بينما تصر إسرائيل على عدم إضفاء أي بارقة أمل في عودة اللاجئين إلى ديارهم، يلجأ الكتاب اليهود الإسرائيليون والأمريكيون إلى وضع العراقيل العملية أمام العودة. وبينما تريد إسرائيل الاحتفاظ بالأرض الفلسطينية التي تبلغ 92.6% من مساحة إسرائيل، يواجه الكتاب المتعاطفون معها الحقوق القانونية والتاريخية للفلسطينيين بقائمة طويلة من التشكيك والمعوقات والمجادلات التي تعرقل تحقيق العودة تحت غطاء الحياد العلمي والبحث المجرد. ذلك لأن هؤلاء الكتاب لا يستطيعون إنكار هذه الحقوق مثل إسرائيل التي تنكرها وتمنعها بالقوة المسلحة، ولأنهم يعيشون في الغرب ويخاطبونه فهم يلجأون إلى أسلحة العلم والقانون لمحاولة إلقاء ظلال الشك على تلك الحقوق. والغريب أن أحداً أو اثنين من الكتاب الفلسطينيين في أمريكا قد تبنى هذه المقولة الخادعة.
يقول المشككون أن قرار 194 القاضي بحق العودة هو قرار غير ملزم وهو توصية لها طابع إنساني فقط. لكن إصرار المجتمع الدولي على تكرار هذا القانون دون توقف خلال خمسين عاماً باستثناء إسرائيل، وانضمت إليها أمريكا أخيراً، إنما هو شهادة قاطعة بالإجماع الدولي على ذلك. وفي القرار 3236 الصادر في 1974 أكدت الأمم المتحدة أن العودة حق من الحقوق "غير القابلة للتصرف"، بل وحثت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق.
ويقول المشككون أيضاً أن معظم اللاجئين لا يرغب في العودة، وأنهم لو أعطوا تعويضاً مناسباً واعترافاً بالمعاناة التي مروا بها وجنسية أو جوازاً يتنقلون به، لتنازلوا عن حق العودة، وأغلق هذا الملف إلى الأبد. والذي يقول ذلك ليست لديه أية معرفة بالشعب الفلسطيني وحقيقة مشاعره. ومثله مثل الذي قال: عندما يموت الطاعنون في السن الذين يذكرون فلسطين ستنتهي تلك القضية. أين هذا القول من الانتفاضة؟ لقد حافظ الشعب الفلسطيني على كيانه العضوي عبر بلاد عديدة رغم التمزق الجغرافي. ولا يزال حفيد اللاجئ يقول أنه ينتمي إلى القرية التي نزح منها جده.
ورغم أنه لا توجد دراسات إحصائية كثيرة عن نسبة اللاجئين الذين يرغبون في العودة، لأنه ليست هناك حاجة إليها، فإن كل الظواهر تدل على رغبة الأغلبية الساحقة في العودة إلى الوطن. ورغم أن هناك قيوداً ومحاذير على التعبير عن الرغبة الحقيقية للاجئين، إلا أن مسحاً أجري في أحد البلاد العربية التي تعامل اللاجئين معاملة جيدة، بين أن 80% يرغبون في العودة دون شروط، 13% يرغبون في الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، و 7% فقط يرغبون في البقاء حيث هم. هذا المسح تم بين أصحاب المهن القادرين على مزاولة مهنهم في أي مكان، وكان ذلك بعد اتفاقية أوسلو وما تلاها من إحباط عام.
والشيء الذي يغيب عن هؤلاء المشككين هو أن العودة "حق" وليس رخصة أو تأشيرة سياحية تفقد مفعولها بعد زمن. ويحق لكل لاجئ أن يمارس هذا الحق متى شاء. ولا يسقط بالتقادم. ولا علاقة له برغبته في العودة أو ممارستها في وقت ما. ولا نحسب أن الأتراك في ألمانيا، واللبنانيين في الأمريكتين، واليونانيين في كل بلاد العالم يفقدون حقهم في العودة إلى بلادهم لو عاشوا في تلك البلاد سنوات طويلة ولو أخذوا جنسيتها. ويكفي مراجعة تقارير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين على مدى خمسة عقود لنرى كيف يبدو إصرار اللاجئين على العودة إلى الوطن كما شهدته الوكالة عن قرب.
ويقول المشككون أيضاً أن القرى دمرت والحدود ضاعت والمعالم تغيرت. ومن الصعب معرفة الحدود والأماكن وواضح أن القائلين بذلك يجهلون حال فلسطين. لا يوجد بلد في المشرق العربي موثق مثل فلسطين. لقد عملت لها خرائط منذ حملة نابليون في 1799، وعلى يد صندوق اكتشاف فلسطين (1871 - 1878) الذي سجل 15.000 اسم قرية ومكان على الخرائط. وأثناء الانتداب (1920 - 1948) تم إعداد خرائط مفصلة لكل فلسطين بمقياس 100.000:1 و20.000 و1.250، تحتوي على 000ر100 اسم.
وقد استعملت إسرائيل هذه الخرائط وطورتها. وعندما استولت على الأرض الفلسطينية ووزعتها بالإيجار على المستعمرات، احتفظت بسجل كامل لكل قطعة أرض ومصدرها وصاحبها الأصلي ومستأجرها الحالي. كما قامت بريطانيا في الفترة 1945 - 1946 بتصوير جوي كامل لكل فلسطين لا يزال موجوداً. كما أن مقارنة صور الأقمار الصناعية بالخرائط الفلسطينية كفيل بتحديد كل قطعة أرض مهما صغرت. وتحتفظ الأمم المتحدة في ملفات لجنة التوفيق في فلسطين بسجلات الأراضي للفلسطينيين الأفراد الذين تم تسجيلهم في عهد الانتداب. وأعتقد جازماً أن تحديد الأرض الفلسطينية والأرض الواقعة تحت حيازة اليهود عام 1948 لا يمثل مشكلة فنية يصعب حلها. وللتخلص من حق العودة والتعويض معاً تطلق إسرائيل بالونات اختبار عن طريق المشككين والأكاديميين اليهود المتعاطفين معها.
وذلك باقتراح أن تصدر إسرائيل إعلاناً "بأسفها" على المعاناة التي تحمّلها الفلسطينيون مقابل أن يعترف الفلسطينيون بأن تحقيق العودة "مستحيل" والتعويض من إسرائيل غير وارد. وحتى لا يعتبر هذا الإعلان اعترافا بمسؤولية إسرائيل يصدر الإعلان على شكل قرار من الأمم المتحدة توافق عليه إسرائيل بين البلاد، ويلغى القرار 194 إلى غير رجعة.
ولا يجد هذا التفكير أي صدى لدى اللاجئين رغم التشريد والحروب والإحباط. لكن أفكاراً قريبة من ذلك تبناها الكاتبان رشيد الخالدي وأحمد سامح الخالدي تدعو إلى اعتراف إسرائيل الرمزي بحق العودة من حيث المبدأ، واعتراف الفلسطينيين بالمقابل بأن تحقيق العودة "مستحيل" عملياً إلا في حدود لمّ الشمل. وهذه آراء شخصية. رغم أن الدوريات الأمريكية والإسرائيلية أولتها اهتماماً كبيراً. وأصدر خليل الشقاقي وجوزيف ألفر ( ضابط الموساد السابق ) تقريراً بهذا المعني.
أما الحجة التي تبدو مقنعة، فهي أن البلاد قد امتلأت باليهود وأن عودة اللاجئين معناها ترحيل اليهود من البلاد التي جاءوا منها. هذه الحجة لا تستند على أساس. كما سيأتي بيانه.
يقول المشككون أن قرار 194 القاضي بحق العودة هو قرار غير ملزم وهو توصية لها طابع إنساني فقط. لكن إصرار المجتمع الدولي على تكرار هذا القانون دون توقف خلال خمسين عاماً باستثناء إسرائيل، وانضمت إليها أمريكا أخيراً، إنما هو شهادة قاطعة بالإجماع الدولي على ذلك. وفي القرار 3236 الصادر في 1974 أكدت الأمم المتحدة أن العودة حق من الحقوق "غير القابلة للتصرف"، بل وحثت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق.
ويقول المشككون أيضاً أن معظم اللاجئين لا يرغب في العودة، وأنهم لو أعطوا تعويضاً مناسباً واعترافاً بالمعاناة التي مروا بها وجنسية أو جوازاً يتنقلون به، لتنازلوا عن حق العودة، وأغلق هذا الملف إلى الأبد. والذي يقول ذلك ليست لديه أية معرفة بالشعب الفلسطيني وحقيقة مشاعره. ومثله مثل الذي قال: عندما يموت الطاعنون في السن الذين يذكرون فلسطين ستنتهي تلك القضية. أين هذا القول من الانتفاضة؟ لقد حافظ الشعب الفلسطيني على كيانه العضوي عبر بلاد عديدة رغم التمزق الجغرافي. ولا يزال حفيد اللاجئ يقول أنه ينتمي إلى القرية التي نزح منها جده.
ورغم أنه لا توجد دراسات إحصائية كثيرة عن نسبة اللاجئين الذين يرغبون في العودة، لأنه ليست هناك حاجة إليها، فإن كل الظواهر تدل على رغبة الأغلبية الساحقة في العودة إلى الوطن. ورغم أن هناك قيوداً ومحاذير على التعبير عن الرغبة الحقيقية للاجئين، إلا أن مسحاً أجري في أحد البلاد العربية التي تعامل اللاجئين معاملة جيدة، بين أن 80% يرغبون في العودة دون شروط، 13% يرغبون في الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، و 7% فقط يرغبون في البقاء حيث هم. هذا المسح تم بين أصحاب المهن القادرين على مزاولة مهنهم في أي مكان، وكان ذلك بعد اتفاقية أوسلو وما تلاها من إحباط عام.
والشيء الذي يغيب عن هؤلاء المشككين هو أن العودة "حق" وليس رخصة أو تأشيرة سياحية تفقد مفعولها بعد زمن. ويحق لكل لاجئ أن يمارس هذا الحق متى شاء. ولا يسقط بالتقادم. ولا علاقة له برغبته في العودة أو ممارستها في وقت ما. ولا نحسب أن الأتراك في ألمانيا، واللبنانيين في الأمريكتين، واليونانيين في كل بلاد العالم يفقدون حقهم في العودة إلى بلادهم لو عاشوا في تلك البلاد سنوات طويلة ولو أخذوا جنسيتها. ويكفي مراجعة تقارير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين على مدى خمسة عقود لنرى كيف يبدو إصرار اللاجئين على العودة إلى الوطن كما شهدته الوكالة عن قرب.
ويقول المشككون أيضاً أن القرى دمرت والحدود ضاعت والمعالم تغيرت. ومن الصعب معرفة الحدود والأماكن وواضح أن القائلين بذلك يجهلون حال فلسطين. لا يوجد بلد في المشرق العربي موثق مثل فلسطين. لقد عملت لها خرائط منذ حملة نابليون في 1799، وعلى يد صندوق اكتشاف فلسطين (1871 - 1878) الذي سجل 15.000 اسم قرية ومكان على الخرائط. وأثناء الانتداب (1920 - 1948) تم إعداد خرائط مفصلة لكل فلسطين بمقياس 100.000:1 و20.000 و1.250، تحتوي على 000ر100 اسم.
وقد استعملت إسرائيل هذه الخرائط وطورتها. وعندما استولت على الأرض الفلسطينية ووزعتها بالإيجار على المستعمرات، احتفظت بسجل كامل لكل قطعة أرض ومصدرها وصاحبها الأصلي ومستأجرها الحالي. كما قامت بريطانيا في الفترة 1945 - 1946 بتصوير جوي كامل لكل فلسطين لا يزال موجوداً. كما أن مقارنة صور الأقمار الصناعية بالخرائط الفلسطينية كفيل بتحديد كل قطعة أرض مهما صغرت. وتحتفظ الأمم المتحدة في ملفات لجنة التوفيق في فلسطين بسجلات الأراضي للفلسطينيين الأفراد الذين تم تسجيلهم في عهد الانتداب. وأعتقد جازماً أن تحديد الأرض الفلسطينية والأرض الواقعة تحت حيازة اليهود عام 1948 لا يمثل مشكلة فنية يصعب حلها. وللتخلص من حق العودة والتعويض معاً تطلق إسرائيل بالونات اختبار عن طريق المشككين والأكاديميين اليهود المتعاطفين معها.
وذلك باقتراح أن تصدر إسرائيل إعلاناً "بأسفها" على المعاناة التي تحمّلها الفلسطينيون مقابل أن يعترف الفلسطينيون بأن تحقيق العودة "مستحيل" والتعويض من إسرائيل غير وارد. وحتى لا يعتبر هذا الإعلان اعترافا بمسؤولية إسرائيل يصدر الإعلان على شكل قرار من الأمم المتحدة توافق عليه إسرائيل بين البلاد، ويلغى القرار 194 إلى غير رجعة.
ولا يجد هذا التفكير أي صدى لدى اللاجئين رغم التشريد والحروب والإحباط. لكن أفكاراً قريبة من ذلك تبناها الكاتبان رشيد الخالدي وأحمد سامح الخالدي تدعو إلى اعتراف إسرائيل الرمزي بحق العودة من حيث المبدأ، واعتراف الفلسطينيين بالمقابل بأن تحقيق العودة "مستحيل" عملياً إلا في حدود لمّ الشمل. وهذه آراء شخصية. رغم أن الدوريات الأمريكية والإسرائيلية أولتها اهتماماً كبيراً. وأصدر خليل الشقاقي وجوزيف ألفر ( ضابط الموساد السابق ) تقريراً بهذا المعني.
أما الحجة التي تبدو مقنعة، فهي أن البلاد قد امتلأت باليهود وأن عودة اللاجئين معناها ترحيل اليهود من البلاد التي جاءوا منها. هذه الحجة لا تستند على أساس. كما سيأتي بيانه.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر