كانت الحمامات في دمشق مظهراً من مظاهرها الصحية فكانت ملتقى العائلات والأصدقاء والأحبة ففيها يقضون الساعات الطوال في الأحاديث الودية والعائلية والاجتماعية وتبادل القصص والأخبار والفكاهات والنوادر على مسطبة الحمام في الفناء الجواني. فكانت الحمامات آية فنية معمارية رائعة وميزة تمتاز بها دمشق على مر الأيام وكانت الحمامات تتألف من الحار والدافئ والبارد .
وجرت العادة أن يبدأ حمام الرجال من صلاة الفجر حتى الظهر وحمام النساء من الظهيرة حتى المساء ويصطحبن معهم بقج المناشف الخاصة بهن مع ما يرافقها من حواضر البيت كالتين والزيتون والجوز والبندق واللوز وطواحين اللفت المخلل والمجدرة والمكدوس وكل حسب رغبته .
اشتهرت مدينة دمشق بحماماتها في الشرق كله ومنها ماهو من روائع الفن الاسلامي بطرز عمارتها وزخارفها ونقوشها فكانت جدرانها مرصعة بالقاشاني وفرشوا أرضها بالرخام وأقاموا نظاماً هندسياً بارعاً لتزويدها بالمياه الساخنة وتدفئتها وتزويد البحرات بالمياه الباردة وكان الناس يرتادون الحمامات ليمضوا فيها وقتاًَ هنياً في الاستحمام والاستشفاء من بعض الأمراض وفي تناول الطعام وإحياء المناسبات الاجتماعية بتقاليد موروثة .
كانت الحمامات في سورية بسيطة تتألف من غرفتين احدهما للرجال والأخرى للسيدات وغرفة خاصة بالموقد المشترك ثم أخذ مخطط الحمام يزداد تعقيداً وكانت في عصر الامبراطورية الرومانية تتألف من الأقسام التالية : قاعة الحمام الباردة – قاعة الحمام المعتدلة – قاعة الحمام الساخنة وتختلف الأقسام باختلاف طقس المنطقة ومستوى الحياة .
وكان موضوع التهوية ذاأهمية خاصة فقد كانت تجعل للحمام فتحة مستديرة في وسط القبة تغطى بقرص يرفع عند الرغبة للتهوية وكان الماء يوضع في خزانات كبيرة ويوزع بأوعية من الرصاص أو غيره وكانت المياه تنتقل من خزان لآخر وكالتي كان عددها ثلاثة خزانات فتنقل المياه من الخزان البارد إلى الدافئ إلى الحار وكان في كل زاوية من زوايا الحمام ترتيباً وتنظيماً مسبقاً .
وعموماً يتألف الحمام من :
1- البراني المخصص لاستقبال الزبائن وبه يخلعون ويرتدون ملابسهم قبل وبعد الاستحمام وهو على شكل باحة رباعية الشكل في سقفها منور به نوافذ تسهم في توفير الضياء اللازم لهذا القسم من الحمام وأرض البراني مرصوفة بحجارة مصقولة وردية وسوداء بديعة وتتوسطها بحرة ماء وفي جدران البراني (كتبيات) بأبواب زجاجية منضد بها صرر المناشف والفوط وفي الأوواين يخلع الزبائن البستهم وفي براني الحمام مشلح خاص يسمى القصر يخصص للزبائن الميسورين (الأكابر) وإلى جانب من المدخل الخارجي للبراني سدة (تخت) خاصة بالمعلم حيث يرحب بالزبائن ويودعهم ويودع حاجياتهم من ساعات ونقود اوالتي تحفظ في صندوق الأمانات وهناك صندوق الغلة يحفظ فيه النقود .
2- الوسطاني : يتألف من -الوسطاني الأول وهو على شكل دهليز متعرج أرضه مبلطة بروب من الحجر الأسود والوردي
- الوسطاني الثاني يتوسطه ممر بيت النار وعلى طرفي الممر إيوان بكل طرف يستريح عليه الزبائن خلال فترات الاستحمام وعند الانتهاء منه استعداد للخروج إلى البراني وبكل ايوان جرنان حيث يخصص للاستحمام في فصل الصيف بدل الجواني .
3- الجواني : وهويلي الوسطاني ويتوسط الجواني ممر بيت النار وفي بدايتها مسطبة الحرارة وعلى جانبيه ايوانان وبكل منهما عدد من الأجران تتدفق إليها المياه الحارة والباردة التي يتحلق حولها المستحمون ويتفرع عنها عدد من المقاصير مثل مقصورة (المغطس ) وهي على شكل بحرة بطول الإنسان وهناك أيضاً مقصورة الصنعة وهي مخصصة لريس الحمام في فترة استحمام الرجال وللأوسطة في فترة استحمام النساء .
العاملين في الحمام ومهامهم :
1- في فترة استحمام الرجال :
المعلم : وهو صاحب الحمام أو مستأجره ومموله . ويعمل جميع العاملين في الحمام تحت إمرته لتأمين مصلحته التي هي مصلحة الحمام.
يجلس على دكة ( تخت ) خاصة بالبراني بحيث يستطيع ملاحظة الداخلين والخارجين فيقوم بالترحيب بهم آمرا الأجير أو الناطور بالمثول بين يدي الزبون وخدمته وتقديم أحسن الفوط له.
كما يقوم باستلام دراهم وأمانات الزبون ويحفظها له في صندوقه ويسلمها له بعد الاستحمام ويتقاضى من الزبائن أجر الاستحمام ( الوفاء ).
الناطور : ينوب عن المعلم حال غيابه ، يستلم الأمانات وهو مسؤول عن نظافة الحمام ومظهره يستقبل الزبائن بالترحاب ويبسط له فوطة يحجب بها عورته عن الآخرين ثم يلف الناطور تلك الفوطة بخفة نادرة حول خصر الزبون وتسمى ( الماوية ) ويضع على ظهره فوطة تسمى الظهرية ومن الأعمال المناطة بالناطور غسل الفوط بعد استعمالها واستقبال الزبون حال انتهائه من الاستحمام وتقديم المشروب له إذا رغب بذلك
الريس : يتركز عمله بالجواني في مقصورة تسمى الصنعة يتركز عمله في تحميم وتكييس وتلييف الزبون إذا رغب بذلك ويتم تعيين الريس من قبل المعلم بعد أن يتم اختباره بشكل عملي من قبله حيث يحل المعلم بدل الزبون ومن خلال ذلك يلحظ مدى تمكن الريس الجديد من أصول الصنعة .
2- في فترة استحمام النساء :
نلاحظ الوظائف نفسها للعاملات في الحمام إلى حد ما ولكن ألقابهن تختلف فنجد أولاً
المعلمة : تأخذ مهام المعلم في فترة استحمام النساء وقد تكون إحدى قريباته وهي تشرف على الحمام وتديره بالإضافة إلى ذلك كان عليها مهمة عسيرة وهي فض النزاعات والإشكالات التي كثيراً في فترة استحمام السيدات
الناطورة : مهمتها كالناطور في فترة استحمام الرجال
الأسطة : مثل الريس ولها كرسي خاص تجلس عليه وراء زبوناتها أثناء استحمامهن ولايستحم عندها إلا الميسورات وزوجات الذوات ويتركز عملها في مناسبات الأفراح حيث تجود الأكف بالمال والهدايا .
البلانة : وهي تحشو الحناء للمسنات وتدهن المولدة (النفساء بالشداد المؤلف من الزنجبيل والقرفة والدبس ولسان العصفورة والآس والزيت والبيض ) بعد أن تجلسها على بلاط ممر بيت النار .
مناسبات الاستحمام عند النساء :
حمام العرس : قبل العرس بيومين حيث تدعو أم العريس الأهل من جانبها وجانب العروس وتكون قد حجزته لضيوفها
حمام الغمرة : يعتبر سدادا لدعوة أم العريس من قبل أم العروس ويكون بعد العرس بحوالي أسبوعين .
حمام الفسخ (النفاس) : وهو خاص بالنساء ويكون اعتباراً من اليوم السابع للولادة حتى اليوم 21 على أن يتم في يوم إفراد حيث كان في اعتقادهن أن الاستحمام في يوم من أيام الإفراد يجعل حليب الأم كامل التكوين .
حمام الأربعين : قبيل صباح الأربعين للولادة بأيام ليحين فرحتهن بالأهازيج والمداعبات
حمامات دمشـق المعاصرة
الحمامات التي لا تزال تمارس عملها في أيامنا وقد بلغ عشرين حماماً ومن هذه الحمامات :
1- حمام المقدم : يقع في حي الشيخ محيي الدين بن عربي منطقة الشركسية مدارس وقام القائمون عليه في أيامنا هذه بإجراء تبديل جذري عليه تناول جميع أقسامه .
2- حمام الورد : يقع في حي سوق ساروجة في جادة الورد إلى جهة الغرب وهو من الحمامات الأثرية المسجلة لدى المديرية العامة للآثار ويعود للقرن الثامن عشر .
3- حمام العمري : يقع في العقيبة جادة ساروجة نسبة إلى الشيخ العمري المقام (مقامه) قبره مقابل الحمام وهو في جملة حمامات ماقبل القرن الرابع عشر الميلادي .
4- حمام أمونه : يقع في حي العمارة بوابة الآس وهو في جملة حمامات ماقبل القرن الرابع عشر الميلادي .
5- حمام الجورة : ويطلق عليه الآن حمام الشيخ أرسلان نسبة إلى مقام الشيخ أرسلان الدمشقي في المنطقة وهو يقع في جادة الجورة في منطقة باب توما .
6- حمام القرماني : يقع في سوق العتيق أسفل سوق ساروجة وكان في أواخر العقد الخامس من القرن الماضي من حمامات دمشق ارتياداً ونشاطاً لموقعه في وسط مدينة دمشق قريباً من فنادق سوق ساروجة العديدة حيث يكثر الغرباء عن دمشق .
7- حمام الملك الظاهر : من الحمامات الدمشقية الشهيرة. يقع في باب البريد شمالي باب البريد شمالي دار الكتب الظاهرية . ويُعتبر في جملة حمامات ما قبل القرن الرابع عشر الميلادي وباسم حمام الملك الظاهر .
8- حمام القيمرية: يقع في حي القيمرية زقاق الحمام ، سُمي نسبة إلى المدرسة القيمرية القريب منها.ويعد من جملة حمامات القرن الرابع عشر الميلادي.
9- حمام البكري : يقع في جادة النحوي منطقة باب توما ويعد من جلة حمامات القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي وهو لصيق مسجد الخير الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1096 هـ .ومدخل الحمام تحت مأذنة المسجد المذكور.
10- حمام النوفرة : يقع عند أسفل درج باب جيرون ( النوفرة ) للمسجد الأموي عند بحرة كانت قائمة حتى الستينات من القرن الماضي. ويُعرف قديما باسم حمام درب العجم الكبير.
11- حمام السلسلة : يقع في منطقة الكلاسة ، قرب الباب الشمالي للجامع الأموي المسمى بباب الناطفيين ، إلى جهة الشمال ويعرف بالمؤيد ويعد في جملة حمامات ما قبل القرن الرابع عشر الميلادي ولعل تسميته (السلسلة) يعود إلى مكان يتناقله الدماشقة من أنه كان بباب الحمام قنطرة تتدلى منها سلسلة يقسم عليها القوم إذا اختلفوا في أمر ، فإن كان القسم صدقاً بقيت السلسلة على حالها وإن كان كذباً ارتفعت .
12- حمام نور الدين : يقع في سوق البزورية بجوار خان أسعد باشا ينسب إلى السلطان نور الدين وهو من أقدم الحمامات الدمشقية القائمة في أيامنا ويعد في جملة حمامات ماقبل القرن الرابع عشر الميلادي وقد اعتبرته المديرية العامة للآثار والمتاحف في جملة الآثار الهامة في مدينة دمشق ونسبته إلى السلطان نور الدين محمود الشهيد .
13- حمام الحدادين : ويعرف اليوم بحمام الدرويشية لوقوعه في منطقة الدرويشية قريباً من مسجد درويش باشا وهو حمام بسيط ليس فيه مايلفت النظر .
14- حمام الجديد ( قماحين ) : يقع في مدخل باب السريجة من جهة السنانية جنوب الزاوية الشاذلية .
15- حمام عز الدين : يقع في جادة باب السريجة
16- حمام السروجي : يقع في حي الشاغور في الطريق الواصلة بين مصلبة الحي والمزاز ، جادة تحت الحمام وهو من الحمامات الأثرية المسجلة لدى المديرية العامة للآثار والمتاحف
17- حمام التوريزي :ورد أنه في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في شهر ربيع الأول فتح حمام الأمير غرز الدين خليل التوريزي شرقي مدرسته وهو حمام كبير حسن وأجر كل يوم بأكثر من أربعين درهماً ويعرف باسم حمام الغرز ويعد في جملة حمامات القرن الخامس عشر الميلادي (1444) ميلادي واعتبرت المديرية العامة للآثار والمتاحف هذا الحمام من الحمامات الدمشقية ذات الصفة الأثرية المسجلة ووضعت على بابه لافتة كتب عليها حمام التيروزي 848هـ بناه الأمير خليل التيروزي صاحب الحجاب .
18- حمام الزين : يقع في السويقة – قصر الحجاج جانب دار القضماني وهو من حمامات القرن الثامن الهجري وتعتبره المديرية العامة للآثار والمتاحف من الأبنية الأثرية وصنف في زمرة حمامات القرن الرابع عشر الميلادي
19- حمام الشيخ حسن : يقع في حي السويقة خان المغاربة وقد جدد عام 1293 للهجرة من قبل آل عمرباشا .
20- حمام الدرب : يقع في حي الميدان- سلطاني ضرب وخرب بقنابل سلطات الاحتلال أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925 .
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
» مبارزة شعرية .......
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
» أتثائب... عبلة درويش
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918