جذبت بادية الشام الإنسان منذ أقدم العصور وآثارها تشهد بمجدها الغابر ومن يزر تدمر والرصافة والحضر وأسيس والرحبة والبتراء يدرك أنها ليست صحراء قاحلة يتيه بها الإنسان وإنما أراض شاسعة تجوبها القبائل باستمرار وفيها حركة متواصلة حيث الطرق التجارية العالمية التي تعبرها من الجنوب إلى الشمال ومن أقصى الشرق إلى الغرب وتتوفر فيها المياه فالبحيرات التي تتجمع فيها الأمطار والآبار المعروفة أسماؤها ومواقعها لأهل البادية منذ مئات السنين.
وأدرك الأمويون عظمة هذه البادية فعمروها بالقصور كقصر السدير والخورنق والحيرة وما أن انفتحت هذه البادية للعرب المسلمين حتى كان قصر الوليد في أسيس وقصر الحير الشرقي وقصر الحير الغربي وقصر هشام بن عبد الملك في الرصافة بالإضافة إلى قصير عمرة وقصر المشتى وقصر خزانة وقصر المفجر في الأردن وهكذا جهزت البادية بما يناسبها من المباني باعتبارها عقدة مهمة بين ولايات الدولة الأموية المترامية الأطراف وكان لهذه المنشآت مهمات عديدة منها سكن الخلفاء الأمويون الذين فضلوا الإقامة بالبادية على المدينة حيث يستطيعون الالتقاء بالقبائل العربية وشيوخها وأمرائها باعتبارهم الأساس الذي يمد الجيوش العربية الفاتحة بالمحاربين وكذلك لحل مشاكلهم وخلافاتهم ويشرفوا بشكل مباشر على طرق المواصلات وذلك لتأمين الأمن والنظام للقوافل التجارية والبريد ويتلقوا اللغة العربية القويمة بالإضافة إلى حياة الأنس واللهو لحياة الصيد والرياضة بعيدا عن أجواء المدينة ومراسيمها التقليدية.
وقام بتنفيذ هذه المباني والقصور مهندسون معماريون وفنانون وعمال عرب وسوريون وردت أسماؤهم بالوثائق التاريخية والأثرية أمثال حسان بن ماهوية الإنطاكي وسليمان بين عبيد وثابت بن أبي ثابت وظهرت هذه القصور بهندسة رائعة تتناسب مع الهدف الذي أقيمت من أجله.
وعرف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بمحبته لبناء القصور وإنشاء الضياع والبساتين وتجفيف المستنقعات واستصلاح الأراضي فظهرت عام 727 م مجموعة معمارية مدنية متكاملة كان قصر الحير الغربي من ضمنها الأضخم والأجمل ضم خاناً وحماماً وسداً وبستاناً ومستودعات للمياه، ويقع هذا المجمع في واحة تبعد 80 كم إلى الجنوب الغربي من تدمر أما المياه فكانت من سد يبعد حوالي 17 كم إلى جنوب القصر أقيم هذا السد قبل الإسلام وأصلح عند بناء القصر وكان يدعى سد خربقة وهو يحجز مياهه في بركة طولها 1550 م وعرضها 800 م وللسد ثلاث فتحات اثنتان منهما مبنيتان من الحجر ومقطعهما مستطيل والثالثة تتصل بقناة ضخمة من الفخار المشوي يجري الماء بها ويتوزع بشكل منتظم إلى هذا المجمع حيث القصر والخان والحمام وأخيراً البستان وتمكن المنقبون في هذه الوحدة المعمارية المتكاملة من تحديد تاريخها من خلال البوابة الحجرية للخان التي نقش عليها سطر واحد بالخط الكوفي وبأسلوب التثقيب للحرف النص التالي "بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله وحده لاشريك له أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب الله أجره عمل على يدي ثابت بن أبي ثابت في رجب سنة تسع ومائة" وقد نقلت هذه البوابة إلى حديقة المتحف الوطني بدمشق.
أما القصر فهو بشكله العام ذو صمحترم تحصينية له شكل مربع طول ضلعه حوالي سبعين متراً سوره الخارجي مزين بأبراج شبه مستديرة عند زواياه ماعدا الزاوية الشمالية الغربية حيث البرج الذي يعود للعصر البيزنطي كما زين وسط أضلاعه بأبراج نصف أسطوانية أما الجهة الشرقية حيث المدخل الأساسي فجاء على شكل برجين نصف اسطوانيين يحصران بينهما جبهة الباب.
ويتكون القصر من طابقين الأول مخططه واضح على أرض الواقع أما الطابق العلوي فمتهدم تماماً ويتألف الطابق الأرضي من باحة سماوية في الوسط يحيط بها المبنى المكون من ستة أقسام مستقلة قسمان في الجهة الشرقية واثنان في الجهة الغربية المقابلة وقسم في الجنوب وآخر في الشمال ويتألف كل قسم من قاعات كبيرة يتصل بكل منها عدد من الغرف أما المرافق العامة والأدراج فكانت في الزوايا.
بني الطابق الأرضي بالحجر على ارتفاع 2 م تقريبا ثم باللبن والآجر تتخلله العوارض الخشبية ثم طليت الجدران من الداخل والخارج بطبقة من الكلس.
وكشفت عمليات التنقيب في أنقاض القصر عن مجموعة كبيرة من التماثيل الجصية والشرافات والقطع الخشبية وتبين فيما بعد بأن التماثيل المنحوتة بأشكال إنسانية وحيوانية ونباتية مختلفة كانت تزين الواجهتين الخارجية والداخلية للقصر أما المجموعة التي وجدت في الباحة فكانت عبارة عن درابزون بين أعمدة رواق الطابق الثاني بالنسبة للشرافات فهي مجموعة من الشرافات المسننة كانت تزين أعلى الأبراج في واجهة القصر وعند زواياه وفي منتصف أضلاعه.
وفي وسط كل شرافة شق بشكل سهم طولها حوالي 160 سم وهناك شرافات أصغر حجماً بارتفاع 56 سم ٍفي وسطها شق مستطيل ينتهي بنصف دائرة بعضها مزخرف بأوراق نباتية متطاولة وأخرى غير مزخرفة وجميعها كانت تزين القسم الأوسط من القصر في أعلى البناء من الجهة الشمالية والجنوبية وكانت تتوضع بالتناوب شرافة مزخرفة وأخرى غير مزخرفة.
أما القطع الخشبية فتركزت في الطابق العلوي من الجهة الشرقية من القصر ويعتقد بأنها كانت أجزاء من أفاريز تزين القاعة التي يحل بها الخليفة.
وتنتمي الأشكال الإنسانية التي كانت تزين الواجهة الداخلية والخارجية للقصر إلى مدارس فنية مختلفة ومصنوعة من مواد مختلفة فهناك لوحات جصية رسم عليها ربة الأرض جيا وهي من المثيولوجيا اليونانية وكذلك لوحة الصيد وهي من المثيولوجيا الفارسية الساسانية وتعتمد على ملحمة فارسية في الصيد باسم بهرام جور وكذلك وجوه عربية سواء لنساء ورجال وعبيد وهي في منتهى الواقعية وتعتبر من أقدم ما وصل إلينا من العصر الإسلامي للأشكال الإنسانية وهناك التماثيل الكبيرة مثل جذع المرأة شبه العارية التي ترتدي إزاراً معقوداً على خصرها وعلى ذراعها الأيمن سوار وتحمل بيدها مايشبه الإبريق.
ويضم القصر أيضاً أجزاء من تمثال شخص على رأسه عمامة شرقية وفي أذنه قرط ويرتدي ثياباً فاخرة متأثرا بالطراز الساساني ويعتقد بعض علماء الآثار بأنه تمثال هشام بن عبد الملك أما مكانه في القصر فهو فوق جبهة الباب الرئيسية ضمن القوس الفارغ حالياً.
ويقول الدكتور سليم عادل عبد الحق الباحث في علم الآثار إن دراسة هذا التمثال تدل على أنه صنع ليكون شكلا رمزيا حيث أن طرفيه متناظران تماماً كما أن تفاصيل أعضائه وألبسته وحليه واضحة ما يدل على انه صنع ليشاهد من قريب لا من بعيد وارتفاعه الكلي 56ر1 م يتناسب مع ارتفاع القوس الذي يبلغ اعتباراً من عتبة الباب إلى أعلى فتحته 10ر2 م وإذا كان مكان التمثال في هذا القوس لأمكن القول إن هذا الجزء من زخارف قصر الحير الغربي أول مثال لجبهات الكنائس المسيحية الغربية التي يتوسط فيها تمثال المسيح بقية التماثيل في موضوعي المسيح الجليل والصعود إلى السماء.
أما التمثال النصفي للمرأة ذات الضفيرتين والتي تضع تاجاً على رأسها وفي أذنيها قرطان وتمسك بيدها اليمنى إحدى ضفائرها بينما تحتضن بيدها اليسرى حمامة وهو من واجهة القصر الخارجية.
وأجزاء التماثيل الصغيرة التي تمثل أشخاصا في وضعيات مختلفة مثل الذي يحمل كرة أو مروحة فهي من الواجهة الداخلية للقصر التي تطل على الساحة الداخلية المكشوفة وجميع هذه التماثيل من الجص وكذلك الرجل الملتحي الذي يرتدي مايشبه اللباس الروماني الذي ينعقد في خصره وباقي الثوب على كتفه وهو في وضعية شبه استدارة وينظر إلى الأسفل.
وتؤلف زخارف قصر الحير الغربي النحتية مرحلة مهمة من مراحل تاريخ النحت في سورية وتعبر عن أفكار ذلك العصر وتذكر بالتماثيل المنحوتة في تدمر ودورا اوربوس.
ويذكر الدكتور عبد الحق أن الفن المعماري في قصر الحير الغربي يتبع مبدأين الأول التغيير الذي لايقنع بنوع واحد أو أنواع متعددة من المواضيع بل يسعى إلى تنويع المواضيع التي يطرقها ولا يرغب إعادتها نفسها وفي الواقع يتعذر أن نجد بين كل النوافذ الجصية التي أعيد إنشاؤها نافذتين متشابهتين كما أن السويريات في الواجهة الخارجية تختلف عن بعضها تماما فبعضها جذوع أشجار النخيل وبعضها ذات أخاديد عمودية وأخرى ملتوية وبعضها الآخر مزين بسعفات النخيل المتعاقبة والمبدأ الثاني هو ملء تام للسطوح المخصصة للزينة كما في الواجهتين الداخلية والخارجية لقصر الحير الغربي.
ويقول أيضاً: لايعادل غنى المكتشفات الأثرية التي ظهرت خلال حفريات قصر الحير غنى أي مكتشفات أخرى إذ ان هذه الحفريات كشفت عن ما يزيد على خمسين ألف قطعة من الجص المحفورة فيها عدد كبير من المجموعات الثمينة التي تؤلف ثروة أثرية عظيمة تدل على مواضيع النحت وصفاته في زمن الأمويين وكذلك التقطت أجزاء عديدة من صور جدرانية تامة أو ناقصة وتمثل مواضيع هندسية ونباتية ومشاهد حية تعد من أهم ما اكتشف في القصور الأموية.
والفنان السوري قدم الكثير في كل العصور ولكنه أبدع وقدم الأجمل في العصر الأموي ويبدو ذلك واضحا في هذا القصر وأهم القيم الفنية الموجودة في القصر التنظيم والتوزيع لأقسام البناء بشكل متناسق حول الباحة السماوية واعتماد التناظر في الزخرفة والتداخل بين الزخارف النباتية والهندسية وخاصة في الأفاريز والتنويع الكبير في التصاميم والتي تجلت من خلال الكم الهائل للزخارف الجصية المخرمة والتي تعتبر المهد الأول للأشكال الزخرفية العربية الإسلامية (الأرابيسك) بالإضافة إلى العرض الكامل للحياة الفنية الإبداعية من خلال مجموعة هائلة من التماثيل الإنسانية والحيوانية والنحت البارز للأشكال النباتية واللوحات الملونة (الفريسك).
ولوحات الفريسك الرائعة التي فرشت أرض القصر لا تزال بحالة جيدة جداً وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أنه شغل بعناية فائقة ويعتبر من أهم المنجزات المعمارية التي قدمها لنا العصر الأموي حيث جمع في أسلوب بنائه وزخرفته ثقافات وفنون متنوعة فيها تزيينات ذات طابع غربي وأخرى لها نكهة الشرق تذكر بأصالة العمارة العربية السورية القديمة في تدمر وبصرى كما نجد أنفسنا أيضا أمام ولادة فن عربي إسلامي جديد ذي طابع مميز.
وبدأت أعمال التنقيب عن بقايا قصر الحير الغربي اعتباراً من عام 1936 م بعثة فرنسية برئاسة الدكتور دانيال شلومبرغه وبعد دراسة هذه الآثار تبين أنه من أجمل قصور بني أمية في بادية الشام فظهرت فكرة إعادة إنشاء جناح خاص له في متحف دمشق وبالفعل قام الأثريون والمهندسون والفنيون والعمال السوريون بإظهار هذه التحفة من جديد في دمشق عاصمة الأمويين واستمرت هذه الأعمال مدة أربعة عشر عاما حيث تحولت بها ألوف القطع الجصية المحطمة إلى جناح كامل يحوي أهم الآثار العربية الإسلامية وتؤلف واجهة القصر بعد إعادة تشييدها المدخل الأساس للمتحف الوطني وافتتح هذا الجناح في 28- 8-1950.
وأدرك الأمويون عظمة هذه البادية فعمروها بالقصور كقصر السدير والخورنق والحيرة وما أن انفتحت هذه البادية للعرب المسلمين حتى كان قصر الوليد في أسيس وقصر الحير الشرقي وقصر الحير الغربي وقصر هشام بن عبد الملك في الرصافة بالإضافة إلى قصير عمرة وقصر المشتى وقصر خزانة وقصر المفجر في الأردن وهكذا جهزت البادية بما يناسبها من المباني باعتبارها عقدة مهمة بين ولايات الدولة الأموية المترامية الأطراف وكان لهذه المنشآت مهمات عديدة منها سكن الخلفاء الأمويون الذين فضلوا الإقامة بالبادية على المدينة حيث يستطيعون الالتقاء بالقبائل العربية وشيوخها وأمرائها باعتبارهم الأساس الذي يمد الجيوش العربية الفاتحة بالمحاربين وكذلك لحل مشاكلهم وخلافاتهم ويشرفوا بشكل مباشر على طرق المواصلات وذلك لتأمين الأمن والنظام للقوافل التجارية والبريد ويتلقوا اللغة العربية القويمة بالإضافة إلى حياة الأنس واللهو لحياة الصيد والرياضة بعيدا عن أجواء المدينة ومراسيمها التقليدية.
وقام بتنفيذ هذه المباني والقصور مهندسون معماريون وفنانون وعمال عرب وسوريون وردت أسماؤهم بالوثائق التاريخية والأثرية أمثال حسان بن ماهوية الإنطاكي وسليمان بين عبيد وثابت بن أبي ثابت وظهرت هذه القصور بهندسة رائعة تتناسب مع الهدف الذي أقيمت من أجله.
وعرف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بمحبته لبناء القصور وإنشاء الضياع والبساتين وتجفيف المستنقعات واستصلاح الأراضي فظهرت عام 727 م مجموعة معمارية مدنية متكاملة كان قصر الحير الغربي من ضمنها الأضخم والأجمل ضم خاناً وحماماً وسداً وبستاناً ومستودعات للمياه، ويقع هذا المجمع في واحة تبعد 80 كم إلى الجنوب الغربي من تدمر أما المياه فكانت من سد يبعد حوالي 17 كم إلى جنوب القصر أقيم هذا السد قبل الإسلام وأصلح عند بناء القصر وكان يدعى سد خربقة وهو يحجز مياهه في بركة طولها 1550 م وعرضها 800 م وللسد ثلاث فتحات اثنتان منهما مبنيتان من الحجر ومقطعهما مستطيل والثالثة تتصل بقناة ضخمة من الفخار المشوي يجري الماء بها ويتوزع بشكل منتظم إلى هذا المجمع حيث القصر والخان والحمام وأخيراً البستان وتمكن المنقبون في هذه الوحدة المعمارية المتكاملة من تحديد تاريخها من خلال البوابة الحجرية للخان التي نقش عليها سطر واحد بالخط الكوفي وبأسلوب التثقيب للحرف النص التالي "بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله وحده لاشريك له أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب الله أجره عمل على يدي ثابت بن أبي ثابت في رجب سنة تسع ومائة" وقد نقلت هذه البوابة إلى حديقة المتحف الوطني بدمشق.
أما القصر فهو بشكله العام ذو صمحترم تحصينية له شكل مربع طول ضلعه حوالي سبعين متراً سوره الخارجي مزين بأبراج شبه مستديرة عند زواياه ماعدا الزاوية الشمالية الغربية حيث البرج الذي يعود للعصر البيزنطي كما زين وسط أضلاعه بأبراج نصف أسطوانية أما الجهة الشرقية حيث المدخل الأساسي فجاء على شكل برجين نصف اسطوانيين يحصران بينهما جبهة الباب.
ويتكون القصر من طابقين الأول مخططه واضح على أرض الواقع أما الطابق العلوي فمتهدم تماماً ويتألف الطابق الأرضي من باحة سماوية في الوسط يحيط بها المبنى المكون من ستة أقسام مستقلة قسمان في الجهة الشرقية واثنان في الجهة الغربية المقابلة وقسم في الجنوب وآخر في الشمال ويتألف كل قسم من قاعات كبيرة يتصل بكل منها عدد من الغرف أما المرافق العامة والأدراج فكانت في الزوايا.
بني الطابق الأرضي بالحجر على ارتفاع 2 م تقريبا ثم باللبن والآجر تتخلله العوارض الخشبية ثم طليت الجدران من الداخل والخارج بطبقة من الكلس.
وكشفت عمليات التنقيب في أنقاض القصر عن مجموعة كبيرة من التماثيل الجصية والشرافات والقطع الخشبية وتبين فيما بعد بأن التماثيل المنحوتة بأشكال إنسانية وحيوانية ونباتية مختلفة كانت تزين الواجهتين الخارجية والداخلية للقصر أما المجموعة التي وجدت في الباحة فكانت عبارة عن درابزون بين أعمدة رواق الطابق الثاني بالنسبة للشرافات فهي مجموعة من الشرافات المسننة كانت تزين أعلى الأبراج في واجهة القصر وعند زواياه وفي منتصف أضلاعه.
وفي وسط كل شرافة شق بشكل سهم طولها حوالي 160 سم وهناك شرافات أصغر حجماً بارتفاع 56 سم ٍفي وسطها شق مستطيل ينتهي بنصف دائرة بعضها مزخرف بأوراق نباتية متطاولة وأخرى غير مزخرفة وجميعها كانت تزين القسم الأوسط من القصر في أعلى البناء من الجهة الشمالية والجنوبية وكانت تتوضع بالتناوب شرافة مزخرفة وأخرى غير مزخرفة.
أما القطع الخشبية فتركزت في الطابق العلوي من الجهة الشرقية من القصر ويعتقد بأنها كانت أجزاء من أفاريز تزين القاعة التي يحل بها الخليفة.
وتنتمي الأشكال الإنسانية التي كانت تزين الواجهة الداخلية والخارجية للقصر إلى مدارس فنية مختلفة ومصنوعة من مواد مختلفة فهناك لوحات جصية رسم عليها ربة الأرض جيا وهي من المثيولوجيا اليونانية وكذلك لوحة الصيد وهي من المثيولوجيا الفارسية الساسانية وتعتمد على ملحمة فارسية في الصيد باسم بهرام جور وكذلك وجوه عربية سواء لنساء ورجال وعبيد وهي في منتهى الواقعية وتعتبر من أقدم ما وصل إلينا من العصر الإسلامي للأشكال الإنسانية وهناك التماثيل الكبيرة مثل جذع المرأة شبه العارية التي ترتدي إزاراً معقوداً على خصرها وعلى ذراعها الأيمن سوار وتحمل بيدها مايشبه الإبريق.
ويضم القصر أيضاً أجزاء من تمثال شخص على رأسه عمامة شرقية وفي أذنه قرط ويرتدي ثياباً فاخرة متأثرا بالطراز الساساني ويعتقد بعض علماء الآثار بأنه تمثال هشام بن عبد الملك أما مكانه في القصر فهو فوق جبهة الباب الرئيسية ضمن القوس الفارغ حالياً.
ويقول الدكتور سليم عادل عبد الحق الباحث في علم الآثار إن دراسة هذا التمثال تدل على أنه صنع ليكون شكلا رمزيا حيث أن طرفيه متناظران تماماً كما أن تفاصيل أعضائه وألبسته وحليه واضحة ما يدل على انه صنع ليشاهد من قريب لا من بعيد وارتفاعه الكلي 56ر1 م يتناسب مع ارتفاع القوس الذي يبلغ اعتباراً من عتبة الباب إلى أعلى فتحته 10ر2 م وإذا كان مكان التمثال في هذا القوس لأمكن القول إن هذا الجزء من زخارف قصر الحير الغربي أول مثال لجبهات الكنائس المسيحية الغربية التي يتوسط فيها تمثال المسيح بقية التماثيل في موضوعي المسيح الجليل والصعود إلى السماء.
أما التمثال النصفي للمرأة ذات الضفيرتين والتي تضع تاجاً على رأسها وفي أذنيها قرطان وتمسك بيدها اليمنى إحدى ضفائرها بينما تحتضن بيدها اليسرى حمامة وهو من واجهة القصر الخارجية.
وأجزاء التماثيل الصغيرة التي تمثل أشخاصا في وضعيات مختلفة مثل الذي يحمل كرة أو مروحة فهي من الواجهة الداخلية للقصر التي تطل على الساحة الداخلية المكشوفة وجميع هذه التماثيل من الجص وكذلك الرجل الملتحي الذي يرتدي مايشبه اللباس الروماني الذي ينعقد في خصره وباقي الثوب على كتفه وهو في وضعية شبه استدارة وينظر إلى الأسفل.
وتؤلف زخارف قصر الحير الغربي النحتية مرحلة مهمة من مراحل تاريخ النحت في سورية وتعبر عن أفكار ذلك العصر وتذكر بالتماثيل المنحوتة في تدمر ودورا اوربوس.
ويذكر الدكتور عبد الحق أن الفن المعماري في قصر الحير الغربي يتبع مبدأين الأول التغيير الذي لايقنع بنوع واحد أو أنواع متعددة من المواضيع بل يسعى إلى تنويع المواضيع التي يطرقها ولا يرغب إعادتها نفسها وفي الواقع يتعذر أن نجد بين كل النوافذ الجصية التي أعيد إنشاؤها نافذتين متشابهتين كما أن السويريات في الواجهة الخارجية تختلف عن بعضها تماما فبعضها جذوع أشجار النخيل وبعضها ذات أخاديد عمودية وأخرى ملتوية وبعضها الآخر مزين بسعفات النخيل المتعاقبة والمبدأ الثاني هو ملء تام للسطوح المخصصة للزينة كما في الواجهتين الداخلية والخارجية لقصر الحير الغربي.
ويقول أيضاً: لايعادل غنى المكتشفات الأثرية التي ظهرت خلال حفريات قصر الحير غنى أي مكتشفات أخرى إذ ان هذه الحفريات كشفت عن ما يزيد على خمسين ألف قطعة من الجص المحفورة فيها عدد كبير من المجموعات الثمينة التي تؤلف ثروة أثرية عظيمة تدل على مواضيع النحت وصفاته في زمن الأمويين وكذلك التقطت أجزاء عديدة من صور جدرانية تامة أو ناقصة وتمثل مواضيع هندسية ونباتية ومشاهد حية تعد من أهم ما اكتشف في القصور الأموية.
والفنان السوري قدم الكثير في كل العصور ولكنه أبدع وقدم الأجمل في العصر الأموي ويبدو ذلك واضحا في هذا القصر وأهم القيم الفنية الموجودة في القصر التنظيم والتوزيع لأقسام البناء بشكل متناسق حول الباحة السماوية واعتماد التناظر في الزخرفة والتداخل بين الزخارف النباتية والهندسية وخاصة في الأفاريز والتنويع الكبير في التصاميم والتي تجلت من خلال الكم الهائل للزخارف الجصية المخرمة والتي تعتبر المهد الأول للأشكال الزخرفية العربية الإسلامية (الأرابيسك) بالإضافة إلى العرض الكامل للحياة الفنية الإبداعية من خلال مجموعة هائلة من التماثيل الإنسانية والحيوانية والنحت البارز للأشكال النباتية واللوحات الملونة (الفريسك).
ولوحات الفريسك الرائعة التي فرشت أرض القصر لا تزال بحالة جيدة جداً وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أنه شغل بعناية فائقة ويعتبر من أهم المنجزات المعمارية التي قدمها لنا العصر الأموي حيث جمع في أسلوب بنائه وزخرفته ثقافات وفنون متنوعة فيها تزيينات ذات طابع غربي وأخرى لها نكهة الشرق تذكر بأصالة العمارة العربية السورية القديمة في تدمر وبصرى كما نجد أنفسنا أيضا أمام ولادة فن عربي إسلامي جديد ذي طابع مميز.
وبدأت أعمال التنقيب عن بقايا قصر الحير الغربي اعتباراً من عام 1936 م بعثة فرنسية برئاسة الدكتور دانيال شلومبرغه وبعد دراسة هذه الآثار تبين أنه من أجمل قصور بني أمية في بادية الشام فظهرت فكرة إعادة إنشاء جناح خاص له في متحف دمشق وبالفعل قام الأثريون والمهندسون والفنيون والعمال السوريون بإظهار هذه التحفة من جديد في دمشق عاصمة الأمويين واستمرت هذه الأعمال مدة أربعة عشر عاما حيث تحولت بها ألوف القطع الجصية المحطمة إلى جناح كامل يحوي أهم الآثار العربية الإسلامية وتؤلف واجهة القصر بعد إعادة تشييدها المدخل الأساس للمتحف الوطني وافتتح هذا الجناح في 28- 8-1950.
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
» مبارزة شعرية .......
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
» أتثائب... عبلة درويش
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918