ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

ملتقى أجراس العودة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى أجراس العودة

سياسي، ثقافي ، اجتماعي، إخباري


    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:04 pm

    بقلـــم: مليحــة مسلمــاني


    تهدف هذه الدراسة إلى قراء التحولات التي مر بها الخطابي الثقافي الفلسطيني في معالجته موضوع النكبة من
    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً 1-shamotخلال التركيز على الفن التشكيلي الفلسطيني كمادة بحث باعتباره أحد أدوات الخطاب الثقافي الفلسطيني وأحد عناصر الهوية الثقافية. تستخدم هذه الدراسة مدخل التحليل الثقافي الذي يقوم على دراسة المحيط الثقافي للظواهر الاجتماعية والسياسية، وتقوم بقراءة التحولات التي طرأت على المعالجة التشكيلية لموضوع النكبة من خلال استقراء تمثيلات النكبة في أعمال رواد الفن التشكيلي الفلسطيني أولا، ومن ثم الانتقال إلى قراءة تلك التمثيلات في أعمال الجيل الشاب من التشكيليين الفلسطينيين. وتجيب الدراسة على أسئلة: كيف يعرف الفن التشكيلي مفهوم النكبة؟ وما هي الرموز التي استخدمها هذا الفن في تمثيله قضية النكبة؟ ثم ما الذي طوره هذا الفن في السنوات الأخيرة في معالجته موضوع النكبة؟



    أولا: مقدمــة نظريّــــة
    تمحور الخطاب الثقافي الفلسطيني منذ عام 1948 حول مركزية القضية الفلسطينية والمأساة الإنسانية المتمثلة باحتلال الأرض وتهجير الفلسطينيين منذ عام 1948. ووجد هذا الخطاب نفسه، ومعناه في نفس الوقت، في معركة المواجهة ضد سرقة الأرض والتراث والهوية الفلسطينية، وأخذ على عاتقه مسؤولية توثيق المأساة الفلسطينية المتمثلة في النكبة وما لحقها من أحداث أخرى لا يزال يمر بها الشعب الفلسطيني. وبعد ما يقارب الستين عاما من هذا التحول في كل من مضمون ووظيفة الخطاب الثقافي الفلسطيني، استطاع هذا الخطاب صياغة هوية ثقافية ـ سياسية ـ إنسانية، فلسطينية، سواء بأدواته الفكرية، والمتمثلة بأدبيات مفكرين فلسطينيين مثل إدوارد سعيد وغيره، أو الأدبية، خاصة تلك التي تمثلت بأدب المقاومة، أو بأدواته الفنية من مسرح وسينما وموسيقى وفن تشكيلي وغيرها من أشكال الإبداع الفلسطيني.

    تأخذ هذه الدراسة من الفن التشكيلي الفلسطيني، كأحد عناصر الهوية الثقافية وأحد أدوات الخطاب الثقافي الفلسطيني، مادة بحث في السياق السياسي الفلسطيني، من خلال التركيز على تمثيلات النكبة في التشكيل الفلسطيني، والتي عكست مفهوم النكبة في الوعي الثقافي الفلسطيني، الفردي والجماعي. وشكلت النكبة موضوعا رئيسا في الفن التشكيلي الفلسطيني على مدى مراحله المختلفة، وأنتج كل الفنانين الفلسطينيين بلا استثناء، سواء في الداخل أو في الشتات، أعمالا تشكل النكبة موضوعا رئيسا أحيانا، أو خلفية ينطلق منها الفنان الفلسطيني بمختلف المواضيع التي يطرحها أحيانا أخرى.

    تعتبر الفنون، والفن التشكيلي على وجه الخصوص، مادة بحث غير مألوفة في السياقين الاجتماعي والسياسي. لكننا نشهد اليوم توجهات غير تقليدية، يُعبّر عنها بالدراسات الثقافية، وتلك التي تتخذ من التحليل الثقافي منهجيةً علميةً تعتمد على دراسة المحيط الثقافي للظواهر السياسية والاجتماعية. تتأكد تلك الحاجة لهذا النوع من التحليل في الحالة التشكيلية الفلسطينية بشكل خاص، والحالة الإبداعية الفلسطينية بشكل عام. فالفن التشكيلي الفلسطيني، ورغم وضوح ارتباطه بالقضية الفلسطينية، لم ينل، كما نال أدب المقاومة على سبيل المثال، نصيبا كافيا من البحث والدراسة في السياقين السياسي والاجتماعي الفلسطينيين. فقد تمحورت أعمال الفنانين الفلسطينيين حول القضية الفلسطينية بأبعادها وعناصرها المختلفة، ووجد هذا الفن نفسه ممثلا شرعيّا للتراث والثقافة والمأساة الفلسطينية في معركة المواجهة ضد سرقة الأرض والهوية. وبذلك تحولت الحركة التشكيلية الفلسطينية، كما مجمل الحركة الثقافية الفلسطينية، إلى حركة نضالية يُستهدف منتجوها كما يُستهدف المقاومون، يتم ذلك عن طريق مضايقة الفنانين والأدباء ونفيهم واعتقالهم بل واغتيالهم. بل إن الفن الفلسطيني ألغى تلك المسافة المعروفة تاريخيا بين الفن والشعوب، من خلال إنتاجه لوحات شكلت رمزا فلسطينيا محليا وعالميا، كلوحة جمل المحامل للفنان سليمان منصور على سبيل المثال لا الحصر.

    تنقسم تلك الدراسة، بما فيها تلك المقدمة النظرية، إلى ثلاثة أجزاء، بحيث نقوم في تلك المقدمة بتعريف أهداف الدراسة وفرضياتها ومفاهميها. يبحث الجزء الثاني في تمثيلات النكبة في الفن التشكيلي الفلسطيني في المراحل السابقة والتي تمتد منذ النكبة حتى بداية التسعينات، بحيث يتم بحث تمثيلات النكبة في بعض أعمال تعود إلى روّاد الفن التشكيلي الفلسطيني. أما الجزء الثالث فيتضمن تحليل نماذج من أعمال فنية تعود إلى الجيل الشاب من التشكيليين الفلسطينيين تعالج موضوع النكبة. ومن ثم نخرج في ختام تلك الدراسة بخلاصة عن تمثيلات النكبة في الفن التشكيلي الفلسطيني والتحوّلات التي مر بها هذا الفن في خطابة المحلي والعالمي في معالجته لموضوع النكبة.

    نفترض أن الخطاب التشكيلي الفلسطيني ما زال يتمحور حول القضية الفلسطينية والتي تشكل النكبة بدورها أحد دعاماتها الأساسية، كما أن هذا الخطاب في تحوّلاته يعكس مجمل الخطاب الثقافي الفلسطيني والذي بدوره يتواصل ويتحاور ويستند إلى الخطاب السياسي الفلسطيني، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي تفرضها طبيعة الإبداع نفسه، ما بين مسرح وسينما وأدب وموسيقى، مما يحتاج إلى دراسة مقارِنة ومفصَّلة في مختلف عناصر الخطاب الثقافي الفلسطيني والتحولات التي طرأت عليها. وكلا من الخطاب الثقافي والسياسي الفلسطيني، لا يعرف حدودا فاصلة وواضحة المعالم بينه وبين الآخر، ذلك أن الهوية الثقافية الفلسطينية تستمد معنى وجودها من القضية السياسية، ومن ناحية ثانية تجد الهوية السياسة ارتكازا لها في الهوية الثقافية.
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:06 pm

    تعتبر الثقافة مفهوما مركبا، شاملا ومعقدا. وتركز بعض التعريفات على الثقافة كسلوك بينما يركز بعضها الآخر على الثقافة كمُثُل وقيم مجرّدة.[1] نرى أن كلا من الاتجاهين يحمل نظرة منقوصة تجاه الثقافة، فالثقافة هي أيضا سيرورة، لما يحويه هذا المفهوم من جدلية بين الثابت والمتغير، عدا عن أن ثقافة مجتمع ما تتأثر بتغيرات داخلية وخارجية يواجهها هذا المجتمع. ومن تعريفات مفهوم الثقافة أنها ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والاعتقاد والفن والحقوق الأخلاق والعادات وكل قدرات وأعراف أخرى اكتسبها الإنسان كفرد في مجتمع.[2] تتبنى تلك الدراسة تعريف اليونسكو لمفهوم الثقافة، وينصّ هذا التعريف على أن الثقافة هي جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمع بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وهي تشمل الفنون والآداب وطرق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان والقيم والتقاليد والمعتقدات.[3]

    ويشير مفهوم الفن التشكيلي الفلسطيني في تلك الدراسة بطبيعة الحال إلى الأعمال الفنية التي تشمل النحت والرسم والتصوير وفنون الفيديو والإنشاء والأداء، والتي ينتجها فنانون فلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وداخل الخط الأخضر وفي الشتات. والفن التشكيلي في فلسطين هو حديث العهد نسبيا كما هو الحال في معظم الدول العربية، حيث كان الفن يقتصر حتى أوائل القرن العشرين على الزخرفة والمصنوعات اليدوية وهو ما يسمى اليوم بالفن الحرفي أو الفن التطبيقي.
    [4] نهدف من تلك الدراسة بحث الخصوصية التي طورها الفن التشكيلي الفلسطيني لنفسه، من خلال معالجته موضوع النكبة، كقضية تاريخية ومعاصرة، سياسية وثقافية.



    ثانيا: النّكبــة في مسيــرة الفــن التشكيلــي الفلسطينـــي



    مرّ الفن التشكيلي الفلسطيني منذ عام 1917 بمراحل ثلاثة. سيطر شكل الفن الشعبي على أولى تلك المراحل، النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً 2-slmanوهي المرحلة التي تمتد منذ عام 1917 وحتى عام 1948، والذي وإن كان فنا تطبيقيا إلى أنه أنتج أيضا أعمال ذات مضامين ورسائل سياسية. شكل عام 1948 نقطة تحول جذري على صعيد الدور والمضمون للفن التشكيلي الفلسطيني، ليشهد بذلك مرحلة أسست لحركة تشكيلية فلسطينية فيما بعد، سيطرت على تلك المرحلة مضامين الحنين إلى الوطن والذكريات عنه وأخد الفن على عاتقه، كما الأدب الفلسطيني، مسؤولية توثيق واقع اللجوء الفلسطيني. ثم أتت مرحلة فنّ الثورة والتي قد تعتبر أهم مرحلة في مسيرة الحركة التشكيلية الفلسطينية على صعيد الوظيفة على الأقل. ويميز الفنان عبد الرحمن المزيّن ثلاث نقلات في تلك المرحلة، الأولى (1965 – 1971) حيث غلبت على تلك الأعمال رموز الكوفية والرشاش والشمس كرمز للأمل والحصان كرمز للانطلاقة، ترافق وجود تلك الرموز في العمل التشكيلي الفلسطيني في تلك الفترة مع انطلاق حركات التحرر الوطني الفلسطينية والتي ركزت على النضال والمقاومة والكفاح المسلح بهدف تحرير الأرض. النقلة الثانية (1971- 1982) وهي النقلة الأهم في مرحلة فن الثورة حيث تم الاعتراف بالثورة الفلسطينية وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتمتاز تلك الأعمال بتوظيف عناصر التراث الفلسطيني في الفن. النقلة الثالثة يسميها المزيّن مرحلة الملحمة التي بدأت منذ عام 1982 حيث تطور شكل العمل من اللوحة إلى الجدارية تماشيا وتعبيرا عن الواقع الذي تمثل في اجتياح لبنان وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في مخيمات اللجوء ومن ثم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 [5].

    وفي مختلف تلك المراحل، شكلت النكبة، بأبعادها وانعكاساتها على الإنسان الفلسطيني، الهاجس الأول للفنان الفلسطيني، خاصة الفنانين الذين تم تهجيرهم من مدنهم وقراهم والذين جاءت أعمالهم توثيقاً لمأساة التشريد ولواقع المخيمات وتطلعا نحو العودة في لوحات يكلّلها حلم العودة إلى فلسطين الربيع والوطن. وبرز فنانون في تلك المراحل اعتبرت لوحاتهم، فلسطينياً وعربياً وعالميا،ً ناطقا رسميا باسم الشعب الفلسطيني وحقه في العودة. من بين هؤلاء كان الفنان الشهيد ناجي العلي وإسماعيل شموط وسليمان منصور ومصطفى الحلاج وعبد عابدي وغيرهم الكثيرين. نهدف من هذا الجزء من الدراسة استكشاف تمثيلات النكبة في أعمال بعض روّاد ورائدت الفن التشكيلي الفلسطيني.

    يعتبر الفنان إسماعيل شموط (مواليد اللد 1930) رائد تمثيل مأساة اللجوء الفلسطيني، وعبّرت أعماله التي يبقى محورها الإنسان، عن عمق الألم الذي ألمّ بالإنسان الفلسطيني، من خلال رسمه شخوصا تكتسي وجوهها ملامح من حزن وأسى عميقين لكنها أيضا شخوص يشعّ من داخلها الكبرياء والتحدي والأمل في استرجاع حقها والعودة إلى الوطن الأم. تظهر المرأة كشخصية مركزية في أعمال شموط، بزيها الفلسطيني دائما، وبعلاقتها مع الطفل أحيانا في مقاربة بين علاقة الأمومة بمريم العذراء والمسيح، كإعادة إنتاج لتاريخ اللجوء الذي يكرر نفسه على أرض فلسطين، وكتعبير عن علاقة أمومة خاصة عامة، تشبه علاقة الطفل بالأم بعلاقة الإنسان الفلسطيني بالأرض. ومن والجدير ذكره أنه تم اتخاذ المرأة الفلسطينية في أعمال معظم رواد الفن التشكيلي الفلسطيني كاستعارة للأرض والهوية الوطنية والثقافية والتراثية، كما في أعمال ناجي العلي وسليمان منصور ونبيل العناني وعبد عابدي وعبد الرحمن المزين وكامل المغني وغيرهم الكثيرين.

    رسم إسماعيل شموط في فترة الخمسينات لوحات تصور واقع حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات. من بين أهم تلك اللوحات لوحاته سنعود وهل سيعود واللاجئة الصغيرة وهنا كان أبي وإلى أين وفلسطين على الصليب. وكما يظهر من عناوين تلك اللوحات هو تمحورها حول قضية التهجير من ناحية باعتباره جاء اغتصاب حق مشروع في بقاء الإنسان في وطنه، وحول قضية العودة من ناحية ثانية باعتبارها تحقيقا لمبدأ استرجاع الحق المغتصب. عن لوحته فلسطين على الصليب يقول إسماعيل شموط بأنه أراد بها الجمع بين ثلاثة أصعدة زمنية هي التشتت وفقدان الأرض والحياة القاسية في المخيمات وأخيرا المستقبل الذي يجب النضال من أجله ومن أجل سلام وسعادة الأطفال
    [6]. بعد هزيمة 1967 كررت لوحات شموط التعبير عن التهجير المتكرر للشعب الفلسطيني، وإلى جانب اشتداد ألم الشخوص في لوحاته كما في لوحته إلى أين ... مرة أخرى والتي رسمها عام 1967، بدأت تدخل في أعماله رموز المقاومة والنضال المسلح، والتي صاحبت انطلاق حركات التحرر الوطني الفلسطيني في عقد الستينات.
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:09 pm

    من رائدات التشكيل الفلسطيني تعتبر جوليانا ساروفيم (مواليد يافا 1934) فنانة متميزة على صعيد الأسلوب الذي استخدمته في أعمالها وعلى صعيد عمق المضمون من حيث البحث في جوّانية الذات الإنسانية. إن النظرة الأولى لأعمال ساروفيم توحي بأنها فنانة خارج سياق أبناء جيلها من الفنانين الفلسطينيين من تلك المرحلة والذين جاءت أعمالهم مباشِرة في التعبير عن احتلال الأرض وتهجير إنسانها الفلسطيني منها. غير أن قراءة عميقة لأعمال الفنانة، والتي هُجرت من يافا وتعلمت الفن في بيروت، تكشف عن أسلوب خاص انتهجته، وسيلته وغايته البحث داخل الذات المغرقة بالذكريات عن الوطن. تقول ساروفيم أنا لا أميز بين الفن والحياة. في الفن ألقى الحب. وفي الحب ألقى الحرية. كانت ساورفيم ترسم في سعي لاكتشاف الذات، تلك التي تلوح في فلكها ذاكرة الوطن الأول، فتتلمس طريقها بلغة تشكيلية تعبيرية تحمل في طياتها الحنين إلى يافا الشاطئ والبرتقال، يافا، شاطئا وبرتقالا، تظهر في أعمالها التي تميزها مائية ونباتية تمر عبر الحلم والذكريات عن الوطن، فيغدو هذا الوطن هو الحلم وهو الذات، فترسم ساروفيم يافا لترسم نفسها، وترسم تفسها لتطلعنا على يافا في داخلها. ويكمل الفنان كمال بلاطة مستقرءا في أعمال ساروفيم مشابهة بين ساروفيم، المرأة الفلسطينية، ويافا، المدينة الفلسطينية[7]. ومن خلال التداعي الحر بين المستذكرات والذات، تزاوجت تفاصيل المكان المفقود مع ثنايا الجسد الحميم... فمن خلال هذه الكائنات (في لوحات ساروفيم)، كثيرا ما أطلّ علينا من وراء حجاب الزفاف الأبيض وجه عروس وكأنه يذكرنا بصورة يافا التي صورت في الفنون الكلامية كعروس غراء. وفي تمعننا بالملامح البلورية لهذا الوجه المكلل بالنور، يلوح لنا المرة تلو الأخرى وجه ساروفيم.

    تطرح أعمال رائدة أخرى من رائدات التشكيل الفلسطيني، وهي الفنانة منى حاطوم، العلاقة بين ما هو ذاتي وما هو سياسي، بين ما هو عام وما هو خاص، من خلال جسدها كموضوع عملها الفني. ولدت منى حاطوم في بيروت عام 1952 لأسرة فلسطينية هُجّرت من حيفا. وفي معظم أعمالها يبقى جسد حاطوم موضوعا للمنفى الجماعي والغربة الذاتية. في عملها تحت الحصار والذي عرض في لندن قبل ستة أيام من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ظهر جسد منى حاطوم العاري مكتسيا بالصلصال داخل مكعب ضيق شفاف، استمر وجود الجسد محاولا الوقوف داخل المكعب لمدة سبع ساعات، في تعبير عن تلطخ وتخبط الجسد العربي داخل الحصار[8]. أيضا ظهر جسد حاطوم في عملها طاولة المحادثات الذي عرض في العام الذي تلا مذبحة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982 في مدينة أوتاوا في كندا. مُدّد جسد حاطوم لمدة ثلاث ساعات على طاولة يسلط عليها ضوء ومن حولها كراسي فارغة، ظهر الجسد ملفوفا بالشاش الطبي وبالأكياس ومن خلال البطن يظهر كيس مخضب بالدم ومليء بالأمعاء، رافق هذا العرض تصريحات لقادة عرب حول السلام في منطقة الشرق الأوسط[9].

    يصف إدوارد سعيد أعمال منى حاطوم بـ منطق الأضداد التي تستند على ما يسميه بـ ذاكرة التحدي، ويوضح الفنان والباحث الفلسطيني كمال بلّاطة هذا الوصف من خلال أعمال حاطوم التي تعبر في نفس الوقت عن أضداد تترواح ما بين الهوية والمنفى وما بين القمع والمقاومة وما بين الأسر والحرية [10]. يقول إدوارد سعيد في قراءته لأعمال حاطوم: في عصر المهاجرين، واللاجئين والمنفيين، وهروب المدنيين، عصر المذابح والمخيمات، ومنع التجوّل، وإبراز بطاقات الهوية، تعتبر... (اعمال حاطوم الفنية) بصفتها الأدوات العرَضيّة غير القابلة للمصالحة في علاقتها بذاكرة التحدي، هذه الذاكرة التي تواجه الذات دون هوادة وبالعناد نفسه الذي تواجه فيه الآخر الذي يطاردها ويقمعها، ولئن اتسمت (هذه الأعمال) بالتغيير المستديم إلا أنها ترفض لنفسها التفريط بالماضي الذي تكمن عليه بحيث تبدو في ذلك وكأنها كارثة مغفلة يتواصل حدوثها دون توقف ودون تملّق أو تبجّج أو عصف خطابي[11].

    وفي المشهد التشكيلي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، حيث الأقلية الفلسطينية التي تواجه سياسية صهيونية مزدوجة ما بين الإقصاء من ناحية ومحالاوت الأسرلة من ناحية أخرى، برز فنانون فلسطينيون عبروا عن خصوصية الواقع والهوية. كان من بين هؤلاء الفنان عاصم أبو شقرة الذي تعتبر لوحته صبّار، والتي أنجزها عام 1989 من أكثر لوحاته إثارة للجدل وفضحا لعمق قضية الإنسان الفلسطيني في مواجهته مع الآخر سارق أرضه وهويته. تمثل تلك اللوحة الهوية الفلسطينية المرتكزة على قدرة الشعب الفلسطيني على البقاء والحفاظ على الهوية رغم اقتلاعه من أرضه. فالصبّار يمثل القدرة على النمو من وسط الموت، وجسده يحتوي سبل الدفاع عن هذا الجسد الشوك. وتلك هي الهوية الفلسطينية التي تحتفظ بالقدرة على الاستمرار في عناصرها ذاتها. إن دلالة الصبّار الموجود في مركز اللوحة يشير إلى فكرة الصبر والقدرة على البقاء في ظل الظروف القاسية، وإن وضع الصبار في أصيص في اللوحة يعبر عن منفى الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه وهُجّر إلى أراض أخرى غريبة. ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن النقد الصهيوني يحاول إعادة إنتاج صبار عاصم أبو شقرة في سياق ثقافي صهيوني كما عبر عن هذا التوجه الناقد الصهيوني بانيه دونز، يقول الباحث نصر الجوابرة [12]: إن الفنان أبو شقرة بهذا العمل يقوم على أنسنة تلك النبتة الحرة. ومعادلتها بالإنسان الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه، مغايرا بها الرمز الصهيوني المعروف في الأدب والرسم بالإنسان الذي عاش أرض (إٍسرائيل)، فهو يقدم لنا تضمينا دلاليا للرمز يغير من الارتباطات الفكرية للصبار الصهيوني، والذي هو في الأساس ذو مرجعية لغوية من خلال كلمة (Saber)، وتعرب كمعنى معادل للصهيوني الذي نشأ في أرض فلسطين.

    مثلت النكبة وما تبعها من تهجير للشعب الفلسطيني وتشتته في أماكن مختلفة واقامته في واقع قاس في مخيمات اللجوء، محور أعمال رواد الفن التشكيلي الفلسطيني، وعكست هوية فلسطينية تمحورت حول القضية التي تستند على الحق المشروع في العودة إلى الوطن. في تلك المراحل من مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني تحولت اللوحة في معظم أعمال الرواد إلى أشبه بـ بوستر سياسي ونضالي، من خلال طرحها المباشر للقضية السياسية واحتوائها على رموز التراث الهوية والكفاح والمقاومة الفلسطينية.



    ثالثا: النكبة في الفن الفلسطيني منذ عقد التسعينيات



    دخل الفن التشكيلي الفلسطيني منذ بداية التسعينات مرحلة جديدة شهد فيها تطورا على مستوى المضمون أولا، من حيث تنوع المضامين والمواضيع التي يطرحها ومن حيث اختفاء المباشَرة في طرح ما هو سياسي في العمل الفني، وثانيا وعلى مستوى الأدوات طور الفن الفلسطيني مختلف الوسائل التعبيرية المرئية، فاستخدم إلى جانب النحت والرسم والتصوير أدوات معاصرة مثل فن الفيديو Video Art وفن الأداء Performance بالإضافة إلى فن الإنشاء Installation.

    يحتلّ المكان، بوصفه ذاكرة تنطلق من المكان المؤقت والآني والقاسي، مخيم اللجوء، لتسافر عبر اللوحة والحلم إلى المكان الأمّ والأول، حيزا خاصا في أعمال التشكيليين الفلسطينين، وبشكل خاص في أعمال الفنان أسد عزّي (مواليد شفاعمرو 1955) والتي تعالج المكان ببعديه التاريخي والمعاصر. فمن خلال الرموز التي تتضمنها لوحاته، خرائط بناء البيوت القديمة والصور والوثائق، يستحضر عزّي من الذاكرة المكان والشخوص والحياة التي كانت في المدنية الفلسطينية، يافا. تظهر يافا القديمة في لوحته راحة المقاتل، ببيوتها القديمة وبمئذنتها العالية، في حين يظهر الفلاح الآتي على ظهر الحمار في أعلى اللوحة، الفلاح هو الشخصية التي مثلت بطل أعمال أسد عزي، في إشارة من الفنان إلى المخلّص المُنتظر. يظهر ختم بالعبرية على التمثيل المعماري والتراثي للمدينة، في دلالة على السيطرة وإخضاع المدينة وهويتها للحكم الإسرائيلي. الفلسطينيون في إسرائيل يعانون ليس فقط التهجير من قراهم الأولى فحسب، بل أيضا من محاولات تهجيرهم من هويتهم الفلسطينية، فهم الشاهدون الحقيقيون على أسرلة المكان الفلسطيني وبالتالي محاولة أسرلة الإنسان الفلسطيني. المكان يشكل جزءا من الذات في أعمال أسد عزي، تلك الذات التي تعالج تشكيليا علاقتها مع المكان الجديد الخاضع، لكنها تنطلق من ذاكرتها من مكان قديم ما زال يصرّ على الحضور بهوية مغايرة لما هو مفروض صهيونياً.
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:11 pm



    تمثّل سلسلة أعمال مصوّرة بعنوان مشوّشة للفنان حنّا فرح (مواليد الجش 1960) هوية اللجوء الفلسطيني، الفردي والجماعي، من خلال تثبيت الزمن، التاريخ والحاضر الفلسطيني، في صورة التقطها الفنان لنفسه واقفا، مطأطئ الرأس يداه مثبتتان على جانبي جسده، تحت عقدة بين جده في قرية كفر برعم التي هُجّر منها سكانها عام 1948، وقّع الفنان على أعماله باسمه ملحقا بـ قرية برعم، كتأكيد على عنصريْ المؤقت والاقتلاع في هوية اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش مؤقتا في مكان آخر، ويتوق إلى العودة إلى الأرض التي هُجّر منها [13]. تبدو عقدة البيت كتاج فوق رأس الفنان، لكنه يبدو تاج يُثقل الإنسان الفلسطيني، الذي يبقى مشوشا كما يحمل اسم العمل، نتيجة للسيرورة غير الطبيعية للتاريخ، حنّا فرح يحدّق في المهجر الذي يأتي بعد المنفى، وهو لا يتصالح مع التاريخ، لا يتصالح مع هذا المنفى. يؤكد حنا فرح على تلك المعاني والدلالات في الهوية الذاتية والجماعية للتهجير الفلسطيني من خلال صورة أخرى يظهر فيها جسد عاري يحمل في يديه المتواجدتين في الصورة ككفيّ ميزان شعر رأس، في إحدى يديه شعر أسود، وفي الأخرى شعر أبيض. مرة أخرى هناك إيحاء من ضعف الجسد وعريّه لما يحمله هذا الجسد بشكل معادل من تاريخ وحاضر لا ينفصلان بل يصرّان على التداخل والاختلاط، التاريخ الفلسطيني يقف عند عام 1948، ويبقى هذا التاريخ محدّقا في حاضر الإنسان الفلسطيني، كما الشعر الذي يشيب لكنه يبقى بعد الموت. ركزت سلسلة الأعمال تلك على تمحور هوية اللاجئ الفلسطيني حول الذاكرة الجمعية، التي لا تنفك أن تحيا، ولا تنفك تُثقل الإنسان الفلسطيني بمأساتها المتكررة وحضورها المستمر.

    ويعتبر الفنان إبراهيم النوباني (مواليد عكا عام 1961) حالة تشكيلية مثيرة للجدل داخل الوسط الفني في الكيان الصهيوني وتشكل تحديا للمنظومة الاستعمارية التي يمثلها هذا الكيان. أقام أبوه في مدينة حيفا وبعد النكبة لجأ إلى عكا واستقر فيها، أما أمّه فقد هُجرت وعائلتها من قرية الكويكات التي يقوم على أنقاضها اليوم كيبوتس بيت هعيمق. عبّرت أعمال النوباني على مدار مسيرته التشكيلية عن قضايا الهوية الفلسطينية وعنصرية الكيان الصهيوني ومعاناة الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال بدءا بالتهجير ومرورا بالنكسة وانتهاءا بالانتفاضتين. دخلت الأحداث المأساوية بدخانها ودمويتها المجال الهندسي الذي يقيمه النوباني على لوحات ذات حجم كبير، تعجّ برموز عربية وفلسطينية كالمزهرية وأوراق النبات والشجر والقش المجدول والعين، في تأكيد على عروبة وفلسطينية المكان والإنسان. يحتلّ البيت، كاستعارة للوطن المفقود، مكانة رئيسة في أعمال النوباني، من خلال رسم نموذجين للبيت في أعماله بأسلوب طفولي، البيت العربي، مربع على رأسه نصف دائرة ـ قبة، والبيت الغربي، مربع على رأسه مثلث، تمثيلا لعدم التصالح في المشهد المكاني على أرض فلسطين والمتمثل بتدمير القرى الفلسطينية وإقامة المستوطنات الحديثة على النمط الغربي على أنقاضها. أثر اندلاع الانتفاضة الثانية في شخصية النوباني الإنسان والفنان، ليذهب بأسلوب تعبيري فوضوي إلى رسم الأحداث الدموية التي يعانيها الشعب الفلسطيني. يتجلى ذلك بداية في عناوين لوحاته موت في فلسطين وجنين وثور جنين ونصبوا لي الخيمة، قلت سأبقى.

    عن علاقة الفنان إبراهيم النوباني بالبيت يقول مشبّها الحالة الذاتية بالعامة والوطن بالبيت: أشعر بأن لا بيت لي، وهو شعور يخلق حالة من عدم الاستقرار، تشبه الحالة الفلسطينية برمتها، أن تكون مهجّرا أو ابنا لعائلة مهجّرة يعني أنك تبقى مهجرا... [14]. نصبوا لي الخيمة، قلت سأبقى، هو عنوان مقتبس من أغنية مشهورة إرحل غناها الفنان أحمد قعبور. أنجز النوباني تلك اللوحة عام 2004 ويظهر فيها رسم رمزي للخيمة في دلالة على استمرار الشتات الفلسطيني بعد ما يقارب الستين عاما. الخيمة تشير إلى سكن مؤقت، وإلى ساكن متنقل ليس له وطن. لذا فإن الخيمة التي ما زالت منصوبة في اللوحة وبعد كل تلك العقود منذ التهجير تشير إلى علاقة تشبث وانتماء تربط الإنسان الفلسطيني بالبيت ـ الوطن ـ الذي هُجّر منه. يسيطر الأزرق على اللوحة ليشير إلى حالة فزع وحزن، في حين تتواجد عيون ووجوه كثيرة تعبر عن حالة من الألم والترقّب والانتظار.

    مرة أخرى تطل علينا يافا وكأنها ترفض هي الأخرى الزوال في مدنيّة قامت على الاقتلاع. يقوم سامي بخاري (مواليد يافا 1964) في عمله بانوراما (2002) بالتدليل على الخراب والدمار الذي لحق بمدينة يافا بعد النكبة من خلال توثيق يافا ما قبل وما بعد 1948. تُظهر تلك الصور العلاقة بين الأبنية والقديمة وتلك الحديثة في المدينة وكذلك المساحات المفتوحة التي تبدو كجرح داخل البيوت السكنية في الحي [15].عرض سامي بخاري أيضا ضمن هذا العمل سلسلسة من الصور للمقبرة الإسلامية القديمة في يافا الأكزخانة، وتطل المقبرة في الصورة كدالة على التراث المعماري الفلسطيني القديم في يافا، بقناطرها وأعمدتها. يقع الجزء الغربي من المقبرة على الشاطىء حيث هدمت الأمواج جزءا منها، في دلالة على الكارثة المنتظرة باستمرار على الأبواب، وبمقاربة للنكبة الفلسطينية في الوعي الذاتي والجمعي الفلسطيني، حيث يحتفظ الوجود الفلسطيني بحضوره ويبقى على أهبة الاستعداد لكارثة أخرى، وهناك أيضا مشابهة للموت الثقافي والاجتماعي في يافا بعد النكبة [16]. ثم يعرض بخاري إلى جانب تلك الصور من المدينة سلسلة من صور أخرى التقطت لخنزير بعد الموت: يخلق البخاري علاقة استعارية بين صورة الخنزير كتجسيد للخطيئة (في المجتمع اليهودي والمسلم)، كشيء مقصىً، وبين صورة يافا في الواقع الإسرائيلي. في هذا السياق يرى يافا ما بعد 1948 كتذكير بالخطيئة. يافا تظل مقصاة، غير مرغوب فيها، خارج المعسكر. لكنها في الوقت نفسه، يافا العربية، يافا الجميلة، المتبرّجة، التي تتزين كل يوم تقريبا برصاصات بندقية ذهبية اللون ـ وهي موجودة في مركز المعرض كأنسنة، كشخصية إمرأة، كعروس البحر في الأدب والثقافة الفلسطينيين [17].
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:12 pm

    وإذا ذهبنا إلى عمق المخيّم الفلسطيني سيبرز في المشهد التشكيلي الفنان جواد المالحي (مواليد القدس 1969). في أعماله يقوم المالحي بتوثيق الحياة اليومية في مخيمات اللجوء، والتي يرى فيها الفنان تجمعات وتركيبات سكنية مؤقته جاءت نتيجة مهازل تاريخية [18]. يعيد المالحي إنتاج لوحته الدراجة، والتي فقدت منذ وقت طويل، بصنعه دراجة هوائية علقها على لوحة زيتية أخرى، كبرت الشخوص الذين رسمهم المالحي في لوحته السابقة، يعيد المالحي إنتاج لوحته، الأولى التي فقدت ويوثق فيها حالة الحزن والقسوة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني، ليعيد إنتاج العلاقة بين الإنسان الفلسطيني وبين المكان الذي ما زال مؤقتاـ المخيم.

    وتعيد الفنانة رائدة أدون (مواليد عكّا 1973) في عملها فساتين تشكيليا إنتاج مسرحية فساتين لمحمد علي طه التي عرضت في مهرجان عكا عام 2001. في قاعتين وضعت الفنانة عرضي فيديو، الأول، يعرض فساتين سوداء منتصبة بين جدران البيوت المهجورة في قرية لفتا في القدس يرافقها صوت ريح تتحرك داخل الفساتين فتحولها إلى أشبه بأشباح في المكان المهجور، في القاعة الأخرى عرض فيديو حيث تظهر الفنانة بشخصية عائشة من مسرحية فساتين لتروي حكاية عائشة التي تعيش في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دمشق منذ عام 1948، تشترط عائشة منح جسدها لعلاقة الحب مع زوجها أبي العبد بعودتها إلى قريتها السجرة في فلسطين[19]: قام أبو العبد مكسور الخاطر ومن يومها ما عاد قرّب مني ومرت سنين واحنا في الشام جسمي برد ومات ما عدت أفكر فيه (...) وهيك مرت سنين ومات ابن عمي محروم مني ومن السجرة. تكتمل الرواية، القضية، الفلسطينية في العملين، بحيث يخيم الصمت، إلا صوت الريح، على العمل الأول ليوحي بذاكرة جمعية فلسطينية تلخص تحول الشخوص في أمكنتها الأولى إلى أشباح، الشخوص وإن هُجّرت من المكان إلا أن أرواحها تسكنه. العرض الثاني يروي، يروي الصمت وسببه قي العرض الأول، هذا التشبث بالذاكرة، مرة أخرى تتجلى ذاكرة التحدي التي تحدث عنها إدوراد سعيد في قراءته لأعمال منى حاطوم. ومرة أخرى يكون جسد المرأة هو الدلالة على المكان والأرض، وتكون المرأة هي الراوية الأساسية والشاهدة الأولى، بل وهي الموضوع، الأرض ـ الجسد، اللذين يُشترط ارتيادهما بالعودة، المطلب المتجدد والمستمر للاجئ الفلسطيني. عرضت مسرحية فساتين، لجمهور إسرائيلي لا يفهم اللغة العربية، وكذلك النص الذي تحدثت به أدون في علمها بالفيديو حيث معظم الجمهور من الإسرائيليين أيضا، في ذلك سياسة ينتهجها العمل الفني، المسرحي والتشكيلي، لا تشير إلى اللغة كونها لغة فحسب، بل كونها هوية دالة على ثقافة وتاريخ وذاكرة مغايرة لا يفهمها الآخر، ولا يحاول، وهو نفسه الذي يحاول طمسها وإحلال ثقافته مكانها [20].

    تنسج عائشة الماضي المتكرر بالحاضر فتقول[21]: الخيال يجمح إلى الوراء. إلى آخر أيام الممكلة الصليبية التي انحصرت إلى عكا قبل أن تمّحي تماما. وربما أنه في ذاك الحين أيضا، أقيم مهرجان براق، ودعي الجيران المسلمون كي يمثّلوا ويعزفوا، وقام الصليبيون الذين لم يفهموا العربية برفع كؤوس البيرة وصفقوا للعربية الجميلة التي تنبأت، بلغة حلقية غير مفهومة، بانصرافهم القريب.

    من خلال الطفولة التي تشكل موضوع أعمال الفنانة إيمان أبو حميد (مواليد عكا 1976)، تنطلق الفنانة لترسم ملامح هوية ذاتية حميمية لكنها تستند مرة أخرى على ذاكرة جمعية. في عملها (بدون عنوان)، تختزل أبو حميد في البيت مسائل الانتماء إلى الهوية والذاكرة الجمعية الفلسطينية. على شريحة السلايدز داخل صندوق وضعت الفنانة خريطة فلسطين ما قبل عام 1948 وصورة التقطت لها في فناء بيتها وهي ما زالت طفلة، صورة بيت جدها الذي هُجّر منه بعد النكبة وحبل غسيل. هذا الاختزال للبيت في صندوق صغير يحوي عناصر هوية وقضية جمعية ما هو إلا اختزال للعام وللقضايا الكبرى لتصبح ذاتية وحميمية في إحساس الإنسان الفلسطيني بها، وطفوليّة في حنينها المستمر إلى الزمان والمكان الأوليْن، يعكس هذا التمثيل للعلاقة بين الذاتي والعام عمق القضية الفلسطينية التي تحولت من قضية سياسية عظمى إلى مسألة ذاتية وجزء من الذات الفردية للإنسان الفلسطيني.

    مرة أخرى يتجلى المكان المُؤَنْسَن في العمل التشكيلي الفلسطيني المعاصر كما كان في أعمال الرواد، ففي عملها وادي الصليب في تسعة أبواب، تقوم أحلام شبلي (مواليد قرية الشبلي 1970) بالتقاط صور للروح في المكان. وادي الصليب هو حي في مدنية حيفا هُجّر سكانه عام 1948. تقوم أحلام بتوثيق ذاكرة المكان قبل أن تتحرك جرافات بلدية حيفا لمحو تلك البيوت القديمة. تستحضر روحه الفلسطينية، ومن خلال حميمية تبثها الصورة في الأشياء المتروكة وفي الجدران تقوم أحلام بأنسنة المكان، توثق تجربة الفقد والتهجير، وتثبّت هويته الفلسطينية.

    خلاصــــة

    ما زال الخطاب الثقافي الفلسطيني، بمختلف أداوته الفكرية والأدبية والفنية، يستند على القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه وإقامة دولته. وإذا كانت الحركة الثقافية الفلسطينية قد سارت منذ بداية القرن العشرين نحو تطوير نفسها بشكل طبيعي كما مختلف الحركات الثقافية في العالم العربي، فإن عام 1948 شكل نقطة تحول رئيسية في وظيفة ومضامين عناصر تلك الحركة، لتستمر بدورها إلى يومنا هذا بمعالجة تلك السيرورة غير الطبيعية للتاريخ.

    والفن التشكيلي الفلسطيني، كما مختلف صنوف الإبداع الفلسطيني، وجد نفسه في ميدان تلك المعركة التي تهدد ليس فقط الوجود الإنساني الفلسطيني على أرض فلسطين، بل الوجود الفلسطيني كهوية على تلك الأرض. وبذلك جاءت أعمال رواد هذا الفن توثيقا، بالمعنى الحرفي للكلمة، لمأساة التشتت وضياع الأرض. وتحولت تلك الأعمال، بمباشرتها بطرح قضايا النكبة والاحتلال واللجوء، إلى أشبه بـ بوستر سياسي في مضامينه، ونضالي في وظيفته. وسيطرت على تلك الأعمال رموز المقاومة واتخاذ المرأة استعارة للأرض، كما في الأدب الفلسطيني. وتحولت الحركة التشكيلية الفلسطينية إلى حركة نضالية، سواء بالأعمال التي أنتجها الرواد، أو بنشاطاتهم في الحركة الثقافية والتي اعتبروها مكملا لعملهم كفنانين.
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:13 pm

    يضع الفن التشكيلي الفلسطيني اليوم الشعارات جانبا، ويتخلى عن تلك المباشَرة في الطرح، لكن لم يختف المضمون السياسي، القضية الفلسطينية من هذا الفن، بل على العكس، إذ ساهم اندلاع الانتفاضة الثانية والأحداث المأساوية التي يمر بها الشعب الفلسطيني منذ عام 2000 في تعزيز المضمون السياسي ليس فقط في المشهد التشكيلي الفلسطيني بل في المشهد التشكيلي العالمي أيضا، في ظل أحداث عالمية أخرى ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالقضية الفلسطينية، كأحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق والحرب الأخيرة على لبنان والتهديدات الموجهة إلى سوريا وإيران.

    ما زال الفن التشكيلي الفلسطيني ينطلق من أرضية فرضتها نكبة عام 1948، لكننا نشهد تنوعا في المضامين التي يعالجها بشكل أكثر عمقا وأكثر حميمية وذاتية من السابق. الفن الفلسطيني اليوم يحول النكبة إلى قضية ذاتية، في دلالة على عمق الإحساس الفلسطيني بقضيته وتأثره بها على مختلف الأصعدة الاجتماعية والإنسانية والثقافية. وأول ما نستخلصه من هذا الفن عن النكبة، أن تلك النكبة ليس تاريخا مضى، بل هي حاضر مستمر في الوعي الفلسطيني الفردي والجماعي، ما دام حق العودة ما زال مطلبا مرفوعا لم يتحقق، وما دام الاحتلال يستمر بممارساته التي تستهدف الوجود الفردي والجماعي، السياسي والثقافي، على أرض فلسطين.

    وفي معالجته قضية النكبة، وظف الفن التشكيلي الفلسطيني سواء في مراحلة التاريخية أو المعاصرة عنصر المكان، باعتباره جزءا من الذات الإنسانية الفلسطينية، التي يتقاذفها مكانين، مخيم اللجوء المفروض قسريا، القاسي والبارد والمؤقت، والمكان الأول، الرحم، الدافئ والحميم والأبدي. كما اتخذ هذا الفن من المرأة استعارة للأرض وللهوية. جسد المرأة في العمل التشكيلي الفلسطيني هو الأرض، وهو المنفى ما دامت الأرض محتلة.

    أحدث الوسائل في التعبير التشكيلي لم تجتث مضامين تاريخية من هذا العمل وتضع مكانها أخرى، بل ساعدت الفنان الفلسطيني على الذهاب أكثر عمقا في معالجته قضيته الوجودية كفلسطيني، الفنان الفلسطيني اليوم يؤنسن القضية السياسية، ليصبح تاريخها هو سيرته الذاتية، ومكانها ، فلسطين، هو الذات الإنسانية الفلسطينية نفسها. هذا التحول في الذهاب إلى العمق والأنسنة وتحويل القضايا الكبرى إلى حميمة ذاتية نستطيع أن نستقرأه من فنون أخرى، كما في دواوين الشاعر محمود درويش الأخيرة. ربما في تلك الأنسنة وجعل ما هو عام ذاتي، يجد الخطاب الثقافي الفلسطيني حل قضيته التي هي إنسانية بالأساس.

    _____________________

    مليحة مسلماني هي باحثة وفنانة فلسطينية ومرشحة لنيل شهادة الدكتوراة في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، وموضوع رسالتها: تمثيلات الهوية في الفن الفلسطيني في المناطق المحتلة في العام 1948. لمسلماني العديد من المعارض فنية، والأعمال الكتابية والدراسات. فازت مليحة مسلماني بالمرتبة الاولى في جائزة الورقة البحثية في جائزة العودة للعام 2007 عن الورقة المنشورة اعلاه، كما فازت بالمرتبة الاولى في جائزة ادب الاطفال في جائزة العودة للعام 2007 أيضا عن قصة بعنوان كرم التين.
    لمى جبريل
    لمى جبريل
    المدير العام
    المدير العام


    انثى القوس جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Jordan_a-01
    رقم العضوية : 2
    نقاط : 27505
    السٌّمعَة : 43
    تاريخ التسجيل : 25/01/2009

    النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً Empty رد: النّكبــة في الخطــاب الثقافــي الفلسطينــي: الفــن التشكيــلي نموذجـــاً

    مُساهمة من طرف لمى جبريل الأربعاء 03 يونيو 2009, 12:15 pm

    [size=16]لهوامــــش
    [1] محمد أحمد العجاتي، أزمة الهوية في الفكر السياسي العربي: دراسة مقارنة في رؤى حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، رسالة ماجستير، القاهرة: جامعة القاهرة، 2001، ص 14.
    [2] المصدر السابق نفسه.
    [3] المصدر السابق، ص ص 14 – 15.
    [4] عفيف بهنسي، الفن الحديث في البلاد العربية، اليونسكو: دار الجنوب للنشر، 1980، ص 54.
    [5] عز الدين المناصرة، موسوعة الفن التشكيلي الفلسطيني في القرن العشرين: قراءات تاريخية توثيقية نقدية. الجزء الأول، الطبعة الأولى، عمان: دار مجدلاوي، 2003، ص ص 226 – 228.
    [6] كارين رودانتس، إسماعيل شموط، ترجمة: ممتاز كريدي، برلين: دار هنشل للنشر، 1975، ص 9.
    [7] كمال بلّاطة وآخرون، صور ذاتية: فن نساء فلسطينيات، تل أبيب: دار أندلس للنشر، 2001، ص 21.
    [8] المصدر السابق، ص ص 23 – 24.
    [9] المصدر السابق نفسه.
    [10] المصدر السابق، ص 25.
    [11] المصدر السابق نفسه.
    [12] نصر يوسف الجوابرة، البنية الفكرية للفن التشكيلي المعاصر في فلسطين، رسالة ماجستير، جامعة بغداد. فلسطين: دار الرائد، 2000، ص ص 141 – 143.
    [13] طال بن تسفي، سيرة حياة: ستة معارض شخصية في جاليري هاجر للفنون، يافا: جاليري هاجر، 2006، ص ص 42 – 45.
    [14] من حوار أجرته الباحثة مع الفنان إبراهيم النوباني، نشر في صحيفة الحياة الجديدة، 7\9\2005، ص 23.
    [15] طال بن تسفي، فن فلسطيني معاصر، يافا: جاليري هاجر، 2006، ص ص 38 – 40.
    [16] المصدر السابق نفسه.
    [17] المصدر السابق نفسه.
    [18] من مقدمة نقدية لتينا شيرويل، كتالوج معرض: ألوان الحرية والحياة، فلسطين: وزارة الثقافة، 2004، ص 25.
    [19] طال بن تسفي، فن فلسطيني معاصر، ص ص 39 – 43.
    [20] اقتباس من بحث قدمته الباحثة لمؤتمر التاريخ الذي عقد في القاهرة في شباط 2007، وهو قيد النشر ضمن منشورات سلسلة مؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، البحث بعنوان المرأة في الفن التشكيلي الفلسطيني: جسدٌ وطن وذاتٌ هويّة.
    [21] طال بن تسفي، فن فلسطيني معاصر، مصدر سابق.
    [/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 26 نوفمبر 2024, 2:22 am