بقلم: ايتان هابر
(المضمون: من أهم ما يميز جيل الاربعينيات في اسرائيل عدم وجود اقرباء كثيرين لابناء هذا الجيل ومنهم كاتب المقالة).
أعاد أبي، يهودا، عليه السلام روحه الى الله في الليلة ما بين السبت والاحد، في قسم القلب في مشفى تل هشومير. كان عندي وقت فارغ كبير حتى بزوغ الفجر لذلك الصباح الحزين البدء بترتيبات الجنازة. من أجل التفكير والتذكر في الاساس. آنذاك، وقبل ان يصبح من الممكن التفريق بين الذئب والكلب، كما قال الشاعر حاييم نحمان بيالك، تبين لي على نحو اخافني انني لا اكاد اعلم شيئا عن ابي الذي نقلت جثته الى غرفة الموتى.
عرفت مدينة مسقط رأسه (ستانس ليفوف، في بولندا آنذاك)، وعرفت سنة ميلاده (1913)، ومتى هاجر الى البلاد (1935 في اطار "المكابية" الثانية) وما الذي فعله في البلاد حينما كنت يافعا (موظف في اتحاد ارباب الصناعة). الفجر الذي بزغ في ذلك الصباح لم يمنحني ولو جوابا واحدا لالف سؤال: من كان والداه؟ أكان له اخوة؟ او اخوات؟ أكان له جدان؟ جدتان؟ من اين اتوا؟ ما الذي فعلوه في حياتهم؟ متى ماتوا في الكارثة؟ وكيف؟
بعد مرور يوم عندما احتشد الجموع للجنازة، نظرت من خلل عيني الدامعتين الى الجمهور الكبير، وربما تغلغل الى وعيي لاول مرة معرفة كانت دائما مخبوءة في مكان ما في الداخل وهي انه لا يوجد لي اقرباء ممن يسمون "الدرجة الاولى": لا جد ولا جدة ولا اعمام ولا عمات ولا احد. فأنا وحيد في هذا العالم من ابناء العائلة. بعد ذلك وجدت ان النقص الاليم من ابناء العائلة الاقرباء هو من مميزات ابناء جيلي – الجيل الذي ولد في الاربعينيات في ذروة الحرب العالمية الثانية، وبقي هناك كل ابناء عائلته تقريبا، بين الانقاض والتراب في اوشفيتس وبين آبار الموت في ستانس ليفوف (وكاييش، مدينة مولد امي).
آنذاك، في طفولتي، بدأت ظاهرة خيل الي انها تميز ابناء ذلك الجيل فحسب وهي التنقيب الشديد، والبحث الذي لا نهاية له في الماضي العائلي وتبنِ كثيف واسع لابناء عمومة وجدوا على نحو ما وفي زمن ما سبيلهم الى ابي وهم الان ايضا ابناء عائلة. اقرب من يكونون الي. وهم، والحمد الله اكثر من ان يحصوا. انهم ابناء عمومة، وانا فخور بقرابتهم الي وقرابتي اليهم، وأسأل فقط سؤالا واحدا دائما ولا احصل على جواب وهو كيف اصبحوا اقربائي؟ من ينتمي الى من؟ وكيف اصبحنا اقرباء؟ وما هي القرابة بينهم؟ هل تفرق آبائي – آباؤنا في عدد من بلدان اوروبا؟ هل تزوجوا ثانية وثالثة؟ ومن كانوا؟
وأعلم، أنا الذي لم انطق ذات مرة بكلمتي "جدي" او "جدتي" ولم الجأ الى حضنيهما قط بيقين، اعلم ان ظاهرة تبني الاقرباء كـ "ابناء عمومة" تميز جيلي فقط. فلابنائنا واحفادنا اقرباء من "الدرجة الاولى".
وربما الان، اكثر من اي وقت مضى اصبحت افهم احدى الصور في البيت في سني الاولى: وهي صورة ابي، في الساعة 12 ظهرا كما يخيل الي، ملتصقا بجهاز المذياع الكبير في البيت، وهنالك صمت مطبق في انحاء الشقة ذات الغرفة الواحدة. استمع ابي بحرص شديد لبرنامج المذياع "قسم البحث عن الاقرباء، صندوق بريد 92، القدس". في دقائق البث تلك كان من المحظور التفوه ببنت شفة، لئلا يضيع ابي ولو اسما واحدا. في السنين المتأخرة فقط فسرت هذا الفعل تفسيرا جديدا وهو ان ابي بحث عن اقرباء ليصبح لنا اقرباء.
اليوم، مع ذكرى يوم الكارثة، اليكم صورة واحدة، واحدة من كثيرات، عن تأثير الكارثة البعيد المدى في الجيل الذي لم يجربها لحسن الحظ. وربما تكون هذه المقالة تفضل ذكرى على ابي الذي لم أعرفه قط، ولم اسمعه ولم أعلم عنه شيئا في الحقيقة.
(المضمون: من أهم ما يميز جيل الاربعينيات في اسرائيل عدم وجود اقرباء كثيرين لابناء هذا الجيل ومنهم كاتب المقالة).
أعاد أبي، يهودا، عليه السلام روحه الى الله في الليلة ما بين السبت والاحد، في قسم القلب في مشفى تل هشومير. كان عندي وقت فارغ كبير حتى بزوغ الفجر لذلك الصباح الحزين البدء بترتيبات الجنازة. من أجل التفكير والتذكر في الاساس. آنذاك، وقبل ان يصبح من الممكن التفريق بين الذئب والكلب، كما قال الشاعر حاييم نحمان بيالك، تبين لي على نحو اخافني انني لا اكاد اعلم شيئا عن ابي الذي نقلت جثته الى غرفة الموتى.
عرفت مدينة مسقط رأسه (ستانس ليفوف، في بولندا آنذاك)، وعرفت سنة ميلاده (1913)، ومتى هاجر الى البلاد (1935 في اطار "المكابية" الثانية) وما الذي فعله في البلاد حينما كنت يافعا (موظف في اتحاد ارباب الصناعة). الفجر الذي بزغ في ذلك الصباح لم يمنحني ولو جوابا واحدا لالف سؤال: من كان والداه؟ أكان له اخوة؟ او اخوات؟ أكان له جدان؟ جدتان؟ من اين اتوا؟ ما الذي فعلوه في حياتهم؟ متى ماتوا في الكارثة؟ وكيف؟
بعد مرور يوم عندما احتشد الجموع للجنازة، نظرت من خلل عيني الدامعتين الى الجمهور الكبير، وربما تغلغل الى وعيي لاول مرة معرفة كانت دائما مخبوءة في مكان ما في الداخل وهي انه لا يوجد لي اقرباء ممن يسمون "الدرجة الاولى": لا جد ولا جدة ولا اعمام ولا عمات ولا احد. فأنا وحيد في هذا العالم من ابناء العائلة. بعد ذلك وجدت ان النقص الاليم من ابناء العائلة الاقرباء هو من مميزات ابناء جيلي – الجيل الذي ولد في الاربعينيات في ذروة الحرب العالمية الثانية، وبقي هناك كل ابناء عائلته تقريبا، بين الانقاض والتراب في اوشفيتس وبين آبار الموت في ستانس ليفوف (وكاييش، مدينة مولد امي).
آنذاك، في طفولتي، بدأت ظاهرة خيل الي انها تميز ابناء ذلك الجيل فحسب وهي التنقيب الشديد، والبحث الذي لا نهاية له في الماضي العائلي وتبنِ كثيف واسع لابناء عمومة وجدوا على نحو ما وفي زمن ما سبيلهم الى ابي وهم الان ايضا ابناء عائلة. اقرب من يكونون الي. وهم، والحمد الله اكثر من ان يحصوا. انهم ابناء عمومة، وانا فخور بقرابتهم الي وقرابتي اليهم، وأسأل فقط سؤالا واحدا دائما ولا احصل على جواب وهو كيف اصبحوا اقربائي؟ من ينتمي الى من؟ وكيف اصبحنا اقرباء؟ وما هي القرابة بينهم؟ هل تفرق آبائي – آباؤنا في عدد من بلدان اوروبا؟ هل تزوجوا ثانية وثالثة؟ ومن كانوا؟
وأعلم، أنا الذي لم انطق ذات مرة بكلمتي "جدي" او "جدتي" ولم الجأ الى حضنيهما قط بيقين، اعلم ان ظاهرة تبني الاقرباء كـ "ابناء عمومة" تميز جيلي فقط. فلابنائنا واحفادنا اقرباء من "الدرجة الاولى".
وربما الان، اكثر من اي وقت مضى اصبحت افهم احدى الصور في البيت في سني الاولى: وهي صورة ابي، في الساعة 12 ظهرا كما يخيل الي، ملتصقا بجهاز المذياع الكبير في البيت، وهنالك صمت مطبق في انحاء الشقة ذات الغرفة الواحدة. استمع ابي بحرص شديد لبرنامج المذياع "قسم البحث عن الاقرباء، صندوق بريد 92، القدس". في دقائق البث تلك كان من المحظور التفوه ببنت شفة، لئلا يضيع ابي ولو اسما واحدا. في السنين المتأخرة فقط فسرت هذا الفعل تفسيرا جديدا وهو ان ابي بحث عن اقرباء ليصبح لنا اقرباء.
اليوم، مع ذكرى يوم الكارثة، اليكم صورة واحدة، واحدة من كثيرات، عن تأثير الكارثة البعيد المدى في الجيل الذي لم يجربها لحسن الحظ. وربما تكون هذه المقالة تفضل ذكرى على ابي الذي لم أعرفه قط، ولم اسمعه ولم أعلم عنه شيئا في الحقيقة.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر