رسالة من المنفى
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
الشاعر/ محمود درويش
تحيةً.. وقبلةً
وليسَ عندي ما أقولُ بعدْ
من أينَ أبتدي؟ وأينَ أنتهي؟..
ودورةُ الزمانِ دونَ حدّ
وكلُّ ما في غربتي
زوّادةٌ، فيها رغيفٌ يابسٌ، ووَجدْ
ودفترٌ يحملُ عنّي بعضَ ما حملتْ
بصقتُ في صفحاتهِ ما ضاقَ بي من حقدْ
من أينَ أبتدي؟
وكلُّ ما قيلَ وما يقالْ بعدَ غدْ
لا ينتهي بضمّةٍ.. أو لمسةٍ من يدْ
لا يُرجعُ الغريبَ للديار
لا يُنزلُ الأمطار
لا يُنبتُ الريشَ على
جناحِ طيرٍ ضائعٍ.. منهدّ
من أينَ أبتدي؟
تحيةً.. وقبلةً.. وبعدْ..
-2-
أقولُ للمذياع.. قلْ لها أنا بخيرْ
أقولُ للعصفورِ
إن صادفتَها يا طيرْ
لا تنسني، وقلْ بخيرْ
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
ما زال في عينيَّ بصرْ!
ما زالَ في السّما قمرْ!
وثوبي العتيق، حتى الآنَ، ما اندثرْ
تمزقت أطرافهُ
لكنني رتقتهُ.. ولم يزلْ بخيرْ
وصرتُ شاباً جاوزَ العشرين
تصوريني.. صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشبابِ يا أمّاه
أواجهُ الحياة
وأحملُ العبءَ كما الرجالُ يحملونْ
وأشتغل
في مطعمٍ.. وأغسلُ الصحون.
وأصنعُ القهوةَ للزبونْ
وألصقُ البسماتِ فوق وجهيَ الحزينْ
ليفرحَ الزبونْ
-3-
أنا بخيرْ
قد صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشباب يا أمّاه
أدخّنُ التبغَ، وأتّكي على الجدارْ
أقولُ للحلوةِ: آه
كما يقولُ الآخرونْ
« يا إخوتي، ما أطيبَ البنات،
تصوروا كم مُرَّةٌ هيَ الحياة
بدونهنَّ.. مُرّة هي الحياة »
وقالَ صاحبي: « هل عندكم رغيف؟
يا إخوتي؛ ما قيمةُ الإنسانْ
إن نامَ كلَّ ليلةٍ.. جوعانْ؟ »
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
عندي رغيفٌ أسمر
وسلّةٌ صغيرةٌ من الخضار
-4-
سمعتُ في المذياعْ
تحيةَ المشرّدينَ.. للمشرّدينْ
قالَ الجميعُ: كلّنا بخيرْ
لا أحدٌ حزينْ ؛
فكيفَ حالُ والدي؟
ألمْ يزَلْ كعهدهِ، يحبُّ ذكرَ الله
والأبناءَ.. والترابَ.. والزيتون؟
وكيفَ حالُ إخوتي
هل أصبحوا موظفين؟
سمعتُ يوماً والدي يقولْ:
سيصبحونَ كلهم معلمين…
سمعتهُ يقول:
(أجوعُ حتى أشتري لهم كتاب)
لا أحد في قريتي يفكُّ حرفاً في خطاب
وكيفَ حالُ أختنا
هل كبرتْ.. وجاءها خُطّاب؟
وكيفَ حالُ جدّتي
ألم تزلْ كعهدها تقعدُ عندَ البابْ؟
تدعو لنا…
بالخيرِ.. والشبابِ.. والثوابْ!
وكيفَ حالُ بيتنا
والعتبةِ الملساء.. والوجاقِ.. والأبوابْ؟
سمعتُ في المذياعْ
رسائل المشرّدينَ.. للمشردينْ
جميعهم بخيرْ!
لكنني حزينْ..
تكادُ أن تأكلَني الظنونْ
لم يحملِ المذياعُ عنكم خبراً..
ولو حزينْ
ولو حزينْ
-5-
الليلُ – يا أمّاهُ – ذئبٌ جائعٌ سفّاحْ
يطاردُ الغريبَ أينما مضى..
ويفتحُ الآفاقَ للأشباحْ
وغابةُ الصفصافِ لم تزلْ تعانقُ الرياحْ
ماذا جنينا نحنُ يا أماهْ؟
حتّى نموتَ مرّتين
فمرّةً نموتُ في الحياة
ومرةً نموتُ عندَ الموتْ!
هل تعلمينَ ما الذي يملأني بكاء؟
هَبي مرضتُ ليلةً.. وهدَّ جسمي الداء!
هل يذكرُ المساءْ
مهاجراً أتى هنا.. ولم يعدْ إلى الوطن؟
هل يذكر المساءْ
مهاجراً ماتَ بلا كفنْ؟
يا غابةَ الصفصاف! هل ستذكرين
أن الذي رَموْه تحتَ ظلّكِ الحزينْ
-كأيِّ شيءٍ ميّتٍ – إنسانْ؟
هل تذكرينَ أنني إنسانْ
وتفظينَ جثتي من سطوةِ الغربانْ؟
أمّاهُ يا أماه.
لمن كتبتُ هذهِ الأوراق
أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملها؟
سُدَّت طريقُ البرِّ والبحارِ والآفاقْ..
وأنتِ يا أمّاه
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ
ما قيمةُ الإنسانْ؟
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
الشاعر/ محمود درويش
تحيةً.. وقبلةً
وليسَ عندي ما أقولُ بعدْ
من أينَ أبتدي؟ وأينَ أنتهي؟..
ودورةُ الزمانِ دونَ حدّ
وكلُّ ما في غربتي
زوّادةٌ، فيها رغيفٌ يابسٌ، ووَجدْ
ودفترٌ يحملُ عنّي بعضَ ما حملتْ
بصقتُ في صفحاتهِ ما ضاقَ بي من حقدْ
من أينَ أبتدي؟
وكلُّ ما قيلَ وما يقالْ بعدَ غدْ
لا ينتهي بضمّةٍ.. أو لمسةٍ من يدْ
لا يُرجعُ الغريبَ للديار
لا يُنزلُ الأمطار
لا يُنبتُ الريشَ على
جناحِ طيرٍ ضائعٍ.. منهدّ
من أينَ أبتدي؟
تحيةً.. وقبلةً.. وبعدْ..
-2-
أقولُ للمذياع.. قلْ لها أنا بخيرْ
أقولُ للعصفورِ
إن صادفتَها يا طيرْ
لا تنسني، وقلْ بخيرْ
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
ما زال في عينيَّ بصرْ!
ما زالَ في السّما قمرْ!
وثوبي العتيق، حتى الآنَ، ما اندثرْ
تمزقت أطرافهُ
لكنني رتقتهُ.. ولم يزلْ بخيرْ
وصرتُ شاباً جاوزَ العشرين
تصوريني.. صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشبابِ يا أمّاه
أواجهُ الحياة
وأحملُ العبءَ كما الرجالُ يحملونْ
وأشتغل
في مطعمٍ.. وأغسلُ الصحون.
وأصنعُ القهوةَ للزبونْ
وألصقُ البسماتِ فوق وجهيَ الحزينْ
ليفرحَ الزبونْ
-3-
أنا بخيرْ
قد صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشباب يا أمّاه
أدخّنُ التبغَ، وأتّكي على الجدارْ
أقولُ للحلوةِ: آه
كما يقولُ الآخرونْ
« يا إخوتي، ما أطيبَ البنات،
تصوروا كم مُرَّةٌ هيَ الحياة
بدونهنَّ.. مُرّة هي الحياة »
وقالَ صاحبي: « هل عندكم رغيف؟
يا إخوتي؛ ما قيمةُ الإنسانْ
إن نامَ كلَّ ليلةٍ.. جوعانْ؟ »
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
عندي رغيفٌ أسمر
وسلّةٌ صغيرةٌ من الخضار
-4-
سمعتُ في المذياعْ
تحيةَ المشرّدينَ.. للمشرّدينْ
قالَ الجميعُ: كلّنا بخيرْ
لا أحدٌ حزينْ ؛
فكيفَ حالُ والدي؟
ألمْ يزَلْ كعهدهِ، يحبُّ ذكرَ الله
والأبناءَ.. والترابَ.. والزيتون؟
وكيفَ حالُ إخوتي
هل أصبحوا موظفين؟
سمعتُ يوماً والدي يقولْ:
سيصبحونَ كلهم معلمين…
سمعتهُ يقول:
(أجوعُ حتى أشتري لهم كتاب)
لا أحد في قريتي يفكُّ حرفاً في خطاب
وكيفَ حالُ أختنا
هل كبرتْ.. وجاءها خُطّاب؟
وكيفَ حالُ جدّتي
ألم تزلْ كعهدها تقعدُ عندَ البابْ؟
تدعو لنا…
بالخيرِ.. والشبابِ.. والثوابْ!
وكيفَ حالُ بيتنا
والعتبةِ الملساء.. والوجاقِ.. والأبوابْ؟
سمعتُ في المذياعْ
رسائل المشرّدينَ.. للمشردينْ
جميعهم بخيرْ!
لكنني حزينْ..
تكادُ أن تأكلَني الظنونْ
لم يحملِ المذياعُ عنكم خبراً..
ولو حزينْ
ولو حزينْ
-5-
الليلُ – يا أمّاهُ – ذئبٌ جائعٌ سفّاحْ
يطاردُ الغريبَ أينما مضى..
ويفتحُ الآفاقَ للأشباحْ
وغابةُ الصفصافِ لم تزلْ تعانقُ الرياحْ
ماذا جنينا نحنُ يا أماهْ؟
حتّى نموتَ مرّتين
فمرّةً نموتُ في الحياة
ومرةً نموتُ عندَ الموتْ!
هل تعلمينَ ما الذي يملأني بكاء؟
هَبي مرضتُ ليلةً.. وهدَّ جسمي الداء!
هل يذكرُ المساءْ
مهاجراً أتى هنا.. ولم يعدْ إلى الوطن؟
هل يذكر المساءْ
مهاجراً ماتَ بلا كفنْ؟
يا غابةَ الصفصاف! هل ستذكرين
أن الذي رَموْه تحتَ ظلّكِ الحزينْ
-كأيِّ شيءٍ ميّتٍ – إنسانْ؟
هل تذكرينَ أنني إنسانْ
وتفظينَ جثتي من سطوةِ الغربانْ؟
أمّاهُ يا أماه.
لمن كتبتُ هذهِ الأوراق
أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملها؟
سُدَّت طريقُ البرِّ والبحارِ والآفاقْ..
وأنتِ يا أمّاه
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ
ما قيمةُ الإنسانْ؟
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر