يستمر الانقسام الفلسطيني رغم قساوة الواقع وحجم ما تقوم به إسرائيل من
جرائم من شأنها أن تقطع الطريق أمام حلم الفلسطينيين في إقامة دولة
عاصمتها القدس. واقع يستفز عموم الفلسطينيين، لدرجة أثار معها جملة من
التساؤلات حول مشروعية وجود الأحزاب السياسية الفلسطينية التي تتناحر
كبرياتها على السلطة، فيما تستمريء صغرياتها الوضع وتحاول أن تصور نفسها
كمن لا يتحمل المسئولية وأنها تختلف في طبيعتها عن الكبريات، وبدلاً من أن
تسعى لأخذ زمام المبادرة نحو تغيير الواقع تسعى لتحصيل بعض المكاسب
الحزبية الآنية.
لقد ذكرني واقع الأحزاب بمقولة أطلقها الزعيم
الليبي "الحزب هو قبيلة هذا العصر" مقولة من بين جملة مقولات تضمنها كتابه
الأخضر والنظرية العالمية الثالثة على حد وصفه. لم يتوقف المفكرون كثيراً
أمام مفهوم الزعيم الليبي ومدى اقترابه من الواقع أو ابتعاده عنه،
والأسباب والعوامل والظروف التاريخية ارتباطاً بالواقع والثقافة السياسية
التي سادت المنطقة العربية في مطلع الستينات والتي بلورت هذا المفهوم. بل
إن كثيراً من السطحيين هاجموا هذا المفهوم واتهموه بالتسطيح، وأن الحزب هو
ضرورة تاريخية مرتبطة بتطور المجتمعات وأنظمة الحكم وهو دليل رقي وتحضر
فيما القبيلة تعود إلى مراحل متخلفة من التاريخ وبالتالي فإن المقارنة أو
التشبيه هنا لا يستقيمان.
ولكن إعمال التفكير في واقع الأحزاب
السياسية العربية عموماً والفلسطينية على وجه الخصوص، وأقول الأحزاب
يمينها بيسارها، يجد أنها انحدرت إلى مستوى أقل شأناً من قيمة القبيلة،
إذا ما أخذنا في الاعتبار السياق التاريخي لظهور القبيلة كخطوة في سياق
تطور المجتمعات البشرية.
لقد كنت ولم أزل من بين المقتنعين
بالأهمية الاستثنائية التي يمثلها وجود الأحزاب السياسية لضمان تطور أي
نظام سياسيي ولاسيما عندما تتمتع هذه الأحزاب بالديمقراطية داخل بناها
الهيكلية، الأمر الذي يطال آليات اتخاذ القرار وابتداع آليات تؤمن أوسع
مشاركة قاعدية في اتخاذ القرارت كي تشكل بالفعل تعبيراً عن إرادة مجموع أو
فلنقل غالبية أعضاء الحزب.
بل أكثر من ذلك أنا أعتقد أن الأحزاب
السياسية الديمقراطية تشكل مدخلاً مهماً لتقييم أي نظام سياسي والحكم عليه
إذا ما كان ديمقراطياً أم استبدادياً. كما أنها من يقرر شكل النظام
والحياة في هذا البلد أو ذاك إن توافرت فيها الشروط آنفة الذكر.
وبالعودة
إلى واقع الحال فما هي أوجه الشبه بين أحزاب اليوم وبين القبيلة أو
العشيرة، فالحزب يضم مجموعة من الأشخاص الذين يتفقون في توجهات عامة وقد
تكون هذه التوجهات، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو حتى دينية
او مجموع ماسبق، ويضعون مجموعة من القواعد التنظيمية التي تنظم العلاقات
الداخلية لأعضاء الحزب وهيئاته القيادية المختلفة، بما في ذلك آلية انتخاب
هيئات الحزب القيادية وطريقة إشراك الجميع في وضع الخطط والبرامج،
والاستراتيجيات والسياسات العامة التي تشكل قاسماً مشتركاً بين مجموع
الأعضاء.
أما العشيرة فهي تجمع بين مجموعة من الأشخاص تربطهم رابطة
الدم، والقرابة في القبيلة تعتمد إلى قرابة الدم في الفهم الشرقي أي أبناء
الذكور وأحفادهم من نفس القبيلة. والقبيلة كما الحزب تنتخب زعيماً
وأحياناً مجلس عشائري يساعد الزعيم في اتخاذ المواقف وحل المشكلات.
والقبيلة كما الحزب تدافع عن مصالح أبناءها وتسعى إلى تحقيقها دائماً.
القبيلة
تنظيم بدائي شكل طريقة يدافع بها الأفراد عن أنفسهم ويعزز تضامنهم حيث
تتولى مساعدة فقراءها وحل مشكلاتهم أياً كانت هذه المشكلات، ولكن زعامة
القبيلة تستند إلى شروط أغلبها مقومات شخصية يجب أن تتوافر للمرء وهي
أحياناً لاعلاقة لها بقدراته الشخصية بل تستند إلى أسرته النووية أو
الممتدة، وضعه المادي وثراؤه وهذه أمور تشكل أسساً لاغنى عنها، فلا يمكن
أن تقبل قبيلة بزعامة فقير وإن أعلت من شأنه فيكون بحكمته ضمن مجلسها.
فيما الحزب شكل تطوراً أرقى وتغلب على الرابطة القبلية البدائية التي تعلي
من شأن رابطة الدم على غيرها، فكان الحزب يعتمد رابطة الفكر المشترك أو
الانتماء الطبقي وما شابه، وعليه فإن تبوأ أحدهم مقام الزعيم أو نائبه أو
عضو هيئة قيادية عليا يستند إلى نشاط وقدرات وتضحيات وملكات هذا الشخص أو
ذاك دون اعتباراً لأسرته أو وضعه الطبقي والاجتماعي، فزعيم البلاد في
بوليفيا إيفو مورالوس كان ماسح أحذية...الخ
والغريب أن الأحزاب
بهذا المعنى تشكل مطلباً بل ضرورة تاريخية لتطور الشعوب ودولها وأنظمتها
السياسية، أما أحزابنا فأنا أعتقد أن القبيلة بمفهومها المتخلف هي أرقى
منها وهذا راجع لعدة أسباب أهمها:
القبيلة أو العشيرة يكون زعيمها
من بين أثرياءها لأنه سينفق من ماله الخاص من أجل تأمين مصالحها ويؤثر
مصلحة الجماعة، بل وكل فرد فيها، على مصلحته ويبذل قصارى جهده لإعلاء شأن
قبيلته أو عشيرته وهو بذلك يضمن بقاءه زعيماً لها.
ولا يألو الزعيم
جهداً في السعي للتوسط لأبناء قبيلته وضمان تشغيلهم، وقد شهدنا سلوكاً في
قطاع غزة من نوع أن تقطع عشيرة الطريق أو تخطف مسئولاً لضمان تشغيل عدد من
أبنائها.
تثور ثائرة الزعيم ويتخذ كل التدابير للثأر والانتقام لأي
من أفراد عشيرته إذ تعرض لعدوان أو انتهكت حقوقه وينفق في سبيل ذلك
أموالاً طائلة.
يستمع الزعيم لآراء شيوخ العشيرة ويعمل بتوصياتهم
ويضمن تنفيذها، وعليه فهو يجد انضباطاً حديدياً بتعليماته من قبل الأفراد
لأنهم يدركون أنه يعمل لمصلحتهم وأنه سيسعى لحمايتهم من أي ضرر ينجم عن
الالتزام بأوامره.
نادراً ما يناقش أعضاء الحزب مواقف حزبهم وهم
يلتزمون دائماً بمواقف الزعيم حتى وإن تعارضت مع الأسس السياسية
والتنظيمية التي تحكم عمل الحزب نفسه.
تربي العشيرة أبناءها على احترام الآخرين وعدم التطاول عليهم، وعلى أن يحترم الصغير الكبير ولا يسئ إليه حتى لو اعتقد أنه على خطأ.
ولننظر
إلى الأحزاب الساسية ونحاول إجراء مقارنة بسيطة، تستند إلى الواقع العملي
أكثر من استنادها إلى المفهوم النظري، فنجد أن العضو الحزبي يخاف أن يصرح
علناً بمواقف تتعارض مع مواقف حزبه، ويلجأ إلى الأطر الاتنظيمية ليعبر
فيها عن رأيه وتتاح له هذه الآلية. ولكنه سرعان ما يكتشف أنها مفرغة من أي
مضمون ففي النهاية قلت ماشئت وعليك أن تلتزم موقف الحزب. والغريب أن
الحزبيين يبقون في إطار الحزب رغم أنهم بمرور الوقت يتعارضون مع مجمل
مواقفه السياسية، ويصبح هناك فرقاً كبيراً بين قناعاتهم الشخصية وممارسات
حزبهم، أليس هذا غريباً؟ ألا يثير هذا السلوك تساؤلاً كبيراً حول هدف
الأشخاص من الانتماء إلى الأحزاب إن لم يكن النضال لتحقيق الفكرة أو الهدف
المشترك فما هو..؟!
والغريب أحياناً أنك تجد زعيم الحزب يتخذ
موقفاً نارياً معارضاً للسلطة، وتكتشف أنه من تحت الطاولة على علاقة وطيدة
مع خصومه وهم يسهلون له كل أموره الشخصية والعائلية سفر ابن أو ابنة أو
زوج أو زوجة، توظيف صهر، أو قريب الحصول على منحة ...إلخ، فيما يحرم أعضاء
حزب هذا الزعيم أحياناً من أبسط حقوقهم حيث يتعرضون للتمييز في العمل
والسفر والدراسة فقط لأنهم محسوبين على هذا الحزب وهم يتمسكون بالمبادئ
مهما بلغت التضحيات....!!!
يحقق زعيم الحزب وعضو قيادته السياسية
ثروة مادية يحققها من خلال منظومة من الامتيازات والتقدمات التي يتلقاها
من الدولة والحزب الحاكم، فيتحول من وضع اجتماعي ومستوى معيشي إلى آخر
مستغلاً موقعه الحزبي، والمضحك أنه عندما يلجأ له أحد من أعضاء حزبه
طالباً وساطته أو تدخله الشخصي يثور غضباً مدَّعياً الطهر والطهارة
الثورية، وأن الواسطة هي من أشكال الفساد التي يحاربها الحزب فكيف يطلب
منه شيئاً كهذا..!؟
والغريب أن القيادات السياسة داخل الأحزاب بدات
في السنوات الأخيرة تستند إلى أبعاد عائلية وعشائرية ومناطقية لا علاقة
لها بالمعايير الحزبية من أجل ضمان عدد أكبر من الأصوات الداعمة، فيقاتل
هذا القيادي أو ذاك لضمان أوسع تمثيل لمنطقته في المؤتمر كي يضمن نجاحه
أليس هذا غريباً؟ وهو واقعاً وليس تحليل، لدرجة أنك في بعض المناطق تجد أن
الغالبية العظمي من أفراد عائلة ممتدة تنتمي لحزب واحد في سلوك اقرب إلى
الجاهلية منه إلى عصرنا؟
هذا وتربي الأحزاب أفرادها على الطاعة
العمياء والامتثال للقرارات الحزبية دون نقاش، وتتيح هامش للنقاش الداخلي
فيما بعد وهو نقاش لا يخرج عن المحضر الذي كتب فيه في الغالب.
كما
تربي الأحزاب أعضاءها على كره الأحزاب الأخرى وعادة ما تكون التربية على
حب الحزب باستحضار مساوئ الآخرين لا بإبراز جمالية الحزب، والجمالية هنا
بالمعنى المجازي. وهذا ربما يفسر التعصب الذي يميز القواعد الحزبية تجاه
بعضها البعض وهو تعصب يصل حد التطرف والعنف الذي يفضي لكوارث كالتي
نعيشها، وأنا أجزم أن التربية الحزبية أحد العوامل المؤثرة في تنامي
السلوكيات العنيفة بين الفلسطينيين.
وعليه أليست القبيلة أرقى
وأكثر تطوراً من أحزاب اليوم (العربية)، التي حولت قواعدها إلى عبيد تنتمي
إلى الحزب على أمل الحصول على منفعة أو أن تحظى بحمايته، وتتراجع تدريجياً
مكانة القيم والأهداف المشتركة التي شكلت الدافع الرئيس وراء الانتماء،؟
أوليست العبودية في بعض أشكالها متوفرة في الحزب كما هي العشائرية متمثلة
ببعض أشكالها في الحزب أيضاً مع فارق بسيط أن العشائر لم تدع أنها
ديمقراطية وتسعى إلى حرية الأرض والإنسان بل هي واضحة في سعيها لتحقيق
مصالح أفراد العشيرة جميعاً فيما الحزب ورغم كل الشعارات يعنى أولاً
بمصالح قيادييه. أليست القبيلة أكثر تطوراً من أحزاب اليوم..؟؟؟
الكاتب : سمير زقوت
جرائم من شأنها أن تقطع الطريق أمام حلم الفلسطينيين في إقامة دولة
عاصمتها القدس. واقع يستفز عموم الفلسطينيين، لدرجة أثار معها جملة من
التساؤلات حول مشروعية وجود الأحزاب السياسية الفلسطينية التي تتناحر
كبرياتها على السلطة، فيما تستمريء صغرياتها الوضع وتحاول أن تصور نفسها
كمن لا يتحمل المسئولية وأنها تختلف في طبيعتها عن الكبريات، وبدلاً من أن
تسعى لأخذ زمام المبادرة نحو تغيير الواقع تسعى لتحصيل بعض المكاسب
الحزبية الآنية.
لقد ذكرني واقع الأحزاب بمقولة أطلقها الزعيم
الليبي "الحزب هو قبيلة هذا العصر" مقولة من بين جملة مقولات تضمنها كتابه
الأخضر والنظرية العالمية الثالثة على حد وصفه. لم يتوقف المفكرون كثيراً
أمام مفهوم الزعيم الليبي ومدى اقترابه من الواقع أو ابتعاده عنه،
والأسباب والعوامل والظروف التاريخية ارتباطاً بالواقع والثقافة السياسية
التي سادت المنطقة العربية في مطلع الستينات والتي بلورت هذا المفهوم. بل
إن كثيراً من السطحيين هاجموا هذا المفهوم واتهموه بالتسطيح، وأن الحزب هو
ضرورة تاريخية مرتبطة بتطور المجتمعات وأنظمة الحكم وهو دليل رقي وتحضر
فيما القبيلة تعود إلى مراحل متخلفة من التاريخ وبالتالي فإن المقارنة أو
التشبيه هنا لا يستقيمان.
ولكن إعمال التفكير في واقع الأحزاب
السياسية العربية عموماً والفلسطينية على وجه الخصوص، وأقول الأحزاب
يمينها بيسارها، يجد أنها انحدرت إلى مستوى أقل شأناً من قيمة القبيلة،
إذا ما أخذنا في الاعتبار السياق التاريخي لظهور القبيلة كخطوة في سياق
تطور المجتمعات البشرية.
لقد كنت ولم أزل من بين المقتنعين
بالأهمية الاستثنائية التي يمثلها وجود الأحزاب السياسية لضمان تطور أي
نظام سياسيي ولاسيما عندما تتمتع هذه الأحزاب بالديمقراطية داخل بناها
الهيكلية، الأمر الذي يطال آليات اتخاذ القرار وابتداع آليات تؤمن أوسع
مشاركة قاعدية في اتخاذ القرارت كي تشكل بالفعل تعبيراً عن إرادة مجموع أو
فلنقل غالبية أعضاء الحزب.
بل أكثر من ذلك أنا أعتقد أن الأحزاب
السياسية الديمقراطية تشكل مدخلاً مهماً لتقييم أي نظام سياسي والحكم عليه
إذا ما كان ديمقراطياً أم استبدادياً. كما أنها من يقرر شكل النظام
والحياة في هذا البلد أو ذاك إن توافرت فيها الشروط آنفة الذكر.
وبالعودة
إلى واقع الحال فما هي أوجه الشبه بين أحزاب اليوم وبين القبيلة أو
العشيرة، فالحزب يضم مجموعة من الأشخاص الذين يتفقون في توجهات عامة وقد
تكون هذه التوجهات، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو حتى دينية
او مجموع ماسبق، ويضعون مجموعة من القواعد التنظيمية التي تنظم العلاقات
الداخلية لأعضاء الحزب وهيئاته القيادية المختلفة، بما في ذلك آلية انتخاب
هيئات الحزب القيادية وطريقة إشراك الجميع في وضع الخطط والبرامج،
والاستراتيجيات والسياسات العامة التي تشكل قاسماً مشتركاً بين مجموع
الأعضاء.
أما العشيرة فهي تجمع بين مجموعة من الأشخاص تربطهم رابطة
الدم، والقرابة في القبيلة تعتمد إلى قرابة الدم في الفهم الشرقي أي أبناء
الذكور وأحفادهم من نفس القبيلة. والقبيلة كما الحزب تنتخب زعيماً
وأحياناً مجلس عشائري يساعد الزعيم في اتخاذ المواقف وحل المشكلات.
والقبيلة كما الحزب تدافع عن مصالح أبناءها وتسعى إلى تحقيقها دائماً.
القبيلة
تنظيم بدائي شكل طريقة يدافع بها الأفراد عن أنفسهم ويعزز تضامنهم حيث
تتولى مساعدة فقراءها وحل مشكلاتهم أياً كانت هذه المشكلات، ولكن زعامة
القبيلة تستند إلى شروط أغلبها مقومات شخصية يجب أن تتوافر للمرء وهي
أحياناً لاعلاقة لها بقدراته الشخصية بل تستند إلى أسرته النووية أو
الممتدة، وضعه المادي وثراؤه وهذه أمور تشكل أسساً لاغنى عنها، فلا يمكن
أن تقبل قبيلة بزعامة فقير وإن أعلت من شأنه فيكون بحكمته ضمن مجلسها.
فيما الحزب شكل تطوراً أرقى وتغلب على الرابطة القبلية البدائية التي تعلي
من شأن رابطة الدم على غيرها، فكان الحزب يعتمد رابطة الفكر المشترك أو
الانتماء الطبقي وما شابه، وعليه فإن تبوأ أحدهم مقام الزعيم أو نائبه أو
عضو هيئة قيادية عليا يستند إلى نشاط وقدرات وتضحيات وملكات هذا الشخص أو
ذاك دون اعتباراً لأسرته أو وضعه الطبقي والاجتماعي، فزعيم البلاد في
بوليفيا إيفو مورالوس كان ماسح أحذية...الخ
والغريب أن الأحزاب
بهذا المعنى تشكل مطلباً بل ضرورة تاريخية لتطور الشعوب ودولها وأنظمتها
السياسية، أما أحزابنا فأنا أعتقد أن القبيلة بمفهومها المتخلف هي أرقى
منها وهذا راجع لعدة أسباب أهمها:
القبيلة أو العشيرة يكون زعيمها
من بين أثرياءها لأنه سينفق من ماله الخاص من أجل تأمين مصالحها ويؤثر
مصلحة الجماعة، بل وكل فرد فيها، على مصلحته ويبذل قصارى جهده لإعلاء شأن
قبيلته أو عشيرته وهو بذلك يضمن بقاءه زعيماً لها.
ولا يألو الزعيم
جهداً في السعي للتوسط لأبناء قبيلته وضمان تشغيلهم، وقد شهدنا سلوكاً في
قطاع غزة من نوع أن تقطع عشيرة الطريق أو تخطف مسئولاً لضمان تشغيل عدد من
أبنائها.
تثور ثائرة الزعيم ويتخذ كل التدابير للثأر والانتقام لأي
من أفراد عشيرته إذ تعرض لعدوان أو انتهكت حقوقه وينفق في سبيل ذلك
أموالاً طائلة.
يستمع الزعيم لآراء شيوخ العشيرة ويعمل بتوصياتهم
ويضمن تنفيذها، وعليه فهو يجد انضباطاً حديدياً بتعليماته من قبل الأفراد
لأنهم يدركون أنه يعمل لمصلحتهم وأنه سيسعى لحمايتهم من أي ضرر ينجم عن
الالتزام بأوامره.
نادراً ما يناقش أعضاء الحزب مواقف حزبهم وهم
يلتزمون دائماً بمواقف الزعيم حتى وإن تعارضت مع الأسس السياسية
والتنظيمية التي تحكم عمل الحزب نفسه.
تربي العشيرة أبناءها على احترام الآخرين وعدم التطاول عليهم، وعلى أن يحترم الصغير الكبير ولا يسئ إليه حتى لو اعتقد أنه على خطأ.
ولننظر
إلى الأحزاب الساسية ونحاول إجراء مقارنة بسيطة، تستند إلى الواقع العملي
أكثر من استنادها إلى المفهوم النظري، فنجد أن العضو الحزبي يخاف أن يصرح
علناً بمواقف تتعارض مع مواقف حزبه، ويلجأ إلى الأطر الاتنظيمية ليعبر
فيها عن رأيه وتتاح له هذه الآلية. ولكنه سرعان ما يكتشف أنها مفرغة من أي
مضمون ففي النهاية قلت ماشئت وعليك أن تلتزم موقف الحزب. والغريب أن
الحزبيين يبقون في إطار الحزب رغم أنهم بمرور الوقت يتعارضون مع مجمل
مواقفه السياسية، ويصبح هناك فرقاً كبيراً بين قناعاتهم الشخصية وممارسات
حزبهم، أليس هذا غريباً؟ ألا يثير هذا السلوك تساؤلاً كبيراً حول هدف
الأشخاص من الانتماء إلى الأحزاب إن لم يكن النضال لتحقيق الفكرة أو الهدف
المشترك فما هو..؟!
والغريب أحياناً أنك تجد زعيم الحزب يتخذ
موقفاً نارياً معارضاً للسلطة، وتكتشف أنه من تحت الطاولة على علاقة وطيدة
مع خصومه وهم يسهلون له كل أموره الشخصية والعائلية سفر ابن أو ابنة أو
زوج أو زوجة، توظيف صهر، أو قريب الحصول على منحة ...إلخ، فيما يحرم أعضاء
حزب هذا الزعيم أحياناً من أبسط حقوقهم حيث يتعرضون للتمييز في العمل
والسفر والدراسة فقط لأنهم محسوبين على هذا الحزب وهم يتمسكون بالمبادئ
مهما بلغت التضحيات....!!!
يحقق زعيم الحزب وعضو قيادته السياسية
ثروة مادية يحققها من خلال منظومة من الامتيازات والتقدمات التي يتلقاها
من الدولة والحزب الحاكم، فيتحول من وضع اجتماعي ومستوى معيشي إلى آخر
مستغلاً موقعه الحزبي، والمضحك أنه عندما يلجأ له أحد من أعضاء حزبه
طالباً وساطته أو تدخله الشخصي يثور غضباً مدَّعياً الطهر والطهارة
الثورية، وأن الواسطة هي من أشكال الفساد التي يحاربها الحزب فكيف يطلب
منه شيئاً كهذا..!؟
والغريب أن القيادات السياسة داخل الأحزاب بدات
في السنوات الأخيرة تستند إلى أبعاد عائلية وعشائرية ومناطقية لا علاقة
لها بالمعايير الحزبية من أجل ضمان عدد أكبر من الأصوات الداعمة، فيقاتل
هذا القيادي أو ذاك لضمان أوسع تمثيل لمنطقته في المؤتمر كي يضمن نجاحه
أليس هذا غريباً؟ وهو واقعاً وليس تحليل، لدرجة أنك في بعض المناطق تجد أن
الغالبية العظمي من أفراد عائلة ممتدة تنتمي لحزب واحد في سلوك اقرب إلى
الجاهلية منه إلى عصرنا؟
هذا وتربي الأحزاب أفرادها على الطاعة
العمياء والامتثال للقرارات الحزبية دون نقاش، وتتيح هامش للنقاش الداخلي
فيما بعد وهو نقاش لا يخرج عن المحضر الذي كتب فيه في الغالب.
كما
تربي الأحزاب أعضاءها على كره الأحزاب الأخرى وعادة ما تكون التربية على
حب الحزب باستحضار مساوئ الآخرين لا بإبراز جمالية الحزب، والجمالية هنا
بالمعنى المجازي. وهذا ربما يفسر التعصب الذي يميز القواعد الحزبية تجاه
بعضها البعض وهو تعصب يصل حد التطرف والعنف الذي يفضي لكوارث كالتي
نعيشها، وأنا أجزم أن التربية الحزبية أحد العوامل المؤثرة في تنامي
السلوكيات العنيفة بين الفلسطينيين.
وعليه أليست القبيلة أرقى
وأكثر تطوراً من أحزاب اليوم (العربية)، التي حولت قواعدها إلى عبيد تنتمي
إلى الحزب على أمل الحصول على منفعة أو أن تحظى بحمايته، وتتراجع تدريجياً
مكانة القيم والأهداف المشتركة التي شكلت الدافع الرئيس وراء الانتماء،؟
أوليست العبودية في بعض أشكالها متوفرة في الحزب كما هي العشائرية متمثلة
ببعض أشكالها في الحزب أيضاً مع فارق بسيط أن العشائر لم تدع أنها
ديمقراطية وتسعى إلى حرية الأرض والإنسان بل هي واضحة في سعيها لتحقيق
مصالح أفراد العشيرة جميعاً فيما الحزب ورغم كل الشعارات يعنى أولاً
بمصالح قيادييه. أليست القبيلة أكثر تطوراً من أحزاب اليوم..؟؟؟
الكاتب : سمير زقوت
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر