أم الأسرى الفلسطينيين : لا سلام مع الاحتلال
صامتة!.. تتلفع بثوبها المطرز؛ تضع يدها على خدها …تشرد بعيدا بصمت .. تنتظر تترقب.. تبتسم ..رأسها يهتز رغماً عنها ؛ تتوجع ؛ تحرك خاتمها الفضي … خلفها مجسم لصورة القدس وصورة لخريطة فلسطين نقشت في مرآة كبيرة تحمل أسماء القرى والمدن؛ مكتوبٌ عليها … "فلسطين؛ كيف أغفو وفي عيني أطياف العذاب" وفي زاوية أخرى تعلو صورة جمال عبد الناصر والى جانبها مطرز فلسطيني يشكل مجسماً لبيت مكتوب عليه: " لا مكان كالبيت ؛ ولا بيت كالوطن ".
أم الأسرى والمعتقلين
إنها أم "جبر وشاح" المناضلة الفلسطينية ،الستينية التي تسكن بيت عفا من مخيم البريج
والتي تم اختيارها من قبل أمهات السجناء لتكون متحدثة باسمهن واسم أبنائهن الأسرى والمعتقلين.
وعن ذلك تقول: "حقا لقد وجدت أن العجز لا يجدي نفعا، وأن محاولات تمرير صفقات السلام ما هي إلا خداع؛ بينما أبناؤنا مغيبون في السجون؛ يضطهدون ويذوقون ألوان العذاب، فبادرت بالذهاب لإحدى الأمهات (وهي أم إبراهيم بارود) وقررنا أن نكوّن جبهة نضالية واحدة، وأن نعتصم كل يوم اثنين في الصليب الأحمر، ومن ثم التفت حولنا أمهات الأسرى والمعتقلين لأنهن أحسسن أننا نتحدث مثلهن من صميم معاناتنا؛ فاخترنني لأمثلهن في الحديث عن مطالب الأمهات، والإبراز الدائم لقضية الأسرى في الصحافة؛ كي تبقى ولا تموت أو تُنسى كغيرها. كما أن أهالي الأسرى لا يستشعر معاناتهم أحد، حيث كانت رحلة العذاب تلك التي نتوجه بها لزيارة أبنائنا في السجون بمثابة رحلة موت"!..
وتضيف: "كنت أزور سجناء لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ليس لهم أحد؛ وكانوا يعرفونني جميعهم ويحبوني كثيرا فلم يكن أحد يهتم بهم".
حبة البرتقال
لم يكن ايمان "أم جبر" بالقضية جديدا ،لكن طفولتها شاهدة على وقائع الهجرة المريرة من بلادها حيث كانت حينها لم تتجاوزالثلاثة عشر ربيعا من عمرها.
تقول:" كنا في البلاد هانئي البال ، بسطاء نعيش بقوت يومنا بين أحضان الطبيعة الساحرة". وتطوف الأشجار والحقول في مخيلتها ، فتشرد مكملة : "…. آه يا طعم البرتقال ، كان كالسكر نقطف الحبة منها ونقشرها في وسط الأرض ، فكأننا نملك الدنيا وما فيها، لقد كانت البيارات الواسعة الخضراء تمتد بعيداً بعيداً.. فتشرح الصدر، وتبث بأغصانها الطمأنينة على الأهالي البسطاء ".
"حين دخل الانجليز وداهموا قرانا أصبحنا نعاني من ظلم كبير حيث تم فرض ضرائب على الفقراء والأراضي الزراعية، وهذا ما أصبح يكدر صفو الناس، كذلك كان الفلسطينيون يُمنعون منعا باتا من حمل السلاح ويصادر منهم، ويتم اعتقالهم ستة شهور من قبل الإنجليز ..وقاموا في هذه الفترة بحفر (خنادق ) تحت الأرض، وبدءوا يستقدمون اليهود؛ ويأتي عجائزهم يطلبون من الناس بيع أراضيهم، وكانوا في بادئ الأمر يقيمون في كيبوتسات ثم بدأت تتحول لباطون ، ثم قاموا بزرعها في أنحاء متفرقة من قرانا ومدننا".
وتكمل: " المشاكل من وقتها بدأت ، ففي عام 47 أشيع أن اليهود ستأخذ من أسدود إلى الشمال والفلسطينيون سيأخذون من أسدود إلى حدود مصر؛ فرفضنا أن تكون هناك دولتان لأنها أرضنا نحن، وأخذوا يأتون "بالهاغاناة" ، والعرب لم يكن لديهم سلاح؛ ورغم ذلك تصدوا لقوافل اليهود التي بدأت تأتي؛ فيُقتل من يُقتل من الشباب؛ وكانت هذه أول مقاومتنا وفي عام 48 كان الثوار ينزلون من الجبال ويقاتلون واستمروا في ذلك".
وتستذكر بفخر مضيفة:" الشباب أصروا على المقاومة واستحكموا بين كراتيه وبيت عفا ومعهم بارود وبعض من الأسلحة الأخرى، واشتبكوا مع اليهود حين جاءوا من ناحية الفالوجا، فقتل يهودي وعاد الثوار إلى البلد واختبئوا ثم كانت هجمة دير ياسين ، وسمعنا أنهم قتلوا الأطفال والشيوخ؛ وبقروا بطون الحوامل؛ وقتلوا الشباب؛ واغتصبوا الفتيات..
وبدأ اليهود بتطويق البلد واشتعلت الدنيا.. وتستطرد …لقد كانوا مجرمين لا رحمة في قلوبهم، لذا فقد كانوا يقتلون الجميع خاصة الأطفال، وقاموا بأخذ الرجال في شاحنات أما النساء والأطفال فأمروهم بالعودة لبيوتهم وأخذت ابني حينها واتجهت خارج البلد إلى كراتيه …
وتتابع:"استوقفني يهودي وأنا أحاول الخروج من البلد وقال: إلى أين؟ فقلت: إلى بيتي؛ انه هناك. وأشرت بعيداً فأشار إلى طفلي وقال: هذا ولد أم بنت ؟ فقلت وقلبي يرتجف من الخوف: إنها بنت.. وقال مشيرا إلى رقبته: إذا كان ولد سيذبح. وظل يرافقني حتى وصلت الحاجز اليهودي المقام في طرف المدينة ورأيت خندق في الأرض ورشاشات وعتاد كبير، تحدث مع الجنود هناك فتركوني أمر، وهناك قابلتني مجموعة جنود مرة ثانية وأخذوا يستجوبوني فكنت أخشى على صغيري من ظلمهم؛ وما إن تركوني حتى حمدت الله بأني خرجت سالمة إلى طريق كراتيه".
هجرة قسرية
وتواصل" أم جبر وشاح: "وكنا قد خرجنا من بيت عفا إلى كراتيه ومنها إلى الفالوجا ثم بربرة، واليهود لم يهدأوا؛ بل أخذوا يشتكون لمجلس الأمن؛ وكلما أنهكهم القتال طلبوا هدنة؛ وهكذا ظلوا في خداع حتى حاصروا المصريين؛ واحتلوا بيوت المجدل؛ وقطعوا الطريق على الجيش المصري، وبقي المصريون في حمامة واسدود وبيت عفا، ومع ذلك استمر الإسرائيليون يضربون من الطائرات "القيزان " صواريخ تحمل كميات ضخمة من المتفجرات، حتى أنها كانت تحفر مساحة خندق في الأرض لإخافة الناس وإجبارهم على الخروج من قراهم".
وتكمل بمرارة كمن يغلي مرجلٌ في صدره: " تنقلنا عدة مرات في سكننا، وسكنا قرب خط الهدنة ،وهي منطقة حدودية تكثر فيها بيوت البدو، ولم يرحمنا اليهود؛ وهجموا في إحدى المرات وحرقوا بيوت البدو بما فيها، فانتقلنا ثانية إلى وادي غزة؛ وأنجبت ابني جبر عام 50 هناك؛ أما ابني الذي خرجت به من بلدنا فقد أنهكه المرض؛ ولم يحتمل رحلة التهجير فتوفي فيها. ورحلنا بعد ذلك إلى النصيرات ومن ثم إلى معسكر البريج لنستقر هناك".
مأساة فلسطين
ويمر شريط الذكرى في مخيلتها؛ بينما تتأمل صورة جمال عبد الناصر وتقول: " بقي متواجدا على رأس الجيش المصري في الفالوجا ورفض أن يترك السلاح وقال بقوة وصلابة القائد: سأكون آخر جندي يخرج لو تحتم الخروج.[b]
صامتة!.. تتلفع بثوبها المطرز؛ تضع يدها على خدها …تشرد بعيدا بصمت .. تنتظر تترقب.. تبتسم ..رأسها يهتز رغماً عنها ؛ تتوجع ؛ تحرك خاتمها الفضي … خلفها مجسم لصورة القدس وصورة لخريطة فلسطين نقشت في مرآة كبيرة تحمل أسماء القرى والمدن؛ مكتوبٌ عليها … "فلسطين؛ كيف أغفو وفي عيني أطياف العذاب" وفي زاوية أخرى تعلو صورة جمال عبد الناصر والى جانبها مطرز فلسطيني يشكل مجسماً لبيت مكتوب عليه: " لا مكان كالبيت ؛ ولا بيت كالوطن ".
أم الأسرى والمعتقلين
إنها أم "جبر وشاح" المناضلة الفلسطينية ،الستينية التي تسكن بيت عفا من مخيم البريج
والتي تم اختيارها من قبل أمهات السجناء لتكون متحدثة باسمهن واسم أبنائهن الأسرى والمعتقلين.
وعن ذلك تقول: "حقا لقد وجدت أن العجز لا يجدي نفعا، وأن محاولات تمرير صفقات السلام ما هي إلا خداع؛ بينما أبناؤنا مغيبون في السجون؛ يضطهدون ويذوقون ألوان العذاب، فبادرت بالذهاب لإحدى الأمهات (وهي أم إبراهيم بارود) وقررنا أن نكوّن جبهة نضالية واحدة، وأن نعتصم كل يوم اثنين في الصليب الأحمر، ومن ثم التفت حولنا أمهات الأسرى والمعتقلين لأنهن أحسسن أننا نتحدث مثلهن من صميم معاناتنا؛ فاخترنني لأمثلهن في الحديث عن مطالب الأمهات، والإبراز الدائم لقضية الأسرى في الصحافة؛ كي تبقى ولا تموت أو تُنسى كغيرها. كما أن أهالي الأسرى لا يستشعر معاناتهم أحد، حيث كانت رحلة العذاب تلك التي نتوجه بها لزيارة أبنائنا في السجون بمثابة رحلة موت"!..
وتضيف: "كنت أزور سجناء لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ليس لهم أحد؛ وكانوا يعرفونني جميعهم ويحبوني كثيرا فلم يكن أحد يهتم بهم".
حبة البرتقال
لم يكن ايمان "أم جبر" بالقضية جديدا ،لكن طفولتها شاهدة على وقائع الهجرة المريرة من بلادها حيث كانت حينها لم تتجاوزالثلاثة عشر ربيعا من عمرها.
تقول:" كنا في البلاد هانئي البال ، بسطاء نعيش بقوت يومنا بين أحضان الطبيعة الساحرة". وتطوف الأشجار والحقول في مخيلتها ، فتشرد مكملة : "…. آه يا طعم البرتقال ، كان كالسكر نقطف الحبة منها ونقشرها في وسط الأرض ، فكأننا نملك الدنيا وما فيها، لقد كانت البيارات الواسعة الخضراء تمتد بعيداً بعيداً.. فتشرح الصدر، وتبث بأغصانها الطمأنينة على الأهالي البسطاء ".
"حين دخل الانجليز وداهموا قرانا أصبحنا نعاني من ظلم كبير حيث تم فرض ضرائب على الفقراء والأراضي الزراعية، وهذا ما أصبح يكدر صفو الناس، كذلك كان الفلسطينيون يُمنعون منعا باتا من حمل السلاح ويصادر منهم، ويتم اعتقالهم ستة شهور من قبل الإنجليز ..وقاموا في هذه الفترة بحفر (خنادق ) تحت الأرض، وبدءوا يستقدمون اليهود؛ ويأتي عجائزهم يطلبون من الناس بيع أراضيهم، وكانوا في بادئ الأمر يقيمون في كيبوتسات ثم بدأت تتحول لباطون ، ثم قاموا بزرعها في أنحاء متفرقة من قرانا ومدننا".
وتكمل: " المشاكل من وقتها بدأت ، ففي عام 47 أشيع أن اليهود ستأخذ من أسدود إلى الشمال والفلسطينيون سيأخذون من أسدود إلى حدود مصر؛ فرفضنا أن تكون هناك دولتان لأنها أرضنا نحن، وأخذوا يأتون "بالهاغاناة" ، والعرب لم يكن لديهم سلاح؛ ورغم ذلك تصدوا لقوافل اليهود التي بدأت تأتي؛ فيُقتل من يُقتل من الشباب؛ وكانت هذه أول مقاومتنا وفي عام 48 كان الثوار ينزلون من الجبال ويقاتلون واستمروا في ذلك".
وتستذكر بفخر مضيفة:" الشباب أصروا على المقاومة واستحكموا بين كراتيه وبيت عفا ومعهم بارود وبعض من الأسلحة الأخرى، واشتبكوا مع اليهود حين جاءوا من ناحية الفالوجا، فقتل يهودي وعاد الثوار إلى البلد واختبئوا ثم كانت هجمة دير ياسين ، وسمعنا أنهم قتلوا الأطفال والشيوخ؛ وبقروا بطون الحوامل؛ وقتلوا الشباب؛ واغتصبوا الفتيات..
وبدأ اليهود بتطويق البلد واشتعلت الدنيا.. وتستطرد …لقد كانوا مجرمين لا رحمة في قلوبهم، لذا فقد كانوا يقتلون الجميع خاصة الأطفال، وقاموا بأخذ الرجال في شاحنات أما النساء والأطفال فأمروهم بالعودة لبيوتهم وأخذت ابني حينها واتجهت خارج البلد إلى كراتيه …
وتتابع:"استوقفني يهودي وأنا أحاول الخروج من البلد وقال: إلى أين؟ فقلت: إلى بيتي؛ انه هناك. وأشرت بعيداً فأشار إلى طفلي وقال: هذا ولد أم بنت ؟ فقلت وقلبي يرتجف من الخوف: إنها بنت.. وقال مشيرا إلى رقبته: إذا كان ولد سيذبح. وظل يرافقني حتى وصلت الحاجز اليهودي المقام في طرف المدينة ورأيت خندق في الأرض ورشاشات وعتاد كبير، تحدث مع الجنود هناك فتركوني أمر، وهناك قابلتني مجموعة جنود مرة ثانية وأخذوا يستجوبوني فكنت أخشى على صغيري من ظلمهم؛ وما إن تركوني حتى حمدت الله بأني خرجت سالمة إلى طريق كراتيه".
هجرة قسرية
وتواصل" أم جبر وشاح: "وكنا قد خرجنا من بيت عفا إلى كراتيه ومنها إلى الفالوجا ثم بربرة، واليهود لم يهدأوا؛ بل أخذوا يشتكون لمجلس الأمن؛ وكلما أنهكهم القتال طلبوا هدنة؛ وهكذا ظلوا في خداع حتى حاصروا المصريين؛ واحتلوا بيوت المجدل؛ وقطعوا الطريق على الجيش المصري، وبقي المصريون في حمامة واسدود وبيت عفا، ومع ذلك استمر الإسرائيليون يضربون من الطائرات "القيزان " صواريخ تحمل كميات ضخمة من المتفجرات، حتى أنها كانت تحفر مساحة خندق في الأرض لإخافة الناس وإجبارهم على الخروج من قراهم".
وتكمل بمرارة كمن يغلي مرجلٌ في صدره: " تنقلنا عدة مرات في سكننا، وسكنا قرب خط الهدنة ،وهي منطقة حدودية تكثر فيها بيوت البدو، ولم يرحمنا اليهود؛ وهجموا في إحدى المرات وحرقوا بيوت البدو بما فيها، فانتقلنا ثانية إلى وادي غزة؛ وأنجبت ابني جبر عام 50 هناك؛ أما ابني الذي خرجت به من بلدنا فقد أنهكه المرض؛ ولم يحتمل رحلة التهجير فتوفي فيها. ورحلنا بعد ذلك إلى النصيرات ومن ثم إلى معسكر البريج لنستقر هناك".
مأساة فلسطين
ويمر شريط الذكرى في مخيلتها؛ بينما تتأمل صورة جمال عبد الناصر وتقول: " بقي متواجدا على رأس الجيش المصري في الفالوجا ورفض أن يترك السلاح وقال بقوة وصلابة القائد: سأكون آخر جندي يخرج لو تحتم الخروج.[b]
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر