ولد نجيب نصار في لبنان عام 1873 ، درس في الجامعة الأمريكية في بيروت، فرع الصيدلية والعلوم السياسية.
بعد تخرجه من الجامعة الامريكية، عمل صيدلياً في طبريا وبعدها انتقل الى مدينة القدس ليعمل في سلك التعليم في العديد من مدارسها.
أتاحت الفرصة لنجيب نصار أثناء عمله في مدينة طبريا والقدس الإختلاط المباشر بالمهاجرين اليهود الذين سكنوا في مناطق الجليل والقدس.
تعرف نصار الى المخطط اليهودي، والى فكرة إقامة الدولة اليهودية على إرض فلسطين بحسب جدول زمني منظم ، فكان هذا الامر دافعاً اساسياً إلى تأسيسه جريدة "الكرمل" الحيفاوية (يوم 1908/12/27) وهي أقدم الصحف الفلسطينية التي عالجت الشؤون السياسية والإجتماعية والإقتصادية. ومنذ البداية كانت الصحافة مهنته الرئيسية وكان دوره فيها ريادياً. عمل نجيب نصار في الصحافة قرابة الخمسة والثلاثين عاماً ،وقد جلب له هذا العمل المشاكل والمضايقات والإضطهاد المكثف من قبل السلطات العثمانية، والتي امتدت حتى نهاية الإنتداب البريطاني ، واشتد الامر، إلى درجة المطاردة والملاحقات المتكررة.
تزوج نصاربعد تخرجه من الجامعة، ولم يستمر هذا الرباط إلا فترة، وانفصل عن زوجته الاولى بعد سنين من العذاب ، بعد شهور قليلة التقى في عكا بفتاة اسمها "ساذج" ابنة الشيخ بديع الله بهائي والتي كانت حادة التفكير، ذات ذكاء خارق واطلاع واسع.
سارت الزوجة ساذج يداً بيد مع زوجها شيخ الصحافة وحتى يومه الأخير في 3 آذار 1948. ومن الجدير ذكره ان فاروق نجيب نصار ، من زوجته الثانية ساذج امتهن الصحافة كأبيه .
نجح نصار في شراء "مطبعة الكرمل" عام 1909 وكانت الثانية في حيفا بعد "المطبعة الوطنية" لصاحبها باسيلا جدع ، وهذا ما يؤكده محمد موسى المغربي في مقال بصحيفة "المنادي" ، "زرنا في حيفا أكثر المحلات التي يجب ان لا تفوت زيارتها، زرنا زميلنا في الجهاد الوطني وزعيم الفرقة القائلة بضرر الاستعمار الصهيوني على الدولة والأمة والبلاد نجيب أفندي نصار، صاحب ومحرر جريدة "الكرمل" ولولا ان مجال جريدتنا لا يحتمل الاسهاب لأفضنا أكثر مما يراه القارئ الآن في الشكوى من حال الصحافيين الأحرار، ومما يجده من نزاهة أخلاقه وعفة مروءته من العنت والضيق بمناسبة ما رأينا عليه صاحب الكرمل (وهو نفسه الذي يحررها) ... يضطر إلى تنضيد حروف جريدته، وتحريك آلاتها وتوزيع نسخها، وكتابة عنوانات مشتريكها بيديه" .
لم يتغير الحال خلال الانتداب البريطاني، فقد بقي الوضع كما كان عليه في العهد التركي، ويمكن القول ان الانجليز كانوا من دعاة "فرق تسد" ، وخاصة بإختلاق تعقيدات جديدة . فهجرة اليهود من جهة والشعور القومي العربي من جهة أخرى، دفع حكومة الانتداب الى حبك المؤامرات بهدف السيطرة على دفة الأمور. ويذكر يعقوب يهشواع "في سنة 1933 سافرت إلى حيفا للقاء نجيب نصار، صاحب جريدة "الكرمل". وقد كنت أراه أحياناً في القدس، قادماًُ لبعض أشغاله. كان قصير القامة يميل الى البدانة، يلبس طربوشاً مائلاً للأمام، كتجار بيروت. وقد قضيت في حيفا يومين في مطبعته وتصفحت مجلدات صحيفة "الكرمل". وكانت المطبعة تتألف من غرفتين صغيرتين وعدة جوارير للحروف، وفيها يشتغل عاملان، الى جانب السيدة نصار التي ساعدت زوجها في تحرير صحيفته. وقد فتح نجيب نصار أمامي قلبه وأخبرني عما يلاقيه من معاناة وعدم تقدير ودعم" .
عالجت "الكرمل" القضية الفلسطينية طوال صدورها معالجة مكثفة وجادة أكسبت صاحبها، وبحق، اسم "أبو فلسطين، وشيخ الصحافة الفلسطينية" وصاحب القول "من لا أرض له، لا وطن له".
لقد تنبأ نصار خطورة ما سيحدث في البلاد، فكان طلائعياً في الحث والشرح وتحمل أموراً أكبر من طاقاته.
راودت نصار المخاوف من المصير الذي سيلاقيه العرب من الهجرة اليهودية ومن النشاط الصهيوني الذي يخطط لقيام دولة اسرائيل،الامر الذي اثار غضب اليهود وقلقهم من تأثير هذه المقالات المنشورة في "الكرمل" وباستمرار، فقد توجه الحاخام حاييم ناحوم الى وزير الداخلية التركي، متهماً نصار بالتحريض والتشهير ضد اليهود، الا ان المحكمة برأته. وبالرغم من ذلك استمر نصار في الكتابة عن اليهود وعن القادة ورجال السلطة العثمانيين والحكام المحليين، مما أثار غضب الحكام الأتراك، حيث صدر الأمر باعتقاله عام 1915 ، لكنه هرب بأعجوبة وبقي عامين مشرداً إلى ان سلم نفسه للسلطة وسجن في "السجن العرفي" بدمشق، فطالت أيام التحقيق وجلسات التعذيب المضني، وبعدها وجهت له تهمة الخيانة لنظام الحكم العثماني.
وصلت الكثير من الاحتجاجات الموقعة من الوجهاء المحليين ومن محرري الصحف مثل: باسيلا جدع، وديع صنبر، حسن شكري، عبد الله مخلص، وجميل رمضان- تشرح بلباقة ان معارضة نصار لسياسة السلطة العثمانية في موضوع "الهجرة اليهودية" هي نهج عقيدة يؤمن بها أغلبية الفلسطينيين سكان البلاد.
بعد أشهر من العذاب، افرج عن نجيب نصار بعد اقتناع "انور باشا" بعدم جدية التهمة المنسوبة اليه وان نصار لا يشكل اي خطر كان.
توقفت "الكرمل" عن الصدور خمس سنين لعدة أسباب جذرية منها : الصعوبات المالية، ومطاردة وملاحقة صاحبها، ونشوب الحرب العالمية. شكلت هذه العوائق مجتمعة مشاعر الاحباط مما تسبب في هدم هذا الهرم الاعلامي الفذ المتمثل في صحيفة الكرمل. بقي نجيب نصار خلاقاً ومبدعاً، فمن ناحية يقرأ الكثير من الصحف العربية والأجنبية، مما يؤهله أن يكون ملماً بمجريات الأمور، ومن ناحية أخرى يحاول اصدار "الكرمل" ثانية خلال سكنه في القاهرة. وبعد المحاولات المضنية والوعود، والموقف المتردد من زملائه في القاهرة، استمر بنشر مقالات متناثرة في جريدة "المقطم" ، نتج عنها نقاش حاد بينه وبين الصحفي انطوان الجميل حول الهجرة اليهودية وأبعادها المستقبلية وخطورة الامر في نظر نصار، بينما عارضه انطوان الجميل بشدة.
وعلى مدى ستة عشر مقالاً بعنوان "معك حق ومعنا حق" ، كان نتاج النقاش الصحفي ان
أنهى انطوان الجميل هذا النقاش بمقال نشر في الأهرام بعنوان "معك الحق، كل الحق ولكنك تخدم أمة لو علمت الشتيمة تنفعك، لضنت بها عليك" ... هذه الجملة هي استسلام واقرار للواقع من وجهة نظر انطوان الجميل، اقرار لنهج نصار الذي يؤمن به.
لقد اصر نصار "شيخ الصحافة" على اصدار "الكرمل" بالرغم من الظروف المالية المتدهورة ، فبقيت كلمة "الكرمل" ، شامخة ومعتزة بموقفها الوطني.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر