أنور القاسم
لا تغرينها الشّهادات ولا تشغلها المناصب، تعلن جهارا انتماءها إلى الكلمة والقارئ، وأنا استدرجها لمشاكسة كتاباتها وجدتني هاته المرّة حائرا أمام المهام العديدة والمتعدّة للكاتبة والام والانثى وسيدة المجتمع والمرأة المعشوقة التعبة من ضبط كل ايقاعات حياتها على دقات محبيها.
انها تستدعي في محكيها السردي لغايات انثوية جمالية، أساليب مستمدة من خطابات واقوال تموج بين حنايا الشعر والفلسفة والتصوف وتبحر بمجاديف الثقافة الشعبية والانسانية.. وهي في ذلك لا تروم تشكيل نصوص نظرية، بل تسعى إلى تجاوزها وخرقها عبر كتابة نوع أدبي جديد يمتح من السرد محكيه، ويستلهم من الشعر إيحاءاته المجازية، ومن الفلسفة حكمتها وأسئلتها الوجودية، ومن التصوف إشراقاته، لكي تنتج في نهاية المطاف نصا يقف على كل تلك التخوم.
هذا التنوع والتعدد، يكاد يشكل عنوانا تأطيريا للتجربة التخييلية لسيدة عشقت القلم والورقة، فحلقا بها في سماوات الحلم، فكانت أحلام مستغانمي، التي تربي قبائل التحدي في الحب وتخط لها عاداتها وتقاليدها التي ستروى على ألسنة شخصياتها.
في لندن كان اللقاء، وعلى هامش توقيع الكاتبة الجزائرية الاثيرة على اتفاق في العاصمة البريطانية مع 'دار بلومز بري- مؤسسة قطر' للنشر لترجمة إصدارها الأخير 'نسيان.com' إلى اللغة الانكليزية كبداية لترجمة بقية أعمالها.
قلوبهم معنا وقنابلهم علينا
- صدر لك كتاب ادبي سياسي تنعين فيه حال العرب بعنوان ' قلوبهم معنا وقنابلهم علينا'، فهل هو عودة الى سرد التاريخ العربي الحاضر، كما كانت 'ذاكرة الجسد' امينة في تصوير الواقع الجزائري؟
- لما كنت في الثامنة عشرة من عمري كانت امنيتي ان اموت من اجل قضية عربية. وحينما احتل الغرب العراق كانت امنيتي - رغم انني ام - ان احارب في العراق واموت به.. لكنني سرعان ما اكتشفت غبائي عندما رأيت ان الجثث العربية للابطال العرب الذين ذهبوا للعراق تركت وليمة للذباب، فهؤلاء اربكوا العراقيين احياء وهم اموات ايضا، لم يدروا ماذا يصنعون بهم، تبرأوا منهم! سمعت شابا مغربيا يقول وهو يبكي ان اباه الذي ذهب للدفاع عن العراق ومات فقيرا لم يترك لهم شيئا الا الكرامة.. الان هذا الشاب نفسه، حينما كان يتكلم من المغرب، الطرف الاخر من العالم العربي، وبعد هذا هل هو مستعد اليوم ان يقول نفس الكلام؟ بعد عشر سنين هل التفت اليه احد؟!
هذه الدول العربية التي دافعنا عنها انتهت كلها وليمة لعمليات نصب وسرقات.. يا أخي كيف وصلنا الى هذه الحالة؟!
بكيت على علماء العراق اكثر مما بكيت على ابي! بكيت على نهب متحف العراق، كما لم ابك على بيتي لو انه سرق.. لان امريكا حينما جاءت دافعت عن وزارة النفط ولم تدافع عن المتحف، بل ارسلت من ينهب المتحف، لان عقدة امريكا هو التاريخ، لانها بلد من دون ذاكرة. وكان اول عملها في العراق ان تجرده منها وتظهر للعالم ان هذا الشعب متخلف وليس لديه شيء. المتحف كان يزعجها منظر الذين كانوا ينهبون المتحف كان موجعا يبكي الحجر. فقد اصطادوا العلماء والمفكرين ومثقفي العراق صيد الحمام، بعد ان قدمت قائمة باسمائهم للامريكان.. يا اخي هل يوجد بلد في هذه الدنيا يقدم اسماء علمائه لعدوه. اناس قدموا حياتهم من العلم جيلا بعد اخر، فكم يلزم هذه الامة لتنجب عالما؟ هم يعلمون، انهم ضربوا رأس الامة، حينما يقتلون عالما ليس كما يقتلون سياسيا وزعيما، فبالتالي كان العلماء مخيرين بين الخيانة او الموت ومن فر منهم قتل.. فهذه كانت اكبر كارثة، وقد قلت هذا في محاضرات بجامعات واشنطن وبوسطن، وميتشيغن وفي عز اغتيال العلماء!
الغريب انني حينما طلبت تأشيرة دخول اعطيت لي وانا واقفة، لماذا لانهم قرأوا اسم الجامعات التي دعتني، فعلقت في المحاضرة هناك، انه دليل انهم يحترمون قيمة العالم والعلم، فلا يحققون معك لانهم يعرفون قيمة العالم فاول من قتلوا العلماء.. عكسنا نحن ففي عالمنا اذا كنت اعلاميا يوقفونك في المطار لانك محل شك، فالعلم لدينا تهمة وشبهة، العلم عندهم يشفع لك.. قال لي اساتذة جامعيون في امريكا من الامثلة ان احداهن كانت لديها مشكلة عويصة في الاقامة فشفع لها استاذها بالجامعة فبقيت، لم يشفع لها ضابط ولا وزير ولا سارق ولا فاسد.
حين احتفى قصر بكنغهام بالمثقفين العرب
- لماذا يعيش المثقف العربي الان في أسوأ محنه ربما، بل صار يكرم في الخارج بدل ان يحظى بهذا الشرف في بلاده؟
- لا بد ان اجيب على سؤالك هنا بقصة فتح ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية قصر 'بكينغهام بالس' للمثقفين الذين زاروها مع الشيخة موزة- التي اخذت على عاتقها السمو بكل ما له علاقة بالادب العربي في حالة لم نشهدها قط لدى اغنياء العرب- فقد تحاورت الملكة مع الكاتبات والكتاب العرب، وهذا شيء رائع لم يحدث من قبل، ففي بلادنا حتى ابواب وزير الثقافة لا تفتح لهم ولا هواتف المسؤولين ترد عليهم، وحينما تستقبل ملكة بريطانيا المثقفين العرب بصفتهم قيمة ثقافية لامة عربية، فهذه رسالة انه لا بد من استثمار بعض اموالنا في هذا الافق، بامكاننا ان نأخذ الاحترام باموالنا، ان نفرض الاحترام ولا نستجديه.. هذه الامة اشترت كل شيء من الغرب، لكنها لم تستطع ان تشتري الاحترام.. اشترينا اسلحة بالمليارات لم تستخدم.. يا ريت حكامنا يعطون هذه الاموال لامريكا دون شراء تلك الاسلحة، لان الهدف من شرائها هي الكرسي وليس للدفاع.. هذه الاسلحة تحتاج خبراء عسكريين والى قاعدة عسكرية امريكية او اخرى، وبالتالي انت تستضيف عدوك على حسابك وانت تعلم ان هذه الاسلحة لن تستخدم لان كل شيء فيها ينقصه شي موجود عند المورد، وشروط بيعها انك لن تضرب عدوك الاساسي، وهو اسرائيل، فمن اذا ستضرب بها: جارك العربي او المسلم، ام تهدد بها مواطنك من خلال الاستعراضات العسكرية، وعلى اجساد من ستمشي هذه الدبابات الا على اجساد المواطنين والى من ستوجه تلك البنادق غير صدورهم؟!
وتتساءل مستغانمي: أين مخازن سلاح صرفت عليها المليارات منذ خمسين سنة ولم نرها، وفي المعارك الحقيقية لم تستخدم او نخرجها من اوكارها، فقد اثبت الفلسطينيون قبل 15 سنة انه كانت تكفي الحجارة، لانها في يد كريمة وابية افضل من سلاح فتاك في ايد متخاذلة وجبانة. السواعد هي التي تحمل السلاح. نحن مبرمجون.. كلما تينع رؤوس اموالنا تخترع امريكا مبررا وتأخذها منا ونعود.. امة تنهب بأوهى الاسباب والذرائع!
وتضيف: لم يعد هناك مجال للصدق في بلادنا فهذه كارثة وفاجعة، الذين يحكموننا في العالم العربي يحيطون انفسهم بالمنافقين، ولا يمكن ان توصل كلمتك، اضافة لذلك ان العلم شكل من اشكال الحرية، فكلما تكون متعلما تزداد حرية، وتزداد خطرا. وبالتالي حتى الجهلة لا يصدقون ما يقال عن العلم والجامعات في الدول العربية، هم يدشنون احجارا جامدة بنفس الوقت يفقرون البشر.. جعلوا من الناس بطونا تريد فقط ان تعيش، فحينما الانسان يصبح كتلة بيولوجية ينحصر اهتمامه بالبحث عن الاكل والشرب، ولن يجد وقتا للتفكير او التساؤل عما يحدث.. نحن مهانون في اوطاننا، فكيف تريد للعالم ان يحترمك اذا كنت انت لا تحترم نفسك؟
محاولات لتشويه الرموز.. محمود درويش نموذجا
- أين زخم الكتاب والحراك الثقافي العربي الان.. لا نرى او نسمع صوت المثقف في ما يحدث الا لماما.. ألم يعد هناك مثقفون؟!
- نحن نمر بمرحلة عجيبة فعلاقة المثقف بالسلطة تغيرت.. في السبعينات كان هناك زخم.. الشعوب بحاجة الى رموز وهذه الرموز ماتت.. لا بد للمثقف وهو انسان على قدر من التعليم ولديه قدرة على ان يأخذ موقفا، ليس بالضرورة ان يكون مثقفا بالمعنى التقليدي. المثقف لم يعد موجودا او يجرؤ على قول كلمة لا .. الرموز الكببيرة راحت.. الامة العربية تشوه كل رمز، وكأن هناك تخطيطا لذلك! لان الرموز خطيرة، فمثلا كانت هناك محاولات لتشويه محمود درويش سواء قبل رحيله او بعده وغيره ايضا.. هذه تحركات ليست عفوية او بريئة.. الرمز يعطيك فكرة احتمال امكانية ان تقول لا، والدليل فلان تتماهى معه فهو جميل لدرجة تريد ان تكون انت هو. الان لم يعد هناك مثقف كبير تنبهر به. الناس تعبت، هناك جانب من خيبة كبيرة.. انطلق من نفسي.. تعبت كثيرا كنت اقول لن ازور بلدا عربيا لديه علاقات مع اسرائيل، وكنت اقول لن ازور بلدا عربيا فيه سجين رأي، واستمت على مدى ثلاثين سنة دفاعا عن هذا الموقف، لاني استحي ان ادخل بلدا فيه سجين، واُسأل كيف انني لم ادافع عن ذلك الشخص.
تبنيت تلك القضية ورفضت الكثير من الدعوات للتكريم لانني لا اريد ان اكرم كمثقف، بينما مثقفو ذاك البلد في المنفى، هي قضية مبدأ تُكرم في محفل بينما تحتك تحت الارض هناك كاتب يعذب بسبب رأيه، فانت تهين نفسك بتلك اللحظة.. التاريخ سيحاسبني. كان لدي الكثير من الاصدقاء العراقيين تمنوا ان يعودوا للعراق، بينما انا ادعى لزيارته لاشارك في 'المربد'، فكيف يمكن ان اكرم في العراق، بينما كتابك منفيون في الخارج؟ اذا اردت ان تكرم الادب فكرم ادباءك اولا.. الكاتب العربي تعب.. كنت صارمة مع نفسي كنت وما زلت احاول ان انسجم مع نفسي، فان تخسر نفسك يعني ان تعدم. لكن تبقى لدينا امانة التواصل مع قرائنا، فلماذا نقاطعهم.. وجودنا معهم يقويهم.. وجودنا معهم يقوي تيارهم الجميل. انها امانة وسلطة المثقف، بامكان الكاتب ان يأخذ موقفا ويحرك شيئا اذا كان اسمه نظيفا، ستكون لديه سلطة لدى الناس. هناك وجع اسمه القدس.. اهانة اسمها الامة.. وقيم تنهار.
الرغبة تصنع ادبا لكن المتعة لا نصنع شيئا
- نرى اضمحلالا للرواية العربية.. هناك محاولات تشبه السير الذاتية.. اهو بسبب البعد عن القراءة.. او التقصير ام هو عدم تشجيع وتعب الراوي؟
- والله لم اعد ادري.. الروايات الكبرى التي تركت بصماتها مثل اعمال عبدالرحمن منيف والطيب صالح 'موسم الهجرة الى الشمال' و 'ذاكرة الجسد'.. الناس كانت لهم قضية ووجع.. هناك بعض المحاولات.. الكبار كانوا منطلقين من ذاكرة جماعية.. الان الذاكرة صارت فردية، كل واحد يتحدث عن نفسه.
الهاجس الان هو الجوائز، والترجمة أذت الادب العربي. زمان حينما كانوا يكتبون لم يكن همهم ان يترجموا الى العالمية، لانهم كانوا مستعدين ان يموتوا من اجل نصوصهم، وليس لديهم هاجس الترجمة! ما افسد الادب العربي هو موجة الترجمات والجوائز، اصبح الواحد يكتب ونصب عينيه لجنة التحكيم والقارئ الغربي وماذا سيكسب.. فالكاتب حينما يضع المكاسب قبل القضية فهذه مصيبة وهنا ينتهي، مهما كان نوع القضية، الان يفكرون اذا كتبت حول الشذوذ الجنسي سأنجح في الغرب، اذا شهرت بالرجل العربي والاسلام ومعاملته وبالقومية العربية فهذا سيفتح لك طريقا..
انا اقول مثلا موضوع الشذوذ الجنسي الذي عملت منه دول الخليج موجة من الكتابات، ما هي نسبة وجوده في المجتمع.. هو موجود لكن لا يتجاوز 10 او 15 بالمئة على ابعد تقدير، لكن حينما تصنع منه رواية كاملة وتركز على هذا الموضوع فأنت وظفت عملك لشيء خارج الواقع، بل اسأت لصورة بلدك.. انه تضخيم وظلم للمجتمع، والهدف واضح الفضيحة تبيع والتشهير يبيع، لكنه لا يعيش ولا يذهب بعيدا.
وتردف الكاتبة الجزائرية: يظل القارئ العربي يحب الحياء، يحب الكاتب الذي يحترمه.. اتصلت بي قارئة قالت احبك لانك تحترميني لم تستخدمي يوما كلمة اذتني او خدشت شعوري، لانك تكتبين لي باحترام وترسلين اشارات، فاشاركك بكتابة النص وتحترمين ذكائي ومقامي. القارئ لا بد ان يدخل الكتاب معه للبيت دون خجل او يخبئه.. ما يكتبه بعض الكتاب ويوقعه بفخر يستحي الانسان ان يقرأه لوحده في بيته لان فيه بذاءة وقلة حياء.. واذا كان الحياء لا يصنع ادبا فالبذاءة ابدا لا تصنع ادبا.
وتستشهد مستغانمي بان فرنسوا ساتان كتبت 60 رواية ليس بها مشهد جنسي واحد، بينما في الرواية العربية فالمشهد الجنسي تجده في الصفحة الاولى، فماذا سيبقى لتقول بعد هذا؟!
الاثارة لا يمكن ان تكون بهذه الطريقة، الخيال والمسكوت عنه هو الاجمل الذي يصنع الادب المتخيل.. اميل نخلة لديه مقولة جميلة 'ولد الفن يوم قالت حواء لادم ما اجمل هذه التفاحة ولم تقل له كُل هذه التفاحة'، هو الانبهار بالتفاح بهذه الشجرة.. وانت تنظر لهذه الشجرة من بعيد منبهر بالتفاحة وتفكر بالجانب الاحمر والاصفر فيها وتشتهيها وتريد ان تأكلها، لكن هناك مسافة بينك وبين الشجرة هنا الابداع، اما عندما تأكلها لا تصبح شيئا بل ياخذها الجهاز الهضمي وهو عامل بيولوجي.. الادب اذا هو الانبهار هو الدهشة هو التودد والاشتهاء. انا دائما اقول انني كاتبة الرغبة ولست كاتبة المتعة، لاننا بالرغبة نصنع ادبا، لكن المتعة لا نصنع شيئا.
جائزة للقارئ العربي
- العرب احتلوا ذيل قائمة القراء في العالم وهناك تقصير جمعي بهذه الفضيلة.. ألا ترين ان المشكلة في القارئ ايضا؟
- منذ اربع سنوات يسكنني هاجس تكريم القارئ العربي.. القارئ العربي غيور لكن ليست لديه امكانيات، اما الغربي فيشتري كتابا بعشرين دولارا ويقرأه وهو مسافر.. القارئ العربي ليس لديه ذاك الترف.. انا عرفت كثيرا من القراء كوني كاتبة، اعتقد واباهي بمحبة القراء، وكأنهم اهلي.. وصلت بيروت ولا اهل لي وليس لي احد.. الان لدي شجرة عائلة.. قبيلة من القراء، كلما أقترب من هؤلاء الناس اكتشف كم يعني لهم الكتاب، وهناك قراء اثروا بي كثيرا.. هناك قارئ سوري قال لي انا اشتريت كتابك بالتقسيط على دفعتين والكتاب ثمنه 5 دولارات! تصور وهذا مبلغ لا يعني شيئا.. قارئ اخر التقيته في تونس واتمنى لقاءه مجددا في زيارتي القريبة الى تونس التي اعود اليها بعد غياب طويل وحنين لنشأتي بها لاكرم من معرض الكتاب.. ذاك القارئ اسمه خالد، فحينما اجريت محاضرة في سوسة جاءني قارئ، وقال انا انتظرتك طويلا انا اسمي خالد، وبامكانك ان تسميني 'خالد بن طوبال' - بطل رواية ذاكرة الجسد - لكن هناك فرقا بيننا.. انت استطعتي ان تتقمصي شخصية خالد وهو بذراع واحدة ولكن انا دون ذراعين، واريد ان اسألك، حاولي للحظة معرفة كيف قرأتك، كيف قلبت 416 صفحة دون يدين اثنتين؟ كيف؟ احيانا بفمي واحيانا استعنت بشخص اخر.. قلبت كتابك صفحة صفحة.. خالد هذا ابكاني كثيرا.. واضاف حينما تضعين نفسك مكاني ستعرفين ان الكتابة شي والحقيقة شيء اخر ولتعرفي محنة القارئ كبيرة.
هذا القارى الوسيم ادهشني، انا كاتبة اتسلى بالمفهوم الابداعي، اخترع بطلا لان لدي قضية مثل رجل شوهته الثورة، لكنني عاجزة عن ان اعيشه ككاتبة، هل استطيع ان اعيش في شخصية بطلي ساعة.. الفنان جمال سليمان وجورج قرداحي عندما عرض عليهما العمل بمسلسل 'ذاكرة الجسد' اصابهما الرعب، وجورج خاف ان يظهر دون ذراع فكيف سيبدو بشعا، وهذا بالمسلسل، فما بالك بالحياة. عندما يأتي قارئ كفيف من الجزائر ويدفع لاحد كي يأخذه للمعرض ويسعى ليأخذ توقيعا منك لن يقرأه، الا حينما يعود للبيت ويستأجر عيونا كي تقرأ له الكتاب.. ورجل من الفقر تطلب منه رقم تلفونه فيقول ليس لدي هاتف.. لماذا ليس لديك هاتف وانت كفيف تحتاجه؟ فيقول لا.. انا احتاج كتابا اكثر من الهاتف.
هؤلاء الناس انحني لهم اجلال عندما يأتيك اسير من سجن عسقلان ويقول هربنا كتبك واعدنا استنساخها بحروف 'السمسمة' يعني اصغر حرف، لانه ليست لديهم اوراق، ويضيف انت معنا التاسعة في كل زنزانة.. هؤلاء هم القراء العرب. لعن الله اي مجد دونهم.. فهكذا قراء اذا لم اكرمهم فلست كاتبة.. الفكرة التي اعمل عليها هي لتكريم القارئ العربي، فانا اعتبر القراء العرب مجاهدين.. اتمنى من يتبنى هذه الفكرة، وخاصة المؤسسات التي تعنى بالثقافة، لقد كُرم الكاتب والشاعر والروائي، لكن ألا يحق للقارئ ان يجد من يكرمه؟
كنت سأنجب منك قبيلة
- أين اعمال احلام مستغانمة الجديدة ام احلام الجديدة.. بعد هذه الشهرة هل هناك تهيب من الكتابة؟
- اريد ان انجو من 'ذاكرة الجسد'، فكلما تركته خلفي اجده امامي وهذا قدري.. انا مدينة لـ'ذاكرة الجسد'، ففي النهاية صرت انسب لها ولم تعد تنسب لي.. احد مشاريعي تحويل هذه الرواية الى مسلسل في رمضان المقبل، بدأ العمل به مؤخرا، وسيكون من اخراج نجدت انزور وبطولة جمال سليمان وسيناريو ريم حنا، ولاول مرة بطولة تلفزيونية من الجزائر للفنانة امل شوشة، وانا الان اراجع السيناريو.. ولدي شبه اتفاقية مع شوقي الماجري لتحويل العمل الى فيلم كبير، فهو مخرج رائع ومثقف ولديه قضية.
كما اعكف على مشروعين روائيين هما 'الاسود يليق بك'، ففي هذه الرواية تطورات مذهلة، بحيث اصبحت ثلاثية وستكون فيلما ايضا، وهي رواية جميلة مبنية على فلسفة الحياة وثراء الحب. وقد حاولت ان انجو من السياسة ولم انجوا كثيرا فقد نصبت فخا لنفسي ووقعت فيه مجددا.
هي رواية الفصول الاربعة للحب، انا بدأتها بالنسيان بدل الفراق ثم الفراق ثم الحب واللهفة ثم الغيرة والجنون وكل الاحاسيس المجنونة الشرسة التي يفرزها، ويأتي بعد ذلك الفراق.. وتضيف انا اعتقد ان سبب نجاحي ليست موهبتي بل البؤس العربي .. انه مقياس للبؤس العاطفي، فكتابي الجديد 'نسيان. com تشتريه النساء بكثرة وينسخنه ويوزعنه على الصديقات لان فيه الكثير من العزاء لهن، وهذا النسيان ربما يتحول الى عمل تلفزيوني ايضا.
وعن وصفها بالمقلة في الانتاج تقول مستغانمي: اريد التفرغ للكتابة وان انعزل واكتب واكتب لاسعد به لان الوقت يطاردني دائما.. وهناك مجموعة شعرية اعمل عليها بعنون: ' كنت سأنجب منك قبيلة' قد تصدر بديوان شعري وبصوتي على موسيقى خصيصا لـ'السي دي' وهي قصائد عاطفية جميلة كتبتها على مدار عشر سنوات، وهناك كتاب شعري اخر.. حينما اشعر بحزن اسمع ارء القراء فهم اهلي وهم من يعينني على ألا اتكاسل.
- أخيرا، من أين تستمدين العزم والامل في حياتك كي تقدمي كل هذا العطاء للقراء؟
- لا بد من التنويه هنا انها زيارة خاصة لي للندن وبهذه الفترة بالذات كونها ذكرى وفاة الشاعر العربي الكبير نزار قباني، الذي احس بروحه في هذا المكان يجوب العاصمة فوق باصاتها الحمراء ليتأمل ويكتب، وهذا قبس من الوفاء له.. ما يقويني
مجموعة مقولات للامام علي كرم الله وجهه، اهديها لكل من احب وللاصدقاء واستشهد ببعضها: 'لا تنال نعمة الا بفقدان اخرى' و 'احسن الى من شئت تكن أميره.. احتج الى من شئت تكن أسيره.. استغني عمن شئت وكن نظيره'.. هذه اهديها الى كل القراء وعليهم التعمق فيها.
انها تستدعي في محكيها السردي لغايات انثوية جمالية، أساليب مستمدة من خطابات واقوال تموج بين حنايا الشعر والفلسفة والتصوف وتبحر بمجاديف الثقافة الشعبية والانسانية.. وهي في ذلك لا تروم تشكيل نصوص نظرية، بل تسعى إلى تجاوزها وخرقها عبر كتابة نوع أدبي جديد يمتح من السرد محكيه، ويستلهم من الشعر إيحاءاته المجازية، ومن الفلسفة حكمتها وأسئلتها الوجودية، ومن التصوف إشراقاته، لكي تنتج في نهاية المطاف نصا يقف على كل تلك التخوم.
هذا التنوع والتعدد، يكاد يشكل عنوانا تأطيريا للتجربة التخييلية لسيدة عشقت القلم والورقة، فحلقا بها في سماوات الحلم، فكانت أحلام مستغانمي، التي تربي قبائل التحدي في الحب وتخط لها عاداتها وتقاليدها التي ستروى على ألسنة شخصياتها.
في لندن كان اللقاء، وعلى هامش توقيع الكاتبة الجزائرية الاثيرة على اتفاق في العاصمة البريطانية مع 'دار بلومز بري- مؤسسة قطر' للنشر لترجمة إصدارها الأخير 'نسيان.com' إلى اللغة الانكليزية كبداية لترجمة بقية أعمالها.
قلوبهم معنا وقنابلهم علينا
- صدر لك كتاب ادبي سياسي تنعين فيه حال العرب بعنوان ' قلوبهم معنا وقنابلهم علينا'، فهل هو عودة الى سرد التاريخ العربي الحاضر، كما كانت 'ذاكرة الجسد' امينة في تصوير الواقع الجزائري؟
- لما كنت في الثامنة عشرة من عمري كانت امنيتي ان اموت من اجل قضية عربية. وحينما احتل الغرب العراق كانت امنيتي - رغم انني ام - ان احارب في العراق واموت به.. لكنني سرعان ما اكتشفت غبائي عندما رأيت ان الجثث العربية للابطال العرب الذين ذهبوا للعراق تركت وليمة للذباب، فهؤلاء اربكوا العراقيين احياء وهم اموات ايضا، لم يدروا ماذا يصنعون بهم، تبرأوا منهم! سمعت شابا مغربيا يقول وهو يبكي ان اباه الذي ذهب للدفاع عن العراق ومات فقيرا لم يترك لهم شيئا الا الكرامة.. الان هذا الشاب نفسه، حينما كان يتكلم من المغرب، الطرف الاخر من العالم العربي، وبعد هذا هل هو مستعد اليوم ان يقول نفس الكلام؟ بعد عشر سنين هل التفت اليه احد؟!
هذه الدول العربية التي دافعنا عنها انتهت كلها وليمة لعمليات نصب وسرقات.. يا أخي كيف وصلنا الى هذه الحالة؟!
بكيت على علماء العراق اكثر مما بكيت على ابي! بكيت على نهب متحف العراق، كما لم ابك على بيتي لو انه سرق.. لان امريكا حينما جاءت دافعت عن وزارة النفط ولم تدافع عن المتحف، بل ارسلت من ينهب المتحف، لان عقدة امريكا هو التاريخ، لانها بلد من دون ذاكرة. وكان اول عملها في العراق ان تجرده منها وتظهر للعالم ان هذا الشعب متخلف وليس لديه شيء. المتحف كان يزعجها منظر الذين كانوا ينهبون المتحف كان موجعا يبكي الحجر. فقد اصطادوا العلماء والمفكرين ومثقفي العراق صيد الحمام، بعد ان قدمت قائمة باسمائهم للامريكان.. يا اخي هل يوجد بلد في هذه الدنيا يقدم اسماء علمائه لعدوه. اناس قدموا حياتهم من العلم جيلا بعد اخر، فكم يلزم هذه الامة لتنجب عالما؟ هم يعلمون، انهم ضربوا رأس الامة، حينما يقتلون عالما ليس كما يقتلون سياسيا وزعيما، فبالتالي كان العلماء مخيرين بين الخيانة او الموت ومن فر منهم قتل.. فهذه كانت اكبر كارثة، وقد قلت هذا في محاضرات بجامعات واشنطن وبوسطن، وميتشيغن وفي عز اغتيال العلماء!
الغريب انني حينما طلبت تأشيرة دخول اعطيت لي وانا واقفة، لماذا لانهم قرأوا اسم الجامعات التي دعتني، فعلقت في المحاضرة هناك، انه دليل انهم يحترمون قيمة العالم والعلم، فلا يحققون معك لانهم يعرفون قيمة العالم فاول من قتلوا العلماء.. عكسنا نحن ففي عالمنا اذا كنت اعلاميا يوقفونك في المطار لانك محل شك، فالعلم لدينا تهمة وشبهة، العلم عندهم يشفع لك.. قال لي اساتذة جامعيون في امريكا من الامثلة ان احداهن كانت لديها مشكلة عويصة في الاقامة فشفع لها استاذها بالجامعة فبقيت، لم يشفع لها ضابط ولا وزير ولا سارق ولا فاسد.
حين احتفى قصر بكنغهام بالمثقفين العرب
- لماذا يعيش المثقف العربي الان في أسوأ محنه ربما، بل صار يكرم في الخارج بدل ان يحظى بهذا الشرف في بلاده؟
- لا بد ان اجيب على سؤالك هنا بقصة فتح ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية قصر 'بكينغهام بالس' للمثقفين الذين زاروها مع الشيخة موزة- التي اخذت على عاتقها السمو بكل ما له علاقة بالادب العربي في حالة لم نشهدها قط لدى اغنياء العرب- فقد تحاورت الملكة مع الكاتبات والكتاب العرب، وهذا شيء رائع لم يحدث من قبل، ففي بلادنا حتى ابواب وزير الثقافة لا تفتح لهم ولا هواتف المسؤولين ترد عليهم، وحينما تستقبل ملكة بريطانيا المثقفين العرب بصفتهم قيمة ثقافية لامة عربية، فهذه رسالة انه لا بد من استثمار بعض اموالنا في هذا الافق، بامكاننا ان نأخذ الاحترام باموالنا، ان نفرض الاحترام ولا نستجديه.. هذه الامة اشترت كل شيء من الغرب، لكنها لم تستطع ان تشتري الاحترام.. اشترينا اسلحة بالمليارات لم تستخدم.. يا ريت حكامنا يعطون هذه الاموال لامريكا دون شراء تلك الاسلحة، لان الهدف من شرائها هي الكرسي وليس للدفاع.. هذه الاسلحة تحتاج خبراء عسكريين والى قاعدة عسكرية امريكية او اخرى، وبالتالي انت تستضيف عدوك على حسابك وانت تعلم ان هذه الاسلحة لن تستخدم لان كل شيء فيها ينقصه شي موجود عند المورد، وشروط بيعها انك لن تضرب عدوك الاساسي، وهو اسرائيل، فمن اذا ستضرب بها: جارك العربي او المسلم، ام تهدد بها مواطنك من خلال الاستعراضات العسكرية، وعلى اجساد من ستمشي هذه الدبابات الا على اجساد المواطنين والى من ستوجه تلك البنادق غير صدورهم؟!
وتتساءل مستغانمي: أين مخازن سلاح صرفت عليها المليارات منذ خمسين سنة ولم نرها، وفي المعارك الحقيقية لم تستخدم او نخرجها من اوكارها، فقد اثبت الفلسطينيون قبل 15 سنة انه كانت تكفي الحجارة، لانها في يد كريمة وابية افضل من سلاح فتاك في ايد متخاذلة وجبانة. السواعد هي التي تحمل السلاح. نحن مبرمجون.. كلما تينع رؤوس اموالنا تخترع امريكا مبررا وتأخذها منا ونعود.. امة تنهب بأوهى الاسباب والذرائع!
وتضيف: لم يعد هناك مجال للصدق في بلادنا فهذه كارثة وفاجعة، الذين يحكموننا في العالم العربي يحيطون انفسهم بالمنافقين، ولا يمكن ان توصل كلمتك، اضافة لذلك ان العلم شكل من اشكال الحرية، فكلما تكون متعلما تزداد حرية، وتزداد خطرا. وبالتالي حتى الجهلة لا يصدقون ما يقال عن العلم والجامعات في الدول العربية، هم يدشنون احجارا جامدة بنفس الوقت يفقرون البشر.. جعلوا من الناس بطونا تريد فقط ان تعيش، فحينما الانسان يصبح كتلة بيولوجية ينحصر اهتمامه بالبحث عن الاكل والشرب، ولن يجد وقتا للتفكير او التساؤل عما يحدث.. نحن مهانون في اوطاننا، فكيف تريد للعالم ان يحترمك اذا كنت انت لا تحترم نفسك؟
محاولات لتشويه الرموز.. محمود درويش نموذجا
- أين زخم الكتاب والحراك الثقافي العربي الان.. لا نرى او نسمع صوت المثقف في ما يحدث الا لماما.. ألم يعد هناك مثقفون؟!
- نحن نمر بمرحلة عجيبة فعلاقة المثقف بالسلطة تغيرت.. في السبعينات كان هناك زخم.. الشعوب بحاجة الى رموز وهذه الرموز ماتت.. لا بد للمثقف وهو انسان على قدر من التعليم ولديه قدرة على ان يأخذ موقفا، ليس بالضرورة ان يكون مثقفا بالمعنى التقليدي. المثقف لم يعد موجودا او يجرؤ على قول كلمة لا .. الرموز الكببيرة راحت.. الامة العربية تشوه كل رمز، وكأن هناك تخطيطا لذلك! لان الرموز خطيرة، فمثلا كانت هناك محاولات لتشويه محمود درويش سواء قبل رحيله او بعده وغيره ايضا.. هذه تحركات ليست عفوية او بريئة.. الرمز يعطيك فكرة احتمال امكانية ان تقول لا، والدليل فلان تتماهى معه فهو جميل لدرجة تريد ان تكون انت هو. الان لم يعد هناك مثقف كبير تنبهر به. الناس تعبت، هناك جانب من خيبة كبيرة.. انطلق من نفسي.. تعبت كثيرا كنت اقول لن ازور بلدا عربيا لديه علاقات مع اسرائيل، وكنت اقول لن ازور بلدا عربيا فيه سجين رأي، واستمت على مدى ثلاثين سنة دفاعا عن هذا الموقف، لاني استحي ان ادخل بلدا فيه سجين، واُسأل كيف انني لم ادافع عن ذلك الشخص.
تبنيت تلك القضية ورفضت الكثير من الدعوات للتكريم لانني لا اريد ان اكرم كمثقف، بينما مثقفو ذاك البلد في المنفى، هي قضية مبدأ تُكرم في محفل بينما تحتك تحت الارض هناك كاتب يعذب بسبب رأيه، فانت تهين نفسك بتلك اللحظة.. التاريخ سيحاسبني. كان لدي الكثير من الاصدقاء العراقيين تمنوا ان يعودوا للعراق، بينما انا ادعى لزيارته لاشارك في 'المربد'، فكيف يمكن ان اكرم في العراق، بينما كتابك منفيون في الخارج؟ اذا اردت ان تكرم الادب فكرم ادباءك اولا.. الكاتب العربي تعب.. كنت صارمة مع نفسي كنت وما زلت احاول ان انسجم مع نفسي، فان تخسر نفسك يعني ان تعدم. لكن تبقى لدينا امانة التواصل مع قرائنا، فلماذا نقاطعهم.. وجودنا معهم يقويهم.. وجودنا معهم يقوي تيارهم الجميل. انها امانة وسلطة المثقف، بامكان الكاتب ان يأخذ موقفا ويحرك شيئا اذا كان اسمه نظيفا، ستكون لديه سلطة لدى الناس. هناك وجع اسمه القدس.. اهانة اسمها الامة.. وقيم تنهار.
الرغبة تصنع ادبا لكن المتعة لا نصنع شيئا
- نرى اضمحلالا للرواية العربية.. هناك محاولات تشبه السير الذاتية.. اهو بسبب البعد عن القراءة.. او التقصير ام هو عدم تشجيع وتعب الراوي؟
- والله لم اعد ادري.. الروايات الكبرى التي تركت بصماتها مثل اعمال عبدالرحمن منيف والطيب صالح 'موسم الهجرة الى الشمال' و 'ذاكرة الجسد'.. الناس كانت لهم قضية ووجع.. هناك بعض المحاولات.. الكبار كانوا منطلقين من ذاكرة جماعية.. الان الذاكرة صارت فردية، كل واحد يتحدث عن نفسه.
الهاجس الان هو الجوائز، والترجمة أذت الادب العربي. زمان حينما كانوا يكتبون لم يكن همهم ان يترجموا الى العالمية، لانهم كانوا مستعدين ان يموتوا من اجل نصوصهم، وليس لديهم هاجس الترجمة! ما افسد الادب العربي هو موجة الترجمات والجوائز، اصبح الواحد يكتب ونصب عينيه لجنة التحكيم والقارئ الغربي وماذا سيكسب.. فالكاتب حينما يضع المكاسب قبل القضية فهذه مصيبة وهنا ينتهي، مهما كان نوع القضية، الان يفكرون اذا كتبت حول الشذوذ الجنسي سأنجح في الغرب، اذا شهرت بالرجل العربي والاسلام ومعاملته وبالقومية العربية فهذا سيفتح لك طريقا..
انا اقول مثلا موضوع الشذوذ الجنسي الذي عملت منه دول الخليج موجة من الكتابات، ما هي نسبة وجوده في المجتمع.. هو موجود لكن لا يتجاوز 10 او 15 بالمئة على ابعد تقدير، لكن حينما تصنع منه رواية كاملة وتركز على هذا الموضوع فأنت وظفت عملك لشيء خارج الواقع، بل اسأت لصورة بلدك.. انه تضخيم وظلم للمجتمع، والهدف واضح الفضيحة تبيع والتشهير يبيع، لكنه لا يعيش ولا يذهب بعيدا.
وتردف الكاتبة الجزائرية: يظل القارئ العربي يحب الحياء، يحب الكاتب الذي يحترمه.. اتصلت بي قارئة قالت احبك لانك تحترميني لم تستخدمي يوما كلمة اذتني او خدشت شعوري، لانك تكتبين لي باحترام وترسلين اشارات، فاشاركك بكتابة النص وتحترمين ذكائي ومقامي. القارئ لا بد ان يدخل الكتاب معه للبيت دون خجل او يخبئه.. ما يكتبه بعض الكتاب ويوقعه بفخر يستحي الانسان ان يقرأه لوحده في بيته لان فيه بذاءة وقلة حياء.. واذا كان الحياء لا يصنع ادبا فالبذاءة ابدا لا تصنع ادبا.
وتستشهد مستغانمي بان فرنسوا ساتان كتبت 60 رواية ليس بها مشهد جنسي واحد، بينما في الرواية العربية فالمشهد الجنسي تجده في الصفحة الاولى، فماذا سيبقى لتقول بعد هذا؟!
الاثارة لا يمكن ان تكون بهذه الطريقة، الخيال والمسكوت عنه هو الاجمل الذي يصنع الادب المتخيل.. اميل نخلة لديه مقولة جميلة 'ولد الفن يوم قالت حواء لادم ما اجمل هذه التفاحة ولم تقل له كُل هذه التفاحة'، هو الانبهار بالتفاح بهذه الشجرة.. وانت تنظر لهذه الشجرة من بعيد منبهر بالتفاحة وتفكر بالجانب الاحمر والاصفر فيها وتشتهيها وتريد ان تأكلها، لكن هناك مسافة بينك وبين الشجرة هنا الابداع، اما عندما تأكلها لا تصبح شيئا بل ياخذها الجهاز الهضمي وهو عامل بيولوجي.. الادب اذا هو الانبهار هو الدهشة هو التودد والاشتهاء. انا دائما اقول انني كاتبة الرغبة ولست كاتبة المتعة، لاننا بالرغبة نصنع ادبا، لكن المتعة لا نصنع شيئا.
جائزة للقارئ العربي
- العرب احتلوا ذيل قائمة القراء في العالم وهناك تقصير جمعي بهذه الفضيلة.. ألا ترين ان المشكلة في القارئ ايضا؟
- منذ اربع سنوات يسكنني هاجس تكريم القارئ العربي.. القارئ العربي غيور لكن ليست لديه امكانيات، اما الغربي فيشتري كتابا بعشرين دولارا ويقرأه وهو مسافر.. القارئ العربي ليس لديه ذاك الترف.. انا عرفت كثيرا من القراء كوني كاتبة، اعتقد واباهي بمحبة القراء، وكأنهم اهلي.. وصلت بيروت ولا اهل لي وليس لي احد.. الان لدي شجرة عائلة.. قبيلة من القراء، كلما أقترب من هؤلاء الناس اكتشف كم يعني لهم الكتاب، وهناك قراء اثروا بي كثيرا.. هناك قارئ سوري قال لي انا اشتريت كتابك بالتقسيط على دفعتين والكتاب ثمنه 5 دولارات! تصور وهذا مبلغ لا يعني شيئا.. قارئ اخر التقيته في تونس واتمنى لقاءه مجددا في زيارتي القريبة الى تونس التي اعود اليها بعد غياب طويل وحنين لنشأتي بها لاكرم من معرض الكتاب.. ذاك القارئ اسمه خالد، فحينما اجريت محاضرة في سوسة جاءني قارئ، وقال انا انتظرتك طويلا انا اسمي خالد، وبامكانك ان تسميني 'خالد بن طوبال' - بطل رواية ذاكرة الجسد - لكن هناك فرقا بيننا.. انت استطعتي ان تتقمصي شخصية خالد وهو بذراع واحدة ولكن انا دون ذراعين، واريد ان اسألك، حاولي للحظة معرفة كيف قرأتك، كيف قلبت 416 صفحة دون يدين اثنتين؟ كيف؟ احيانا بفمي واحيانا استعنت بشخص اخر.. قلبت كتابك صفحة صفحة.. خالد هذا ابكاني كثيرا.. واضاف حينما تضعين نفسك مكاني ستعرفين ان الكتابة شي والحقيقة شيء اخر ولتعرفي محنة القارئ كبيرة.
هذا القارى الوسيم ادهشني، انا كاتبة اتسلى بالمفهوم الابداعي، اخترع بطلا لان لدي قضية مثل رجل شوهته الثورة، لكنني عاجزة عن ان اعيشه ككاتبة، هل استطيع ان اعيش في شخصية بطلي ساعة.. الفنان جمال سليمان وجورج قرداحي عندما عرض عليهما العمل بمسلسل 'ذاكرة الجسد' اصابهما الرعب، وجورج خاف ان يظهر دون ذراع فكيف سيبدو بشعا، وهذا بالمسلسل، فما بالك بالحياة. عندما يأتي قارئ كفيف من الجزائر ويدفع لاحد كي يأخذه للمعرض ويسعى ليأخذ توقيعا منك لن يقرأه، الا حينما يعود للبيت ويستأجر عيونا كي تقرأ له الكتاب.. ورجل من الفقر تطلب منه رقم تلفونه فيقول ليس لدي هاتف.. لماذا ليس لديك هاتف وانت كفيف تحتاجه؟ فيقول لا.. انا احتاج كتابا اكثر من الهاتف.
هؤلاء الناس انحني لهم اجلال عندما يأتيك اسير من سجن عسقلان ويقول هربنا كتبك واعدنا استنساخها بحروف 'السمسمة' يعني اصغر حرف، لانه ليست لديهم اوراق، ويضيف انت معنا التاسعة في كل زنزانة.. هؤلاء هم القراء العرب. لعن الله اي مجد دونهم.. فهكذا قراء اذا لم اكرمهم فلست كاتبة.. الفكرة التي اعمل عليها هي لتكريم القارئ العربي، فانا اعتبر القراء العرب مجاهدين.. اتمنى من يتبنى هذه الفكرة، وخاصة المؤسسات التي تعنى بالثقافة، لقد كُرم الكاتب والشاعر والروائي، لكن ألا يحق للقارئ ان يجد من يكرمه؟
كنت سأنجب منك قبيلة
- أين اعمال احلام مستغانمة الجديدة ام احلام الجديدة.. بعد هذه الشهرة هل هناك تهيب من الكتابة؟
- اريد ان انجو من 'ذاكرة الجسد'، فكلما تركته خلفي اجده امامي وهذا قدري.. انا مدينة لـ'ذاكرة الجسد'، ففي النهاية صرت انسب لها ولم تعد تنسب لي.. احد مشاريعي تحويل هذه الرواية الى مسلسل في رمضان المقبل، بدأ العمل به مؤخرا، وسيكون من اخراج نجدت انزور وبطولة جمال سليمان وسيناريو ريم حنا، ولاول مرة بطولة تلفزيونية من الجزائر للفنانة امل شوشة، وانا الان اراجع السيناريو.. ولدي شبه اتفاقية مع شوقي الماجري لتحويل العمل الى فيلم كبير، فهو مخرج رائع ومثقف ولديه قضية.
كما اعكف على مشروعين روائيين هما 'الاسود يليق بك'، ففي هذه الرواية تطورات مذهلة، بحيث اصبحت ثلاثية وستكون فيلما ايضا، وهي رواية جميلة مبنية على فلسفة الحياة وثراء الحب. وقد حاولت ان انجو من السياسة ولم انجوا كثيرا فقد نصبت فخا لنفسي ووقعت فيه مجددا.
هي رواية الفصول الاربعة للحب، انا بدأتها بالنسيان بدل الفراق ثم الفراق ثم الحب واللهفة ثم الغيرة والجنون وكل الاحاسيس المجنونة الشرسة التي يفرزها، ويأتي بعد ذلك الفراق.. وتضيف انا اعتقد ان سبب نجاحي ليست موهبتي بل البؤس العربي .. انه مقياس للبؤس العاطفي، فكتابي الجديد 'نسيان. com تشتريه النساء بكثرة وينسخنه ويوزعنه على الصديقات لان فيه الكثير من العزاء لهن، وهذا النسيان ربما يتحول الى عمل تلفزيوني ايضا.
وعن وصفها بالمقلة في الانتاج تقول مستغانمي: اريد التفرغ للكتابة وان انعزل واكتب واكتب لاسعد به لان الوقت يطاردني دائما.. وهناك مجموعة شعرية اعمل عليها بعنون: ' كنت سأنجب منك قبيلة' قد تصدر بديوان شعري وبصوتي على موسيقى خصيصا لـ'السي دي' وهي قصائد عاطفية جميلة كتبتها على مدار عشر سنوات، وهناك كتاب شعري اخر.. حينما اشعر بحزن اسمع ارء القراء فهم اهلي وهم من يعينني على ألا اتكاسل.
- أخيرا، من أين تستمدين العزم والامل في حياتك كي تقدمي كل هذا العطاء للقراء؟
- لا بد من التنويه هنا انها زيارة خاصة لي للندن وبهذه الفترة بالذات كونها ذكرى وفاة الشاعر العربي الكبير نزار قباني، الذي احس بروحه في هذا المكان يجوب العاصمة فوق باصاتها الحمراء ليتأمل ويكتب، وهذا قبس من الوفاء له.. ما يقويني
مجموعة مقولات للامام علي كرم الله وجهه، اهديها لكل من احب وللاصدقاء واستشهد ببعضها: 'لا تنال نعمة الا بفقدان اخرى' و 'احسن الى من شئت تكن أميره.. احتج الى من شئت تكن أسيره.. استغني عمن شئت وكن نظيره'.. هذه اهديها الى كل القراء وعليهم التعمق فيها.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر