توحي تحركات ومواقف الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، بأن الصراع بينهما بات يمكن اختزاله بانسحاب إسرائيل من معظم الأراضي التي احتلتها (عام 1967) وبإقامة دولة للفلسطينيين. وهذا مايفسر أن قضية القدس، من بين مجمل قضايا الحل النهائي، التي تشمل، أيضا، قضايا: اللاجئين والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية، باتت بمثابة القضية التي بناء على التوافق عليها يمكن التوصل إلى صيغة اتفاق تسوية؛ بالنظر لأهمية هذه المدينة لهما من النواحي الدينية والرمزية والسياسية.
ومع إدراك أهمية قيام هكذا دولة (بعاصمتها القدس الشرقية)، في إطار الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإن التركيز على هذا الهدف، يثير العديد من الأسئلة والشبهات حول ماهية الاتفاق حول القضايا الأخرى، لا سيما منها قضية اللاجئين، التي تعتبر جوهر القضية الفلسطينية، وتختزل قضية اغتصاب الأرض والحقوق والهوية.
ومشكلة عملية التسوية الجارية، بين مشاكل أخرى، أنها لا تتوخى إيجاد حلول ناجزة ونهائية لمختلف قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وضمنه المشكلتان: الإسرائيلية والفلسطينية. بمعنى أن هذه التسوية لا تهتم بمصائر البشر وعلاقاتهم وتطورهم الثقافي والاجتماعي والسياسي، على الصعيدين الفردي والمجتمعي، بقدر اهتمامها بقضايا الأرض والترتيبات الأمنية وشؤون السيادة والسياسة. ولطالما ترددت في الخطابات السائدة عبارة المقدسات، والأماكن المقدسة، في حين يجري تجاوز قضايا الناس، وظروف حياتهم ومستقبلهم وحرياتهم، باعتبارهم معنى الوجود وغايته؛ ويبدو ذلك طبيعيا في منطقة تقدّس فيها تحيزات السياسة، وعوامل القوة، وخطابات السلطة، على حساب كرامة الناس وحريتهم وحقهم في الاختيار الحر وتقرير المصير.
اللافت أن الخطاب السياسي العربي (القومي والإسلامي) أضفى طوال المرحلة الماضية صفة القداسة على القضية والأرض الفلسطينيين، ولكنه على الأغلب تجاهل مصير الشعب الذي يضفي على هذه القضية قداستها، من تاريخه وذاكرته وثقافته ومعتقداته الدينية، والذي يعيش في حال من البؤس من النواحي الاجتماعية والقانونية والنفسية. ففي كثير من الأحوال بدا هذا الخطاب أحوج إلى الشعب الضحية حينا، أو الشعب البطل حينا آخر، أو الشعب المتّهم في أحيان متعددة، أكثر بكثير من حاجته لشعب طبيعي، وذلك لتبرير ذاته وللتعويض عن قصوره وتغطية تحيزاته السياسية في التعاطي مع متطلبات هذا الشعب من مختلف النواحي.
ولعل في أغلب السياسات السائدة تجاه اللاجئين الفلسطينيين أمثلة واضحة على ذلك، ومن ضمنها الضجّة المثارة حول مخططات "التوطين" في لبنان؛ علما أن قصور السياسات العربية لايتمثل في موضوع اللاجئين فقط وإنما في تحقيق الاندماج الوطني (فضلا عن القومي) على حساب الانتماءات العائلية والقبلية والطائفية والمذهبية.
ويستدل من طمس، أو اثارة موضوع اللاجئين، أن ثمة نوعاً من توافق (أو قل تواطؤ) دولي وإقليمي، مباشر أو غير مباشر، على تجاوز هذا الموضوع وحله وفقا لمبدأ التعويض أو التهجير، وربما الطمس والإهمال.
فالمقاربة الدولية والإقليمية في هذا الموضوع تنطلق من الاعتقاد بأنه من المتعذر انصياع أحد الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) لمطلب الطرف الآخر، وعليه فإن الإمكانية الوحيدة تتمثل في انتهاج واحد من احتمالين، أولهما، ويفترض توافق الطرفين على تأجيل القضية وتركها للزمن، ومشكلة هذا الطرح أنه لا يتوافق مع منظور الطرفين، بخاصة أن الطرف الإسرائيلي يريد حلا نهائيا، يرسّم نهاية للصراع مع الفلسطينيين، ويقدمه على أنه الثمن الذي لا بد أن تقطفه إسرائيل مقابل "تنازلاتها" في المجالات الأخرى (الدولة)، ومن أجل تسويق الحل النهائي لدى الجمهور الإسرائيلي. وثانيهما، ويفترض التوصل إلى حل يتضمن التعويض المعنوي على الفلسطينيين من دون تحميل إسرائيل مسؤولية أدبية أو مادية عن تشريد اللاجئين وانتزاع أملاكهم، وبحث إمكانية حل القضية من خلال مداخلات دولية، عبر الاسترشاد بمبدأ حق العودة وفقا للقرار 194، بحيث تتم عودة عدد محدود من اللاجئين إلى مناطق 48، وفقا لمبدأ لم الشمل، في حين يجري التركيز على الشق الثاني من القرار الذي يتضمن التعويض على اللاجئين.
ويبدو أن هذه الصيغة بات يجري اعتمادها وتسويقها، بخاصة أن موازين القوى والمعطيات الدولية والعربية لا تسمح للفلسطينيين بإقامة دولة ونيل حق العودة في آن، ما يفسر طمس قضية اللاجئين مقابل التركيز على إقامة الدولة (والقدس). وعليه فإن مجمل التجاذبات الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تدفع الأمور باتجاه وضع تظهر فيه الدولة الفلسطينية و"المكتسبات" التي قد يتم الحصول عليها في القدس الشرقية، بمثابة المعادل الموضوعي الذي يمكن أن يعوض عن عدم إمكانية تحصيل مكاسب ملموسة في قضية اللاجئين الفلسطينيين.
بقلم ماجد كيالي
ومع إدراك أهمية قيام هكذا دولة (بعاصمتها القدس الشرقية)، في إطار الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإن التركيز على هذا الهدف، يثير العديد من الأسئلة والشبهات حول ماهية الاتفاق حول القضايا الأخرى، لا سيما منها قضية اللاجئين، التي تعتبر جوهر القضية الفلسطينية، وتختزل قضية اغتصاب الأرض والحقوق والهوية.
ومشكلة عملية التسوية الجارية، بين مشاكل أخرى، أنها لا تتوخى إيجاد حلول ناجزة ونهائية لمختلف قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وضمنه المشكلتان: الإسرائيلية والفلسطينية. بمعنى أن هذه التسوية لا تهتم بمصائر البشر وعلاقاتهم وتطورهم الثقافي والاجتماعي والسياسي، على الصعيدين الفردي والمجتمعي، بقدر اهتمامها بقضايا الأرض والترتيبات الأمنية وشؤون السيادة والسياسة. ولطالما ترددت في الخطابات السائدة عبارة المقدسات، والأماكن المقدسة، في حين يجري تجاوز قضايا الناس، وظروف حياتهم ومستقبلهم وحرياتهم، باعتبارهم معنى الوجود وغايته؛ ويبدو ذلك طبيعيا في منطقة تقدّس فيها تحيزات السياسة، وعوامل القوة، وخطابات السلطة، على حساب كرامة الناس وحريتهم وحقهم في الاختيار الحر وتقرير المصير.
اللافت أن الخطاب السياسي العربي (القومي والإسلامي) أضفى طوال المرحلة الماضية صفة القداسة على القضية والأرض الفلسطينيين، ولكنه على الأغلب تجاهل مصير الشعب الذي يضفي على هذه القضية قداستها، من تاريخه وذاكرته وثقافته ومعتقداته الدينية، والذي يعيش في حال من البؤس من النواحي الاجتماعية والقانونية والنفسية. ففي كثير من الأحوال بدا هذا الخطاب أحوج إلى الشعب الضحية حينا، أو الشعب البطل حينا آخر، أو الشعب المتّهم في أحيان متعددة، أكثر بكثير من حاجته لشعب طبيعي، وذلك لتبرير ذاته وللتعويض عن قصوره وتغطية تحيزاته السياسية في التعاطي مع متطلبات هذا الشعب من مختلف النواحي.
ولعل في أغلب السياسات السائدة تجاه اللاجئين الفلسطينيين أمثلة واضحة على ذلك، ومن ضمنها الضجّة المثارة حول مخططات "التوطين" في لبنان؛ علما أن قصور السياسات العربية لايتمثل في موضوع اللاجئين فقط وإنما في تحقيق الاندماج الوطني (فضلا عن القومي) على حساب الانتماءات العائلية والقبلية والطائفية والمذهبية.
ويستدل من طمس، أو اثارة موضوع اللاجئين، أن ثمة نوعاً من توافق (أو قل تواطؤ) دولي وإقليمي، مباشر أو غير مباشر، على تجاوز هذا الموضوع وحله وفقا لمبدأ التعويض أو التهجير، وربما الطمس والإهمال.
فالمقاربة الدولية والإقليمية في هذا الموضوع تنطلق من الاعتقاد بأنه من المتعذر انصياع أحد الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) لمطلب الطرف الآخر، وعليه فإن الإمكانية الوحيدة تتمثل في انتهاج واحد من احتمالين، أولهما، ويفترض توافق الطرفين على تأجيل القضية وتركها للزمن، ومشكلة هذا الطرح أنه لا يتوافق مع منظور الطرفين، بخاصة أن الطرف الإسرائيلي يريد حلا نهائيا، يرسّم نهاية للصراع مع الفلسطينيين، ويقدمه على أنه الثمن الذي لا بد أن تقطفه إسرائيل مقابل "تنازلاتها" في المجالات الأخرى (الدولة)، ومن أجل تسويق الحل النهائي لدى الجمهور الإسرائيلي. وثانيهما، ويفترض التوصل إلى حل يتضمن التعويض المعنوي على الفلسطينيين من دون تحميل إسرائيل مسؤولية أدبية أو مادية عن تشريد اللاجئين وانتزاع أملاكهم، وبحث إمكانية حل القضية من خلال مداخلات دولية، عبر الاسترشاد بمبدأ حق العودة وفقا للقرار 194، بحيث تتم عودة عدد محدود من اللاجئين إلى مناطق 48، وفقا لمبدأ لم الشمل، في حين يجري التركيز على الشق الثاني من القرار الذي يتضمن التعويض على اللاجئين.
ويبدو أن هذه الصيغة بات يجري اعتمادها وتسويقها، بخاصة أن موازين القوى والمعطيات الدولية والعربية لا تسمح للفلسطينيين بإقامة دولة ونيل حق العودة في آن، ما يفسر طمس قضية اللاجئين مقابل التركيز على إقامة الدولة (والقدس). وعليه فإن مجمل التجاذبات الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تدفع الأمور باتجاه وضع تظهر فيه الدولة الفلسطينية و"المكتسبات" التي قد يتم الحصول عليها في القدس الشرقية، بمثابة المعادل الموضوعي الذي يمكن أن يعوض عن عدم إمكانية تحصيل مكاسب ملموسة في قضية اللاجئين الفلسطينيين.
بقلم ماجد كيالي
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر