دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة الفتى محمود وليد ثوابته من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، إلى ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بأحد مصانع الحجر والرخام في مسقط رأسه، من أجل مساعدة والده في توفير الاحتياجات اليومية للحياة.
لم يدرك الفتى الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر، أن لقمة عيشه ستكون مغمسة بالدماء وأنها ستكون حتفه الأخير، وهكذا فارق الحياة قبل أسبوع أثناء عمله في مصنع الحجر.
وثوابتة واحد من نحو 8 آلاف يعملون في هذه الصناعة في منطقتي بيت لحم والخليل، وتقول إحصاءات اتحاد العمال إن حوالي 1800 منهم تعرضوا لإصابات أثناء العمل.
وقال وليد ثوابتة والد الفتى لوكالة 'وفا': كان ولدي يحلم أن يكمل دراسته، إلا أنه فضل تركها، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها، حاولت مرارا وتكرارا ثنيه عن ذلك، إلا أنه صمم على رأيه والتحق بالعمل'.
بهدوء أعصاب، وإيمان بقدر الله تحدث الوالد، فقال 'أراد محمود أن يعمل حتى صيف هذا العام ومن ثم يعود إلى مقاعد الدراسة من أجل الحصول على شهادة الثانوية العامة 'التوجيهي'، لكن لم تتحقق أمنيته، فكان الموت أقرب من ذلك'.
وأضاف 'توفي ولدي بعد أن حاول تنظيف المنجل الخاص بقص الحجر، فانزلق وسقط من ارتفاع عال يصل لأكثر من ثلاثة أمتار على كوم من مخلفات صناعة الحجر، نقل إلى المستشفى وهناك فارق الحياة'.
وأكد والد الفتى المتوفى أن ظروف العمل في مصانع الحجر 'غير منظمة وتحتاج إلى ترتيب الأمور وفق الشروط الصحية الآمنة في ظل الرقابة الدائمة'.
وبكلمات مؤثرة قال: عوضي من الله، فقد سامحت بحقي الشخصي.
وتعتبر صناعة الحجر والرخام من أخطر الصناعات في الأرض الفلسطينية على العاملين فيها، حيث لقي عدد منهم حتفهم إضافة إلى إصابة العشرات، ومنها خلفت إعاقة دائمة لهم.
وقال وزير العمل الدكتور أحمد مجدلاني لوكالة 'وفا' 'المشكلة الرئيسية تكمن في عدم اتباع وسائل وإجراءات الصحة المتعلقة بشروط العمل للعاملين في القطاع والذي يعتبر من أخطر القطاعات في فلسطين'.
وأوضح أن الوزارة لديها طواقم تفتيش تقوم بجولات ميدانية للإرشاد والتدقيق لتصويب وتصحيح الأوضاع العامة في المنشآت المتعلقة ببيئتها وتحسين شروط العمل في كافة المؤسسات وخاصة قطاع الحجر والرخام.
وقال: 'تم العام الماضي القيام بجملة من الإجراءات في ظل تطبيق القانون من خلال توجيه إنذارات وإغلاق منشآت لعدم التزامها بالشروط اللازمة، وفرض غرامات مالية هذا في قطاع الحجر والرخام بعدد وصل إلى 60 منشأة'.
وأكد مجدلاني أن قطاع صناعة الحجر 'يعاني مشاكل منذ سنوات وبحاجة إلى وقفة جدية لحلها، ورغم التطوير في آلية ذلك إلا أنها غير كافية ونحن بحاجة إلى مواصلة العمل لتحسين شروط ظروف العمل، لكن للأسف أعمال القطاع خطيرة ووقعت عدة حوادث مؤسفة أدت إلى وفاة عدد من الأشخاص وإصابة آخرين بعضهم بإعاقات'.
وأشار إلى أن عدد العمال في هذا القطاع لا يمكن حصره 'لأن هناك عمالا موسميين وآخرين يعملون بشكل غير دائم، وآخرين بشكل مقاولات'.
وفيما يتعلق بقانون العمل، قال د.مجدلاني إن 'القانون يمنع الأطفال دون 15 عامًا من العمل، لكن هناك عددًا منهم يعملون في منشآت ذات طابع عائلي بشكل غير منظم، حيث لا يطبق فيها القانون'.
واعترف الوزير مجدلاني، بأن هناك نقصًا في عدد المفتشين للعمل الميداني، رغم أنه ارتفع عددهم في العام الماضي وما قبله إلى حوالي الثلث إضافة إلى إعادة تأهيلهم من الناحية التقنية والفنية وإمدادهم بالسيارات من أجل الوصول لأماكن المنشآت.
وأضاف أنه 'يبذل جهدًا في هذا الإطار، لكنه غير كاف ليس لتفتيش قطاع الحجر والرخام، بل الحاجة تتطلب التفتيش على قطاع البناء والإنشاءات المتزايد في الفترة الأخيرة أمام النهضة الاقتصادية والتنمية الاقتصادية وعليه نسعى لتطوير آليات العمل ورفع الكفاءات في قطاع التفتيش'.
من جانبه، قال رئيس اتحاد الحجر والرخام في فلسطين صبحي ثوابتة، إن 'الأخطاء كثيرة في هذا القطاع، خاصة فيما يتعلق بحياة العمال وأن من يتحملها صاحب المنشأة والعامل معا'.
وأضاف أن الاتحاد 'وقف أمام هذه الحوادث بجدية، ويعمل من أجل التنسيق مع مكتب العمل في كل محافظة، بهدف عقد ورشات عمل لقطاع العمال وأصحاب المنشآت لاطلاعهم على الشروط العامة للسلامة والتخفيف من الأضرار'.
وقال ثوابتة 'ليس لدينا الصلاحية الكاملة في إغلاق أو الوقوف على محاكمة المخالفين من أصحاب المنشآت، مهمتنا تكمن في الحفاظ على أصحاب المصانع وحقوق العمال'، مؤكدًا أنه حذر من تداعي الأمور 'لكن دون جدوى'.
وثمة شروط عامة يتوجب التقيد بها في مصانع الحجر، لا سيما التأمين الصحي، والإسعاف الأولي، وطفاية، ولباس الخوذة على الرأس، ولباس واق للرجلين، وإبعاد عمال نقش الحجر 'الدقيقة' من داخل المصنع، غرفة مستقلة وحمامات للعمال وأمور أخرى، والتخلص من مخلفات صناعة الحجر من الداخل.
وحسب ثوابتة، قتل عاملان في بيت لحم والخليل العام الماضي وآخر هذا العام ناهيك عن وقوع إصابات مختلفة، مؤكدًا أنه يحمل المسؤولية لصاحب المنشأة ووزارة العمل في ظل التقصير الواضح للقيادة بدورهم في عملية التفتيش الدائمة.
أما الأمين العام لنقابة عمال فلسطين شاهر سعد، فقال 'القانون لا يعطينا دورًا في ذلك ومسألة التفتيش من مهمة وزارة العمل، وندرس إمكانية القيام بأمر استثنائي في الأول من أيار من خلال إعطائنا دورًا في عملية التفتيش والتوعية الصحية'.
وأشار سعد إلى أن 'دور الاتحاد لا يتعدى استقبال شكوى العمال ومتابعة أمورهم من خلال وزارة العمل والمحافظة ولا يسمح لنا بالذهاب إلى المصنع'.
وطالب سعد بتشكيل مجلس أعلى للصحة والسلامة المهنية يشارك فيها خبراء ومعنيون في هذا المجال 'لضمان تطبيق نظام وقانون للصحة والسلامة المهنية'.
وقال أحد العاملين في هذا القطاع ورفض ذكر اسمه 'لا يوجد هناك أي مقومات للشروط العامة لسلامة العمال، نضطر للعمل من أجل لقمة العيش وضيق الحال، وعدم تمكننا من الوصول إلى أماكن العمل في إسرائيل'.
وأضاف 'تعرضت لانزلاقات على الأرض أثناء العمل، لا أدري ربما بسبب وجود المياه أو تراكم مخلفات صناعة الحجر'، وناشد القائمين على هذا القطاع 'بالاهتمام بسلامة العمال خاصة في قطاع صناعة الحجر والرخام لما يشكل من تهديد واضح على حياتنا أثناء العمل'.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر