ان مفهوم العولمة بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية مفهوم نبيل ويحمل في طياته الكثير من المعاني السامية , والتي تسعى الى خلق عالم صغير محدود الاطراف رغم تراميه ,فهي التي تسعى الى تكامل الاقتصاد وتحويله من اقتصاد قومي الى اقتصاد اقليمي وعالمي من خلال نشر مفهوم اقتصادي واحد موحد وذلك من خلال التجارة وتدفق رؤس الاموال والاستثمارات والهجرة الايجابية وانتشار التكنولوجيا على شكل واسع , وايضا الى توحيد الثقافات العالمية والاجتماعية والسياسية على مفاهيم التعاون والتكاتف ,وتسعى ايضا الى نشر مفهوم السلام والحفاظ على حقوق المرأة اي أنها تسعى الى امركة العالم.
ولكن ما مفهوم العولمة بالنسبة لنا كمسلمين ؟ وهل هي تعني الحرية المطلقة , ام التبعية المطلقة؟
ان العولمة بالنسبة للعالم الثالث هي نوع من انواع الاستعمار , بل هي اشد وطأة من الاستعمار , لانها تستعمر وتغير المعالم الدينية ,والنفوس والقلوب والعادات والتقاليد , ان الاستعمار المباشر كان يخلق جيلا مجاهدا غيورا على دينه ومبادئه وعرضة وارضه وشرفه , اما الاستعمار الحالي والمتمثل بالعولمة جاء لنتنازل عن كل هذا , منغمسين بالثقافات الغربية , متشبصين بنظمهم السياسية , منخرطين بنظامهم الاقتصادي , متبنين عاداتهم وتقاليدهم, مبدلين ثقافتنا التي تزيد عن 4 الف عام مقابل ثقافة حديثة النشأة.
ونستطيع ايضا القول بان العولمة هي سيطرة واستبدال نظام واحد على جميع الانظمة ,سواءا كان اقتصاديا او ثقافيا او سياسيا او علميا.
ان دمج الكثير من الثقافات والمجتمعات بعضها ببعض, هذا ما لا نستطيع استيعابه نحن كمسلمين فلا ديننا ولا ثقافتنا ولا عادتنا تسمح لنا بدمجها مع المفاهيم لاخرى , ولكن نستطيع ان نكون على رأس العولمة اذا كان المقصود بها العالمية , شريطة ان نكون نحن المسير لها بقانون سمائي رباني حتى تكون شريعة الله هي العليا والمتبعة والتي تتناسب مع العالمين وليس مبادئ الغرب التي لا تخدم الا مصالحهم فقط, ان العالمية التي يدعو لها الاسلام , هي عالمية الحق والموازنة بدون تفرقه بين شعوب الارض , وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالاستخلاف في الأرض ,فقال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ).
وقال تعالى( الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله ).
فان العالمية امر حتمي ولا بد منه من اجل الرقي بالدين الاسلامة ونشره للعالمين , ولا بد من الانخراط بالمجتمعات لاخرى لنشر الاسلام ونأخذ ما ناسب ديننا وننتهي عن ما يضر بنا , وخاصة ان العالمية امر جاء به الاسلام ووضع نظامه الاقتصادي الصالح للعالمين, وحثنا الله على نشر الاسلام من خلال التغلغل بالامم الاخرى قال تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم). فضلا على ذلك فان الاسلام بعالميته يحترم الخصوصية للشعوب الاخرى وان لكل امة منهاجها قال تعالى
( لكل جعلنا شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة.)
ومن خلال ما تقدم يتبين لنا ان العولمة او(العالمية) مفهوم لا يتعارض مع الديانة الاسلامية , بل يحثنا عليها , ولكن شريطة ان تكون العالمية بمفاهيم وتعاليم الدين الاسلامي ومتناسبة مع كافة البشر ولا تتناقض معهم ولا تسلب حرياتهم وقدراتهم ولا تنهك الامم وتفقرها من اجل الصعود باخرى
وهذا ما تقوم عليه العولمة التي تمتلك نظاما وضعيا ليس من عند الله بل من عند البشر تسعى لاحياء دول على حساب دول اخرى , تسلب خيرات الشعوب الضعيفة , وهذا يعتبر احد سلبيات العولمة والتي تتغلغل بالدول العربية الان,فان الولايات المتحدة الامريكية من خلال العولمة تخلق منشآت عملاقة عابرة للقارات لا تستطيع المنشأت الصغيرة والتي تكمن في دول العالم الثالث الصمود امامها , وعاجزة عن غزو الاسواق العالمية سواء من ناحية الجودة والمواصفات والاسعار ورأس المال, ومن هنا يظهر مفهوم الاحتكار والذي حرمة الاسلام ,روى ابن ماجة عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
(من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ,وقال: لا يحتكر إلا خاطئ، وقال: من احتكر فهو خاطئ.)
وبسبب الاحتكار فان الدول العظمى ستحدد الاسعار التي ترغب بها وستغزوة الاسواق العالمية والمحلية للدول ,وستهلك الكثير من المنشآت الوطنية وستقع الدول الصغيرة ضحية بسبب العولمة وستضطر ان تخرج من اقتصاد السوق بسبب عدم حماية منتجاتها وسوف تتكبد خسائر كبيرة حتى تقع تحت رحمة الدول المحتكرة من خلال استفزازها بالمساعدات المالية مقابل تنازلات سياسية , وهنا تظهر قوة العولمة الاقتصادية والسياسية والتي ما ان يسيطر عليها حتى يتم السيطرة كليا على الجوانب الاخرى من اجتماعية وفكرية وثقافية وغيرها. وهذه الصورة نفسها مرسومة في واقعنا العربي , التابع للتغيرات والإملاءات الخارجية , حيث ان الدول العربية مأمورة بالاتباع ,فان لم تتبع فانها ستحارب اقتصاديا , وان لم تخضع فالحرب السياسية والدبلوماسية , وفي النهايه الحرب العسكرية , وها هي العراق وافغانستان عنا ليس ببعيد.
وهذه من سلبيات العولمة التي تعتبر بمثابة استعمار اخر ولكن بجيوش وحكام محليون , اذ انها تسعى لخدمة مصالحها على حساب الدول الفقيرة , ونشر ثقافاتها بين مجتمعاتنا لسبب رئيسي وهو انجاح عملية تسويق منتجاتها , حيث ان الكثير من الخدمات والمنتجات لن ينجح تسويقها في الدول العربية ان لم يصطحبها عملية غسيل وزراعة ثقافية لانجاح قبولها وتداولها , والامثلة على ذلك كثيرة ومنها مفهو م السينما , والالبسة , والنوادي الليلية, والوجبات السريعة , .....,الخ وهذه حقيقة تعاني منها اوروبا ,حيث ان فرنسا المناهضة للعولمة رفضت بقوة فتح مطعم ماكدونالدز في برج ايفل والذي يعتبر تراثا فرنسيا بحتا.
وهكذا يتم القضاء على الثقافات والتي تعتبر حصيلة ما تنتجه الحضارات , والتغير ايضا بالثقافة الدينية وخلخلتها والتشكيك فيها, حيث انك اصبحت تسمع في مجتمعاتنا الاسلامية ما يردد على افواه العامة عند التوجه لهم بسؤال لما لا تتقربوا الى الله بالاعمال ؟ فتكون اجابتهم ان الايمان بالقلب وان قلبهم اطهر مما نتصور , وهذه ثقافة الغرب الدينية ,فان توجهتم لمسيحي اوروبا بهذا السؤال ستكون الاجابة بنفس الصيغة , فان الغرب ليس لهم قرأن ولا سنة يجيبوا منها فلماذا نحن اهل القرأن والسنة نجيب بما يجيب به الغرب تاركين قرأننا وسنتنا , قال تعالى : ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً .وقال : وما خلقت الجن والانس الا ليعبدوان .
ومن هنا يتضح لنا ان العولمة ليس المقصود بها الهيمنة الاقتصادية فحسب بل التفوق السياسي والذي اعتبره التعريف الحقيقي للعولمة وهو السيطرة السياسية من خلال المقومات الاقتصادية . واكبر دليل على هذا هو الصين رغم قوتها الاقتصادية المتنامية في العالم , الا انها تخضع لقاعدة العرض والطلب في السوق العالمية وبعيدة كل البعد عن النفوذ والعولمة السياسية كما هو الحال في امريكا.
ان التاريخ يعيد نفسه فبعد ان كان هدف الاستعمار هو اعمار الارض التي لا تستطيع شعوبها اعمارها فبدئوا برسالتهم التاريخية بنقل العلم والتقدم كما يدعون , فأباحوا لانفسهم بالقتل والدمار وتشريد الشعوب من اراضيم وسرقوا خيرات واموال وتراث الشعوب, وها هم الان وباسم الولايات المتحدة يدعون ان الشعوب غير قادرة على ادارة سياساتها الداخلية ولا بد من التدخل وانشاء فكر سياسي عالمي موحد ,حتى يتمكنوا من ادارة الشعوب بايدي وطنية , وتم ايجاد أناس ارتضوا لانفسهم ان يكونوا ادوات لتحقيق اهداف الغرب.
وابعاد المسلمين عن التوحد لان التوحد الاسلامي سيهدم امنيات اوروبا وامريكا, وهذا ما صرح به وزير المستعمرات البريطاني اورمسبي غو عام 1938 حيث قال: إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الامبراطورية أن تحذره وتحاربه.
بقلم د حسين موسى اليمني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر