د . لطفي زغلول - نابلس
احتفل العالم في اليوم العاشر من شهر كانون الأول من العام 2009 بما يسمى اليوم العالمي لحقوق الإنسان . إلى هنا ينتهي الخبر . وقد يكون لهذا الاحتفال معنى ، لولا أنه كان ناقصا نقصا شديدا تمثل بغياب حقوق الإنسان الفلسطيني عن أجندته وساحات احتفاله .
إن قضية حقوق الإنسان الفلسطيني ليست بالجديدة ، ذلك أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا لا انفصام له بتبعات النكبة الفلسطينية وكافة المسارات التي تفرعت عنها وأفرزتها . وبمعنى آخر اقرب إلى البساطة ـ لقد فقد الإنسان الفلسطيني كافة أشكال حقوقه الإنسانية جراء هذه النكبة التي ما فتئ المخططون المنفذون لها المعنيون بتكريسها على مدار ما يقارب العقود السبعة ، يجردون هذا الإنسان منها .
فهم في حالات ينتهكونها ، وفي أخرى يشوهونها وثالثة يتجاهلونها ورابعة ينكرونها عليه ولا يعترفون بها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من بؤس وحال مزرية . وكان الهدف ولا يزال من وراء ذلك كله يكمن في إجبار الفلسطينيين وإكراههم على نسيانها والتعايش مع الظروف اللاإنسانية التي فرضت عليهم بهدف إطفاء صورة الوطن في ذاكرتهم الوطنية .
وكثيرة هي المرات التي طرحت فيها هذه الحقوق على المحافل الدولية ، للنظر فيها وتصحيح اعوجاج المسار الذي فرض عليها ، كما أنها ليست المرة الأولى ، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة التي تعترض إسرائيل من خلالها على مجرد بحثها أو معرفة حقائق وضعها ، تؤيدها في ذلك حليفتها الولايات المتحدة الأميركية .
أو أنهما معا تعارضان أية قرارات هدفها استرداد الفلسطينيين لبعض هذه الحقوق الإنسانية ، وذلك بحجة الحفاظ على التوازن في السياسة الأميركية وعدم الإضرار بهذا التوازن ، وأخرى لعدم شرعية المطالبة ، وثالثة وهي الأخيرة في هذا المسلسل بحجة عدم تعكير أجواء التحرك نحو السلام الذي ما زالوا يتحدثون عنه تقبل .
وفي حقيقة الأمر فان إثارة موضوع حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت ولا تزال تشكل إرباكاً وشعورا بعدم الراحة للسياسة الإسرائيلية الأمر الذي دفع بساستها إلى الضغط في كافة الاتجاهات والمحاور للالتفاف عليها ، وجعلها خارج إطار اهتمامات السياسة الدولية ، ذلك أنها تفتح صفحات سوداء تكشف عن ممارسات غير إنسانية في حق هذا الإنسان .
ومع ذلك فان الكثيرين في العالم يتخيلون هذه الصورة القاتمة التي باتت جلية يدركها القاصي والداني بفعل عوامل شتى ولم يعد هناك من سبب وراء تكرار محاولات معارضة مناقشتها دوليا إلا الإصرار والعناد على النهج المتبع الذي درجت عليه إسرائيل .
في ما يخص هذه الحقوق فان الفلسطينيين يعرفون ما يريدون ، وهم يناضلون بغية الوصول إليه ، فخارطة حقوقهم الإنسانية مرسومة بدقة وعناية ، وهي لا تقل بأي شكل من الأشكال عن حقوق أية جماعة إنسانية أخرى في التحرر والحرية والمساواة وحق تقرير المصير على أرضهم التاريخية .
وهم يدركون أيضا أن تحقيق الذات وهو حق شرعي لا يمكن أن يتم إلا عبر منظومة حريات التعبير ، والتملك والإرث والتوريث والبناء والإعمار والتنقل والحفاظ على المفاهيم والقيم والمثل الخاصة والتعامل مع الآخرين في إطار الاحترام المتبادل . وأخيرا لا آخرا حق الدفاع عن كل هذه الحقوق بشتى الوسائل المشروعة المتاحة .
إلا أن المشكلة كانت ولا تزال تكمن في سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يسارية كانت أو يمينية أو مختلطة ، وهي التي ما زالت تصر على تطبيق ممارسات تتنافى وابسط حقوق الإنسان المتعارف عليها . ويبدو أن هذا النهج ثابت وليس آنيا طارئا ، وإنما سياسة بدء بتفعيلها منذ أن اقتلع الفلسطينيون من أراضيهم وديارهم وأوطانهم بدءا بإلغاء الصفة الوطنية عنهم كونها مرتبطة بوطن صودر منهم .
لقد اجتهدت هذه السياسات في تغيير اسمهم الانتمائي والسياسي والجغرافي والديموغرافي ، والفلسطينيون وليس لهم إلا هذا المسمى ، قد أطلق عليهم دون مسوغ شرعي أو قانوني مسميات عدة لم يأبهوا بها ولا هم كرسوها .
فتارة هم عرب ارض إسرائيل وثانية سكان المناطق المدارة وثالثة سكان يهودا والسامرة ، وألصقت بهم صفة الساكن المقيم المستأجر ، ونفيت عنهم صفة المواطنين ، وهم أحق من غيرهم بها وأولى ، كونهم كانوا وما زالوا متمسكين بتراب أجدادهم وآبائهم . رغم أن هذه السياسات لم تنظر إليهم على أنهم شعب له كامل الحق في وطن حر ذي سيادة .
وما دام الحديث دائرا عن منظومة الحقوق الفلسطينية المصادرة ، فنحن هنا لا نجد ضيرا باستعراض بعض صور الأوضاع المأساوية الخاصة بحقوق الإنسان التي يعيشها الإنسان الفلسطيني فردا فردا لا فرق في ذلك بين شاب وكهل وامرأة وطفل . ونضرب هنا مثالا على ما يرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 ، من انتهاكات .
إن الفلسطينيين لا ينسون مسلسل مصادرة حقوقهم وانتهاكها ، ولا ما تعرضوا له على الدوام وأولاها استكمال احتلال بلادهم ووصف نضالاتهم المشروعة بأنها عمل من أعمال التخريب والإرهاب ، وأن أيدي مناضليهم ملطخة بالدماء.
وجراء ذلك تعرض الشعب الفلسطيني إلى سلسلة من العقوبات الجماعية قل إن تعرض شعب آخر لمثيلها في التاريخ ، وسوف تظل الذاكرة الفلسطينية تختزن الكثير الكثير من صور هذه العقوبات .
وكيف يمكن لها أن تنسى أيام منع التجول المتوالية وما كان يحدث خلالها ، أو أنها تنسى الإغلاقات والحصارات والأطواق الداخلية والخارجية وطوابير الإذلال عند الحواجز بكافة أشكالها ، - والتي تجاوز عديدها الستمائة حاجز - أو في المعابر والجسور ، والاعتقالات الأمنية والإدارية ، واقتحام المدارس والجامعات والكليات ومصاردة الأراضي والتلال وإقامة المستوطنات عليها وشق الطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنات ، وقطع الأشجار وإتلاف المزروعات ، وحرق المساجد .
وإذا كانت هذه الانتهاكات تتخذ لها مسارين هما إنسانية الإنسان من جهة والماديات من جهة أخرى ، فان حوادث إطلاق النار وسقوط آلاف الشهداء والجرحى كانت تشكل مسارا ثالثا هو الأخطر كونها انتهاكا صارخا وحرمانا غير مبرر على الإطلاق لحق الإنسان الفلسطيني في الحياة . إن كل هذا وغيره الكثير يرسم في مجموعه صورة مزرية متردية لحقوق الإنسان الفلسطيني أيا كانت ولا ينطبق عليها إلا وصف واحد أنها تحت الصفر .
ثمة حقائق في هذا الصدد لا ينبغي إغفالها ، أو التغاضي عنها ، أو الالتفاف عليها . الحقيقة الأولى مفادها أن الشعب الفلسطيني قد تصدى ، وما زال يتصدى بأقصى ما أوتي من طاقة ومقدرة لمخططات استهداف حقوقه الإنسانية المشروعة التي كفلتها له الشرائع السماوية والأرضية . وهو على شرف هذه المدينة قدم مئات الآلاف والآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى ، وما زال يقدمهم غير شاك ولا متذمر .
الحقيقة الثانية حالة الصمت التي أصابت الأنظمة العربية والإسلامية ، وهي بصحيح العبارة حالة من التعاجز وعدم المبالاة إزاء كل ما يدور على الساحة الفلسطينية ، وبخاصة تلك التي تتعلق بانتهاكات حقوقه ، ولا قضيته التي ما عادت لها تلك الأولوية على الأجندات السياسية العربية والإسلامية .
إن الحقوق الفلسطينية ليست محلا للمزايدة والمساومة عليها . وأن الإقرار الدولي بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة يحمل أكثر من معنى ومغزى ، وهو حق جديد مكتسب في إطار الشرعية الدولية . ويظل الإنسان الفلسطيني هو الحصن الحصين والمدافع عن حقوقه الإنسانية التي لم يفرط بذرة واحدة منها برغم كل عهود القهر والقمع في الوطن وجغرافيا شتات المنافي .
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر