حواتمة في كتابه الأخير "اليسار العربي ـــ رؤيا النهوض الكبير"
(1)
لا
شك أن كتاب السيد نايف حواتمة "اليسار العربي ـ رؤية النهوض الكبير"
الصادر قبل أسابيع قليلة عن "دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع" في
دمشق و "دار بيسان للنشر والتوزيع" ـ بيروت سيثير جدلاً واسعاً في الأوساط
السياسية والاجتماعية والإعلامية الفلسطينية والعربية بسبب طبيعة المواضيع
التي يطرحها بجرأة عالية، وأيضاً بسبب ارتفاع الروح النقدية في تشريح
وتوصيف الوضع العالمي وانعكاساته على الوضعين العربي والفلسطيني.
لقد
جرت العادة منذ انتهاء الحرب الباردة أن تقتصر الكتابة في الأوساط
اليسارية تحديداً على نقد التجربة السابقة واقتصار الاستخلاصات على
تعميمية واضحة، بمعنى آخر لم تشكل الاستخلاصات برامج عمل لقوى اليسار
بتلاوينها المختلفة سواء على المستوى العالمي أو الوطني إلا فيما ندر.
إضافة
إلى أن قوى يسارية عديدة عالمية أو إقليمية اتخذت مواقف عبارة عن ردات فعل
لانهيار التجربة الاشتراكية، وهو ما يعيدنا إلى تجاربها السابقة في
التحوّل، والذي كان دائماً يحدث نتيجة ردات الفعل وليس تعبيراً عن انحياز
فكري إيديولوجي.
لقد عاش اليسار طوال الفترة السابقة، تحديداً منذ
نهاية الحرب الباردة وحتى العهد الثاني لإدارة الرئيس بوش السابقة فترة
مخاض حتى بدا يحقق بعض النجاحات ولا سيما في قارتي أمريكا اللاتينية
وإفريقيا. أما على المستوى العربي فلا زال في بداية طريق المخاض، من هنا
تأتي أهمية كتاب حواتمة، إذ أنها المرة الأولى الذي يتحدث شخص بمكانته
بمثل هذه الجرأة والنقدية ليس عن أحوال النظام الرسمي أو اليمين المالي
والديني، بل أيضاً عن القوى اليسارية ذاتها محملاً إياها مسؤوليات تاريخية
في نهوض المجتمعات ورفاهية الشعوب.
إن ما يعطي كتاب حواتمة أهمية
استثنائية هو موقع الرجل الثقافي والفكري والسياسي كأحد أبرز قادة الحركة
الوطنية الفلسطينية المعاصرة، إضافة إلى موقعه في حركة التحرر الوطني
العربية، ناهيك عن موقعه على رأس حزب يساري ديمقراطي ثوري فاعل ومؤثر.
يشكل
هذا الكتاب نتاج العقل الجماعي الخلاق للمركز القيادي للجبهة على المستوى
العام والعقل الخاص المميز للسيد حواتمة، حيث يعتبر هذا الكتاب برنامج عمل
نضالي ملموس للجبهة الديمقراطية، إذن أهميته تنتج من كونه مدخلاً لممارسة
سياسية وليس كتاباً فكرياً جامداً.
قبل الدخول في عرض بعض الأفكار
التي تناولها الفصل الأول من كتاب حواتمة (ص 13 ـ 74) يمكن تلمس أساسين
اعتمدهما في منهج التحليل وبلا شك عن قصد، فالكتاب ليس عبارة عن دراسة
أكاديمية بل هو مجموعة استخلاصات عامة مسنودة إلى دراسات واسعة ومعمقة
للمركز القيادي للجبهة وبالأساس حواتمة، إضافة إلى استخلاصات أحزاب يسارية
وكتاب ومفكرين.
الكتاب إذاً هو مدخل لنقاش واسع وليس إقفالاً له أو
تأكيداً لاستخلاصات بشكل نهائي، إنه دعوة لعمل مشترك مع كل قوى اليسار
العربي من أجل إطلاق عملية النهوض الكبير لليسار بمنهج فلسفي تطرق إليه
بأكثر من موقع في الكتاب يدعو إلى تقديم العقل على النقل، والتحليل بمنهج
نقدي للأفكار وبرامج العمل، وعدم استنساخ التجارب السابقة إلا بما يحقق
عملية النهوض.
الأساس الثاني في منهج حواتمة وهو شديد الارتباط بل
يمكن القول أنه نتاج للأساس الأول وهو الابتعاد عن الاحتكام للأيدولوجيا
رغم احترامها باعتبارها تعبير مكثف عن مصالح الإيديولوجيا هنا لم تشكل
حاجزاً لا للتفكير ولا للتحليل ولا للاستخلاصات.
بات من غير الممكن
الحديث بدقة عن "اليسار العربي" دون تناول تاريخه وتاريخ المجتمعات
العربية تناولاً نقدياً، كما أن مصطلح اليسار هو تعميم فضفاض يحتاج إلى
تحديد في البلد والمجتمع الواحد (ص 16)، هكذا يحدد حواتمة أحد أبرز أزمات
جزء حُسب على اليسار، وهو الذي تخلف عن فهم العلاقة الجدلية بين التناقضات
الرئيسية والثانوية، فتخلف عن الربط الموضوعي بين الإستراتيجية والتكتيك،
"إطلاقية الأهداف والإستراتيجية على العمل السياسي والجماهيري اليومي"،
مما أدى به إلى تبني سياسات العدمية الانتظارية وبالمحصلة القدرية
والشعبوية. إن تخلف هذه القوى عن النقد ونقد برامج العمل أدى بها خلال
فترة زمنية قصيرة (منذ انتهاء الحرب الباردة) إلى الانحياز إلى قوى طبقية
واجتماعية (قوى سياسية، مؤسسات مجتمع مدني أو مؤسسات إعلامية) مرتبطة
بالنظام الاقتصادي العالمي المسيطر، أو انحيازها إلى الثقافة القدرية تحت
راية "تديين السياسة وتسييس الدين".
إن اليساري أو القوى اليسارية
الحقيقية الديمقراطية الثورية هي التي تمتلك شرطين لا بد منهما: الأول
مشاركة بالنشاط العام وناظمه القانوني المتمثل بالنقد ونقد برامج العمل"
(ص16)، والثاني هو ارتباطه "بمفهوم العدالة الاجتماعية" (ص17).
(1)
لا
شك أن كتاب السيد نايف حواتمة "اليسار العربي ـ رؤية النهوض الكبير"
الصادر قبل أسابيع قليلة عن "دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع" في
دمشق و "دار بيسان للنشر والتوزيع" ـ بيروت سيثير جدلاً واسعاً في الأوساط
السياسية والاجتماعية والإعلامية الفلسطينية والعربية بسبب طبيعة المواضيع
التي يطرحها بجرأة عالية، وأيضاً بسبب ارتفاع الروح النقدية في تشريح
وتوصيف الوضع العالمي وانعكاساته على الوضعين العربي والفلسطيني.
لقد
جرت العادة منذ انتهاء الحرب الباردة أن تقتصر الكتابة في الأوساط
اليسارية تحديداً على نقد التجربة السابقة واقتصار الاستخلاصات على
تعميمية واضحة، بمعنى آخر لم تشكل الاستخلاصات برامج عمل لقوى اليسار
بتلاوينها المختلفة سواء على المستوى العالمي أو الوطني إلا فيما ندر.
إضافة
إلى أن قوى يسارية عديدة عالمية أو إقليمية اتخذت مواقف عبارة عن ردات فعل
لانهيار التجربة الاشتراكية، وهو ما يعيدنا إلى تجاربها السابقة في
التحوّل، والذي كان دائماً يحدث نتيجة ردات الفعل وليس تعبيراً عن انحياز
فكري إيديولوجي.
لقد عاش اليسار طوال الفترة السابقة، تحديداً منذ
نهاية الحرب الباردة وحتى العهد الثاني لإدارة الرئيس بوش السابقة فترة
مخاض حتى بدا يحقق بعض النجاحات ولا سيما في قارتي أمريكا اللاتينية
وإفريقيا. أما على المستوى العربي فلا زال في بداية طريق المخاض، من هنا
تأتي أهمية كتاب حواتمة، إذ أنها المرة الأولى الذي يتحدث شخص بمكانته
بمثل هذه الجرأة والنقدية ليس عن أحوال النظام الرسمي أو اليمين المالي
والديني، بل أيضاً عن القوى اليسارية ذاتها محملاً إياها مسؤوليات تاريخية
في نهوض المجتمعات ورفاهية الشعوب.
إن ما يعطي كتاب حواتمة أهمية
استثنائية هو موقع الرجل الثقافي والفكري والسياسي كأحد أبرز قادة الحركة
الوطنية الفلسطينية المعاصرة، إضافة إلى موقعه في حركة التحرر الوطني
العربية، ناهيك عن موقعه على رأس حزب يساري ديمقراطي ثوري فاعل ومؤثر.
يشكل
هذا الكتاب نتاج العقل الجماعي الخلاق للمركز القيادي للجبهة على المستوى
العام والعقل الخاص المميز للسيد حواتمة، حيث يعتبر هذا الكتاب برنامج عمل
نضالي ملموس للجبهة الديمقراطية، إذن أهميته تنتج من كونه مدخلاً لممارسة
سياسية وليس كتاباً فكرياً جامداً.
قبل الدخول في عرض بعض الأفكار
التي تناولها الفصل الأول من كتاب حواتمة (ص 13 ـ 74) يمكن تلمس أساسين
اعتمدهما في منهج التحليل وبلا شك عن قصد، فالكتاب ليس عبارة عن دراسة
أكاديمية بل هو مجموعة استخلاصات عامة مسنودة إلى دراسات واسعة ومعمقة
للمركز القيادي للجبهة وبالأساس حواتمة، إضافة إلى استخلاصات أحزاب يسارية
وكتاب ومفكرين.
الكتاب إذاً هو مدخل لنقاش واسع وليس إقفالاً له أو
تأكيداً لاستخلاصات بشكل نهائي، إنه دعوة لعمل مشترك مع كل قوى اليسار
العربي من أجل إطلاق عملية النهوض الكبير لليسار بمنهج فلسفي تطرق إليه
بأكثر من موقع في الكتاب يدعو إلى تقديم العقل على النقل، والتحليل بمنهج
نقدي للأفكار وبرامج العمل، وعدم استنساخ التجارب السابقة إلا بما يحقق
عملية النهوض.
الأساس الثاني في منهج حواتمة وهو شديد الارتباط بل
يمكن القول أنه نتاج للأساس الأول وهو الابتعاد عن الاحتكام للأيدولوجيا
رغم احترامها باعتبارها تعبير مكثف عن مصالح الإيديولوجيا هنا لم تشكل
حاجزاً لا للتفكير ولا للتحليل ولا للاستخلاصات.
بات من غير الممكن
الحديث بدقة عن "اليسار العربي" دون تناول تاريخه وتاريخ المجتمعات
العربية تناولاً نقدياً، كما أن مصطلح اليسار هو تعميم فضفاض يحتاج إلى
تحديد في البلد والمجتمع الواحد (ص 16)، هكذا يحدد حواتمة أحد أبرز أزمات
جزء حُسب على اليسار، وهو الذي تخلف عن فهم العلاقة الجدلية بين التناقضات
الرئيسية والثانوية، فتخلف عن الربط الموضوعي بين الإستراتيجية والتكتيك،
"إطلاقية الأهداف والإستراتيجية على العمل السياسي والجماهيري اليومي"،
مما أدى به إلى تبني سياسات العدمية الانتظارية وبالمحصلة القدرية
والشعبوية. إن تخلف هذه القوى عن النقد ونقد برامج العمل أدى بها خلال
فترة زمنية قصيرة (منذ انتهاء الحرب الباردة) إلى الانحياز إلى قوى طبقية
واجتماعية (قوى سياسية، مؤسسات مجتمع مدني أو مؤسسات إعلامية) مرتبطة
بالنظام الاقتصادي العالمي المسيطر، أو انحيازها إلى الثقافة القدرية تحت
راية "تديين السياسة وتسييس الدين".
إن اليساري أو القوى اليسارية
الحقيقية الديمقراطية الثورية هي التي تمتلك شرطين لا بد منهما: الأول
مشاركة بالنشاط العام وناظمه القانوني المتمثل بالنقد ونقد برامج العمل"
(ص16)، والثاني هو ارتباطه "بمفهوم العدالة الاجتماعية" (ص17).
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر