يعتقد العديد من الباحثين، خطأً، أن الفلسطينيين في «الدولة اليهودية» يتمتعون بامتيازات وحقوق تميزهم معيشياً وسياسياً واقتصادياً عن سائر أبناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يدرك هؤلاء أن فلسطينيي 48 شكلوا منذ أواخر الأربعينيات، وما زالوا يشكلون حتى اليوم، بالنسبة إلى «الدولة اليهودية»، مشكلة أمنية استراتيجية من الدرجة الأولى، لا بد من التخلص منها نهائياً، عبر اجتثاثها من جذورها، أي عبر ترحيل العرب «إلى ما وراء الحدود»، أو على الأقل، التحكم بها ومحاصرتها.
فرية الامتيازات الممنوحة
فلسطينيو 48 «لن يرضوا بأقل من دمار الدولة اليهودية»، والكيان الصهيوني بنظرهم «يشكل دولة غير شرعية»، حسبما ورد في «مؤتمر هرتسليا السابع»، وتحديداً على لسان الباحث دان شيفتان، نائب رئيس «مركز أبحاث الأمن القومي» في جامعة حيفا، الذي تابع قائلاً: «مهما أَنْجَزَتْ في مجال المساواة، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تكتسب شرعية بنظرهم».
وقد تعلم اليهود هذا الأمر من جملة أحداث مضت، مثل يوم الأرض 1976، وانتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2000، وحرب لبنان 2006، حيث اعتُبِر كل عدو لدولة الاحتلال بأنه جدير بتعاطف السكان العرب، والمعنى الفعلي لهذه الأطروحة أن «نضال» بعض الأحزاب «العربية الصهيونية» من أجل «إلغاء سياسة التمييز والاضطهاد القومي» ومن أجل «المساواة بالحقوق المدنية والقومية»، غير مجدٍ ويتناقض مع «يهودية» الدولة التي تتفق بشأنها اتفاقاً مطلقاً كل أحزاب الاستيطان الصهيوني.
هذا يعني أن العرب في الكيان الصهيوني يُعتبرون، في المعادلة السياسية - الديموغرافية الاستراتيجية، عاملاً متغيراً، وتبقى إمكانية اقتلاع شرائح كبيرة منهم وتهجيرهم أمراً وارداً تماماً، وهو ما لمسناه عبر مشاريع صهيونية عديدة ومتتالية لتهجير قطاعات سكانية من أراضيهم، تمثل آخرها في مخطط «مئير شطريت» وزير الإسكان الهادف إلى تهجير سكان القرى الفلسطينية «غير المعترف بها» بالقوة، علماً بأن نحو 80 ألفاً منهم يسكنون القرى «غير المعترف بها» القائم معظمها منذ ما قبل إنشاء «الدولة اليهودية».
ما هي إذن حكاية «الديموقراطية والحقوق والامتيازات الممنوحة» لمن يسميهم الصهاينة «عرب إسرائيل»؟ في الواقع، يعود أصل الحكاية إلى «إلغاء» الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1966، الذي فرض على الفلسطينيين في «الدولة اليهودية» غداة إقامتها، وفَرَضَ قيوداً مشددة جداً على حركتهم وأماكن سكنهم، فضلاً عن عملهم ونشاطهم الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الفلسطيني القاطن في عكا أو الناصرة يحتاج إلى تصريح من الحاكم العسكري ليسافر إلى حيفا أو يافا، وكذلك مُنِعوا من ممارسة أي نشاط ثقافي أو سياسي ذي محتوى وطني أو قومي، ولو بأبسط أشكاله.
وهكذا، لم يكن «إلغاء» الحكم العسكري سوى إلغاء شكلي لم يغير من جوهر الممارسة السياسية- الأمنية- المخابراتية والعسكرية الصهيونية اليومية تجاه فلسطينيي 48. يضاف إلى ذلك، أن الأساس «القانوني» للحكم العسكري، أي «قوانين الطوارئ» الاستعمارية البريطانية، لا يزال قائماً إلى يومنا هذا، وبموجبه واصلت وتواصل السلطة الصهيونية الإجراءات القمعية نفسها التي طبقتها بريطانيا على الفلسطينيين في فترة الحكم العسكري، مثل الإقامات الإجبارية والاعتقالات الإدارية ومختلف الأوامر العسكرية المتعلقة بمصادرة الأراضي لأهداف «أمنية» وغير ذلك.
الملاحقات السياسية والتعسف القانوني
دأبت دولة الاحتلال على وضع العراقيل أمام الفلسطينيين للحيلولة دون حصولهم على مكانة فيها، وينبع ذلك من اعتبارات ديموغرافية، والنية في تقليص عددهم إلى أقصى حد ممكن. والنتيجة أن العديد من الفلسطينيين يعيشون بدون مكانة رسمية معترف بها من الجهات الحكومية، ولذلك فإنهم لا يتمتعون بالحقوق الاجتماعية كالتأمين الصحي، والمدنية كحق الانتخاب، الملحقة بالمواطنة.
وبرّرت الجهات القانونية سن التشريعات التعسفية بحق فلسطينيي 48 بمصطلحات الضرورات الأمنية، مستندين في ذلك إلى المشاركة المتزايدة، حسب زعمهم، في «عمليات المقاومة»، من قبل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين حصلوا على مكانة رسمية في دولة الاحتلال بواسطة لمّ شمل العائلات.
كما برزت الملاحقات السياسية بحق العرب، إذ تعرض خلالها العديد منهم للتحقيق والاعتقالات، بل قُدّمت ضدهم لوائح اتهام بذريعة الإخلال بالقانون، كالقيام بزيارات لسوريا ولبنان، ما ينطوي على انتهاك لحقوقهم في توثيق علاقاتهم وتواصلهم مع الأمة العربية التي هم جزء منها.
وتطال الإجراءات الإسرائيلية بحقّ فلسطينيي 48 سياسة مصادرة الأراضي، فقد شكل ما هو مسجل منها بملكية عامة عند إقامة دولة الاحتلال أقل من 10% من مساحتها، بينما اليوم تسيطر على 93% من مجمل الأراضي ضمن مساحتها، نتيجة لعملية متواصلة، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، تتمثل في استيلائها على الأراضي، انطلاقًا من وجهة النظر القائلة بأن أراضي الدولة يجب أن تكون «بأيدٍ يهودية».
وقد نفذت هذا الاستيلاء على الأراضي بواسطة طرق أساسية، أهمها:
1- وضع اليد على الأراضي التي كانت تحت سلطة الانتداب ولم تكن مسجلة، ومن بينها الأراضي التي كانت عبر الأجيال بأيدي عائلات عربية.
2- تحويل الأراضي العربية التي اعتبرتها «أملاك غائبين» لملكيتها، ومنها أملاك «الغائبين الحاضرين».
3- مصادرة أراضٍ لأغراض الاستيطان والأمن.
4- تسلم السيطرة على أراضي الصندوق القومي وشركات عامة أخرى، كانت تتعامل بشراء أراض إبان الانتداب البريطاني.
والنتيجة هي، أن السكان العرب الذين تجاوز تعدادهم اليوم مليوناً وأربعمئة ألف نسمة، ما زالوا محصورين في المساحة نفسها التي عاشوا عليها عندما كان عددهم 160 ألف نسمة بعيد النكبة عام 1948.
كما أقصي المواطنون العرب عن عمليات تنظيم البناء، وبالتالي لا تقدم أجوبة ملائمة لاحتياجاتهم السكنية، والنتيجة هي أن المواطنين العرب يعيشون في حالة اكتظاظ داخل حدود البلدات العربية القائمة، التي تعاني اكتظاظاً زائداً على الحد وإهمالاً طويل الأمد. لذلك، فإن الكثير منهم ينشدون السكن في البلدات اليهودية المتطورة ليتمتعوا برفاهية المعيشة فيها. لكن، في حالات كثيرة، يصطدمون برفض من طرف البلدات اليهودية التي تعارض سكن العرب فيها، على خلفية عنصرية.
وكذلك ينتشر في أوساط فلسطينيي 48، اتساع ظاهرة البناء غير المرخص التي تعود للسياسة العنصرية التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية، سواء في رفضها الاعتراف بهذه القرى وإيجاد حل للضائقات التي تعانيها البلدات العربية بسبب عدم إقرار خرائطها الهيكلية، أو توسيع مناطق نفوذها والمصادقة على تحويل أراض زراعية لأغراض البناء، خلافاً لما يحدث لدى اليهود، حيث يجري اتخاذ القرارات بشأن إقامة بلدات ومستوطنات جديدة وتحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق للبناء بكل سهولة.
بدو النقب.. دراسة حالة
منذ قيامها، انتهجت دولة الاحتلال عبر حكوماتها المتعاقبة، سياسة في منطقة النقب تحكمها قاعدة واحدة، تتمثل في سلخ المواطنين العرب عن أراضيهم التاريخية وتركيزهم في بلدات محددة تعاني إهمالاً وتمييزاً صارخاً، من أجل السيطرة على أراضيهم وترسيخ أغلبية يهودية فيها، علماً بأنها كانت قد شرّدت إبان النكبة عام 1948 وحتى سنة 1953، ثلاثة أرباع العرب عن أراضيهم.
وبعد سنة 1966، بدأت في النقب عملية تسوية الأراضي، وفي أعقابها خلال سنوات السبعينيات، قدم المواطنون البدو دعاوى لمأمور التسويات لتسجيل حقوقهم على الأراضي التي امتلكوها وفلحوها، واليوم، يعيش 45 ألف مواطن عربي في 45 قرية غير معترف بها من قبل السلطات، يطلق عليها «القرى غير المعترف بها»، فيما يعيش 45 ألف مواطن آخر في 7 بلدات ثابتة أنشأتها السلطات لهم.
وتشكل مساحة النقب 62% من مساحة فلسطين المحتلة، ويبلغ عدد سكان عربها 175 ألفاً، ويطالبون بتملك 750 ألف دونم، ويخوضون معارك قضائية مع السلطات الإسرائيلية للحصول عليها. وإذا قررت السلطات أن تكون كريمة معهم بأن يحصلوا على كل الأرض التي يطالبون بها، فإنهم سيتملكون ما نسبته 5% من مساحة النقب فقط، حيث يشغل البدو اليوم أقل من 2% فقط من مساحة النقب.
وتعاني قرى النقب نقصاً خطيراً في الخدمات الصحية، والمياه والكهرباء ومؤسسات التربية والتعليم، رغم أنها قائمة قبل قيام دولة الاحتلال، التي تحاول من ناحيتها، إخلاءهم منها بكل الطرق الممكنة، ونقلهم إلى البلدات المذكورة للسيطرة على أراضيهم، من خلال ادعائها أن المواطنين العرب استولوا بشكل غير قانوني على «أراضي الدولة»، ما يعطيها الحق بإخلائهم منها.
وتعتمد السلطات الإسرائيلية أساليب شتى لترحيل عرب النقب عن أراضيهم، مستخدمة القوة والعنف بصورة وحشية، إذ تقوم بهدم بيوتهم بشكل أسبوعي تقريباً؛ وتبيد محاصيلهم الزراعية، التي تشكل مصدر رزقهم الوحيد؛ وتقيم مستوطنات لأفراد من اليهود، بالإضافة إلى تخصيص أراض عامة واسعة جداً لعائلات يهودية معدودة، بهدف منع تطور القرى العربية في هذه الأراضي.
وتنفذ سلطات الاحتلال كذلك عمليات سلب أراضي المواطنين العرب وسلخهم عنها، كجزء من خطة «تهويد النقب»، وتثبيت أغلبية يهودية قوية ومستقرة فيها، وقد حظيت هذه العملية بأولوية حاسمة عام 2005، في ضوء خطة الانفصال عن قطاع غزة، بعدما حصل رئيس الحكومة آنذاك، أرئيل شارون، على التزام من الولايات المتحدة بتقديم الدعم الاقتصادي لتنفيذ خطة الانفصال من جهة، ومخطط «تهويد الجليل والنقب» من الجهة الثانية، وأطلق عليه اسم «تطوير الجليل والنقب». وكان واضحاً أن الحديث هو عن تطوير هاتين المنطقتين على حساب المواطنين العرب
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر