداوة، ولكن هذا يعني أن العرب لم يتحضروا، فقد كانت لهم ممالك ودول في اليمن والعرق، سبقوا بها غيرهم من الشعوب.

    4. "مشاكل" توطين البدو في الوطن العربي ليست مشاكل حقيقية، وإنما يتمثل المشكل في السؤال التالي: لماذا تريد الحكومات العربية ؟أن توطنهم؟

    إن تشتت الناس خير من تجمعهم في المكان في كثير من الأحوال: صحيا وعسكريا وزراعيا ... الخ، ثم إن في ذلك قتلا للأصالة والقيم التي يمتازون بها.

    5. الحضارة والبداوة مسلكان، قد نجد كليهما معا في البادية والحاضرة، والمقصود بالبحث هو الجانب المسلكي. والحضارة عطاء مادي، والبداوة عطاء أخلاقي، وهما متضادان من جانب، وطرفا ممتد من جانب آخر، يتداخلان ويتصلان، والخير في التوسط بينهما، والأخذ من كليهما باعتدال. وفي عدم تحقيق ذلك، يكمن مشكل العرب في العصر الحديث. ومن أجل ذلك مُدح التوسط في الأمور، ومن اجل ذلك أراد الله للعرب أن يكونوا "أمة وسطا" لولا أن الخوارج عليها من أبنائها والمتنكرين لها قد أصبحوا من الكثرة بحيث أوقعوا اللّبْس حول العربي ذاته، فإذا بالمعدن قد أصبح نكرة، وإذا بالنار يخنقها الدخان.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 08 مايو 2024, 1:02 pm