لا يندرج كتاب ' وادي أبو جميل' للصحافية ندى عبد الصمد والصادر في ' دار النهار'، ضمن الفن الروائي أو الفن القصصي. الأغلب على ظنٍّ أن الكتاب يقع في الفن الصحافي، وتحديداً فن الريبورتاج أو التقرير. ولا تأخذ عبارة ' قصص عن يهود بيروت' التي شكلت العنوان اللاحق للكتاب أو شكلت ذيلاً للعنوان الرئيسي، الكتاب إلى عالم القص بالمعنى الذي اصطلح عليه أو جرت على مثاله النماذج. كما لا ترفع مرويات الكتاب وقصص ناسه وأمكنته نوع الكتابة هذه إلى فن الرواية لما في هذا الفن من عناصر لغوية ومتخيلة وصناعة شخصيات وأحداث لا يبدو أن الكتاب التفت إليها أو انطلق منها. وأخيراً، ليس الهدف من هذا النفي المتواتر الهجاس بتصنيف كتاب ما وإنما القصد هو قراءة الكتاب بما هو عليه. هذا يعني أنني سأتجنب إسقاط أدوات النقد الأدبي على كتاب لم يطرح نفسه من باب التأدب.شغف الحكي تصدر ندى عبد الصمد نحو كتابة قصص يهود بيروت من مهنة الصحافة. ليست ثمة مسافة كبيرة بين عبد الصمد الصحافية في صحيفة أو تلفزيون وبين عبد الصمد الصحافية في كتاب. هنا كما هناك: تحقيق، توثيق، استقصاء، متابعة، ملاحقة، حيادية وبساطة في الأداء اللغوي. تتبع الكاتبة في ' وادي أبو جميل' اليهود الذين عاشوا في هذه المنطقة من بيروت والتي تقع بمحاذاة الوسط التجاري أو الداون تاون بلغة اليوم، أي وادي أبو جميل أو وادي اليهود كما كان يُعرف سابقاً. هذ الوادي الذي يبدأ من شاطئ البحر غرباً ثم يتجه صعوداً حتى حدود منطقة زقاق البلاط أحد أقدم أحياء بيروت. وينتهي الوادي عند برج المر من الأعلى وهوليداي إن من الأسفل بمحاذاة منطقة القنطاري الملاصقة لشارع الحمرا، بينما يلاصق من جهة الشمال الشرقي شارع المصارف المحاذي لساحة البرلمان في وسط بيروت. في هذا الوادي عاش اليهود حيث بنوا كنيساً لا يزال قائماً إلى الآن بعدما دُمّرت أبنية الوادي وأعيد ترميم البعض اليسير منها. تحكي ندى عبد الصمد قصص هؤلاء اليهود اللبنانيين أو أولئك الذين قدموا من سورية ( حلب) أو إيران قبيل نكبة 1948. لكن هؤلاء اليهود بدأوا يرحلون بعد النكبة. وتواصل هذا الرحيل بوتيرة أعلى بعد حرب حزيران (حزيران) 1967. ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 ترك من تبقى منهم منزله وهرب إلى الخارج أو إلى المنطقة الشرقية من بيروت حيث تقطن الغالبية المسيحية بسبب المعارك التي دارت في منطقة الوادي وعلى أطرافها، وهي ما عرفت باسم ' حرب الفنادق' أثناء حرب السنتين التي اندلعت سنة 1975 مشكلة أقسى موجة من موجات الاقتتال الداخلي طوال 15 سنة. إذاً، تمتد الفترة التي رصدتها الكاتبة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. لكن هذا الرصد لا يجري عبر أرشفة سياسية أو عبر تأريخ سياسي. هذا التأريخ يأتي في سياق الكتاب وليس في صدارته. الكتاب يقوم في الأساس على قصص جمعتها الكاتبة عن يهود لبنانيين حقيقيين وذلك عبر جيران لهم، إضافة إلى سيرة واحدة تجري على لسان صاحبتها اليهودية العجوز التي لا تزال تعيش في وادي أبو جميل. هكذا يبدو هذا الكتاب متخففاً من علمين ضخمين وثقيلين: السياسة والتاريخ. لكنه في تخففه هذا لم ينج لا من السياسة ولا من التاريخ. ذلك أن من الصعوبة بمكان الحديث عن يهود عرب من دون الحديث عن فلسطين، فكيف إذا كان هؤلاء اليهود لبنانيين، ولا سيما أن هذا البلد شهد اجتياحات إسرائيلية وحروباً أهلية متتالية وانقسامات سياسية وولاءات متنازعة؟ هكذا تدخل السياسة من باب أنها الفن اليومي للبنانيين. تدخل السياسة من الحياتي. تدخل من باب التنوع الطائفي في ظل الصراعات الطائفية. هنا ثمة يهود يساريون ( مع الحزب الشيوعي اللبناني) ويهود يمينيون ( مع حزب الكتائب)، ويهود مناصرون لإسرائيل إثر إعلان قيام الدولة وآخرون معادون لدولة إسرائيل، ويهود فضلوا السفر إلى أمريكا أو أوروبا وآخرون فضلوا السفر إلى إسرائيل حيث خدم أولادهم في الجيش الإسرائيلي ودخلوا لبنان أثناء اجتياح سنة 1982 وزاروا وادي أبو جميل والتقوا هناك بعض الأشخاص الذين كانوا جيراناً لهم قبل هجرتهم. التاريخ أيضاً يدخل من باب هذه المرويات القصيرة. الحديث عن أقلية كاليهودية يستدعي تأريخاً للعديد من الأحداث التي عصفت بلبنان والمنطقة. ذلك أن هذه الأقلية تعيش في زمن. تعيش في عصر شهد إنهاء وجودها في لبنان وصعودها في دولة قامت بقوة السلاح والدعم الغربي. مع ذلك يمكن القول أن لا السياسة ولا التاريخ هدفان في الكتاب. العصب الأساسي لهذا الكتاب قصُّ عدد من الحكايات والأخبار عن أقلية عاشت في وئام مع جيرانها المسيحيين والمسلمين قبل أن تقضي عليها الدولة ' اليهودية' الناشئة. وهذه القصص مفرودة على قماشة من الأخبار العاطفية عن عشاق من الطائفة اليهودية أو عشاق وزيجات بين اليهود والطوائف الأخرى ( المحظورة دينياً واجتماعياً طبعاً) وصداقات عميقة وطرائف وعادات وتقاليد دينية وأنماط عيش ومهن وأخلاقيات ومسلكيات. لكن حكاية قصص الآخرين ليست - في النهاية - سوى حكاية المكان. قد يُحبب لأحد ما أن يقول إن ندى عبد الصمد لم تقصد من كتابها التأريخ لليهود اللبنانيين بقدر ما هدفت إلى كتابة سيرة مكان في نشوئه وصعوده وأفوله، في تنوّعه وألفته، في تنظيمه العمراني وطوبوغرافيته. الاختفاء وراء السرد اللافت في قصص ' وادي أبو جميل' أنها متروكة لمشيئة رواتها. تقف ندى عبد الصمد موقفاً محايداً من كل ما ترويه على لسان أشخاص التقتهم من أجل تزويدها بهذه القصص. بهذا المعنى فإن هذه القصص بدت أقرب إلى الحكايات أو التقولات الشعبية الشفهية. لا تتدخل الكاتبة في قصصها إلا بوصفها ناقلة قصة من الشفاهي إلى الكتابي. ربما هذا هو التحويل أو التحوير أو الترجمة الوحيدة التي تبديها المؤلفة تجاه كتابها. نحن أمام كتاب يكاد يختفي فيه المؤلف إلا ما يدلُّ عليه من خيار لغوي واقتراحات في الصياغة وتنظيم لسياقات الخبر أو القصة. تخفف الكاتبة من قصصها ليس عبثاً. الأرجح أنه تخفف مقصود إما لتوكيد هذه الحيادية، لتوكيد استقلالية النص المكتوب، وإما تجنباً لتبني هذه القصص. أياً كان السبب فإن الاختفاء خلف النص جعل للكتاب صيغة. وهذه الصيغة قد تكون انعكاساً للعمل الصحافي الذي يسعى إلى الوقوف على مسافة من أحداث تبدو فاعلة بنا ومنفعلة معنا. لا شك في أن قصص ' وادي أبو جميل' على بساطتها وشفاهيتها، على تسطحها حيناً وتلوّنها أحياناً، على ابتسارها واقتصارها على جزئيات صغيرة من حياة شخصياتها، على اختزالها حيوات ناس بحادثة، هذه القصص تبدو مؤثرة في متابعتها حياة طائفة بأكملها بكل ما في هذه الحياة من آلام وأفراح وخيانات وانكسارات. قصص هي أشبه بلملمة سيرة طائفة وتسقط أخبار أهلها من ذاكرات غافلها النسيان وألسنة طواها الكتمان. |
2 مشترك
وادي أبو جميل- قصص عن يهود بيروت' لندى عبد الصمد سيرة شفهية لطائفة لم تعد موجودة إلا في سجلات القيد
يزن المصري- مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية
- جنسيتك : اردنية
اعلام الدول :
نقاط : 4341
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 09/07/2009
- مساهمة رقم 1
وادي أبو جميل- قصص عن يهود بيروت' لندى عبد الصمد سيرة شفهية لطائفة لم تعد موجودة إلا في سجلات القيد
راهب الفكر- مشرف أجراس ثقافية
- جنسيتك : فلسطينية
اعلام الدول :
نقاط : 796
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
- مساهمة رقم 2
رد: وادي أبو جميل- قصص عن يهود بيروت' لندى عبد الصمد سيرة شفهية لطائفة لم تعد موجودة إلا في سجلات القيد
هكذا تدخل السياسة من باب أنها الفن اليومي للبنانيين. تدخل السياسة من الحياتي. تدخل من باب التنوع الطائفي في ظل الصراعات الطائفية. هنا ثمة يهود يساريون ( مع الحزب الشيوعي اللبناني) ويهود يمينيون ( مع حزب الكتائب)، ويهود مناصرون لإسرائيل إثر إعلان قيام الدولة وآخرون معادون لدولة إسرائيل، ويهود فضلوا السفر إلى أمريكا أو أوروبا وآخرون فضلوا السفر إلى إسرائيل حيث خدم أولادهم في الجيش الإسرائيلي ودخلوا لبنان أثناء اجتياح سنة 1982
والله كلامك جميل أختى العزيزة ندي
فالمجتمع اليهودي سواء فى الأرض المحتلة أم فى الخارج يعيشون حالة من التهكم والصراع
بين ثقافاتهم ولاسيما اليهود العرب فمنهم المخلصون لعروبتهم ومنهم دون ذلك
ولاننسي الطائفة السامرية إحدي الطوائف اليهودية المعادية للصهيونية ولقيام دولة اسرائيل
قائلا باان القدس للعرب وفلسطين لهم وليس لنا
والله كلامك جميل أختى العزيزة ندي
فالمجتمع اليهودي سواء فى الأرض المحتلة أم فى الخارج يعيشون حالة من التهكم والصراع
بين ثقافاتهم ولاسيما اليهود العرب فمنهم المخلصون لعروبتهم ومنهم دون ذلك
ولاننسي الطائفة السامرية إحدي الطوائف اليهودية المعادية للصهيونية ولقيام دولة اسرائيل
قائلا باان القدس للعرب وفلسطين لهم وليس لنا
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر