ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

ملتقى أجراس العودة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى أجراس العودة

سياسي، ثقافي ، اجتماعي، إخباري


    الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ

    صامد
    صامد
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الجوزاء جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ Jordan_a-01
    نقاط : 1095
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ Empty الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ

    مُساهمة من طرف صامد الأربعاء 03 يونيو 2009, 1:43 pm

    بقلم إسماعيل شموط

    تفصلنا عن مجموع تراثنا الفنيّ القديم – الآثار الفنية الكنعانية - سكان فلسطين الأوائل – أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، كما تفصل بين حاضرنا وتراثنا الذي ينسب إلى الدين المسيحي- والمتمثل بالآيقونة- نحو ألفي سنة وعن التراث الإسلامي العربي مئات من السنين ، وذلك مرده غزو فلسطين واحتلالها وحكمها من قبل غرباء على مدى آلاف السنين .

    انقطعت بسبب ذلك أواصر التواصل بين الطاقات الإبداعية المعاصرة على الأرض الفلسطينية وبين ذلك التراث على مدى عصور طويلة .

    وحتى لا نغوص في التاريخ القديم كثيرا نُذكر بالغزو الفرنجي (الصليبيّ) الذي استمر قرابة قرنين من الزمن ثم الحكم العثماني الذي دام أربعة قرون ، تبعهما الاحتلال البريطاني ثم الصهيوني .

    لم تكن فلسطين وحدها ضحية الغزوات واحتلال الأجنبي لها ، بل إن ذلك شمل معظم بلاد العرب . في أوائل القرن التاسع عشر بدأت البعثات الاستكشافية الغربية تأتي للمنطقة ، وتحديدا لما يعرف بالأراضي المقدسة ، يصحبها الفنانون والمهندسون والمنقبون ، بهدف دراسة الأوضاع العامة وتوثيق ملامح معالمها الفنية والطبيعية .

    كان التواصل الثقافي بين بعض البلدان العربية والغرب أسبق من غيرها . وكانت مصر السباقة في التعرف على بعض مظاهر الثقافة الغربية ، فمع غزو نابليون لمصر أواخر القرن الثامن عشر صحب الغزو مستكشفون ورسامون أيقظوا في بعض المصريين مواهبهم .

    وكان الخديوي إسماعيل ، حاكم مصر أواسط القرن التاسع عشر محبا لمظاهر الثقافة الغربية وعاشقا لها وتحديدا الفرنسية منها ، فأتى بالفنانين والرسامين والمبدعين الاوروبيين ، مما أتاح الفرص أمام مواهب جديدة .

    ثم بدات حركة الفنانين المستشرقين تأتي المنطقة ليوثّقوا عن طريق الرسم والتصوير معالم منطقة سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والمغرب العربي . تفتحت أعين مواهب عربية أخرى من الناشئة في العديد من بلداننا العربية على اللوحة والرسم والنمثال المنجزة بالأسلوب الغربي.

    وجدير بالذكر أن فنّ الأيقونة الذي نشأ مع انتشار المسيحية ظل مستمراً على مدى العصور . وشهدت فلسطين العديد من الفنانين القساوسة والرهبان الذين هاجروا من بلادهم قاصدين مدينة القدس وجاءوا بدافع الإيمان والقداسة لتكملة طقوسهم الدينية في رسم الأيقونة المقدسة

    ِشكـّل هؤلاء الفنانون من الرهبان والقساوسة في فلسطين وفي القدس تحديداً إضافة لفناني البعثات المستشرقين شبه مدرسة تعرفت بعض المواهب الفلسطينية من خلالهم على الأدوات الفنية الغربية وأشكال التصوير الذي يقومون به.

    في الوقت الذي انطلقت فيه بدايات الحركات الفنية التشكيلية في كثير من البلدان العربية أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، تأخر انطلاق الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة في فلسطين بسبب انشغال المواطنين الفلسطينيين ، بمن فيهم المواهب الفنية الناشئة ، عن المسائل الثقافية والفنية وانخراط كثيرين منهم في الدفاع عن وطنهم الفلسطيني ، إذ كانت مخططات الحركة الصهيونية النشيطة والمتحالفة مع المستعمر البريطاني تستعد بشراسة لاقتناص فلسطين وطرد مواطنيها وإقامة دولة اليهود العنصرية .

    ولفلسطين ، كغيرها من البلدان العربية ، تراث فنيّ عريق يتمثل بـ :

    1 - ما خلفه الأجداد الكنعانيون والفلسطينيون (الفلسترز) السكان الأوائل لفلسطين من

    آثار فنية .

    2 – التراث الأيقوني المسيحي .

    3 – التراث الإسلامي العربي .

    4 – الفن الشعبي الفلسطيني .

    الخوض في تفاصيل فنون الأجداد من سكان فلسطين الأوائل (الكنعانيون والفلسطينيون) يحتاج إلى مختصين للتحدث بشأنه وتحديد معالمه والتعريف به ليصبح أحد مصادر الالهام و الترابط بتاريخنا القديم .

    التراث الأيقوني المسيحي ، فنّ قائم وحاضر انطلق من منذ نحو ألفيّ سنة ، وهو منتشر في شتى بقاع العالم ، إنه عطاء فنيّ مستمر بنهج ثابت وأسلوب واحد وأهداف محددة.

    جاء في كتاب الفنان كمال بلاطه "استحضار المكان – دراسة في الفن التشكيلي المعاصر" أن منبع الفن التشكيلي الفلسطيني تعود أصوله إلى الفن الأيقونوغرافي أو ما درج على تسميته "الفن المسيحي" .

    وهذا في رأيي مناف للحقيقة الموضوعية مع كل التقدير للفن الأيقوني وللمسيحية . نحن لا ننكر ما للفنانين الأيقونيين ، عربا أم أجانب ، من فضل على بعض الفنانين الفلسطينيين الذين تعرفوا عن طريقهم على أدوات ومواد الفنّ التشكيلي الحديث وتقنياته في التصوير والرسم . ولسنا في الوقت ذاته ، ولم نكن في يوم من الأيام ، ضد التعلم من فنانين أجانب ، فمعظمنا درس على أيدي فنانين أجانب .

    الأصول التي انطلقت منها الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة أصول مختلفة شكلا ومضمونا عن الفنّ الأيقونوغرافي . إن أؤلئك الفنانين الفسطينيين الأوائل ، في بدايات القرن العشرين ، الذين أتيحت لهم فرصة تعلم الرسم والتصوير من الفنانين الأيقونوغرافيين ، عربا كانوا أم أجانب ، ولربما من كتب وصور فنية غربية وصلت لهم ، فرّقوا في إنتاجهم بين اللوحة الأيقونية واللوحة التي كانوا يرسمونها للمناظر الطبيعية أو الطبيعة الصامتة أو حتى للأشخاص من حيث الشكل والمضمون .

    وتراثنا الفني الإسلامي العربي التشكيلي تراث ثريّ وعظيم ، بتكويناته الهندسية والنباتية الزخرفية ، وأشكال خطوطه ، ورسوم ولوحات المخطوطات ، لم يؤثر فقط في انتاجنا ، بل تعدانا ليؤثر في انتاج الكثيرين من فناني العالم . هو فنّ عظيم بحاجة لمزيد من الدراسات المعمقة من قبل أخصائيين وباحثين عرب كي يصبح هذا الفن مستوعبا من قبل المثقفين والفنانين والجماهير العربية ، ومصدر إلهام لهم .

    الفنون الشعبية الفلسطينية ، وتحديدا عالم التطريز ، فنون على قدر كبير من القيمة الفنية ، باشكالها وألوانها وتناسق وحداتها وعفويتها ، والأهم من ذلك تمكنها من العطاء المستمر وتطورها على مدى آلاف السنين رغم الغزوات والاحتلالات . كان هذا الفنّ الشعبيّ مصدر إيحاء كبير للفنّ التشكيليّ الفلسطينيّ المعاصر.

    يتسائل الناقد والشاعر الفلسطيني محمد الأسعد في محاضرة له قبل نحو عشرين عاما فيقول "لا أدري ما الذي يمنع من اعتبار الفنون الشعبية وخاصة البارز منها في الزخرفة ، فناً تشكيلياً ".

    أن معظم الحركات الفنية التشكيلية في البلدان العربية بدأت خطواتها الأولى ، وصار لها وجود ملموس منذ أوائل القرن العشرين . وبرغم تأخر انطلاق الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة عن مثيلاتها العربية ، لآسباب مر ذكرها ، فإنّ الفن التشكيلي العربي المعاصر عموما انطلق من المفهوم والشكل الغربيّ للفنون التشكيلية الحديثة .

    من الأسماء الفسطينية التي برزت في مجال الرسم والتصوير في النصف الأول من القرن الماضي نقولا الصايغ وتوفيق جوهرية ومبارك سعد وجمال بدران وشقيقاه خيري وعبد الرزاق ثم داوود زلاطيمو وزلفى السعدي وخليل وصوفي حلبي وجبرا ابراهيم جبرا وحنا مسمار وفضول عوده وآخرين ، أسماء نذكرها عند الحديث عن بدايات الفن التشكيلي الفلسطيني . هؤلاء مارسوا رسم اللوحة (لا نعرف أحدا مارس النحت إلاّ حجارين مغمورين وحنا مسمار الناصري الذي كان يمتهن صناعة الفخارً وشكل من فخاره بعض المواضيع الشعبية والوطنية)

    لكن هؤلاء الفنانين الفلسطينيين الأوائل لم يتمكنوا من تأسيس حركة جماعية لها حضور على الساحة الثقافية في فلسطين ، وظل مجمل إنتاجهم في اعتقادي محصورا في إطار المهنة أو الهواية القريبة من الاحتراف .

    وعلى سبيل المثال فإنّ فلسطين قبل عام 1948 لم تعرف معرضا تشكيلياً واحداً لأحد أؤلئك الفنانين الفلسطينيين ، معرض بالمعنى الذي نعرفه اليوم، ولم يكن في فلسطين أية قاعة لعرص الفنون التشكيلية. كانت هناك نشاطات فردية لبعض الفنانين ، كأن يشارك أحدهم بلوحة أو أكثر ، بمناسبة معينة ، لتعرض في مدرسة أو ناد ، إلى جانب معروضات متنوعة أخرى ، كالأشغال المدرسية .

    نقولا الصايغ (توفي عام 1930) كان رساماً محترفاً رسم عددا كبيرا من اللوحات الزيتية ، لكنها لم تعرض مرة بمعرض خاص في قاعة واحدة . وكان جل إنتاجه ، إما لوحات أيقونية ، تعمل للكنائس او الأديرة ، أو لوحات لطبيعة صامتة أو لمناظر طبيعية تباع بالقطعة للسياح وحجاج بيت المقدس . لم يختلف حال توفيق جوهرية بانتاجه وأهدافة عن الصايغ .

    مبارك سعد (1880 – 1964) رَسم وصَور أشخاص وصورتة الشخصية بالذات والمنظر الطبيعي بشكل متقن واحدة من تلك اللوحات للحرم الشريف بالقدس، كان متفوقا بانتاجه من الناحية الفنية والتقنية عن زملائه في تلك الفترة .

    خليل حلبي (1889 – 1964) رسم الأيقونة ولوحات دينية مسيحية ومناظر طبيعية،أما صوفي حلبي (1912 – 1997) فرسمت لوحات بالألوان المائية للطبيعة الصامتة، والزهور بشكل خاص، وتتسم لوحاتهما برهافة حس و تأثيرية متقنة .

    [color=navy]جمال بدران (1909 – 1997) وشقيقاه نزعا تخصصا في مجال الفنون التطبيقية ، وهي فنون جميلة لكنها تظل في إطار الفن التطبيقي الذي لا يعتبر حتى اليوم، وفقا لأنظمة اتحادات الفنانين التشكيليين في العالم العربي والدولي جزء من الفنون التشكيلية . [/co
    lor]
    صامد
    صامد
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الجوزاء جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ Jordan_a-01
    نقاط : 1095
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ Empty رد: الفنّ التشكيلي الفلسطينيّ

    مُساهمة من طرف صامد الأربعاء 03 يونيو 2009, 1:44 pm

    داود زلاطيمو (1906 - 1999) (وهو الأستاذ الأول لي في طفولتي وصباي) رسم العديد من اللوحات الزيتية لشخصيات تاريخية كعمر ابن الخطاب عندما وصل القدس فاتحا وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي وزنوبيا ، وأخرى صور فيها أحداث تاريخية عربية مثل "معاوية يركب البحر ، كما صور بالألوان الزيتية والمائية والطباشيرية مناظر طبيعية في فلسطين . كان أسلوبه واقعي توثيقيّ (بلاطة يقول أنه أيقوني الأسلوب وهو غير صحيح) . بعض لوحات زلاطيمو كانت معلقة في بعض غرف مدرسة اللد (التي درست فيها) أو في بيوت الأقارب والأصدقاء ، ولم تعرض أبداًً في معرض خاص .

    زلفى السعدي (1905 – 1988) يعتقد بأنها تعلمت الرسم على يد نقولا الصايغ وربما عند بعض الراهبات . تعرفنا على بعض أعمالها أواسط التسعينيات لأول مرة شكل لنا اكتشافا مهما في مضمار الفن التشكيلي الفسطيني .

    تنم بعض أعمالها ، الزيتة منها بشكل خاص عن قدرة فنية ملفتة للنظر لأسباب كثيرة ، كونها فتاة فلسطينية من عائلة مقدسية مسلمة ، أتقنت تعلم هذا الفنّ واستعملت الأدوات الفنية التشكيلية بشكل سليم وبجدية ، وتناولت مواضيع في لوحاتها لم يتناولها أحد من زملائها من قبل ، فبالإضافة إلى رسمها للمنظر الطبيعي والطبيعة الصامتة فقد رسمت الشخصيات العربية البارزة كطارق بن زياد وعمر المختار والشريف حسين وجمال الدين الأفغاني وأحمد شوقي ، ومواضيع شعبية ، وهي الأكثر أهمية ، لفتيات ورجال قروييين يحملون نتاج حقولهم الزراعية أو يبيعونها ، وصورت شيخا عجوزا يتكئ على عكازه وآخرين مثلهم، كما رسمت المنظر الطبيعي ، كالمسجد الأقصى باتقان مرهف . لم يكن اختيارها لهذه الشخصيات والمواضيع صدفة بل بدافع من الموقف الإنساني الحياتي لهذه الفنانة .

    زلفى السعدي عرضت بعض إنتاجها الفني من اللوحات ومن أشغال نسوية كاشغال الإبرة والتنسيل والتطريز في إحدى غرف المكان الذي أقيم فيه "المعرض العربي القومي" الذي أقامته "شركة المعرض العربي بفلسطين المحدودة" في القدس عام 1933 ، وهو معرض فلسطيني عام عرضت فيه منتجات زراعية وصناعية وما إلى ذلك . وقد أمّ هذا المعرض أعداد غفيرة من المواطنين الفلسطينين وشخصيات عربية معروفة . وحازت فيه زلفى السعدي على إعجاب وتقدير زوار المعرض .

    لا شك بأن ما اقدمت عليه زلفى كان عملاً رائدا في الحياة الفنية الفلسطينية ، لكننا لم نعرف أونقرأ أنها أقامت معارض أخرى في فلسطين أو في دمشق (التي هاجرت إليها مع زوجها إبان النكبة الفلسطينية عام 1948) . كما أننا لا نعرف عن لوحات أخرى لها غير تلك التي وصلتنا من أقاربها أواسط التسعينات(نحو عشرين لوحة – أبقيت لدينا كأمانة ليوم تقدم هذ اللوحات فيه للمتحف الفلسطيني في فلسطين) إن شاء الله.

    هؤلاء ، ومن المؤكد هناك آخرون ، هم الذين نعتبرهم فناني فلسطين في النصف الأول من القرن الماضي ، والذين نجلهم ونقدر جهدهم في مجال الفنّّ التشكيلي الفلسطيني .

    منذ أوائل القرن الماضي عصفت بفلسطين مؤامرة صهيونية استعمارية رهيبة ، تصدى لها أهل فلسطين بالمقاومة الشعبية العزلاء ، ثورات متتالية منذ عام 1919وحتى عام النكبة 1948. تعرض خلالها معظم أهالي فلسطين للقمع والاضطهاد ،للاعتقال والنفي والقتل والتدمير على أيدي المنتدب–المستعمر البريطاني والعصابات اليهودية التي كان المستعمر يحميها ويدعمها بكل إمكانياته .

    الأمر الملفت للنظر هو أن أحدا من اؤلئك الفنانين الفلسطينيين الذين ذكرت أسماؤهم فيما سبق ، والذين يعتبرون طلائع الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة ، لم يتناول موضوعا فلسطينياً يمت بصلة للأحداث الرهيبة التي كانت تمر بها بلادنا فلسطين .

    لم نعرف ولم نشاهد ، لم نقرأ ولم نسمع عن أحد من أؤلئك الفنانين الفلسطينيين الأوائل تناول موضوع الوطن الفلسطيني والشعب الفلسطيني في لوحاته ليعبر من خلالها عن بعض ما كان يجري في فلسطين. لقد كانت معظم ، إن لم نقل كل ، انتاج أؤلئك الفنانين من لوحات أنجزت في ذلك الزمن العنيف والرهيب في فلسطين هي لوحات أيقونية لصالح الكنائس والأديرة أو لوحات لمناظر طبيعية أو سياحية وما شابهها .....!

    في اعتقادي أن الفن الذي لا يتفاعل مع أحداث الحياة ، بحلوها ومرها ، جمالها وبشاعتها ، يسرها وعسرها ولا يعبر عنها ، يظل فنّ نخبة ضئيلة في المجتمع . كما أنه لا يشكل حركة فنية أو ثقافية مؤثرة في حياة الناس والوطن ولا يحقق له حضورا ملموساًً في الحركة الفنية التشكيلية العربية والعالمية.

    لذلك ، فإن الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة تكونت عندما صار الفنان جزء من مجتمعه ، يتحسس معاناته ومآسيه ، أفراحه وأغانيه ، واقعه وأمانيه . تكونت يوم صار المواطن بشكل عام يرى في اللوحة صورته ومعاناته ، آماله وتطلعاته ، لوحة تحيي فيه روح الاعتزاز والفخار ، وتشق له دروب الحياة والبقاء ، وتشعل نور الأمل والتمنيات رغم كل شيء في سبيل تحقيق الأماني الانسانية والقومية والوطنية ، وهذا لم يحدث إلاّ بعد عام النكبة عام 1948 .

    في العام 1950 عرض إسماعيل شموط رسومه على طاولة كرة الطاولة (بنج-بونج) في إحدى غرف مدرسة خان يونس بقطاع غزة ، وكان لاجئا مع الأهل فيها ، كانت الرسوم المعروضة متنوعة المادة تعكس حيات اللاجئين بكل أشكالها وأحوالها . أمّ المعرض كثير من الناس الذين سمعوا عنه وتفاعلوا معه .

    وفي العام 1953 أقام شموط معرضاً آخر للوحاته الزيتية التي أنجزها خلال الثلاث سنوات الأولى من دراسته للفن في كلية الفنون الجميلة ، وذلك في قاعة نادي الموظفين بوكالة "الأنروا" بمدينة غزة وهي قاعة كانت مناسبة نسبياً للعرض التشكيلي حيث علقت نحو ستين لوحة لي على جدران القاعة ، كما يحدث في القاعات المتخصصة في زمننا الراهن . افتتح المعرض الحاكم المصري لغزة ومن حوله لفيف كبير من شخصيات القطاع ، وعدد لا يحصى من الناس . انتشر الخبر في القطاع فأمّ المعرض أعداد غفيرة من كل فئات المجتمع في قطاع غزة ، والذين تفاعلوا مع المعروض من اللوحات بشكل لم يسبق له مثيل لأن اللوحات كانت متفاعلة معهم وتعكس صورتهم المأساوية وتطلعاته المستقبلية. (كتب أحد زوار المعرض في دفتر زوار معرض 1953 يقول "شعبك ينتظر وأنت فنان تؤمن بالشعب ، فإلى الأمام في تحقيق رسالتك .. لك المجد والوفاء. سعيد فلفل "

    لا أود الاستطراد في هذا ، فالشريط طويل على مدى نصف قرن ونيف ، لكنني رغبت في الإشارة إلى أن الفنّ عندما يكون متفاعلا مع الحياة العامة بشكل عام ومع آلام الناس وأحلامهم يكون قادرا على البقاء والتأثير والانتشار في المجتمع ، يحقق للفنان الاعتزاز ويفرض وجوده ويحفز على البقاء والاستعداد لتحقيق الأماني .

    هناك أمر آخر لا يقل أهمية عن ما سبق ، هو ان التعبير عن الحياة في الفنّ لا يكون فناً مؤثرا ولا باقيا إلاّ إذا امتلك شروطه الفنية ، فالقضية التي يتناولها الفنان مهما كانت كبيرة كقضية فلسطين لا تخلق لوحة فنية إن لم تحملها وتعلو بها القيم الفنية التشكيلية .

    كان لذلك المعرض الذي أقيم في غزة عام 1953 ، وللمعرض الثاني الذي رعاه وافتتحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في القاهرة بتاريخ 21 تموز (يولية) 1954، حيث عرضت فيه نحو ستين لوحة ، شاركت رفيقة الدرب تمام الأكحل بإحدى عشر لوحة وشارك فيه فنن راحل هو نهاد سباسي ببضع لوحات فيه. كان لهذين المعرضين أثر كبير علينا كفنانين وعلى مواهب فلسطينية ناشئة ، اكتشفوا أن الفن نشاط أنساني مؤثر في الحياة يمكن استخدامه في حياتهم ونضالهم من أجل تحرير الوطن المغتصب ، الهاجس الذي كان يشغل بال المجتمع الفلسطيني بأسره.

    بدأت المواهب الفلسطينية الناشئة والمشتته في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي جليل فلسطين المحتل وفي سوريا ولبنان والآردن ومصر تنطلق لدراسة الفن مهما كانت الظروف والامكانيات ، ومهما بعدت المسافات أو قربت ... ودار دولاب الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة التي يعد بُناتها في هذه الأيام بما يفوق رقم الألف.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 20 مايو 2024, 1:02 am