علي الرشيد
وجهت الرياضة المصرية صفعة جديدة إلى مشاريع التطبيع الإسرائيلية الموجهة للدول العربية منذ أكثر من 30 عاماً، عندما تجاهل الاتحاد المصري لكرة القدم دعوة وجهها إليه للمرة الثانية اتحاد كرة القدم في الكيان الصهيوني لإقامة مباراة ودية بينهما بعد فوز الأول بكأس الأمم الإفريقية، وكان الأمر أشد وضوحاً عندما أعلن المدير الفني للمنتخب حسن شحاتة أن فكرة اللعب مع "إسرائيل" "مستحيلة" لأن حق الشعب الفلسطيني مهضوم، مستنكراً أن يفكر الإسرائيليون دعوة مصر للعب معهم "أو حتى مجرد عرض الأمر" عليها.
التطبيع في الدول العربية التي عقدت اتفاقيات تسوية أو ما يسمى بمعاهدات سلام مازال منحصراً بالمستوى الرسمي فيما فشل على المستوى الشعبي تماماً، ففي مصر الموقعة على "كامب ديفيد" وما تبعها من اتفاقيات اقتصادية مثل: الكويز وتصدير الغاز لـ"إسرائيل" ترفض كافة النقابات المهنية فيها مثل نقابات الأطباء والصحفيين والمحامين والمهن التمثيلية ذلك، بل وتناهض كل أشكاله، وتحذر من مغبة السير في ركابه، وتنزل عقوبات تأديبية بالمخالفين له، وإن كانوا ندرة، وينظر إليهم كحالات شاذة عن الأصل، كما حصل مع الكاتب المسرحي علي سالم الذي زار "إسرائيل" وفصل من اتحاد الكتاب بسبب ذلك، أو مع رئيسة تحرير مجلة "الديمقراطية" هالة مصطفى، حينما وجهت نقابة الصحفيين إنذاراً لها لاستقبالها السفير الإسرائيلي في مكتبها.
ويمكن القول إن النقابات نجحت فيما هو أكبر من ذلك حينما جعلت التطلع إلى التطبيع كالنظر إلى الحرام، ومباشرته كممارسة العمل الشائن الذي يلزم من يقوم به بالتستر، وعدم المجاهرة بفعله، أو يضعه في خانة الدفاع وربما تبرير ما قام به.
ما أعلنه المدرب الفني شحاتة يبدو أنه يعبر وجدان كل اللاعبين في فريقه ويعكس نبل الشعب المصري الذي لم يكتف بمناهضة العروض التطبيعية الصهيونية، بل تجاوز ذلك إلى نصرة الشعب الفلسطيني، كلٌ على طريقته، وبقدر ما يستطيع، خصوصاً أهل غزة المحاصرين - بخلاف المواقف المعاكسة للنظام الحاكم.
وإذا كانت تعتري ذاكرة المواطن العربي النسيان كحال بقية البشر، فإنه لا يمكن أن ينسى اللقطة المؤثرة واللافتة التي نقلتها كاميرات القنوات الفضائية إلى جميع أنحاء العالم للاعب المنتخب المشهور محمد أبو تريكة حينما رفع "الفانلة" على رأسه تعبيراً عن إحرازه هدفاً في كأس الأمم الإفريقية عام 2008 محترمنا ليتفاجأ الجميع بارتدائه "تي شيرت" تحته مكتوب عليه بالإنجليزية والعربية "تعاطفاً مع غزة"، دون أن يأبه للإنذار الذي وجه له بسبب ذلك من اللجنة المنظمة للبطولة، أو لحملة الصحف الإسرائيلية التي طالبت آنذاك بمحاكمته لأنه يشكل خطراً على دولتها.
وفيما تبدو أنه استجابة للمطالب الصهيونية التي استشاطت غيظاً من هذه الصورة الفريدة حذف محرك البحث الشهير "جوجل" هذه الصورة لـ "أبو تريكة".
اللافت للانتباه أن الكيان الصهيوني رغم كل الرفض الشعبي العربي لمشاريعه التطبيعية فإنه لا يبدو يائساً من تكرار مثل هذه المحاولات من حين لآخر في مسعى منه لإحداث اختراقات ما، ولا يوفر مدخلاً يمكن أن ينفذ منه لهذه الغايات، حتى لو من بوابات الرياضة. ومن المفيد أن نشير هنا إلى ما يقوم به "مركز بيريس للسلام" الذي أسسه الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريس عام 1996 والذي صمم عدداً من المشاريع الرياضية على المستوى الداخلي التي "تشجع المصالحة بين الشباب (ذكور وإناث) الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يعيشون على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تقديم برامج فوق منهجية لهم تتضمن هذه البرامج تدريبات رياضية، تعليم حول السلام، وأنشطة تعليمية مساعدة، وأنشطة رياضية واجتماعية فلسطينية إسرائيلية مشتركة"، ومن هذه المشاريع " المدارس الرياضية التوائم من أجل السلام"، و"الوفود والبعثات الشابة" بهدف "تشجيع التعاون الفلسطيني والإسرائيلي وروح عمل الفريق الواحد بمنح المشاركين في برنامج المدارس الرياضية التوائم من أجل السلام فرصة المشاركة ضمن فرق فلسطينية إسرائيلية مشتركة في مباريات دولية"ـ وفقا لما ورد في أدبيات المركزـ.
إن ما سبق يدعو الأمة أن تكون متيقظة إلى جملة أمور أهمها:
* إبقاء العيون منتبهة إلى مخططات التطبيع الصهيونية التي لن تكلّ ولن تملّ، سواء الواضحة منها أو المستترة والكشف عن أقنعة الأخيرة، لأنها الأخبث والأخطر، وعدم التنازل عن هذا الأمر أو التراخي بشأنه، وامتلاك روح قوية وفاعلة ومتواصلة ومنظمة لمناهضتها، بعيداً عن الأنشطة المؤقتة أو الدورية أو الفوضوية أو الانفعالية العابرة.
* الانتقال إلى أخذ زمام المبادرة على محاور العمل الشعبي والنقابي والحزبي في عوالمنا العربية والإسلامية، والانتقال من مربعات الدفاع والانفعال إلى مربعات الفعل والتأثير وإشغال "إسرائيل" ببرامج عملية، بحيث يشعر هذا الجسم الاستعماري الغريب أنه سيبقى محاصراً في محيط عربي وإسلامي ينبذه، ومنع أي محاولات يقوم بها لتجاوز هذا الحصار كالتطبيع العلمي أو الرياضي أو الثقافي وأية أشكال أخرى يريد منها كسر الحاجز النفسي للوصول إلى ما يريد، وإبقاء السفراء والدبلوماسيين الإسرائيليين رهن "الإقامة الجبرية" في عزلة تامة عن المجتمعات العربية التي يقيمون فيها.
* دعم مواقف الحالات المتقدمة التي لها حضوراً جماهيرياً أو تأثيراً فكرياً سواء التي تبدي كرها واضحاً للتطبيع، وترفض فك طوق الحصار على عزلة "إسرائيل"، أو التي تقوم بمبادرات عملية لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني المحاصر سواء كانوا في الداخل الصهيوني (فلسطينيو عام 1948) أو في الضفة الغربية أو قطاع غزة، كما ظهر جلياً في مواقف الكابتن حسن شحاتة أو اللاعب محمد أبو تريكة.
* التشديد على عدم ربط فكّ التطبيع عن الكيان الصهيوني بإقامة الدولة الفلسطينية المفترضة - التي لن تكون أكثر من كيان مسخ هزيل بحسب ما أثبته التاريخ الطويل للتسوية مع الصهاينة وحقائق الواقع الراهن - لأن الصهاينة يحملون عداء متأصلاً للمسلمين والعرب على حد تعبير الكاتب المصري الدكتور وحيد عبد المجيد، ولأن فكّه - لاسيما في المجال الثقافي والشعبي - يؤثر على استمرار اتقاد جذوة مقاومة هذا الكيان البغيض في النفوس، حتى لو كان ذلك شعبياً في أدنى درجاته، مكتف بإظهار الكراهية له باللسان أو القلب، أو عدم الرغبة في كسر الحاجز النفسي معه تحت أي اعتبار.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر