فراس حمدان
كلت الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية بيئة خصبة وملهمة للفن التشكيلي الفلسطيني، فصبغت نتاجات المبدعين بصبغتها إذ أن الفن ليس جزيرة معزولة عن الأحداث فهو يتأثر ويؤثر بها. بل إن الوقائع والأحداث هي التي بلورت التوجهات الفكرية وبالتالي الفنية للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وخصوصأ أن الفنانين أكثر الناس حساسية تجاه محيطهم وقضاياهم، فكانت الخيمة والعائلات المشردة والاسلاك الشائكة ومخيمات البؤس ومجازر العصابات الصهيونية والمستوحاة من النكبة هي الملامح الاساسية لفناني تلك الحقبة .
فن النكبة
ولعل لوحة 'العطش' للفنان اسماعيل شموط خير مثال على ذلك ، والتي استلهم فكرتها من واقعة حقيقية كان قد مات فيها أخوه الأصغر '9 سنوات' جراء العطش أثناء هجرة عائلته إلى مخيم اللاجئين في خان يونس بغزة.
وفي ذات السياق كانت لوحة 'إلى أين' الشهيرة للفنان شموط أيضأ والذي يعد أبرز فناني مرحلة النكبة ويبدو فيها التساؤل عن شخصياتها الأربع 'الأب وأطفاله الثلاثة' محيرأ، حيث الصحراء باتساعها أمامهم حتى الأفق وما من بوصلة ترشدهم إلى أين يتجهون..!
حتى عناوين معارض تلك الفترة عبرت عن عذابات النكبة وأحلام العودة فنجد اسم 'اللاجئ الفلسطيني'على معرض شموط الأول وزميلته وزوجته لاحقاً (تمام الأكحل) عام 1954 والذي كان تحت رعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وجسدت الأكحل المهجرة من قريتها بؤس المخيمات فصورت المأساة في لوحات عدة عكست الواقع الأليم فيها وكان أبرزها 'لوحة مخيم مار إلياس، لوحة المخيم رقم (1)، لوحة المخيم رقم (2)، لوحة المخيم رقم (3) ...ألخ). وهكذا كانت لوحات رواد واقع النكبة محاكاة لما رأته أعينهم .
الثورة والنكسة
وبقيت هذه الإبداعات تستجدي الحنين والألم إلى أن تغير الواقع الفلسطيني بانطلاق شرارة الثورة في منتصف الستينيات، فشهدت رسومات الفنانين انعطافاً حاداً نبع من روح الانتفاضة، وبرزت رموز وعناصر جديدة تتناغم مع المرحلة الجديدة . فكانت البندقية والفدائي القاسم المشترك في أغلب لوحات حقبة الانتفاضة، مع الاحتفاظ أو إعادة صياغة لمفاهيم التشرد .. فاللاجئون مازالوا في المنافي، وبخاصة أن نكسة حزيران أفرزت لجوءا آخر .
ومن الاسماء التي لمعت في هذه الفترة الفنان سليمان منصور أحد أعلام الفن التشكيلي الفلسطيني لنجد لوحته 'جبل و'' ، والتي تزين الكثير من جدران منازل الفلسطينيين تظهر رجلاً كهلاً يحمل بقجة تحتوي على مدينة القدس بمعالمها الاسلامية والمسيحية، في إشارة واضحة الى أن اللاجئ الفلسطيني حمل وطنه معه رغم أثقال المسار، (وأن الصغار لن ينسوا ولو مات الكبار) ... ومن فناني هذه المرحلة أيضاً 'إبراهيم غنام، فتحي غبن، وليد ابو شقرا، عصام ابو شقرا، وليد ياسين ، سعاد نصر...الخ' .
سلاح مقاوم
إذأ تفاعل الفن التشكيلي الفلسطيني مع المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينة وعاصرها منذ النكبة، فساهم في إغناء الذاكرة الوطنية وإنعاشها والإبقاء على حيوية الحدث، فكان بمثابة توثيق لانتهاكات الاحتلال وتخليد لنضالات الشعب الفلسطيني ونجح في التعبير عن الواقع في مراحله المختلفة.
ونال الفنانون ما نالته بقية أبناء شعبهم من عذابات المحتل، فكان من الطبيعي أن يكون الإحتلال من أهم العقبات التي واجهت الفن التشكيلي الفلسطيني حيث عمل على اعتقالهم ومصادرة الأعمال الفنية ومنعهم من السفر والتضييق عليهم بمختلف الوسائل، فزج بالفنان فتحي غبن في السجون مرات عدة على خلفية لوحاته المقاومة للإحتلال، واعتبرته الصحف العبرية بأنه يشكل أكبر تهديد لإسرائيل. وكذلك أعتقل الفنان زهدي العدوي والفنان محمد الركوعي وغيرهما، واستشهد الفنان عبد العزيز إبراهيم في غارة إسرائيلية على مكتب منظمة التحرير في تونس عام 1985، وكذلك استشهد الفنان خالد الحلبي بعد أن أمضى ثمانية سنوات في سجون الإحتلال أيضأ .
غربة الحاضر
لكن أين الفنانون التشكيليون المعاصرون من الأحداث الراهنة اليوم؟.. أين هم من حصار غزة وجدار الفصل العنصري ومحاولات تهويد المدينة المقدسة واعتداءات الاحتلال المستمرة ...؟!
هنا يمكن القول إن القوى التي استلمت راية المقاومة في السنوات الاخيرة غلبت جانباً على جانب وأعطت أولوية لوسائل المقاومة الأخرى دون أيما اعتبار للفن التشكيلي كسلاح ثقافي رديف للرصاصة (!!) بل ايضأ يرى البعض من هذه القوى والتيارات إشكالية في الفن التشكيلي تنبع من خلفية ايديولوجية، فبات الفن في إطار الهواية ولم يؤخذ بيد المواهب وصقلها وقلما نجد دورات متخصصة تعنى بهذا الجانب.
صحيح أن اللوحة لا يمكن أن تسحق دبابة لكنها كانت ويمكن أن تكون مدافعاً شرساً وشاهدا أميناً على الهوية الثقافية الفلسطينية، فضلأ عن كونها سفيرة للجرح الفلسطيني، كيف لا وقد نال من أشهر ريشته بوجه دولة الإحتلال شرف حمل رمز المقاوم مثله كمن أشهر سلاحه.
فن النكبة
ولعل لوحة 'العطش' للفنان اسماعيل شموط خير مثال على ذلك ، والتي استلهم فكرتها من واقعة حقيقية كان قد مات فيها أخوه الأصغر '9 سنوات' جراء العطش أثناء هجرة عائلته إلى مخيم اللاجئين في خان يونس بغزة.
وفي ذات السياق كانت لوحة 'إلى أين' الشهيرة للفنان شموط أيضأ والذي يعد أبرز فناني مرحلة النكبة ويبدو فيها التساؤل عن شخصياتها الأربع 'الأب وأطفاله الثلاثة' محيرأ، حيث الصحراء باتساعها أمامهم حتى الأفق وما من بوصلة ترشدهم إلى أين يتجهون..!
حتى عناوين معارض تلك الفترة عبرت عن عذابات النكبة وأحلام العودة فنجد اسم 'اللاجئ الفلسطيني'على معرض شموط الأول وزميلته وزوجته لاحقاً (تمام الأكحل) عام 1954 والذي كان تحت رعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وجسدت الأكحل المهجرة من قريتها بؤس المخيمات فصورت المأساة في لوحات عدة عكست الواقع الأليم فيها وكان أبرزها 'لوحة مخيم مار إلياس، لوحة المخيم رقم (1)، لوحة المخيم رقم (2)، لوحة المخيم رقم (3) ...ألخ). وهكذا كانت لوحات رواد واقع النكبة محاكاة لما رأته أعينهم .
الثورة والنكسة
وبقيت هذه الإبداعات تستجدي الحنين والألم إلى أن تغير الواقع الفلسطيني بانطلاق شرارة الثورة في منتصف الستينيات، فشهدت رسومات الفنانين انعطافاً حاداً نبع من روح الانتفاضة، وبرزت رموز وعناصر جديدة تتناغم مع المرحلة الجديدة . فكانت البندقية والفدائي القاسم المشترك في أغلب لوحات حقبة الانتفاضة، مع الاحتفاظ أو إعادة صياغة لمفاهيم التشرد .. فاللاجئون مازالوا في المنافي، وبخاصة أن نكسة حزيران أفرزت لجوءا آخر .
ومن الاسماء التي لمعت في هذه الفترة الفنان سليمان منصور أحد أعلام الفن التشكيلي الفلسطيني لنجد لوحته 'جبل و'' ، والتي تزين الكثير من جدران منازل الفلسطينيين تظهر رجلاً كهلاً يحمل بقجة تحتوي على مدينة القدس بمعالمها الاسلامية والمسيحية، في إشارة واضحة الى أن اللاجئ الفلسطيني حمل وطنه معه رغم أثقال المسار، (وأن الصغار لن ينسوا ولو مات الكبار) ... ومن فناني هذه المرحلة أيضاً 'إبراهيم غنام، فتحي غبن، وليد ابو شقرا، عصام ابو شقرا، وليد ياسين ، سعاد نصر...الخ' .
سلاح مقاوم
إذأ تفاعل الفن التشكيلي الفلسطيني مع المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينة وعاصرها منذ النكبة، فساهم في إغناء الذاكرة الوطنية وإنعاشها والإبقاء على حيوية الحدث، فكان بمثابة توثيق لانتهاكات الاحتلال وتخليد لنضالات الشعب الفلسطيني ونجح في التعبير عن الواقع في مراحله المختلفة.
ونال الفنانون ما نالته بقية أبناء شعبهم من عذابات المحتل، فكان من الطبيعي أن يكون الإحتلال من أهم العقبات التي واجهت الفن التشكيلي الفلسطيني حيث عمل على اعتقالهم ومصادرة الأعمال الفنية ومنعهم من السفر والتضييق عليهم بمختلف الوسائل، فزج بالفنان فتحي غبن في السجون مرات عدة على خلفية لوحاته المقاومة للإحتلال، واعتبرته الصحف العبرية بأنه يشكل أكبر تهديد لإسرائيل. وكذلك أعتقل الفنان زهدي العدوي والفنان محمد الركوعي وغيرهما، واستشهد الفنان عبد العزيز إبراهيم في غارة إسرائيلية على مكتب منظمة التحرير في تونس عام 1985، وكذلك استشهد الفنان خالد الحلبي بعد أن أمضى ثمانية سنوات في سجون الإحتلال أيضأ .
غربة الحاضر
لكن أين الفنانون التشكيليون المعاصرون من الأحداث الراهنة اليوم؟.. أين هم من حصار غزة وجدار الفصل العنصري ومحاولات تهويد المدينة المقدسة واعتداءات الاحتلال المستمرة ...؟!
هنا يمكن القول إن القوى التي استلمت راية المقاومة في السنوات الاخيرة غلبت جانباً على جانب وأعطت أولوية لوسائل المقاومة الأخرى دون أيما اعتبار للفن التشكيلي كسلاح ثقافي رديف للرصاصة (!!) بل ايضأ يرى البعض من هذه القوى والتيارات إشكالية في الفن التشكيلي تنبع من خلفية ايديولوجية، فبات الفن في إطار الهواية ولم يؤخذ بيد المواهب وصقلها وقلما نجد دورات متخصصة تعنى بهذا الجانب.
صحيح أن اللوحة لا يمكن أن تسحق دبابة لكنها كانت ويمكن أن تكون مدافعاً شرساً وشاهدا أميناً على الهوية الثقافية الفلسطينية، فضلأ عن كونها سفيرة للجرح الفلسطيني، كيف لا وقد نال من أشهر ريشته بوجه دولة الإحتلال شرف حمل رمز المقاوم مثله كمن أشهر سلاحه.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر