الكاتب: الشاعر عمر فارس أبو شاويش
مثلي اليوم لا يختار ثمناً محدداً لشراء الأصدقاء .. جلّهم يعرفون كيف يأتون في الوقت والزمان المناسبين .. تعهدنا لحظات جميلة، حزينة، كئيبة، سعيدة، لكننا لا نرى صورنا على جباهنا ممزقة كما يفعل الآخرون مماً نالهم الدهر ومزق شرايين لقاءاتهم ، التي نادراً من تبنى على محبة، وغالباً ما تبنى على مصلحة ما ، أو غاية في نفس يعقوب .
سمعنا كثيراً عن صبر البحر وأيوب ، تلاطمت بنا الأمواج ورست حيث يشاء القدر أن نغرق وننجو من جديد من بوابة الأمل والصدق والحياة .. فكل الأمواج لنا .. وكلّ الرمال لنا .. حتى إذا ما غرقت ، تعي تماماً أنّك بين نهريّ الموت ، فلا نجاة ولا هرب .
أذكرُ في النرويج ذلك المشهد العفوي ، لم أكن أعبأ بمروره قربي لكنّه حافظ على أن يتابعني عن كثب ، بدأ يقترب ويحاول أن يحدثني ، تلعثمت للحظة وكنت قد ظننت أنّه يريد مالاً مما أحمل وأمتلك، " رغم قناعتي بأنه لن يفعل كذلك في بلاد كهذه " ، وقفت حيث أولى الدرجات التي تأخذني إلى قرية القطارات الأرضيّة التي تقلني من مكان لآخر داخل مدينة أوسلو النرويجية ، وقف هو الآخر وبدأ ينظرُ إليّ بنظرات العاطفة ، شعرت بعيناه ما قد يمنحني حبّا أبدياً، ابتسمت ، ثمّ عدّت للبكاء من جديد .
قال لي بالإنجليزية ، أنتَ فلسطيني هل تتحدث النرويجية .." إنني أعرف ياسر عرفات والدكم أنتم الفلسطينيون .. إنّه يعيش في زمان غير زماننا حيث الحريّة وعنفوان القائد .. تمنيت أنا أيضاً لو أنني فلسطيني رغم فلسطينيتي بالقضية وبالحبّ وبالانتماء " .
تمتمت شفتاي لأختار الرد المناسب على ما يقول، لكنني لم أستطع فقد أخذ الكلمات من بين شفتاي وقال " لقد أهداني ياسر عرفات كوفيته الخاصّة، لقد كتبت عنه وعن حياته ما يقارب الخمسمائة صفحة ، لكنها لم تنته بعد ، فقد أيقنت أنني أكتب حكاية طويلة وعميقة ومعقدة ومذهلة، في كتاب لم يكد لي أن أغلقه أو أحدد عدد صفحاته، أو يمكن لي أن أختار الطبعة الأخيرة للصفحة الأخيرة ، فكلّ يوم اكتشف شيئاً جديداً عن والدكم ، أكتب وأترك السطور التالية على فراغها بانتظار ما أجمع مجدداً من معلومات ، وفي كلّ مرة تزداد رغبتي لفلسطينيتي ، التي تبحث عن حريّة، وعن بندقيّة ظنوها أنّها أخطأت الطريق ، لكنها أثبتت ثقافة ياسر ، ليعيش ويحيا شعب ، كلّ الشعب " .
أيقنت أن هناك أصدقاء حقيقيون ، يعرفوننا ولا نعرفهم، وربما نعرفهم لكنهم لا يعرفوننا ، نخلص لهم بروحانيّة المواقف وبطولات الوطن بذاتنا وبداخلنا ، كل يوم نكتشف أننا أصدقاء لهذا الزمن القاسي، الذي يُخرج من بين جنباته من هم يعطوننا حقّنا ، ويكونوا الأوفياء لنا أكثر من وفائنا لأنفسنا ولماضينا وحاضرنا .
لقد قرأ على ظهري كلمة " palestine " وظنّ للتو أنني أشعر بغربة شديدة ، فآثر التحدث لي ، ليمنحني إحساس الصديق ، وربما الأخ الذي لم تلده أمي أو أمّك ، وضع يده على صدري وبدأ ينظر إلى ساعته ، أبلغني أنني بحاجة إلى راحة ، يجب أن أنم قسطاً كافياً لكي أستطيع التجوال في هذا البلد النرويجي، الفلسطينيّ دائماً .
في هذا العالم .. الأصدقاء ليسوا دائماً أصدقاء .. يأخذون حياتنا وأرواحنا وأعمارنا وراحتنا وذكرياتنا ، ولا نأخذ منهم شيئاً سوى بعض الكلمات الجميلة التي تقال في لحظة أن منحته بشيء من جسدي ، ربما عيناً أو قلباً وبعض الأحيان روحاً ، لكنهم يعرفون المعنى الحقيقي للصداقة، فلا يمنحون أنفسهم حقيقة المعنى ولا يبادرون بالتضحيّة مثلما يضحي الآخرين من أجلنا ، فهل اتعظّ الأحرار قصّة الرجل النرويجيّ الذي أحبّ ياسر وعشق حياته ؟ .
عبثية المواقف لا ترى بالعين القاصرة أو العمياء .. كل منّا له ذكرياته يستمد من خلالها حضور الذات وانسامجها مع تراجيديا الحياة القارص الذي يعلمنا فنون تجسيد أدوارنا على خشبة المسرح الحياتية .. نتقن إيصال رسالتنا ومع ذلك لا أحد يصفق لنا سوى الطيّبون .. يضحكون ويفرحون ومع دراما الوجع نجد من يبكي لتشكل دموعه عنواناً جديدة لمسرحية جديدة تروق للمشاهدين في فسحة طويلة ، ينتظرون النهاية ، لكن نهايتهم أسبق لهم من أي تفاصيل أخرى تعلمهم الارتقاء لمستوى الفكرة الدراميّة ..
يجلسون، يشاهدون، يُمعِنون النظر، يتأثرون، يضحكون، يتألمون، يشجعون ، يقفوا ويصفقون ، لكنهم حينما تمرّ عنهم علامة استفهام ، لا يجيدون طرح الفكرة من جذورها ، يغادرون المكان دون أن يفهموا تفاصيل الحياة، أو لمَ قد جاءوا أصلاً إلى هنا .
مثلي اليوم لا يختار ثمناً محدداً لشراء الأصدقاء .. جلّهم يعرفون كيف يأتون في الوقت والزمان المناسبين .. تعهدنا لحظات جميلة، حزينة، كئيبة، سعيدة، لكننا لا نرى صورنا على جباهنا ممزقة كما يفعل الآخرون مماً نالهم الدهر ومزق شرايين لقاءاتهم ، التي نادراً من تبنى على محبة، وغالباً ما تبنى على مصلحة ما ، أو غاية في نفس يعقوب .
سمعنا كثيراً عن صبر البحر وأيوب ، تلاطمت بنا الأمواج ورست حيث يشاء القدر أن نغرق وننجو من جديد من بوابة الأمل والصدق والحياة .. فكل الأمواج لنا .. وكلّ الرمال لنا .. حتى إذا ما غرقت ، تعي تماماً أنّك بين نهريّ الموت ، فلا نجاة ولا هرب .
أذكرُ في النرويج ذلك المشهد العفوي ، لم أكن أعبأ بمروره قربي لكنّه حافظ على أن يتابعني عن كثب ، بدأ يقترب ويحاول أن يحدثني ، تلعثمت للحظة وكنت قد ظننت أنّه يريد مالاً مما أحمل وأمتلك، " رغم قناعتي بأنه لن يفعل كذلك في بلاد كهذه " ، وقفت حيث أولى الدرجات التي تأخذني إلى قرية القطارات الأرضيّة التي تقلني من مكان لآخر داخل مدينة أوسلو النرويجية ، وقف هو الآخر وبدأ ينظرُ إليّ بنظرات العاطفة ، شعرت بعيناه ما قد يمنحني حبّا أبدياً، ابتسمت ، ثمّ عدّت للبكاء من جديد .
قال لي بالإنجليزية ، أنتَ فلسطيني هل تتحدث النرويجية .." إنني أعرف ياسر عرفات والدكم أنتم الفلسطينيون .. إنّه يعيش في زمان غير زماننا حيث الحريّة وعنفوان القائد .. تمنيت أنا أيضاً لو أنني فلسطيني رغم فلسطينيتي بالقضية وبالحبّ وبالانتماء " .
تمتمت شفتاي لأختار الرد المناسب على ما يقول، لكنني لم أستطع فقد أخذ الكلمات من بين شفتاي وقال " لقد أهداني ياسر عرفات كوفيته الخاصّة، لقد كتبت عنه وعن حياته ما يقارب الخمسمائة صفحة ، لكنها لم تنته بعد ، فقد أيقنت أنني أكتب حكاية طويلة وعميقة ومعقدة ومذهلة، في كتاب لم يكد لي أن أغلقه أو أحدد عدد صفحاته، أو يمكن لي أن أختار الطبعة الأخيرة للصفحة الأخيرة ، فكلّ يوم اكتشف شيئاً جديداً عن والدكم ، أكتب وأترك السطور التالية على فراغها بانتظار ما أجمع مجدداً من معلومات ، وفي كلّ مرة تزداد رغبتي لفلسطينيتي ، التي تبحث عن حريّة، وعن بندقيّة ظنوها أنّها أخطأت الطريق ، لكنها أثبتت ثقافة ياسر ، ليعيش ويحيا شعب ، كلّ الشعب " .
أيقنت أن هناك أصدقاء حقيقيون ، يعرفوننا ولا نعرفهم، وربما نعرفهم لكنهم لا يعرفوننا ، نخلص لهم بروحانيّة المواقف وبطولات الوطن بذاتنا وبداخلنا ، كل يوم نكتشف أننا أصدقاء لهذا الزمن القاسي، الذي يُخرج من بين جنباته من هم يعطوننا حقّنا ، ويكونوا الأوفياء لنا أكثر من وفائنا لأنفسنا ولماضينا وحاضرنا .
لقد قرأ على ظهري كلمة " palestine " وظنّ للتو أنني أشعر بغربة شديدة ، فآثر التحدث لي ، ليمنحني إحساس الصديق ، وربما الأخ الذي لم تلده أمي أو أمّك ، وضع يده على صدري وبدأ ينظر إلى ساعته ، أبلغني أنني بحاجة إلى راحة ، يجب أن أنم قسطاً كافياً لكي أستطيع التجوال في هذا البلد النرويجي، الفلسطينيّ دائماً .
في هذا العالم .. الأصدقاء ليسوا دائماً أصدقاء .. يأخذون حياتنا وأرواحنا وأعمارنا وراحتنا وذكرياتنا ، ولا نأخذ منهم شيئاً سوى بعض الكلمات الجميلة التي تقال في لحظة أن منحته بشيء من جسدي ، ربما عيناً أو قلباً وبعض الأحيان روحاً ، لكنهم يعرفون المعنى الحقيقي للصداقة، فلا يمنحون أنفسهم حقيقة المعنى ولا يبادرون بالتضحيّة مثلما يضحي الآخرين من أجلنا ، فهل اتعظّ الأحرار قصّة الرجل النرويجيّ الذي أحبّ ياسر وعشق حياته ؟ .
عبثية المواقف لا ترى بالعين القاصرة أو العمياء .. كل منّا له ذكرياته يستمد من خلالها حضور الذات وانسامجها مع تراجيديا الحياة القارص الذي يعلمنا فنون تجسيد أدوارنا على خشبة المسرح الحياتية .. نتقن إيصال رسالتنا ومع ذلك لا أحد يصفق لنا سوى الطيّبون .. يضحكون ويفرحون ومع دراما الوجع نجد من يبكي لتشكل دموعه عنواناً جديدة لمسرحية جديدة تروق للمشاهدين في فسحة طويلة ، ينتظرون النهاية ، لكن نهايتهم أسبق لهم من أي تفاصيل أخرى تعلمهم الارتقاء لمستوى الفكرة الدراميّة ..
يجلسون، يشاهدون، يُمعِنون النظر، يتأثرون، يضحكون، يتألمون، يشجعون ، يقفوا ويصفقون ، لكنهم حينما تمرّ عنهم علامة استفهام ، لا يجيدون طرح الفكرة من جذورها ، يغادرون المكان دون أن يفهموا تفاصيل الحياة، أو لمَ قد جاءوا أصلاً إلى هنا .
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر