عدنان كنفاني
لا نستطيع ونحن في محاولة لسبر مسيرة تطور القصة الفلسطينية في الشتات أن نحيط بكل شيء خبرا، فالشتات الفلسطيني موزّع على كامل مساحة العالم تقريباً، والقضية الفلسطينية مرّت بمراحل كثيرة وسط واقع الحال العربي المحيط الطبيعي والاستراتيجي الفاعل والمنفعل بالقضية التي ومنذ حلّت النكبة في فلسطين، وهي همّ عام على المستوى الشعبي العربي على أقل تقدير، على اعتبار أن العرب أمّة واحدة، تجمعهم الجغرافيا والدين واللغة والبيئة والتقاليد ولو أنها تعرّضت إلى مقص "سايكس وبيكو".
وقد جهد البعض "مشكورين" في دراسات تحليلية أو تفصيلية أو توثيقية لحال ومستوى وتطوّر الأدب الفلسطيني ومواكبته للأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية، وبخاصة القصّة الفلسطينية في الشتات مستشهدين بأسماء وكتب وإصدارات كأمثلة، ما أجده ظلماً وتغييباً لكثيرين من الأدباء لهم حضور مهم وبصمة ملفتة مؤثرة على مشهد القصة الفلسطينية في الشتات لم ينوّه عنهم ولا عن إصداراتهم.
وفي محاولة مني للنجاة من هذه الهنة، سأحاول أن لا أخوض بذكر أسماء لقاصين "أحياء" وهم كثر، ينتشرون كما أسلفت على كامل مساحة الأرض، وكلّ اشتغل كما أملت عليه ثقافته ومشاعره وتأثّره بثقافة البلد المقيم فيها، وكانت فلسطين في كل نتاجاتهم هي الغاية وهي الهدف.
وكي يسهل علينا دراسة حال القصة الفلسطينية في الشتات، علينا أن نقسّم المراحل المفصلية التي مرّت فيها القضية منذ نكبة 48 وحتى يومنا هذا.
نستطيع أن نعتبر أن المؤسسين لفن كتابة القصة الأوائل القلائل المعروفين "سميرة عزام وإيميل حبيبي مثلاً" وغير المعروفين (فقد عثرت على نثرات متفاوتة من القصص لقاصين وقاصات فلسطينيين لم يذكرهم أحد، ولم تتح لهم فرص الانتشار، وأجد من الظلم تحديد أسماء بعينها وإغفال آخرين) كان لهم جميعاً فضل التأسيس لكتابة القصة الفلسطينية في الشتات إبان النكبة، وكانت تلك الفترة مشحونة بالبؤس والألم وحسرة الفقد والطرد واللجوء، والمعاناة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً عندما يقتصر جهد الناس في البحث عن لقمة العيش وأقل الأمان.
وكان من الطبيعي "وهذه من أهم خصائص القصة الفلسطينية في الشتات في تلك المرحلة" أن تتلون بنزيف مرارة التشرّد، والقهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستطاعت أن تصوّر الحركة الواقعية دون الاهتمام بالصيغ الفنية، وأن تتفاعل مع الواقع الجديد "سياسياً واجتماعياً" على أرض الشتات، وبذلك خرجت "لضرورة تلبية حاجات اجتماعية بحتة" عن الرتم الكلاسيكي التخيّلي إلى الواقعي المجرّد، وأن تعبّر عن حياة الحرمان التي يعيشها الفلسطينيون في المنافي والمخيمات، وحرصت في مجمل النتاجات على التنديد بتخاذل بعض الأنظمة العربية وتقاعسها عن نصرة الشعب الفلسطيني.
وقد وجدت القصة الفلسطينية سبيلاً للانطلاق على هذا النحو المأساوي بأضيق الإمكانيات والحدود وسط تلك الظروف الصعبة، وقد امتدت تلك المرحلة من العام 1948 عام النكبة الكبرى، وحتى أواسط العام 1955 تقريباً، واقتصرت على الدوران في ذلك الأفق البائس واليائس، كما التحسّر والبكاء على الأطلال التي أصبحت بين عشية وضحاها غيبية.
يقول الباحث عبد القادر ياسين: (لقد كان إميل حبيبي أول من قص شريط القصة القصيرة الفلسطينية، فيما ضفر أمين فارس الواقعية الجديدة بالرومانسية، وقد تجاوز نجاتي صدقي البالي من التقاليد ، من أجل ثقافة أوسع).
وأضيف.. إن كل هؤلاء وحتى يومنا هذا لم يتخلًّ كاتب فلسطيني في الشتات عن تكريس قيمة ومفهوم وضرورة التمسّك بالوطن "المكان"، والأمل بالعودة إليه حيث لا سبيل آخر لتحقي ق العدل الإنساني والفطري إلا بتحقيق هذه الثوابت.
في مجموعة قصصية للكاتبة أسمى طوبى صدرت في بيروت في العام 1955 تقدم مونولوجاً لفلاح فلسطيني يتحدث بعفوية عن الأرض فيقول: (لقد حرثها آبائي وأجدادي، لعشرات السنين ، فلن أكون الرجل الذي يضيعها). ولا تخلو مجموعة من المجموعات القصصية منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا من مثل تلك المقولات، وكان للمخيم حضور لافت في أدبيات الشتات.
ولا بد أن نذكر الأديبة الفلسطينية سميرة عزام في تلك الحقبة أو " فتاة الساحل كما أطلقت على نفسها" التي قال عنها الباحث المصري رجاء النقاش (إن سميرة عزام أميرة القصة العربية القصيرة في أدبنا المعاصر "يعني في ذلك الوقت")
المرحلة الثانية التي أثّرت في التركيبة الفكرية للقصة الفلسطينية في الشتات، ونقلتها إلى موقع متقدم، بدأت مع بداية نهوض المدّ القومي، وظهور جمال عبد الناصر كزعيم قومي عربي أسهم بكثير من الإنجازات الوطنية والقومية في إعادة الأمل نابضاً في صدور أفراد الأمّة وبخاصة شعب فلسطين. فقد تشكلت خلايا فدائية بدأت تعمل على مصادمة الصهاينة على شكل منظّم، وأوقعت خسائر مؤلمة في أفراد وتواجد الغاصبين، بعد أن كانت الصدامات التي تجري صدامات فردية وانفعالية وعلى مذهب "المتسللين" آنذاك.
ولأول مرة يخرج زعيم عربي يرفض الإملاءات الخارجية ويحقق سيادة الأمّة، ويبرم صفقة اقتناء أسلحة تشيكية، رغم معارضة الغرب، ثم تأميم قناة السويس وما نتج عنها "العدوان الثلاثي" على مصر في العام 1956 الحرب التي لم تحقق أهدافها السياسية، وفعل المواجه والمقاومة، ما أذكى في نفوس العرب نشوة الشعور بالنهوض القومي ليصل في ذروته إلى تحقيق وحدة بين مصر وسورية. وما تبع ذلك من مجريات الثورة الوطنية في لبنان ، فالثورة الوطنية في العراق.
[/justify]
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر