الانترنت يحل مكان العلاقات الاجتماعية

'أصبحت معظم علاقاتنا الاجتماعية تتجه نحو ما يُسمى بالعلاقات الافتراضية التي اقتحمت حياتنا اثر التعاطي المغلوط مع الانترنت، فلم تعد تختصر مهامه كونه أداة عمل أو معرفة، بل بات يقرر طبيعة ونوعية علاقاتنا الاجتماعية من صداقات وغيرها بما في ذلك تحديد شريك الحياة، وبذلك احتل موقعا شبه دائم حتى في مجالس الحديث المتبقية العامة منها والخاصة'، هذا رأيٌ أجمع عليه عدد من المواطنين في الشارع النابلسي.

ويعقب الباحث الاجتماعي عنان الأشقر لـ'وفا'، إن 'العالم أصبح بمثابة قرية كونية صغيرة، لأن تكنولوجيا المعلومات والوسائل التقنية اختصرت المسافات ولاحقت الزمن، الأمر الذي جعل إقبال فئة الشباب عليه بصفة خاصة كبير جدا، فتراهم يقضون معظم أوقات فراغهم في التعاطي مع هذه الوسيلة، ليبتعدوا بذلك شيئا فشيئا عن القراءة والعلاقات الاجتماعية في المجتمع المحيط، حتى أن العلاقات الزوجية تأثرت سلبا لسوء استخدام الانترنت'.

وأشار الأشقر إلى أن الانترنت 'سلاح ذو حدين، ذو فائدة كبيرة إذا أحسن استخدامه وله آثار سلبية على الشباب العربي، خاصة وأن التربية في الأسرة العربية لا تقوم على المصالحة والمكاشفة، سواء كان في كيفية تعاطي أولياء الأمور مع أبنائهم أو لغياب عدة جوانب تربوية ذات أهمية في توجيه السلوكيات في مناهج التربية والتعليم.

وأضاف: كثير من الشباب يجد ضالته في الانترنت لما له من مزايا ومحفزات كثيرة تساهم بشكل غير محدود بإشباع نزعة الفضول الفطرية الموجودة عندهم، إضافة إلى قدرة هذه الوسيلة على تغذية خيال كل من يتعاطى معه فتجعله في معظم الأحيان يتعلق بعالم الافتراض وينفصل عن بيئته الحقيقية فساهم هذا في إفراز عدة مشاكل اجتماعية هي وليدة هذا الواقع الجديد بين الأزواج وبين أولياء الأمور والأبناء.

وركز الأشقر بهذا الخصوص في حديثه عن ميول الكثير من مستخدمي الانترنت إلى الانطواء والعزلة لانغماسهم في عالم افتراضي محبب لهم وفي نفس الوقت غير ملزم، محددين بذلك معالمه حسب ما تمليه عليهم ميولهم ورغباتهم وخاصة مزاجهم الأمر الذي يمكنهم من تعديله متى شاءوا ذلك، الأمر الذي يفسر ميلهم لخسارة العلاقات الاجتماعية المباشرة لصالح العلاقات الجديدة من خلال الانترنت، وهذا له بعد سلبي، لأنه يحد من التفاعل البشري.

كما أشار إلى أن في فلسطين نمو سريع في استخدام الانترنت، يفوق بعض البلدان العربية، حيث أنه إذا لم يتوفر في المنزل، فإنه متوفر في الجامعات، وأماكن العمل، ومقاهي الانترنت.

ووصف علاقة المستخدم الفلسطيني مع الانترنت بالسطحية متجاهلا بذلك ما يمكن أن توفره هذه الوسيلة من معطيات علمية وثقافية تضيف له ما يصقل شخصيته إيجابا لا سلبا.

وأضاف أنه بحكم التطور التكنولوجي في الانترنت أصبحت هناك علاقات الصداقة والجماعات النقابية وحتى السياسية تشكل عن طريق الانترنت، حيث أصبح هناك لمواقع التعارف المتعددة إقبال منقطع النظير ليس فقط لفئة الشباب، بل للأطفال وكبار السن أيضاً، في نابلس.

تقول أحدى الفتيات (ريم) 'بحكم عملي وانشغالي لا أستطيع رؤية صديقاتي إلا مرتين أو ثلاث مرات كل عام، لكننا وعبر مواقع الانترنت، على اتصال دائم وهذا يساعدنا على معرفة الأخبار اليومية عن بعضنا البعض عن طريقه'.

وعزا أستاذ علم اجتماع في جامعة النجاح الوطنية د. فيصل الزعنون الاستخدام السلبي للانترنت إلى الكبت الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، حيث أن أسلوب التربية البعيد عن الصراحة يلعب السبب المباشر في استخدام الانترنت بصورة سلبية.

وأشار إلى أن أي تطور يضعف العلاقات الاجتماعية، مؤكدا أن الانترنت ينقل الشخص من العلاقات المفروضة عليه، إلى علاقات يصنعها، ويختارها بنفسه، بغض النظر عن صدقها.

وحسب شركة الاتصالات الفلسطينية، فإن هناك 86.935 مشتركا في خدمة ADSL عن طريق هواتفهم التابعة لشركة الاتصالات الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقالت مدرسة اللغة العربية في مدرسة سمير عبد الهادي الأساسية للبنات سوزان الشامي إن النواحي الايجابية لاستخدام الانترنت عديدة، لكن على أن تكون عليها رقابة من قبل الأهالي.

وذكرت أن هناك طالبة تراجع مستواها الدراسي، بسبب جلوسها فترات طويلة أمام الانترنت، مما أدى إلى ضعف في تحصيلها العلمي.

وأشار المرشد التربوي إبراهيم النوري في مدرسة صارم النجمي الثانوية إلى أن هناك العديد من الطلبة يتأخرون عن الدوام صباحاً، بسبب استخدامهم الانترنت لساعات طويلة في ساعات المساء.

وقال إن هناك العديد من الأهالي يشتكون من سلوك أبنائهم، ويطلبون الارشاد من المدرسة في طريقة استخدام الانترنت، فإما يؤثر على تحصيلهم العلمي، أو لا يجدون الوقت للجلوس مع أبنائهم، والسبب هو الانترنت، كما يقولون.

ونوه إلى أن الاستخدام الخاطئ للانترنت يؤدي إلى سلوكيات سلبية إذا لم تتم التوعية حولها، ومراقبتها داخل البيت. وقال النجمي 'نحاول توفيرها من خلال جلسات التوجيه الجماعي'.

وطالب بتنظيم ورشات عمل يتم فيها إشراك أولياء الأمور حول ضوابط استخدام الانترنت، وتعزيز الاستخدام الايجابي عن طريق المناهج والخطط التربوية، وتنظيم الندوات وورش العمل الخاصة بذلك.

مع التقدم التكنلوجي اتجهت العلاقات الاجتماعية القديمة الى الزوال فيكفي رسالة قصيرة او ايميل للمعايدة مثلا .