خيري حمدان
-1-
تستمر الرحلة، عبثًا نحاول أن نضع العصي بين العجلات المتسارعة. نحن حاولنا رسم الطريق نحو المستقبل بملل، ولم تكن لدينا رغبة في وضع العلامات الفارقة عند المنعطفات. نسينا بأنّ الفاصلة تتيح لنا الفرصة والمجال لنتنفّس قليلاً قبل أن نحرق الشتاء الطويل بألسنة النار واللهب الصاعد من صدورنا!
توقفت الحافلة ولم ندرك الأسباب التي أدت إلى موت المحرّك، هل فقدنا مصادر الوقود وبحاره تتدفق تحت أقدامنا؟ أم بتنَ نخشى رؤية الغد لأنه سيحرمنا لا محالة من غوغائيتنا وسلطتنا وذكورتنا!
-2-
فاجأنا التاريخ ونحن نسرق بقايا الحضارة، فسارع في طيّ الصفحة ورفع في وجهنا إنذارًا، لكنّا بقينا نضحك من التاريخ وضعفه. أدركنا بعد فوات الأوان بأنّ التاريخ يحسن دائمًا الضحك عند النهاية!
الأرقام أعلاه عربية، ونحن نكتب بالأرقام الهندية. لهذا نشهق ونموت حسرة حين نكتشف بأنّ بطلي الفيلم اللذان كادا أن يقتل أحدهما الآخر توأمين! فهم الأتراك نقاط ضعفنا، فانهمرت الدراما التركية لتسرقنا من واقعنا، وتجعل نساءنا يرفعن قصورًٍا من الأوهام، عندها أدرك الرجل الشرقيّ بأنّ الزنابق تحاول أن تتمرّد في حظيرة المنزل وغرف النوم فقصف أعناقها!
-3-
ليلى مضت نحو المطبخ وحضّرت أشهى أنواع الطعام. كانت تعرف بأنّه يعلم! وكانت تتوقع باقة من الورد وعناقًٍا وقبلة. كانت تظنّ بأنّها أنثى كاملة وجميلة بالرغم من الأطفال الخمسة الذين أنجبتهن خلال فترة زمنية قصيرة. كانت ترتاح لبضعة أشهر فقط ما بين الحمل والآخر. حين عاد واضطجع مطالبًا بالنرجيلة، أدركت بأن مرور بضعة سنوات على زواجهما لم تكن تعني له شيئًا. أدركت عندها بأنّها بقرة.
نظرت ليلى إليه طويلاً، كان قد مضى على عشرتهما عقودٌ طويلة. وها هو الآن يقبع بين يديها مكبّلا وقد أخذ الشلل النصفي ابتسامته وحبوره ومرحه وعنفوانه. كان على وشك أن يبلّل سرواله لولا حضورها وجهودها وقدرتها على تضميد جراح روحه الغائرة. يومًا ما كان يشعر بأنّ هناك بقرة مطيعة تعيش في بيته. تطبخ تغسل تنجب ونادرًا ما تشتكي. طلب منها أن تقترب إليه كثيرًا وبالكاد همس في أذنها "سامحيني أو اقتليني!" عندها أدركت بأنّها امرأة، بالرغم من أنّها فقدت رونقها وتهدّل جسدها. عندها أدركت بأنّها إنسان.
-4-
حين أخبرت زميلة أوروبية بأن الكلمات المرادفة للأسد تفوق الثلاثين. قالت لي "أنتم شعوبٌ ثرثارة!" لم تكن تقصد الإهانة واعتذرت، لكنّي أدركت بأنّ منطقها سليم. من يهتمّ الآن بعلم الكلام واللسانيات؟ ومن يحتاج لجميع هذه المترادفات لحيوانٍ وضع في أقفاص حديقة الحيوانات وفقد هيبته وحضوره وبات يتملّق حرّاسه من أجل قطعة كبيرة من اللحم؟
قالت لي اهتموا مجدّدًا بالعلوم، هناك ما يمكن أن يغيّر مستويات حيوات شعوب بأكملها ألا وهو التقدّم والعلم والحضارة. صمتّ عندها ولم أخبرها بأن معدّلات الأميّة في العالم العربي بلغت سبعون مليونًا ويزيد! إذا افترضنا بأن مجموع المتحدّثين بالعربية 350 مليون مواطنًا، فهذا يعني بأنّ معدّل الأمّيّة 20%. يا إلهي! هل هذا ممكن وقد تخطّينا عتبات الألفية الثالثة؟ نعم .. هذا ممكن. نحن شعوبٌ لا تحسن القراءة. ثمانون عربيًا يقرأون كتابًا واحدًا، وأوروبيًا واحدًا يقرأ ثمانين كتابًا. وأتساءل بصوت مرتفع "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!
-5-
تحامل على نفسه وذهب إلى محل للزهور. قال للبائعة بأنّه يريد ثلاث زنابق حيّة. ثلاث حيوات بتربتها وبهائها. ثلاث زنابق تعيد الضحكة المجلجلة إلى تقاطيع وجهها. قال للبائعة وقد شعر بأنّها قريبة إلى قلبه فهي في عمر بناته والورود التي تبيعها تشفع اندفاع القلب وبوحه وجرأته. قال لها بأنّ زنبقة روحه ورفيقة الصبا قد ذبلت! قال لها بأنّه لم يحسن سقايتها والاعتناء بها، وإذا رحلت على حين غفلة سينكسر القلب ويبلى الضمير. قدّمت له أجمل الزنابق في محلها وقالت هامسة "حاول ألا تكسر أعناقها!"
-1-
تستمر الرحلة، عبثًا نحاول أن نضع العصي بين العجلات المتسارعة. نحن حاولنا رسم الطريق نحو المستقبل بملل، ولم تكن لدينا رغبة في وضع العلامات الفارقة عند المنعطفات. نسينا بأنّ الفاصلة تتيح لنا الفرصة والمجال لنتنفّس قليلاً قبل أن نحرق الشتاء الطويل بألسنة النار واللهب الصاعد من صدورنا!
توقفت الحافلة ولم ندرك الأسباب التي أدت إلى موت المحرّك، هل فقدنا مصادر الوقود وبحاره تتدفق تحت أقدامنا؟ أم بتنَ نخشى رؤية الغد لأنه سيحرمنا لا محالة من غوغائيتنا وسلطتنا وذكورتنا!
-2-
فاجأنا التاريخ ونحن نسرق بقايا الحضارة، فسارع في طيّ الصفحة ورفع في وجهنا إنذارًا، لكنّا بقينا نضحك من التاريخ وضعفه. أدركنا بعد فوات الأوان بأنّ التاريخ يحسن دائمًا الضحك عند النهاية!
الأرقام أعلاه عربية، ونحن نكتب بالأرقام الهندية. لهذا نشهق ونموت حسرة حين نكتشف بأنّ بطلي الفيلم اللذان كادا أن يقتل أحدهما الآخر توأمين! فهم الأتراك نقاط ضعفنا، فانهمرت الدراما التركية لتسرقنا من واقعنا، وتجعل نساءنا يرفعن قصورًٍا من الأوهام، عندها أدرك الرجل الشرقيّ بأنّ الزنابق تحاول أن تتمرّد في حظيرة المنزل وغرف النوم فقصف أعناقها!
-3-
ليلى مضت نحو المطبخ وحضّرت أشهى أنواع الطعام. كانت تعرف بأنّه يعلم! وكانت تتوقع باقة من الورد وعناقًٍا وقبلة. كانت تظنّ بأنّها أنثى كاملة وجميلة بالرغم من الأطفال الخمسة الذين أنجبتهن خلال فترة زمنية قصيرة. كانت ترتاح لبضعة أشهر فقط ما بين الحمل والآخر. حين عاد واضطجع مطالبًا بالنرجيلة، أدركت بأن مرور بضعة سنوات على زواجهما لم تكن تعني له شيئًا. أدركت عندها بأنّها بقرة.
نظرت ليلى إليه طويلاً، كان قد مضى على عشرتهما عقودٌ طويلة. وها هو الآن يقبع بين يديها مكبّلا وقد أخذ الشلل النصفي ابتسامته وحبوره ومرحه وعنفوانه. كان على وشك أن يبلّل سرواله لولا حضورها وجهودها وقدرتها على تضميد جراح روحه الغائرة. يومًا ما كان يشعر بأنّ هناك بقرة مطيعة تعيش في بيته. تطبخ تغسل تنجب ونادرًا ما تشتكي. طلب منها أن تقترب إليه كثيرًا وبالكاد همس في أذنها "سامحيني أو اقتليني!" عندها أدركت بأنّها امرأة، بالرغم من أنّها فقدت رونقها وتهدّل جسدها. عندها أدركت بأنّها إنسان.
-4-
حين أخبرت زميلة أوروبية بأن الكلمات المرادفة للأسد تفوق الثلاثين. قالت لي "أنتم شعوبٌ ثرثارة!" لم تكن تقصد الإهانة واعتذرت، لكنّي أدركت بأنّ منطقها سليم. من يهتمّ الآن بعلم الكلام واللسانيات؟ ومن يحتاج لجميع هذه المترادفات لحيوانٍ وضع في أقفاص حديقة الحيوانات وفقد هيبته وحضوره وبات يتملّق حرّاسه من أجل قطعة كبيرة من اللحم؟
قالت لي اهتموا مجدّدًا بالعلوم، هناك ما يمكن أن يغيّر مستويات حيوات شعوب بأكملها ألا وهو التقدّم والعلم والحضارة. صمتّ عندها ولم أخبرها بأن معدّلات الأميّة في العالم العربي بلغت سبعون مليونًا ويزيد! إذا افترضنا بأن مجموع المتحدّثين بالعربية 350 مليون مواطنًا، فهذا يعني بأنّ معدّل الأمّيّة 20%. يا إلهي! هل هذا ممكن وقد تخطّينا عتبات الألفية الثالثة؟ نعم .. هذا ممكن. نحن شعوبٌ لا تحسن القراءة. ثمانون عربيًا يقرأون كتابًا واحدًا، وأوروبيًا واحدًا يقرأ ثمانين كتابًا. وأتساءل بصوت مرتفع "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!
-5-
تحامل على نفسه وذهب إلى محل للزهور. قال للبائعة بأنّه يريد ثلاث زنابق حيّة. ثلاث حيوات بتربتها وبهائها. ثلاث زنابق تعيد الضحكة المجلجلة إلى تقاطيع وجهها. قال للبائعة وقد شعر بأنّها قريبة إلى قلبه فهي في عمر بناته والورود التي تبيعها تشفع اندفاع القلب وبوحه وجرأته. قال لها بأنّ زنبقة روحه ورفيقة الصبا قد ذبلت! قال لها بأنّه لم يحسن سقايتها والاعتناء بها، وإذا رحلت على حين غفلة سينكسر القلب ويبلى الضمير. قدّمت له أجمل الزنابق في محلها وقالت هامسة "حاول ألا تكسر أعناقها!"
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر