اليبوسيون والكنعانيون
كان العرب اليبوسيون أول من حفِظ التاريخ الإنساني سكنهم في القدس، فقديماً لم تكن أنواع الكتابة والتدوين قد اكتشفت بعد، وبقي الاعتماد في دراسة التاريخ على الأحافير كمصدر وحيد إلى أن اكتشفت الكتابة وابتدأ التأريخ الإنساني، وكان ذلك قبل أكثر من ستة آلاف عام حين هاجرت قبائل اليبوسيين من موطنهم الأصلي في الجزيرة العربية واستوطنوا مدينة القدس وما حولها، فعرفت أرض فلسطين بأرض اليبوسيين، الذين سُجّل لهم إنشاء عاصمة دولتهم في مدينة القدس، حيث كانت تعرف آنذاك باسم (يبوس) أو ( أورسالم).
وبالتزامن مع اليبوسيين هاجرت قبائل العرب الكنعانيين من جزيرة العرب إلى فلسطين، وهاجر الفينقيون الذين كانوا من بطون الكنعانيين العرب أيضاً، و تركز وجود هؤلاء في مناطق الشمال الفلسطينية، وأسسوا في فلسطين ما يزيد على مئتي مدينة كانت أبرزها (يبوس) القدس التابعة لليبوسيين، إضافة إلى (شكيم) نابلس، و (حبرون) الخليل.
كما عاش في فلسطين في ذات الفترة، شعب العموريين أو الأموريين، وهي قبائل عربية نتج عنها على مدى مئات السنين شعب الهكسوس الذي كان له دور بالغ الأهمية في مدينة القدس.
جدير بالإشارة أن أقوام (اليبوسيين) الذين حكموا القدس كانوا وثنيين غير مؤمنين، ومن هنا لا يأتي الاستشهاد بسكنهم لمدينة القدس من باب الفخر بأن العرب كانوا أول من سكن هذه المدينة، إنما يأتي في سياق دحض الافتراءات اليهودية التي تدّعي أنّ اليهود هم سكان القدس الأصليون، وأنهم أول من عمر المدينة المقدسة وسكنها، مزيّفين بذلك فترة تاريخية هامة تمثلت بهذه الشعوب العربية التي سبق وجودها في القدس الوجود اليهودي بأكثر من 1500 عام.
البيزنطة
كما هو معلوم فإن الدولة الرومانية كانت في بدايات نشأتها تتخذ من الوثنية ديناً ومذهباً، وبقيت كذلك حتى قرابة العام 300 للميلاد، حين أعلن الامبراطور الروماني ( قستنطين) وأمه الملكة الرومانية (هيلانا) إعتقناقهما للديانة النصرانية، على مذهب (بولس أو شاول) الذي كان من أدخل الإيمان بالطبيعة الإلهية للمسيح داخل الديانة النصرانية.
هذا التحول شكل سابقة خطيرة في تاريخ دولة الرومان، وجعل من الديانة النصرانية ديانة رسمية للدولة، وانقسمت على إثر ذلك إلى إمبراطورية بيزنطية في الشرق، وأخرى رومانية في الغرب، وبطبيعة الحال أصبحت القدس تتبع لامبراطورية بيزنطة الشرقية.
إعلان الدولة النصرانية في القدس، ساهم كثيراً في زيادة الاهتمام البيزنطي بها، فبنى الامبراطور النصراني (قستنطين) العديد من الأبنية والمرافق في المدينة، لعل أشهرها هو كنيسة القيامة، التي اعتقدت الملكة هيلانة أنها بنتها في مكان صلب المسيح.
وبسبب العداء القائم بين اليهود والنصارى، لتحميل الأخيرين مسؤولية قتل المسيح وصلبه لليهود ونسلهم أبداً، فإن اليهود كانوا ما زالوا منفيين خارج المدينة المقدسة وبعيداً عنها، وسمح لهم على فترات متباينة من الحكم الروماني المتأخر أن يزوروا القدس لقاء رسوم تدفع للدولة البيزنطية. وبقي المسجد الأقصى في تلك الحقبة الزمنية خرِباً وخالياً.
الرومان وظهور المسيح عليه السلام
وفي منتصف القرن الأول قبل الميلاد، بدأت دولة الرومان في التحرك وتكثيف حملاتها الهادفة لتوسيع مملكة الروم، فبدأوا بالاستيلاء على ممالِك الاغريق مملكة تلو الأخرى، وفي العام 63 ق.م استطاعوا الاستيلاء على منطقة سورية وفلسطين، فأصبحت القدس خاضعة للدولة الرومانية، فسارع اليهود لإعطاء الولاء لروما مقابل أن أعطاهم الرومان حكماً ذاتياً محدوداً في مدينة القدس. هذا الحكم المحدود والذي لم يغيّر من نظرة اليهود إلى "الاحتلال الروماني" ، أدّى في كثير من الأحيان إلى اشتعال الثورات والاضطرابات الداخلية، التي أذكاها اليهود بتحريض من الأحبار ورجال الدين، حيث كانت لهم في تلك الفترة زعامة روحية كبيرة، وسطوة على المسجد الأقصى في سدانته ورعاية شؤونه.
كثيراً ما كان الرومان يقمعون ثورات اليهود بقوة السلاح والنار، إلا أنه وفي العام 43 ق.م ارتأى الرومان وضع شخصية مثيرة للجدل وصفت بأنها من دهاة السياسة، في منصب والي القدس، وكانت هذه الشخصية هي الملك ( هيرودس) وهو من أصل روماني.. ادعى أنّ أمه رومانية وأبوه يهودي، وخطب ودّ اليهود في المدينة المقدسة عن طريق اعتناقه لليهودية ومحاولات التقرب لليهود.
وعلى الرغم من أن غالبية اليهود لم يعترفوا بهيرودس، نظراً لأنهم يعتبرون اليهودية موروثة من جانب الأم، إلا أن هيرودس استطاع اخماد الثورات في المدينة وتحييد اليهود قليلاً، وطغت أجواء الصراع ما بين الرومان والفرس، وتناوب المدينة المقدسة ما بين المملكتين على أية أجواء صراع داخلي بين اليهود والرومان، وإن كانت بعض المصادر التاريخية تشير إلى خيانات يهودية متكررة كانت تتم لصالح الفرس ضد دولة الروم.
قام هيرودس خلال حكمه، ببناء قلعة داوود الموجودة حالياً في مدينة القدس قرب باب الخليل. كما قام بإعادة تجديد المسجد الاقصى، إلا أن اليهود لم يعترفوا له بهذا البناء، وبقيت المصادر اليهودية إلى الآن تقول أن (المعبد) لم يُبني سوى مرّتين متجاهلين بناء هيردوس لأنه لم يكن رجلاً يهودياً صافياً.
تطرقنا في معرض الحديث عن القدس تحت الحكم اليوناني، أن اليهود كانوا قد وصلوا إلى مرحلة شديدة الانحراف عن الدين، وازداد الأمر سوءاً مع مرور السنين، حتى وصل الأمر بهم إلى الحضيض، وظهر في ذلك الوقت بيتٌ يهودي فريد، من البيوت القليلة التي ما زالت تعرف الدين الحقّ وتعمل به، كان هذا بيت ( آل عمران ) الذين اصطفاهم الله عز وجل، وجعل من نسلهم مريم –عليها السلام- وجعل من نسلها الطاهر النبي عيسى وابنَ خالته النبي يحيى –عليهما السلام-.
وفي تلك الفترة اجتمع لبني اسرائيل ثلاثة أنبياء دفعة واحدة، هم زكريا وعيسى ويحيى –عليهم السلام-، ليؤشر لنا ذلك عن مدى الانحراف الديني والانحطاط الإنساني الذي آل إليه بنو إسرائيل في تلك الحقبة.
أمّا المسجد الأقصى فقد فاض الطابع المادّي لليهود ليصل إلى أماكن العبادة والمقدسات، فحوّله اليهود إلى سوقٍ للبيع والشراء، ومكانٍ لتداول الربا.
ولعل ظهور الأنبياء الثلاثة كان بمثابة الإنذار الأخير الذي تلقاه بنو اسرائيل، قبل أن تجري عليهم سنة الله في استبدال من أبى وأفسد من الأمم.
لكنّ اليهود لم يقتنصوا فرصتهم الأخيرة، بل أمعنوا في الافساد والاستكبار، فقتلوا زكريا ويحيى، وتآمروا مع (بطليموس) قائد الرومان وحرّضوه من أجل قتل المسيح عيسى عليه السلام وصلبه، لولا أن نجّاه الله منهم، ولم يرحموا من تبقى من أتباع المسيح فقتّلوهم وشرّدوهم خارج البلاد.
وبرَفع المسيح إلى السماء في العام 33 م وفق المصادر التاريخية، سادت الاضطرابات وعادت الثورات إلى القدس من جديد، وبدأ اليهود في الاشتغال بقطاعة الطرق للقوافل الرومانية، وانتهجوا تخريب تجارتهم وبيوعهم، ما حدا الدولة الرومانية إلى وضع حدّ لهذا التمرد في العام السبعين للميلاد، فيما سمي بالثورة (المكابية).
فحاصر القائد (تيطس) الروماني مدينة القدس، ثم سقطت في يد جيشه ليستبيح بيوتها ويدمّر جميع معالمها بما في ذلك المسجد الأقصى، حتى قيل إنه لم يترك في المدينة حجراً على حجر، وأجلى الرومانُ من بقي حياً من اليهود وأبعدوهم عن مدينة القدس مسافاتِ قرىً وجبالٍ شاسعة، وبقيَت القدس مدينة خراباً فارغة حتى العام 135 للميلاد.
حيث تذكر المصادر التاريخية أن الإمبراطور الروماني (هادريان) أمر بحرث المدينة المقدسة، وإقامة مدينة رومانية جديدة على أنقاضها، سميت في ذلك الحين باسم (إيليا كابيتولينا)، وكانت منطقة المسجد الأقصى خارج حدود هذه المدينة وخارج أسوارها، كما تشير الخرائط الرومانية القديمة، كالموجودة في مدينة مأدبا الأردنية مرسومةً بالفسيفساء، ويمكن الرجوع إليها في كتاب تاريخ فلسطين المصور، وبقي الأقصى أرضاً خواءً تتوسطها صخرة مرتفعة، مهملة كما حولها من مساحات.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر