بقلم: سمير عبيد *
( لقد أرتكب الشعب العراقي خطأ إستراتيجي بحق نفسه وبلده ومستقبل أجياله يوم صمت وتقاعس عندما حُلّ الجيش العراقي بأمر من المحتل... أما الساسة الجدد فلقد ارتكبوا جريمة لا تغتفر ـ جريمة العصر ـ يوم رقصوا وطبّلوا لحل الجيش العراقي، فنقلوا بلدهم من القلعة الحصينة بقوتها وتنظيم جيشها وحصانة حدودها إلى موقع البنك الذي هُدمت جدرانه، فهب نحوه اللصوص وقطاع الطرق ورجال المافيا، ومن كل صوب وحدب!)
الطموحات الطائفية والقومية هي التي أضعفت العراق!!.
ان أول خطوة من شأنها تقسيم العراق إلى دويلات تكمن في أن العراقيين لا يتفقون على تاريخ وطني مشترك ، فالشيعة العروبيون تعرضوا للحصار، و حوصرت مرجعياتهم ومدارسهم المحلية، و تجففت مصادر قوتهم ووحدتهم ، وتآمرت عليهم المدارس الإقليمية والدولية ، وتقاعست عنهم المرجعيات العربية والقومية ، لا بل ساهمت في تشتيت جمعهم لحسابات أنانية!.
أما الشيعة العرب، والذين هم على ـ التشيّع العلوي ـ الذي لا يؤمن بالتدخل والتبشير والصراع والتمذهب وجدوا أنفسهم أسرى من قبل شيعة أميركا الذين فتنوا بالإسلام الأميركي، وشيعة إيران والذين يستخفون بكل إبداع حضاري عراقي ولا يرون من التاريخ إلا نكبات ألائمة ومظالم آل البيت ، وليس من خلال الإحياء والتدريب والتأكيد على السمو والبطولة والثبات والدفاع المقدس، بل من خلال التخدير وتشتيت القوى في غير محلها ،وبدلا من البناء والإبداع والبحث والسمو الفكري والعلمي والمهني راحوا يجسدون الخرافة والأمية، ونشر التخلف بطرق دخيلة على الإسلام والتشيع العلوي ونهج أهل البيت،.
والسنة في العراق لديهم توجس من الشعوبية والتفريس، ونظرتهم للتاريخ العراقي تشبه إلى حد ما نظرة العروبيين الذين يشعرون بالاعتزاز والاستعلاء الحضاري العربي على باقي الحضارات الأخرى التي سكنت العراق، ناهيك أنهم قد أصيبوا بنفس الداء ـ أي السنة ـ الذي أصاب الشيعة في العراق، أي تولدت بينهم طبقات ربطت مصيرها بالمحتل، وأصبحوا يمثلون ( سنة أميركا) وهناك قسم آخر ربط مصيره بالحركات المتطرفة، والحركات السلفية المتشددة في الخليج والمنطقة،فلجئوا لتأسيس الخلايا المتشددة التي تمول من الخارج، فحوصر الصوت السني العراقي العروبي والقومي الرافض للتقسيم وللاحتلال!!
والأكراد مستمرون في نهج التكريد لشمال العراق، واستنكار التعريب، والتهديد بالانفصال عن حكومة المركز في بغداد، والمطالبة بالحكم الذاتي منذ العام 1970م، والاعتزاز بالقومية الكردية، والشعور بعدم الانتماء للهوية الوطنية العراقية التي هضمت حقوقها التاريخية لصالح طوائف واثنيات أخرى .
إن المشكلة الحقيقة تكمن في أن الأكراد يصرون في المشروع الفيدرالي الذي يختلف عن كل الأنظمة المتحضرة في العالم، أي يصرون على فيدرالية قومية، والشيعة الذين خطفوا القرار الشيعي بدعم إيراني وأميركي يصرون على فيدرالية طائفية تجزأ الشعب العراقي إلى أقاليم كردية أو شيعية أو سنية ستصبح فيما بعد أقاليم تابعة لدول الجوار العراقي، باتفاق الولايات المتحدة والغرب مع هذه الدول بما يضمن مصالح الإدارة الأمريكية وأوروبا في المنطقة، وأن جميع الأحزاب المؤثرة على الساحة اليوم تنفذ مشاريع خارجية ، قومية ، وطائفية ، وأممية ، منافية للوحدة الوطنية والهوية العراقية .
إن أخطر خطوة قامت بها الإدارة الأمريكية لتقسيم العراق إلى فيدرالية قومية طائفية هو قرار الحاكم الأمريكي بول بريمر في 24آيار 2003م بحل الجيش العراقي ، وهو القرار الذي كان مدروسا بعناية من قبل الاحتلال، ومخططا له لشل قدرات الشعب على الحركة، وإغراق البلاد في الفوضى المنظمة لكي يتماشى ذلك مع الشعار الأمريكي (ازرع الفوضى أولا وأترك نتائج ذلك للمستقبل) ! ،
الجيش العراقي مؤسسة وطنية وليست ( صداميّة)..!
فالجيش العراقي لم يكن وحدات قتالية فحسب ، ولكنه كان ثروة وطنية من الكفاءات والمواهب والإبداعات ذات المستوى الرفيع من خيرة رموز الثقافة والمعرفة العسكرية المتطورة في الطيران والفرسان والبحرية والدروع والتصنيع والمدفعية والهندسة والأشغال وغيرها، وكوادره الراقية من الأطباء والفنيين في جميع الاختصاصات العامة و الدقيقة ، والمهندسين المتفوقين كما ونوعا في كافة المجالات المدنية والمعمارية والميكانيكية والتكنولوجية الجوية والبرية والبحرية ، وكان يتضمن زخم هائل وخبرات متطورة في الصيدلة والكيمياء والتكنولوجيا والموسيقى والرياضة والفن والشعر والأدب ، ويضرب به المثل الأعلى بالتنوع المدهش إثناء الاستعراض العسكري، أو في احتفالاته بتخريج شبابه من كليات الأركان و الكليات العسكرية والمختصة . .
واعتبر الجيش العراقي مؤسسة عصرية راقية ذات انضباط عال في الحزم الإداري والفني والمهني، وذات مستوى رفيع في الوعي والثقافة والمعرفة والتعليم ، ومن هنا جاء موقعه الجليل في ضمائر الوطنيين العراقيين والعرب كافة كقوة وطنية لحماية العراق والعرب، وككتيبة أكاديمية في صنوف ومجالات وأنواع العلم و المعرفة ،
ولذلك كان قرار حله في صالح الاحتلال الأمريكي والإيراني والتدخل الإسرائيلي لإخلاء العراق من الكفاءات والعلماء ومطاردة الأفذاذ والمثقفين بتهمة الانتماء لحزب البعث ونزع الألقاب عليهم مثل (الصداميين) ، (التكفيريين) ، (الوهابيين) لتصبح تلك الألقاب مسوغا فيما بعد لقتلهم وتشريدهم والفتك بهم، و هتك أعراضهم، واستباحة حرماتهم والثأر منهم ، أو تهجيرهم وإهمال مستقبلهم تأكلهم الحسرة من جهة والفقر والجوع والبطالة من جهة أخرى، . . . الخ،
ولقد شارك شيوخ القبائل في هذا الخلل بل الجريمة، وعندما صمتوا ولم يقفوا بوجه المحتل وعصابات القتل المحلية والوافدة، لأن من قتل وشُرّد وهُجّر وأنتهك عرضه هو عراقي، وينتمي إلى المجتمع العراقي، والى خارطة قبائله وعائلاته، فكان يفترض بشيوخ القبائل تنظيم أنفسهم لحقن دماء أبنائهم وأبناء العراق من خلال الإصرار على تفعيل القانون وحمايته، والمطالبة بفرز أسماء وعناوين المجرمين السابقين ليتم سوقهم إلى القضاء أو إلى الحد العشائري ـ على أقل تقدير ـ من أجل طي هذه الصفحة التي أصبحت (قميص عثمان) بيد الحاقدين والوافدين والإرهابيين والمجرمين والفاسدين والفاشلين والمرضى!.
والمفارقة أن هذه المؤسسة ـ الجيش العراقي ـ ليس لها علاقة بالصدامية والبعثية، لأنها مؤسسة وطنية أي خدم فيها جميع العراقيين الذين ذهبوا لخدمة العلم، وأن الذي يتكلم عن الصدامية فعليه أن يُحدد بعض الوحدات الخاصة بالحمايات والحراسة على رأس النظام ودوائره الخاصة، والتي هي ليست على ملاك الجيش العراقي الحقيقي بل هي مرتبطة بدائرة النظام الضيقة، ومثلما هو حاصل في الحرس الوطني السعودي، والحرس الثوري في إيران،ـ وقوات الحرس الجمهوري في سوريا، وقوات الردع السريع في مصر، وهكذا في جميع الدول العربية، وأنهم ليسوا من المرتزقة المستوردين بل هم من قبائل وعائلات عراقية معروفة في امتدادها وجغرافيتها!!.
الأهداف الحقيقية من وراء حل الجيش العراقي!!
ـــ ولكن الهدف من ذلك كله واضح لكي يصبح تمرير مشروع التقسيم، وتطبيق المشاريع والأهداف الدنيئة من خلال الرعاع وأنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين سهلا دون عائق أو موانع ، فبحل الجيش العراقي اندلعت الفوضى بكل أبعادها ،وفتحت الحدود على مصراعيها للمرتزقة والمتطرفين والإرهابيين والتابعون للاحتلال، وأصبح المسلحون وتنظيم القاعدة شماعة لكل أعمال إرهابية تستوجب شن حملات عسكرية ماحقة ضد كل المواقع التي يتواجدون فيها وجودا حقيقيا أم وهميا !.
ـــ وقد حل الجيش أيضا لإفشال أي مخطط أو تمرد محتمل ضد قوات القوات الأمريكية وقوات التحالف ، ولمنع احتمال قيام وحدة عسكرية عراقية بتطويق كتبية أمريكية والإجهاز عليها كما حصل في الصومال ، فالموقف الاحترازي المسبق من قبل الادراة الأمريكية اقتضى حل الجيش، لأنه من الصعب جدا فك الالتحام حتى عن طريق التدخل الجوي في هذه الحالة، وحتى تخرج الولايات المتحدة الأمريكية بأقل خسائر ممكنة من هذه الحرب .
ـــ كما أن هذا القرار ترك لقوات الاحتلال الحرية الكاملة في القبض على الآلاف من أبناء الشعب العراقي واعتقالهم وتعذيبهم وهتك أعراضهم في السجون والمعتقلات والقواعد العسكرية الأمريكية ،ولو لم يحل الجيش العراقي فإن جنوده ستثور نخوتهم وحميتهم شرفا وكرامة وثأرا وانتقاما و دفاعا عن أبناء العشائر والقبائل والمدنيين ممن يعتدي عليهم في حالات الدهم العشوائي والاعتقال والقصف والتدمير لمواقعهم الآمنة.
وبرأينا فلن يجرؤ أحد على استباحة مكتبات الوطن ومتاحفه و آثاره وتراثه ومستشفياته ودوائره ومقدساته وجامعاته وحضارته وسرقة تاريخه وممتلكاته وثرواته إذا كان الجيش يحمل السلاح ويحمي تلك الأماكن بكل حزم وبطش وقوة وانضباط !!.
ــ كما أن الجيش لو لم يحل فإنه سيفرض الرقابة على الحدود، ويمنع تسلل العصابات الإجرامية والميليشيات ويفرض التفتيش الدقيق على زوار المقدسات ممن حملوا إلى العراق تحت هذه الذريعة المتفجرات والمفخخات والأسلحة المحرمة قانونا، وسوف يمنع تهريب المخدرات ونشرها في العراق، وسوف يمنع تهريب النساء والأطفال وتجارة البشر ويفرض الفحص الطبي الدقيق على البضائع الفاسدة والأدوية والأطعمة المغشوشة حرصا على سلامة أبناء هذا الشعب العظيم .
ـــ إن قرار حل الجيش العراقي كان يعني تقسيم العراق بأقل خسائر ممكنة في صفوف القوات الأمريكية حيث أن زرع الفوضى وإهمال النتائج يعني دولة هشة مجزئه، وقاعدة عسكرية مهلهله ،وبنية تحتية مفتته ،ومشاريع أمريكية وإقليمية ناجحة !!.
حزب الدعوة وحزب البعث.!
فعلى جميع الأحزاب في السلطة من القوميين الشوفينيين والطائفيين (أصحاب مشروع التقسيم) بأن يعلموا حقيقة مره يفتقرون إليها، وهي بأن الهوية القومية العربية القطرية التي جاءت بكتب البعث لم تكن تتنافى مع الهوية الوطنية العراقية إطلاقا، وأن الذي تنافى معها هو الاستهتار في القرارات، والمضي قدما في عبادة الأشخاص، و قمع الشعب وسوقه في حروب عبثية،
ولو نظرنا لكتب حزب الدعوة الحاكم، وأفكار وكتب مؤسسه وهو المفكر محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ فسوف نجد لا علاقة لبرامج وسياسات وأفكار حزب الدعوة الحالي بأفكار وبرامج ورؤى الصدر، وبرامج وكتب حزب الدعوة الذي رفع شعار الثورة الفكرية والتجديدية ناهيك عن نشر العدالة في المجتمع، وإذا به الآن يستنسخ الديكتاتورية ويضربها بعشرة، ناهيك عن القمع الجاري ـ وهنا ننقد ونقارن من أجل التنبيه وليس من أجل التجريح! ــ !.
فالقضية هي أزمة قادة وأزمة مصداقية تولدت عنهما انحرافات لا تغتفر، كما أن اللغة الاسبانية أو العرق الأسود لم تكن مسوغا لتقسيم الولايات المتحدة إلى ولايات خاصة بالسود،د وأخرى للناطقين باللاتينية .
إن نظام المحاصصة الطائفية ، يلغي القيمة الوطنية والإنسانية للمواطن العراقي ، ويحوله إلى قيمة عرقية وطائفية انعزالية تابع إيديولوجيا وقوميا لدول الجوار العراقي، وتوزع ثروته النفطية واقتصاده وممتلكاته على القوى الإقليمية الوصية عليه ، فالاعتزاز بالقومية والمذهب والعرق والعشيرة والثقافة تعني تنوع للهويات المحلية الداخلية، واحترام خصوصياتها ولا تعني أبدا بأن الانتماء إليها يتنافى مع الانتماء الأكبر للوطن .
السرطان القاتل يكمن في الدستور العراقي الهجين!!
إن العدالة والحقوق المنصوص عليها في القانون سوف تطبقها حكومة المركز على جميع المحافظات العراقية ولا يجوز أن تتعارض قوانينها مع الدستور النافذ ، وإنما تصدر انسجاما وتنفيذا للأسس الواردة في الدستور ، ولكن تقسيم العراق إلى دويلات سيعيق القوانين الداخلية التي تنقل الحقوق الأساسية للشعب إلى حيز الواقع بفرض الجزاء على من ينتهك الحقوق .
فحكومة المركز حين ترعى ضمانات التقاضي وتنفيذ القانون فإن المتهم سيلجأ لحكومة إقليمه باعتبارها ندا لحكومة المركز، ويعيش في ظلها كدولة أخرى حيث أن المشكلة الأخطر تكمن في احتمال استبداد الحاكم في كل إقليم بالحكم المطلق ،وتعصبه لقوميته أو طائفته باعتبارها الأساس في وجود إقليمه على الخارطة الجيوسياسية ووجود التعارض الأزلي بين سلطة القانون وسلطة واستبداد الحاكم الطائفي التابع لولاية الفقيه، أو الآخر القومي الشوفيني، وبالتالي ستصبح الحقوق الأساسية مجرد نصوص مسطرة وغائبة تسود فيها شريعة القوة ،ويأكل القوي حقوق الضعيف، ويتعرض المجتمع والوطن للانهيار التام .
وفي حالات الانتهاك لحقوق الإنسان أو المواثيق والمعاهدات والإعلانات الدولية الموقع عليها من قبل حكومة المركز فإن التذرع بمبدأ السيادة الوطنية أو التدخل بالشؤون الداخلية لحكومة الإقليم أمرا سهلا للتخلص من الالتزامات الدولية.
إن معدو الدستور العراقي من ذوي الاختصاصات الضيقة والخبرات المحدودة والمنعدمة في مجلس الحكم الانتقالي السابق انكبوا على المصادر الأجنبية، والنصوص الجاهزة، والآراء الفقهية لملالي دولة مجاورة لينقلوا منها النصوص الجاهزة حرفيا دون الاعتماد على مدرسة عراقية وطنية قانونية عريقة أوجدت من قبل أفذاذ الخبراء وكبار رجال القانون لإعداد القوانين والأنظمة والآراء في العشرينيات من القرن الماضي وحلت في السبعينيات من القرن نفسه وهي (ديوان التدوين القانوني ) . .
والواجب اليوم وعلى الجميع هو الثورة على الاستخفاف بحقوق ومقدسات وممتلكات الشعب العراقي الذي وضع القوانين للبشرية وحكم الأرض بشريعة حمورابي وعدالته، وإعادة النظر في هذا الدستور المسخ ليعكس الواقع الحقيقي والتأثيرات المحيطة بالوطن ،وإلغاء ما يبث المآسي والطائفية، والنزاعات العرقية بين أبناء الشعب الواحد، والاعتماد على الأرشيف الوطني العراقي الضخم الذي تعرض للنهب والسلب والسرقة في غياب الجيش العراقي، وقيام الانفلات الأمني والتدهور بكافة أشكاله .
( لقد أرتكب الشعب العراقي خطأ إستراتيجي بحق نفسه وبلده ومستقبل أجياله يوم صمت وتقاعس عندما حُلّ الجيش العراقي بأمر من المحتل... أما الساسة الجدد فلقد ارتكبوا جريمة لا تغتفر ـ جريمة العصر ـ يوم رقصوا وطبّلوا لحل الجيش العراقي، فنقلوا بلدهم من القلعة الحصينة بقوتها وتنظيم جيشها وحصانة حدودها إلى موقع البنك الذي هُدمت جدرانه، فهب نحوه اللصوص وقطاع الطرق ورجال المافيا، ومن كل صوب وحدب!)
الطموحات الطائفية والقومية هي التي أضعفت العراق!!.
ان أول خطوة من شأنها تقسيم العراق إلى دويلات تكمن في أن العراقيين لا يتفقون على تاريخ وطني مشترك ، فالشيعة العروبيون تعرضوا للحصار، و حوصرت مرجعياتهم ومدارسهم المحلية، و تجففت مصادر قوتهم ووحدتهم ، وتآمرت عليهم المدارس الإقليمية والدولية ، وتقاعست عنهم المرجعيات العربية والقومية ، لا بل ساهمت في تشتيت جمعهم لحسابات أنانية!.
أما الشيعة العرب، والذين هم على ـ التشيّع العلوي ـ الذي لا يؤمن بالتدخل والتبشير والصراع والتمذهب وجدوا أنفسهم أسرى من قبل شيعة أميركا الذين فتنوا بالإسلام الأميركي، وشيعة إيران والذين يستخفون بكل إبداع حضاري عراقي ولا يرون من التاريخ إلا نكبات ألائمة ومظالم آل البيت ، وليس من خلال الإحياء والتدريب والتأكيد على السمو والبطولة والثبات والدفاع المقدس، بل من خلال التخدير وتشتيت القوى في غير محلها ،وبدلا من البناء والإبداع والبحث والسمو الفكري والعلمي والمهني راحوا يجسدون الخرافة والأمية، ونشر التخلف بطرق دخيلة على الإسلام والتشيع العلوي ونهج أهل البيت،.
والسنة في العراق لديهم توجس من الشعوبية والتفريس، ونظرتهم للتاريخ العراقي تشبه إلى حد ما نظرة العروبيين الذين يشعرون بالاعتزاز والاستعلاء الحضاري العربي على باقي الحضارات الأخرى التي سكنت العراق، ناهيك أنهم قد أصيبوا بنفس الداء ـ أي السنة ـ الذي أصاب الشيعة في العراق، أي تولدت بينهم طبقات ربطت مصيرها بالمحتل، وأصبحوا يمثلون ( سنة أميركا) وهناك قسم آخر ربط مصيره بالحركات المتطرفة، والحركات السلفية المتشددة في الخليج والمنطقة،فلجئوا لتأسيس الخلايا المتشددة التي تمول من الخارج، فحوصر الصوت السني العراقي العروبي والقومي الرافض للتقسيم وللاحتلال!!
والأكراد مستمرون في نهج التكريد لشمال العراق، واستنكار التعريب، والتهديد بالانفصال عن حكومة المركز في بغداد، والمطالبة بالحكم الذاتي منذ العام 1970م، والاعتزاز بالقومية الكردية، والشعور بعدم الانتماء للهوية الوطنية العراقية التي هضمت حقوقها التاريخية لصالح طوائف واثنيات أخرى .
إن المشكلة الحقيقة تكمن في أن الأكراد يصرون في المشروع الفيدرالي الذي يختلف عن كل الأنظمة المتحضرة في العالم، أي يصرون على فيدرالية قومية، والشيعة الذين خطفوا القرار الشيعي بدعم إيراني وأميركي يصرون على فيدرالية طائفية تجزأ الشعب العراقي إلى أقاليم كردية أو شيعية أو سنية ستصبح فيما بعد أقاليم تابعة لدول الجوار العراقي، باتفاق الولايات المتحدة والغرب مع هذه الدول بما يضمن مصالح الإدارة الأمريكية وأوروبا في المنطقة، وأن جميع الأحزاب المؤثرة على الساحة اليوم تنفذ مشاريع خارجية ، قومية ، وطائفية ، وأممية ، منافية للوحدة الوطنية والهوية العراقية .
إن أخطر خطوة قامت بها الإدارة الأمريكية لتقسيم العراق إلى فيدرالية قومية طائفية هو قرار الحاكم الأمريكي بول بريمر في 24آيار 2003م بحل الجيش العراقي ، وهو القرار الذي كان مدروسا بعناية من قبل الاحتلال، ومخططا له لشل قدرات الشعب على الحركة، وإغراق البلاد في الفوضى المنظمة لكي يتماشى ذلك مع الشعار الأمريكي (ازرع الفوضى أولا وأترك نتائج ذلك للمستقبل) ! ،
الجيش العراقي مؤسسة وطنية وليست ( صداميّة)..!
فالجيش العراقي لم يكن وحدات قتالية فحسب ، ولكنه كان ثروة وطنية من الكفاءات والمواهب والإبداعات ذات المستوى الرفيع من خيرة رموز الثقافة والمعرفة العسكرية المتطورة في الطيران والفرسان والبحرية والدروع والتصنيع والمدفعية والهندسة والأشغال وغيرها، وكوادره الراقية من الأطباء والفنيين في جميع الاختصاصات العامة و الدقيقة ، والمهندسين المتفوقين كما ونوعا في كافة المجالات المدنية والمعمارية والميكانيكية والتكنولوجية الجوية والبرية والبحرية ، وكان يتضمن زخم هائل وخبرات متطورة في الصيدلة والكيمياء والتكنولوجيا والموسيقى والرياضة والفن والشعر والأدب ، ويضرب به المثل الأعلى بالتنوع المدهش إثناء الاستعراض العسكري، أو في احتفالاته بتخريج شبابه من كليات الأركان و الكليات العسكرية والمختصة . .
واعتبر الجيش العراقي مؤسسة عصرية راقية ذات انضباط عال في الحزم الإداري والفني والمهني، وذات مستوى رفيع في الوعي والثقافة والمعرفة والتعليم ، ومن هنا جاء موقعه الجليل في ضمائر الوطنيين العراقيين والعرب كافة كقوة وطنية لحماية العراق والعرب، وككتيبة أكاديمية في صنوف ومجالات وأنواع العلم و المعرفة ،
ولذلك كان قرار حله في صالح الاحتلال الأمريكي والإيراني والتدخل الإسرائيلي لإخلاء العراق من الكفاءات والعلماء ومطاردة الأفذاذ والمثقفين بتهمة الانتماء لحزب البعث ونزع الألقاب عليهم مثل (الصداميين) ، (التكفيريين) ، (الوهابيين) لتصبح تلك الألقاب مسوغا فيما بعد لقتلهم وتشريدهم والفتك بهم، و هتك أعراضهم، واستباحة حرماتهم والثأر منهم ، أو تهجيرهم وإهمال مستقبلهم تأكلهم الحسرة من جهة والفقر والجوع والبطالة من جهة أخرى، . . . الخ،
ولقد شارك شيوخ القبائل في هذا الخلل بل الجريمة، وعندما صمتوا ولم يقفوا بوجه المحتل وعصابات القتل المحلية والوافدة، لأن من قتل وشُرّد وهُجّر وأنتهك عرضه هو عراقي، وينتمي إلى المجتمع العراقي، والى خارطة قبائله وعائلاته، فكان يفترض بشيوخ القبائل تنظيم أنفسهم لحقن دماء أبنائهم وأبناء العراق من خلال الإصرار على تفعيل القانون وحمايته، والمطالبة بفرز أسماء وعناوين المجرمين السابقين ليتم سوقهم إلى القضاء أو إلى الحد العشائري ـ على أقل تقدير ـ من أجل طي هذه الصفحة التي أصبحت (قميص عثمان) بيد الحاقدين والوافدين والإرهابيين والمجرمين والفاسدين والفاشلين والمرضى!.
والمفارقة أن هذه المؤسسة ـ الجيش العراقي ـ ليس لها علاقة بالصدامية والبعثية، لأنها مؤسسة وطنية أي خدم فيها جميع العراقيين الذين ذهبوا لخدمة العلم، وأن الذي يتكلم عن الصدامية فعليه أن يُحدد بعض الوحدات الخاصة بالحمايات والحراسة على رأس النظام ودوائره الخاصة، والتي هي ليست على ملاك الجيش العراقي الحقيقي بل هي مرتبطة بدائرة النظام الضيقة، ومثلما هو حاصل في الحرس الوطني السعودي، والحرس الثوري في إيران،ـ وقوات الحرس الجمهوري في سوريا، وقوات الردع السريع في مصر، وهكذا في جميع الدول العربية، وأنهم ليسوا من المرتزقة المستوردين بل هم من قبائل وعائلات عراقية معروفة في امتدادها وجغرافيتها!!.
الأهداف الحقيقية من وراء حل الجيش العراقي!!
ـــ ولكن الهدف من ذلك كله واضح لكي يصبح تمرير مشروع التقسيم، وتطبيق المشاريع والأهداف الدنيئة من خلال الرعاع وأنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين سهلا دون عائق أو موانع ، فبحل الجيش العراقي اندلعت الفوضى بكل أبعادها ،وفتحت الحدود على مصراعيها للمرتزقة والمتطرفين والإرهابيين والتابعون للاحتلال، وأصبح المسلحون وتنظيم القاعدة شماعة لكل أعمال إرهابية تستوجب شن حملات عسكرية ماحقة ضد كل المواقع التي يتواجدون فيها وجودا حقيقيا أم وهميا !.
ـــ وقد حل الجيش أيضا لإفشال أي مخطط أو تمرد محتمل ضد قوات القوات الأمريكية وقوات التحالف ، ولمنع احتمال قيام وحدة عسكرية عراقية بتطويق كتبية أمريكية والإجهاز عليها كما حصل في الصومال ، فالموقف الاحترازي المسبق من قبل الادراة الأمريكية اقتضى حل الجيش، لأنه من الصعب جدا فك الالتحام حتى عن طريق التدخل الجوي في هذه الحالة، وحتى تخرج الولايات المتحدة الأمريكية بأقل خسائر ممكنة من هذه الحرب .
ـــ كما أن هذا القرار ترك لقوات الاحتلال الحرية الكاملة في القبض على الآلاف من أبناء الشعب العراقي واعتقالهم وتعذيبهم وهتك أعراضهم في السجون والمعتقلات والقواعد العسكرية الأمريكية ،ولو لم يحل الجيش العراقي فإن جنوده ستثور نخوتهم وحميتهم شرفا وكرامة وثأرا وانتقاما و دفاعا عن أبناء العشائر والقبائل والمدنيين ممن يعتدي عليهم في حالات الدهم العشوائي والاعتقال والقصف والتدمير لمواقعهم الآمنة.
وبرأينا فلن يجرؤ أحد على استباحة مكتبات الوطن ومتاحفه و آثاره وتراثه ومستشفياته ودوائره ومقدساته وجامعاته وحضارته وسرقة تاريخه وممتلكاته وثرواته إذا كان الجيش يحمل السلاح ويحمي تلك الأماكن بكل حزم وبطش وقوة وانضباط !!.
ــ كما أن الجيش لو لم يحل فإنه سيفرض الرقابة على الحدود، ويمنع تسلل العصابات الإجرامية والميليشيات ويفرض التفتيش الدقيق على زوار المقدسات ممن حملوا إلى العراق تحت هذه الذريعة المتفجرات والمفخخات والأسلحة المحرمة قانونا، وسوف يمنع تهريب المخدرات ونشرها في العراق، وسوف يمنع تهريب النساء والأطفال وتجارة البشر ويفرض الفحص الطبي الدقيق على البضائع الفاسدة والأدوية والأطعمة المغشوشة حرصا على سلامة أبناء هذا الشعب العظيم .
ـــ إن قرار حل الجيش العراقي كان يعني تقسيم العراق بأقل خسائر ممكنة في صفوف القوات الأمريكية حيث أن زرع الفوضى وإهمال النتائج يعني دولة هشة مجزئه، وقاعدة عسكرية مهلهله ،وبنية تحتية مفتته ،ومشاريع أمريكية وإقليمية ناجحة !!.
حزب الدعوة وحزب البعث.!
فعلى جميع الأحزاب في السلطة من القوميين الشوفينيين والطائفيين (أصحاب مشروع التقسيم) بأن يعلموا حقيقة مره يفتقرون إليها، وهي بأن الهوية القومية العربية القطرية التي جاءت بكتب البعث لم تكن تتنافى مع الهوية الوطنية العراقية إطلاقا، وأن الذي تنافى معها هو الاستهتار في القرارات، والمضي قدما في عبادة الأشخاص، و قمع الشعب وسوقه في حروب عبثية،
ولو نظرنا لكتب حزب الدعوة الحاكم، وأفكار وكتب مؤسسه وهو المفكر محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ فسوف نجد لا علاقة لبرامج وسياسات وأفكار حزب الدعوة الحالي بأفكار وبرامج ورؤى الصدر، وبرامج وكتب حزب الدعوة الذي رفع شعار الثورة الفكرية والتجديدية ناهيك عن نشر العدالة في المجتمع، وإذا به الآن يستنسخ الديكتاتورية ويضربها بعشرة، ناهيك عن القمع الجاري ـ وهنا ننقد ونقارن من أجل التنبيه وليس من أجل التجريح! ــ !.
فالقضية هي أزمة قادة وأزمة مصداقية تولدت عنهما انحرافات لا تغتفر، كما أن اللغة الاسبانية أو العرق الأسود لم تكن مسوغا لتقسيم الولايات المتحدة إلى ولايات خاصة بالسود،د وأخرى للناطقين باللاتينية .
إن نظام المحاصصة الطائفية ، يلغي القيمة الوطنية والإنسانية للمواطن العراقي ، ويحوله إلى قيمة عرقية وطائفية انعزالية تابع إيديولوجيا وقوميا لدول الجوار العراقي، وتوزع ثروته النفطية واقتصاده وممتلكاته على القوى الإقليمية الوصية عليه ، فالاعتزاز بالقومية والمذهب والعرق والعشيرة والثقافة تعني تنوع للهويات المحلية الداخلية، واحترام خصوصياتها ولا تعني أبدا بأن الانتماء إليها يتنافى مع الانتماء الأكبر للوطن .
السرطان القاتل يكمن في الدستور العراقي الهجين!!
إن العدالة والحقوق المنصوص عليها في القانون سوف تطبقها حكومة المركز على جميع المحافظات العراقية ولا يجوز أن تتعارض قوانينها مع الدستور النافذ ، وإنما تصدر انسجاما وتنفيذا للأسس الواردة في الدستور ، ولكن تقسيم العراق إلى دويلات سيعيق القوانين الداخلية التي تنقل الحقوق الأساسية للشعب إلى حيز الواقع بفرض الجزاء على من ينتهك الحقوق .
فحكومة المركز حين ترعى ضمانات التقاضي وتنفيذ القانون فإن المتهم سيلجأ لحكومة إقليمه باعتبارها ندا لحكومة المركز، ويعيش في ظلها كدولة أخرى حيث أن المشكلة الأخطر تكمن في احتمال استبداد الحاكم في كل إقليم بالحكم المطلق ،وتعصبه لقوميته أو طائفته باعتبارها الأساس في وجود إقليمه على الخارطة الجيوسياسية ووجود التعارض الأزلي بين سلطة القانون وسلطة واستبداد الحاكم الطائفي التابع لولاية الفقيه، أو الآخر القومي الشوفيني، وبالتالي ستصبح الحقوق الأساسية مجرد نصوص مسطرة وغائبة تسود فيها شريعة القوة ،ويأكل القوي حقوق الضعيف، ويتعرض المجتمع والوطن للانهيار التام .
وفي حالات الانتهاك لحقوق الإنسان أو المواثيق والمعاهدات والإعلانات الدولية الموقع عليها من قبل حكومة المركز فإن التذرع بمبدأ السيادة الوطنية أو التدخل بالشؤون الداخلية لحكومة الإقليم أمرا سهلا للتخلص من الالتزامات الدولية.
إن معدو الدستور العراقي من ذوي الاختصاصات الضيقة والخبرات المحدودة والمنعدمة في مجلس الحكم الانتقالي السابق انكبوا على المصادر الأجنبية، والنصوص الجاهزة، والآراء الفقهية لملالي دولة مجاورة لينقلوا منها النصوص الجاهزة حرفيا دون الاعتماد على مدرسة عراقية وطنية قانونية عريقة أوجدت من قبل أفذاذ الخبراء وكبار رجال القانون لإعداد القوانين والأنظمة والآراء في العشرينيات من القرن الماضي وحلت في السبعينيات من القرن نفسه وهي (ديوان التدوين القانوني ) . .
والواجب اليوم وعلى الجميع هو الثورة على الاستخفاف بحقوق ومقدسات وممتلكات الشعب العراقي الذي وضع القوانين للبشرية وحكم الأرض بشريعة حمورابي وعدالته، وإعادة النظر في هذا الدستور المسخ ليعكس الواقع الحقيقي والتأثيرات المحيطة بالوطن ،وإلغاء ما يبث المآسي والطائفية، والنزاعات العرقية بين أبناء الشعب الواحد، والاعتماد على الأرشيف الوطني العراقي الضخم الذي تعرض للنهب والسلب والسرقة في غياب الجيش العراقي، وقيام الانفلات الأمني والتدهور بكافة أشكاله .
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر