طعام الشهيدة -سميح القاسم

يا أمنا الريح.. يا (هاجر) المتعبة‏
أعدي الطعام القليل لابنائك العائدين‏
على عربات المنافي‏
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة‏
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي‏
إنهم متعبون جياع‏
اعدي لهم وجبة من بقول الخراب‏
اعدي كؤوس العذاب‏
وابريق احزانك المرعبة‏
سيجمعنا الخبز والملح.. عما قريب‏
وتجمع اشلاءنا لقمة العودة الطيبة‏
ومائدة المصطبة.‏
> > >‏
طعام الشهيدة يكفي شهيدين‏
لا لم يكن عبثاً موتنا المنهجي المدري‏
لا لم نكن ضائعين. سكارى بأحلامنا.‏
اتقنتنا الكمائن دهراً‏
وها اننا نعترف‏
نثرنا الزهور على شفرات المقاصل‏
دهراً فدهراً‏
تسلى بأعناقنا القاتل المحترف‏
ومر بأجسادنا الفاتحون‏
كما يشتهي كل ما يشتهون‏
وهبنا تماسيح نهر الدماء عرائسنا‏
الفاتنات‏
نشرنا بيارق صيحاتنا في ظلام السبات‏
نذرنا بنادقنا للجهات‏
حفرنا خنادقنا في رمال اللغات‏
ولا بأس.‏
املى علينا الزناة شروط الطهارة‏
علّمنا الرقص في مأتم الشهداء اساطين‏
من الدعارة‏
لا بأس‏
ألقى علينا مواعظ حرية الشعب سوط‏
الطغاة‏
ولا بأس‏
نحن بداديق امواتنا ننهض اليوم من‏
موتنا‏
ننفض اليوم والآن عن لحمنا‏
غبار الكلام المكرر‏
وصمتاً تأخر‏
وجرحاً تخثر‏
وها نحن. أبناء احيائنا عائدون‏
على عربات المنافي‏
ومن دمدمات المجازر‏
ومن همهمات المحاور‏
من تمتمات المقابر‏
من صرخات السجون‏
أجل عائدون‏
على صهوات الرياح. وفي مركبات‏
الجنون‏
> > >‏
هنا نحن نعطي دواليب أوقاتنا نسمة‏
نتأمل ورد السياج المدجج بالنار والعار.‏
نحدج اسلاكه الشائكة‏
ونغسل في حفرة اللغم أشواقنا الهالكة‏
هنا نحن أمس‏
هنا اليوم نحن‏
وكل الدروب إلى غدنا سالكه.‏
وكل الذين مضوا.. عائدون‏
إلى حفنة من تراب‏
وكل الذين قضوا.. عائدون‏
إلى صفحة من كتاب‏
إلى عيد ميلاد نخلة‏
إلى قهوة الصبح‏
والدار والجار‏
في قعدة حلوة عند باب‏
أجل عائدون‏
إلى كأس ماء تراق برفق على ساق فلّة‏
إلى حفل تخريج ست الصبايا وزين‏
الشباب‏
أجل عائدون.. بلى عائدون‏
إلى بسملة‏
إلى سنبلة‏
إلى وردة في الخراب‏
إلى الشغل في نبش أسرار حاكورة‏
مهملة‏
إلى زنبق الوعر بين بقايا القباب‏
إلى الضم واللثم‏
والهمس واللمس‏
والشمع والدمع‏
بعيد الغياب.. الغياب.. الغياب‏
(نعم)‏
عائدون‏
(أجل)‏
عائدون.