حول تطــور البنيــة الاجتمــاعيـــة
بقلم: أحمد صديقي
تمهـيد:
ليس للتحالف الطبقي المسيطر إلا أن يحافظ على سيطرته هذه، ولا بديل للتحالف الطبقي الثوري غير تكسير هذه السيطرة، تكسير من حيث هو هدم لعلاقات الإنتاج القائمة، هي بدورها نفي لنظام آخر هالك.
انه دائما التناقض، تناقض مادي دياليكتيكي. تناقض في الوضع، الوعي والممارسة الطبقية، أي بمعنى آخر: إنه الصراع الطبقي، القوة المحركة للتاريخ« فمعلوم أنه في كل مجتمع تتصادم مطامح البعض مع مطامح البعض الآخر، وأن الحياة مليئة بالتناقضات»1 .ليس في هذا القول من جديد، فهذا ما تقول به الماركسية من حيث هي علم بقوانين التاريخ وتطوره.
مقدمــــــــــة:
عندما نقول بتطور البنية الاجتماعية، فهذا لايعني أنها تتطور نتيجة رغبة ذاتية، انعكاسا لإرادة ذاتية، حتى وان كانت إرادة الأغلبية، بل تتطور وفقا للشروط "الموضوعية" الخاصة بتطورها، بمعنى، تخضع للضرورة التاريخية.«فالبشر يصنعون تاريخهم بأيديهم، ولكنهم لايصنعونه على هواهم... في ظروف يختارونها هم أنفسهم، بل في ظروف يواجهون بها مباشرة، ظروف معطاة ومنقولة لهم من الماضي»2. غير أن «فكرة الضرورة التاريخية لاتقلل على الاطلاق من دور الفرد في التاريخ... فالتاريخ كله مكون من أفعال أفراد هم بلا شك كائنات فعالة. والسؤال الحقيقي الذي يبرز حين تقيم النشاط الاجتماعي لفرد ما هو: ماهي الشروط التي تضمن نجاح أعماله، ما الذي يضمن أن لاتظل أعماله فعلا معزولا لايضيع في خضم أفعال معاكسة؟»3.
من أهم الاسئلة المحورية التي من الواجب طرحها في موضوع تطور البنية الاجتماعية هو هذا السؤال، ففهمه يقتضي معرفة الشروط "الموضوعية" و "الذاتية" المتحكمة في تطور البنية الاجتماعية، والوقت المناسب4 لأي نشاط ثوري من شأنه أن يحقق التغير النوعي على علاقات الانتاج القائمة، أي بمعنى آخر: أنه يفرض علينا ضرورة التمييز داخل حركة التاريخ الاجتماعي بين بنيات زمانية مختلفة5 ولا يمكن فهم حركة البنية الاجتماعية في أفق تحويلها بالذات، الا بتمييز أزمنتها المختلفة6.
أولا: في إطار التطور البنيوي
« ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا7 لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات، فالحر والعبد، النبيل والعامي، السيد الإقطاعي والقن، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهدين والمضطهدون. كانوا في تعارض دائم وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة وأخرى مستترة. حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وإما بانهيار الطبقتين معا...»8.
إضافة الى تماثل النقيضين الذي نسجله عند التناقض الهيغيلي، يفتقر كذلك الدياليكتيك الهيغلي الى عنصر وحدة الأضداد. فالعبد من وجهة نظر هيغل ليس نتيجة للعلاقات التي أقامها الحر (المجتمع العبودي)، وكذلك النبيل والعامي، الإقطاعي والقن... أي بمعنى أن نفي النفي ليس نتيجة للنفي الاول، وبمعنى أبسط نقيض الاطروحة ليس نتاج الاطروحة، ومن ثمة فالتناقض الهيغيلي ليس في معظمه سوى مجموعة تقابلات. وهذا ما يميز كل دياليكتيك مثالي، بعكس التناقض الماركسي، فاذا كان يؤكد على عدم تماثل النقيضين9 فهو من حيث كونه دياليكتيك مادي، يؤكد على وحدة الاضداد وبالدينامية الذاتية.10
«...أما المجتمع البرجوازي الحديث الذي خرج من رحم/ أحشاء المجتمع الاقطاعي الهالك، فانه لم يقض على التناقضات بين الطبقات، بل أقام طبقات جديدة محل القديمة وأوجد ظروفا جديدة للاضطهاد وأشكالا جديدة للنضال... وخلافا للمجتمعات السالفة التي ارتكزت في بنائها على تركيبة قائمة على طبقات وفئات معقدة فان المجتمع الراسمالي العصري أقام انقساما طبقيا شفافا للغاية، لقد انتظم المجتمع المعاصر بالرغم من التنوع الواسع للمهن والتقسيم للعمل بصورة شاملة في معسكرين كبيرين متعارضين، يقفان وجها لوجه: البروليتاريا والبورجوازية»11.
ان طبقة البروليتاريا لم تخلق نفسها بنفسها، ولا نزلت من السماء.. بل هي نتاج طبيعي للبورجوازية، لعلاقات الانتاج التي اقامها النظام الرأسمالي (كل شيء يولد ضده)، وهذا ما نفهمه من مقولة كارل ماركس الشهيرة« أن الرأسمالية تخلق قبل كل شيء حفاري قبرها» وبذلك فانعتاقها لايمكن أن يتم الا على يدها أو لايتم على حد تعبير ماركس أيضا.12
انتاج واعادة إنتاج نفس علاقات الانتاج الرأسمالية- بما فيها اتساع حجم الطبقات العاملة- هو مايميز الزمان البنيوي، فهو زمان التطور في البنية الاجتماعية، الزمان الذي تبدو –وهي كذلك- حركة التطور فيه وكأنها حركة طبيعية مستمرة. انه الزمان الدائري التكراري على حد تعبير مهدي عامل.
لا مبالغة في القول أن زمن التطور هذا هو أزهى مرحلة للتحالف الطبقي المسيطر من مراحل تطور البنية الاجتماعية بعد زمان التكون. فاذا كان هذا الأخير زمن اقامة اسس نظام الانتاج الراسمالي على حساب اضمحلال نمط الانتاج الاقطاعي فان زمن التطور هو زمان انتاج واعادة إنتاج نفس علاقات الإنتاج بكل مل يميز ذلك من فقدان العامل السياسي لهيمنته. فلايظهر بمظهر التناقض المسيطر كتناقض رئيسي.وهذا دائما في خدمة الطبقة المسيطرة، فاذا كان قد لعب دوره في زمان التكون كونه كان مسؤولا عن اقامة علاقات الانتاج الرأسمالية، فانه أشد ما يمكن رفضه في زمان التطور لأن ظهوره بمظهر حقيقي كتناقض رئيسي مسيطر ليس سوى في مصلحة التحالف الطبقي الثوري (الطبقة النقيض= البروليتاريا) كما كان في مصلحة الطبقة المسيطرة المستغلة (بكسر الغين) خلال زمان التكون من العهد الإقطاعي.
ان ظهور الصراع السياسي على غير حقيقته كصراع طبقي بمظهر صراع ايديولوجي أو اقتصادي، هو ما يدفع للقول بغياب الصراع الطبقي. بينما وجب التأكيد على أن غيابه (الصراع الطبقي) كصراع سياسي ليس غيابا له بمعنى الغياب المطلق. بمعنى انتفاء الوجود، بل هو غياب له على مستواه البنيوي وحضور له في المستويات الأخرى.13 وهذا ما يجب أن يفهم من القول"...حرب تارة ظاهرة، وأخرى مستترة"فالاستتار لايعني العدم. اذن خطورة أن يظهر المظهر الرئيسي للتناقض الرئيسي في مظهر رئيسي يحجب حقيقته السياسية الطبقية. هي اظهار التاريخ على غير حقيقته، وكأنه مجرد نتاج لعلاقات انتاج ليست الجماهير الا سندا لها على حد تعبير مهدي عامل دائما.
وبذلك فحركة النبذ هذه أو الابتعاد عن مركز الحركة المحورية للصراع الطبقي من حيث هو صراع سياسي لاتخدم فقط الا الممارسة السياسية للتحالف الطبقي المسيطر. معناه أن هذه الحركة الانتباذية تحرم الطبقية العاملة خلال الزمانالبنيوي من تسييس مختلف التناقضات الاجتماعية وهذا ما يتحقق لها في زمان القطع كلحظة ثورية حاسمة.15
كما سبق أعلاه، أن تطور البنية الاجتماعية تتحكم فيها شروطا "موضوعية" (الضرورة التاريخية) بالضرورة دون أن تلغي أثر ما هو "ذاتي". وضرورة التمييز بين الموضوعي والذاتي لايعني انفصالهما المطلق بعضهما عن بعض، بل الترابط والتفاعل بينهما هو الحاصل. وتدخل ما هو ذاتي لايكون الا بعد معرفة علمية بما هو موضوعي حتى يتبين ماذا يتوجب عن هذا الذاتي ان لم نقل أن الموضوعي شرطا أساسيا للذاتي هذا لأنه يمكننا من معرفة ما يتوجب علينا فعله. ليصير الذاتي محددا والموضوعي مساعدا. أي، بمعنى أنه يحدده بشكل نوعي فالذاتي كان ويكون استجابة للموضوعي أولا يقدر على تحقيق مسعاه الا أن يخسر الكثير. ومن بين ما هو ذاتي نرى انطلاقا من قناعاتنا الماركسية اللينينية أنه يكتسي أهمية كبرى في مسيرة النضال من أجل تحقيق الهدف الأسمى (التغيير الجدري) هو التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة.
ثانيا: تطور البنية الاجتماعية واهمية التنظية السياسي
ان الدرس المركزي الذي أبرزته الماركسية كنظرية للثورة البروليتارية منذ البداية هو ضرورة بناء حزب شيوعي، كنواة قائدة لهذه الثورة، وليس من قبيل الصدف أن كان أول نص يشكل اندماج هذه النظرية الثورية بالحركة الثورية البروليتارية يسمى بــ "البيان الشيوعي".16
يدعي المتحدثون باسم البورجوازية أن الدولة مؤسسة ضرورية، نشأت للارادة الجماعية للناس وتحقق السلطة المشتركة لأعضاء المجتمع، يقال أن القوانين السائدة هي مجموعة من المبادىء البديهية والطبيعية والتي اتفق بشأنها أفراد المجتمع، وأن الدولة ضامنة لتلك القوانين ومنفذة لها. ان تصوير الدولة بوصفها مؤسسة مستقلة تقع خارج المصالح الطبقية المتناقضة داخل المجتمع هو أحد الاركان الأساسية لاديلوجية البورجوازية.17 فالدولة على حد تعبير "لينين" جهاز قمعي ، فهي وسيلة الطبقة الحاكمة الأهم للابقاء على اخضاع الجماهير المستغلة (بفتح الغين)18.
« اذا كانت أحزاب البورجوازية الصغيرة، كما أحزاب الطبقة المسيطرة تنتهي دوما بالتحنط في أجهزة تابعة لجهاز الدولة، حين تصل البورجوازية الصغيرة الى السيطرة الطبقية19. فالحزب الوحيد الذي يجد في تكوينه الطبقي بالذات القوة الثورية على نقد جهازالدولة ، أي على تكونه كنقيض ثوري لجهاز الدولة، هو الحزب الشيوعي . حزب الطبقة العاملة لأن الطبقة العاملة أكثر الطبقات الاجتماعية ثورية على الاطلاق».20
نحن الآن أمام تناقض جديد استدعاه الوضع الطبقي لكل من البورجوازية البروليتارية كما استدعته الممارسة السياسية من حيث هي ممارسة للصراع الطبقي لكل من الطبقتين المتناقضتين. انه تناقض على مستوى الأداة السياسية . فاذا كان للبورجوازية جهاز الدولة كأداة للممارسة السياسية21 فان "الحزب الشيوعي" هو التنظيم السياسي الذي من خلاله تمارس الطبقة العاملة ممارتها السياسية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر