تتمرد القدس على مقاييس المدينة العادية لتميزها بخصوصية وفرادة لا تشاركها فيهما أية مدينة أخرى في العالم فضلاً عن كونها مدينة مقدسة عند الأديان السماوية الثلاثة بتنازعها ولاءات متعارضة أثارت في الماضي وتثير في الوقت الحاضر صراعات سياسية قومية بين الأفرقاء المتنافسين وعلى الرغم مما ميز تاريخها عن عنف فإن هؤلاء يتفقون فيما بينهم على تسميتها مدينة السلام والمفارقة واضحة بين الصفة التي ألحقت بها وبين واقع الصراع المرير الذي جرى ويجري حولها
ولا أرى ضرورة لتقديم تفسير لهذه المفارقة لكنني أشعر بأن هناك حاجة إلى التأكيد أن الصراع في شأن القدس لم يكن في الماضي صراعاً دينياً كما قد يتبادر لذهن البعض وليس هو كذلك الآن لقد كان الصراع صراعاً حياتياً وسياسياً تزيى بالزي الديني في أوضاع معينة لقد كان موقع فلسطين الجغرافي وموقع القدس فيها من أهم الأسباب لنشوب الصراع في شأنها فقد شكل بر الشام وفلسطين جزء منه ومازال يشكل حتى اليوم موقعاً استراتيجياً وحضارياً من الدرجة الأولى فهو موقع الاتصال بين حوض البحر الأبيض المتوسط وامتداداته الأوربية من جهة وبين منطقة الخليج ومنطقة جنوب شرقي أسيا وجنوب الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى وشهد بر الشام تمازج الحضارات الإغريقية والرومانية والفرعونية وحضارة ما بين النهرين
وتقع القدس على تقاطع محور شمالي جنوبي ومحور غربي شرقي وهي تقع بذلك على طرق المواصلات الرئيسية ما أكسبها كما يشير جون الغيرو أهمية دينية، وتنامى الالتفاف العاطفي حولها تبعاً لذلك من قبل المسلمين والنصارى واليهود وجرى توظيف هذه المشاعر من قبل قياداتهم توظيفاً سياسياً تجلى في أجلى صوره في الحروب الصليبية وفي الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" القائم في شأنها
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى اعتقد أن أخذ الأبعاد الدينية والجغرافية والسياسية بعين الاعتبار عند إجراء أية دراسة موسعة عن القدس شرط لفهم ديناميكات الفعل كما كانت في السابق وكما أصبحت في الوقت الحاضر وعلى الرغم من ذلك فإن الإشارة إلى أهمية تضمين أية دراسة عن القدس هذه الأبعاد لا تعني بالضرورة تناولها في هذه الدراسة القصيرة فقد كان غرضي من الإشارة إليها إبقاءها في ذهن القارئ كخلفية تسمح له بتفسير بعض الظواهر التي تمييز الحياة في هذه المدينة
وأشير كذلك إلى أن المدينة لم تحظ بدراسات تاريخية أو معاصرة كافية تتصف بالموضوعية والحيادية ولا أنصفتها الإحصاءات المتوفرة فقد قامت الانتماءات الدينية والسياسية عند الدارسين بدورلا يمكن الاستهانة به في حجب الحقيقة أو حجب جزء منها
وعلى سبيل المثال لا الحصر لا ترصد المصادر الرسمية "الإسرائيلية" المتوفرة الآن حالة القدس رصداً موضوعياً ومتوازناً فالإحصاءات الرسمية "الإسرائيلية" تتكلم عن القدس بجزأيها الفلسطيني و"الإسرائيلي" كوحدة اجتماعية واحدة على الرغم من الاختلاف البيّن بين الجزأين ودافعها إلى ذلك في تقديري هو رغبتها في تأكيد المقولة "الإسرائيلية" بشأن القدس الموحدة والإحصاءات التي يصدرها الحاكم العسكري في الصفة الغربية تسقط "القدس العربية" من جداولها أيضا استجابة للدافع السياسي نفسه وبناءً على ذلك لا تساعد المصادر"الإسرائيلية" الدارس في التعرف على خصوصية المجتمع العربي الفلسطيني في القدس
وفي محاولة لسد الفراغ المشار إليه أصدرت بلدية الاحتلال في القدس ومعهد القدس للدراسات "الإسرائيلية" أول كتاب إحصائي سنوي عن القدس سنة 1948م، وأشتمل الكتاب على معلومات إحصائية عن المجتمع العربي في القدس كما كان سنة 1982م، والكتاب على أهميته يقدم معلومات إحصائية غير كاملة أو إجمالية أو مجزوءة لا تسعف كثيراً في بناء صورة واضحة للمجتمع العربي وللفوارق بينه وبين المجتمع "الإسرائيلي" في القدس
وينطبق القول نفسه على مصادر بلدية الاحتلال فميزانية الرفاه الاجتماعي لمدينة القدس ليست سرية لكن توزيع حصص الميزانية بين العرب واليهود غير متاح للدارسين وتجري المحافظة عليه بحرص شديد للغاية
وإذا ما تجاوزنا المصادر الحكومية وبلدية الاحتلال نظرنا حولنا نجد أن المؤسسات الأخرى لا تنشر معلومات كافية يمكن الاعتماد عليها وعلاوة على ذلك فإن للصعوبة وجهها الآخر فالعلاقة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين داخل القدس تتشكل تبعا للفعل "الإسرائيلي" وردة الفعل العربية عليه والعكس صحيح وتتموج المشاعر بين سكانها ارتفاعاً وهبوطاً وتطرفاً واعتدالاً تبعاً للحدث وعلى سيبل المثال لا الحصر تظاهر رجال الدين المسيحيون والمسلمون في القدس وأغلقت المحال التجارية العربية فيها على الرغم من الفوارق الاجتماعية والدينية بينهم وذلك احتجاجاً على عدوان ميخائيل روهان وحرقه للمسجد الأقصى المبارك في آب 1969م، وأظهر الفلسطينيون الدرجة ذاتها من التضامن عندما اعتدى المجند "الإسرائيلي" غودمان على مسجد الصخرة في الحرم القدسي بتاريخ 11نيسان /أبريل 1982م، وتوثقت العلائق بين جميع شرائح الفلسطينيين الاجتماعية وفئاتهم في القدس تعبيراً عن التلاحم مع انتفاضة الضفة الغربية وقطاع غزة في كانون الأول / ديسمبر 1987م، وتأكيداً لانتماء أهل "القدس العربية" إلى الشعب الفلسطيني وشهدت فترات سابقة نوعاً من الاسترخاء القلق المشوب بالحذر وجميع هذه الأحداث ومثيلاتها هي وقائع ذات أهمية بالغة لكنها تستعصي على التفسير الإحصائي ولا تخضع لمناهجية
أولاً: التكييف القانوني لوضع "القدس العربية"
لغرض سيطرة "إسرائيل" على "القدس العربية" أجاز "الكنيست" (مجلس النواب "الإسرائيلي") لوزير الداخلية بعد أسابيع من احتلالها صلاحية توسيع حدود أية مدينة "إسرائيلية" وإخضاع الجزء المضاف للتشريعات "الإسرائيلية" المعمول بها في اليوم التالي لهذا القرار أي في 28حزيران /يونيو1967م، قرر وزير الداخلية "الإسرائيلي" ضم "القدس العربية" إلى الجزء "الإسرائيلي" من القدس، من دون إخضاعها للسيادة "الإسرائيلية" وبقي وضع القدس القانوني موضع نقاش "إسرائيلي" داخلي حتى وصول حزب الليكود بزعامة بيغن إلى الحكم وفي 30تموز/يوليو 1980م، أصدر "الكنيست" قراراً يقضي ببسط السيادة "الإسرائيلية" على "القدس العربية"
وكان المسلمون قد أصدروا بعد الاحتلال "الإسرائيلي" للقدس سنة 1967م، فتوى تنص على عدم جواز تولي غير المسلمين شؤون المسلمين الدينية وتشكلت تبعاً لذلك الهيئة الإسلامية للقيام بهذا الواجب في القدس والضفة الغربية ولم تحظ الهيئة الإسلامية ولا المؤسسات التابعة لها ( الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية) باعتراف قانوني "إسرائيلي" لكنها تمتعت باعتراف واقعي يُسِر له العمل من دون معارضة السلطة الرسمية القائمة معارضة جدية
واستفادت الهيئات المسيحية من هذه الفتوى واعتبرتها مبدأ يجيز لها التمسك بالموروث من القوانين وتجاهل قانون الأحوال الشخصية الساري المفعول في دولة "إسرائيل"
وهكذا تكرست أكثر من شرعية واحدة تعالج الأحوال الشخصية في القدس ووفر التكيف من طرف السلطة والهيئات الإسلامية والمسيحية إزاء الأوضاع الجديدة مرونة للأفرقاء المعنيين سمحت لهم بالتعامل الحذر المشوب بالشك والقلق مع بعضهم البعض
ثانياً:التشكيلة الاجتماعية في القدس
بقي المجتمع المقدسي يعيش أبعاد تخلف المجتمع الأردني وحدود محافظته حتى سنة 1967م،
ولعل من المفارقات الكبيرة في حياة الإنسان المقدسي أنه كان أبعد ما يكون عن المعرفة بالمجتمع "الإسرائيلي" مع العلم أن جداراً لم يتجاوز سمكه المتر الواحد في المعدل كان يفصل بين شطري المدينة طوال تسعة عشر عاماً ولذلك كانت الدهشة كبيرة عندما حدث الاحتكاك بين المجتمعين وتبين مدى غباء سياسة التجهيل بالأمور "الإسرائيلية" التي تبنتها الأنظمة العربية وبرزت خيبة أمل مع مرور الوقت إذ وضح مقدار الاهتمام "الإسرائيلي" بالأوضاع في العالم العربي في المقابل وظهر بصورة جلية أن تصرف "إسرائيل" في المناطق المحتلة لم يكن نابعاً من ردات فعل للاستفزازات العربية كما ادعت وإنما من تخطيط سابق وأصبحت المقارنة واضحةً أمام المقدسي وهو يواجه مصيره الجديد ففي الوقت الذي قرر المقدسي الصمود والبقاء في مدينته وممارسة حقوقه في غياب إستراتيجية عربية محدودة تجاه القدس ألزمه العالم العربي من خلال أنظمته المتخلفة بمسؤولية الحفاظ على هوية "القدس العربية" وأصبح يحاسبه بشدة من دون أن تمنحه الأنظمة العربية حق التصرف في حدودها ما هو ممكن محلياً أو خلال إستراتيجية عربية تحددها هي ولم تترك هذه الأنظمة له حتى حرية بناء مؤسساته الوطنية التي تسمح له بمواجهة عملية التهويد والمحافظة على الهوية الفلسطينية بتراثها وثقافتها وليس من السهل في هذه الدراسة الإلمام بسرعة بمدى تدخل الأنظمة العربية في حياة المواطنين العرب في الأرض المحتلة وكل ما يمكن عمله هو الإشارة إلى الانتقال لبعض عمليات الصراع وشكلت المساعدات العربية لمؤسسات الأرض المحتلة إحدى وسائل الضغط فتم نتيجة ذلك تحييد قطاع مهم من الناس فانصرفوا إلى الاهتمام بمشكلاتهم اليومية على حساب اهتمامهم بالمشكلات المصيرية ثم إن احتكاك الفلسطينيين بـ"الإسرائيليين" اتخذ طابع التخوف من العجز العربي عن حماية نفسه تجاه الدينامية "الإسرائيلية" وهي تعمل لتحقيق الأهداف الصهيونية على حسابه فعاشوا مأساة الصدام بين مجتمعين المحافظ والمجتمع "الإسرائيلي" المتقدم تقنياً وطغت أمامهم صورة الصدام القديم بين مجتمعهم والمجتمع الغربي منذ الحروب الصليبية فعندما احتلت "إسرائيل" المدينة سنة 1967م، انتابهم الشعور بأنهم يعيشون مصير مرحلة من الصراع المرير بين الغرب بعدوانيته والشرق بأحلامه وقيمه وهكذا تشكل الاحتكاك بين المجتمعين "الإسرائيلي" والفلسطيني في القدس ليأخذ صورة العنف حيناً وصورة المهادنة أحياناً
ولما كان المجتمع "الإسرائيلي" يحمل القيم الغربية ويعتبر امتداداً عضوياً للمجتمعين الأوربي والأمريكي فقد اتخذت مجابهة العربي لهذه الحضارة اتجاهين اتجاهاً نحو التحديث على النمط العربي واتجاهاً نحو المحافظة على التقاليد والعودة بقسوة إلى التراث القديم وتحت التأثير المباشر لهذين الاتجاهين وغياب المؤسسات الوطنية القادرة على الترشيد ضعف الاتجاه العقلاني القادر على تطوير المجتمع العربي في مناخ طبيعي ضعف الاتجاه بذلك لنوع من التقاطب الاجتماعي
وتتمثل خطورة هذا التقاطب في انطلاقة غير منضبطة نحو تبني جميع شكليات التحديث والجنوح نحو تقليده من دون توفير الآليات التي تسمح بهضم هذه القيم وتمثلها وفي انطلاقة في الاتجاه المعاكس عملت على تجميد المجتمع العربي في قوالب تاريخية ودينية تفتقر إلى المرونة
ولا أرى ضرورة لتقديم تفسير لهذه المفارقة لكنني أشعر بأن هناك حاجة إلى التأكيد أن الصراع في شأن القدس لم يكن في الماضي صراعاً دينياً كما قد يتبادر لذهن البعض وليس هو كذلك الآن لقد كان الصراع صراعاً حياتياً وسياسياً تزيى بالزي الديني في أوضاع معينة لقد كان موقع فلسطين الجغرافي وموقع القدس فيها من أهم الأسباب لنشوب الصراع في شأنها فقد شكل بر الشام وفلسطين جزء منه ومازال يشكل حتى اليوم موقعاً استراتيجياً وحضارياً من الدرجة الأولى فهو موقع الاتصال بين حوض البحر الأبيض المتوسط وامتداداته الأوربية من جهة وبين منطقة الخليج ومنطقة جنوب شرقي أسيا وجنوب الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى وشهد بر الشام تمازج الحضارات الإغريقية والرومانية والفرعونية وحضارة ما بين النهرين
وتقع القدس على تقاطع محور شمالي جنوبي ومحور غربي شرقي وهي تقع بذلك على طرق المواصلات الرئيسية ما أكسبها كما يشير جون الغيرو أهمية دينية، وتنامى الالتفاف العاطفي حولها تبعاً لذلك من قبل المسلمين والنصارى واليهود وجرى توظيف هذه المشاعر من قبل قياداتهم توظيفاً سياسياً تجلى في أجلى صوره في الحروب الصليبية وفي الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" القائم في شأنها
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى اعتقد أن أخذ الأبعاد الدينية والجغرافية والسياسية بعين الاعتبار عند إجراء أية دراسة موسعة عن القدس شرط لفهم ديناميكات الفعل كما كانت في السابق وكما أصبحت في الوقت الحاضر وعلى الرغم من ذلك فإن الإشارة إلى أهمية تضمين أية دراسة عن القدس هذه الأبعاد لا تعني بالضرورة تناولها في هذه الدراسة القصيرة فقد كان غرضي من الإشارة إليها إبقاءها في ذهن القارئ كخلفية تسمح له بتفسير بعض الظواهر التي تمييز الحياة في هذه المدينة
وأشير كذلك إلى أن المدينة لم تحظ بدراسات تاريخية أو معاصرة كافية تتصف بالموضوعية والحيادية ولا أنصفتها الإحصاءات المتوفرة فقد قامت الانتماءات الدينية والسياسية عند الدارسين بدورلا يمكن الاستهانة به في حجب الحقيقة أو حجب جزء منها
وعلى سبيل المثال لا الحصر لا ترصد المصادر الرسمية "الإسرائيلية" المتوفرة الآن حالة القدس رصداً موضوعياً ومتوازناً فالإحصاءات الرسمية "الإسرائيلية" تتكلم عن القدس بجزأيها الفلسطيني و"الإسرائيلي" كوحدة اجتماعية واحدة على الرغم من الاختلاف البيّن بين الجزأين ودافعها إلى ذلك في تقديري هو رغبتها في تأكيد المقولة "الإسرائيلية" بشأن القدس الموحدة والإحصاءات التي يصدرها الحاكم العسكري في الصفة الغربية تسقط "القدس العربية" من جداولها أيضا استجابة للدافع السياسي نفسه وبناءً على ذلك لا تساعد المصادر"الإسرائيلية" الدارس في التعرف على خصوصية المجتمع العربي الفلسطيني في القدس
وفي محاولة لسد الفراغ المشار إليه أصدرت بلدية الاحتلال في القدس ومعهد القدس للدراسات "الإسرائيلية" أول كتاب إحصائي سنوي عن القدس سنة 1948م، وأشتمل الكتاب على معلومات إحصائية عن المجتمع العربي في القدس كما كان سنة 1982م، والكتاب على أهميته يقدم معلومات إحصائية غير كاملة أو إجمالية أو مجزوءة لا تسعف كثيراً في بناء صورة واضحة للمجتمع العربي وللفوارق بينه وبين المجتمع "الإسرائيلي" في القدس
وينطبق القول نفسه على مصادر بلدية الاحتلال فميزانية الرفاه الاجتماعي لمدينة القدس ليست سرية لكن توزيع حصص الميزانية بين العرب واليهود غير متاح للدارسين وتجري المحافظة عليه بحرص شديد للغاية
وإذا ما تجاوزنا المصادر الحكومية وبلدية الاحتلال نظرنا حولنا نجد أن المؤسسات الأخرى لا تنشر معلومات كافية يمكن الاعتماد عليها وعلاوة على ذلك فإن للصعوبة وجهها الآخر فالعلاقة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين داخل القدس تتشكل تبعا للفعل "الإسرائيلي" وردة الفعل العربية عليه والعكس صحيح وتتموج المشاعر بين سكانها ارتفاعاً وهبوطاً وتطرفاً واعتدالاً تبعاً للحدث وعلى سيبل المثال لا الحصر تظاهر رجال الدين المسيحيون والمسلمون في القدس وأغلقت المحال التجارية العربية فيها على الرغم من الفوارق الاجتماعية والدينية بينهم وذلك احتجاجاً على عدوان ميخائيل روهان وحرقه للمسجد الأقصى المبارك في آب 1969م، وأظهر الفلسطينيون الدرجة ذاتها من التضامن عندما اعتدى المجند "الإسرائيلي" غودمان على مسجد الصخرة في الحرم القدسي بتاريخ 11نيسان /أبريل 1982م، وتوثقت العلائق بين جميع شرائح الفلسطينيين الاجتماعية وفئاتهم في القدس تعبيراً عن التلاحم مع انتفاضة الضفة الغربية وقطاع غزة في كانون الأول / ديسمبر 1987م، وتأكيداً لانتماء أهل "القدس العربية" إلى الشعب الفلسطيني وشهدت فترات سابقة نوعاً من الاسترخاء القلق المشوب بالحذر وجميع هذه الأحداث ومثيلاتها هي وقائع ذات أهمية بالغة لكنها تستعصي على التفسير الإحصائي ولا تخضع لمناهجية
أولاً: التكييف القانوني لوضع "القدس العربية"
لغرض سيطرة "إسرائيل" على "القدس العربية" أجاز "الكنيست" (مجلس النواب "الإسرائيلي") لوزير الداخلية بعد أسابيع من احتلالها صلاحية توسيع حدود أية مدينة "إسرائيلية" وإخضاع الجزء المضاف للتشريعات "الإسرائيلية" المعمول بها في اليوم التالي لهذا القرار أي في 28حزيران /يونيو1967م، قرر وزير الداخلية "الإسرائيلي" ضم "القدس العربية" إلى الجزء "الإسرائيلي" من القدس، من دون إخضاعها للسيادة "الإسرائيلية" وبقي وضع القدس القانوني موضع نقاش "إسرائيلي" داخلي حتى وصول حزب الليكود بزعامة بيغن إلى الحكم وفي 30تموز/يوليو 1980م، أصدر "الكنيست" قراراً يقضي ببسط السيادة "الإسرائيلية" على "القدس العربية"
وكان المسلمون قد أصدروا بعد الاحتلال "الإسرائيلي" للقدس سنة 1967م، فتوى تنص على عدم جواز تولي غير المسلمين شؤون المسلمين الدينية وتشكلت تبعاً لذلك الهيئة الإسلامية للقيام بهذا الواجب في القدس والضفة الغربية ولم تحظ الهيئة الإسلامية ولا المؤسسات التابعة لها ( الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية) باعتراف قانوني "إسرائيلي" لكنها تمتعت باعتراف واقعي يُسِر له العمل من دون معارضة السلطة الرسمية القائمة معارضة جدية
واستفادت الهيئات المسيحية من هذه الفتوى واعتبرتها مبدأ يجيز لها التمسك بالموروث من القوانين وتجاهل قانون الأحوال الشخصية الساري المفعول في دولة "إسرائيل"
وهكذا تكرست أكثر من شرعية واحدة تعالج الأحوال الشخصية في القدس ووفر التكيف من طرف السلطة والهيئات الإسلامية والمسيحية إزاء الأوضاع الجديدة مرونة للأفرقاء المعنيين سمحت لهم بالتعامل الحذر المشوب بالشك والقلق مع بعضهم البعض
ثانياً:التشكيلة الاجتماعية في القدس
بقي المجتمع المقدسي يعيش أبعاد تخلف المجتمع الأردني وحدود محافظته حتى سنة 1967م،
ولعل من المفارقات الكبيرة في حياة الإنسان المقدسي أنه كان أبعد ما يكون عن المعرفة بالمجتمع "الإسرائيلي" مع العلم أن جداراً لم يتجاوز سمكه المتر الواحد في المعدل كان يفصل بين شطري المدينة طوال تسعة عشر عاماً ولذلك كانت الدهشة كبيرة عندما حدث الاحتكاك بين المجتمعين وتبين مدى غباء سياسة التجهيل بالأمور "الإسرائيلية" التي تبنتها الأنظمة العربية وبرزت خيبة أمل مع مرور الوقت إذ وضح مقدار الاهتمام "الإسرائيلي" بالأوضاع في العالم العربي في المقابل وظهر بصورة جلية أن تصرف "إسرائيل" في المناطق المحتلة لم يكن نابعاً من ردات فعل للاستفزازات العربية كما ادعت وإنما من تخطيط سابق وأصبحت المقارنة واضحةً أمام المقدسي وهو يواجه مصيره الجديد ففي الوقت الذي قرر المقدسي الصمود والبقاء في مدينته وممارسة حقوقه في غياب إستراتيجية عربية محدودة تجاه القدس ألزمه العالم العربي من خلال أنظمته المتخلفة بمسؤولية الحفاظ على هوية "القدس العربية" وأصبح يحاسبه بشدة من دون أن تمنحه الأنظمة العربية حق التصرف في حدودها ما هو ممكن محلياً أو خلال إستراتيجية عربية تحددها هي ولم تترك هذه الأنظمة له حتى حرية بناء مؤسساته الوطنية التي تسمح له بمواجهة عملية التهويد والمحافظة على الهوية الفلسطينية بتراثها وثقافتها وليس من السهل في هذه الدراسة الإلمام بسرعة بمدى تدخل الأنظمة العربية في حياة المواطنين العرب في الأرض المحتلة وكل ما يمكن عمله هو الإشارة إلى الانتقال لبعض عمليات الصراع وشكلت المساعدات العربية لمؤسسات الأرض المحتلة إحدى وسائل الضغط فتم نتيجة ذلك تحييد قطاع مهم من الناس فانصرفوا إلى الاهتمام بمشكلاتهم اليومية على حساب اهتمامهم بالمشكلات المصيرية ثم إن احتكاك الفلسطينيين بـ"الإسرائيليين" اتخذ طابع التخوف من العجز العربي عن حماية نفسه تجاه الدينامية "الإسرائيلية" وهي تعمل لتحقيق الأهداف الصهيونية على حسابه فعاشوا مأساة الصدام بين مجتمعين المحافظ والمجتمع "الإسرائيلي" المتقدم تقنياً وطغت أمامهم صورة الصدام القديم بين مجتمعهم والمجتمع الغربي منذ الحروب الصليبية فعندما احتلت "إسرائيل" المدينة سنة 1967م، انتابهم الشعور بأنهم يعيشون مصير مرحلة من الصراع المرير بين الغرب بعدوانيته والشرق بأحلامه وقيمه وهكذا تشكل الاحتكاك بين المجتمعين "الإسرائيلي" والفلسطيني في القدس ليأخذ صورة العنف حيناً وصورة المهادنة أحياناً
ولما كان المجتمع "الإسرائيلي" يحمل القيم الغربية ويعتبر امتداداً عضوياً للمجتمعين الأوربي والأمريكي فقد اتخذت مجابهة العربي لهذه الحضارة اتجاهين اتجاهاً نحو التحديث على النمط العربي واتجاهاً نحو المحافظة على التقاليد والعودة بقسوة إلى التراث القديم وتحت التأثير المباشر لهذين الاتجاهين وغياب المؤسسات الوطنية القادرة على الترشيد ضعف الاتجاه العقلاني القادر على تطوير المجتمع العربي في مناخ طبيعي ضعف الاتجاه بذلك لنوع من التقاطب الاجتماعي
وتتمثل خطورة هذا التقاطب في انطلاقة غير منضبطة نحو تبني جميع شكليات التحديث والجنوح نحو تقليده من دون توفير الآليات التي تسمح بهضم هذه القيم وتمثلها وفي انطلاقة في الاتجاه المعاكس عملت على تجميد المجتمع العربي في قوالب تاريخية ودينية تفتقر إلى المرونة
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر