باعوا فلسطين 34 مرّة
لم يكن مفاجئا إطلاقا أن المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وصلت إلى طريق مسدود، وأنها توقفت حتى بأسرع مما كنا نتخيل، بعد ثلاثة لقاءات، وحتى وإن جرى استئنافها خلال أيام، كما يُحكى، فإنها ستتوقف ثانية، فأصلا هذه جولة مفاوضات زائدة، محكوم بالفشل عليها مسبقا.لكن هذه المفاوضات لم تتوقف عند شارة مرور ضوئية بحكم أنظمة السير، بل هناك من أوقفها، وإذا لم تخني الذاكرة، فإن الجانب الفلسطيني هو الذي أوقفها، بفعل المواقف الإسرائيلية الرفضية، وبفعل الاستيطان الذي لم يتجمد أصلا، ولهذا فإن ما يجري حاليا ليس استئنافا، وإنما استمرار لمشاريع الاستيطان التي تنهش بالأرض الفلسطينية في القدس والضفة الغربية المحتلة.
أن تقول كلمة جيدة عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فهذا يعني في الأجواء المستمرة منذ سنوات، وفي أفضل الأحوال، أنك تنفذ عملية انتحارية، لأن ما هو أسوأ هو أن تُزج في خانات "بيع فلسطين" و"التفريط"، حسب الموضة الدارجة.
فعلى مدى 17 عاما من المفاوضات التي اتفق على تسميتها "مسار أوسلو"، لم تكن جولة مفاوضات واحدة، إلا وزفّت لنا جوقات فلسطينية وعربية أن ما يجري من وراء الكواليس هو بيع فلسطين، يعني أن القيادات الفلسطينية "نجحت" ببيع فلسطين التاريخية، وعن بكرة أبيها، مرتين سنويا بالمعدل، فأن "تنجح" في بيع الوطن للزبون نفسه 34 مرّة، فهذا أمر يحتاج لموهبة إبداعية خارقة.
تكمن المشكلة في أن الجوقة، أو الجوقات، التي تمتهن لهجة التخوين هي ذاتها على مر 17 عاما، ولكنها لم تحاسب نفسها ولم تفحص مصداقية مزاعمها بعد انتهاء كل مرحلة من المراحل، فالرئيس الراحل ياسر عرفات "باع فلسطين"، و"نهب أموال الثورة"، و"ثروته الشخصية تقدر بسبعة بلايين دولار"، هذه مزاعم قيلت طيلة فترة عرفات، وحتى حينما كان في أشد ظروف الحصار، ولم يهتم أحد بأن بدعة "الثروة" كانت إسرائيلية، ولكن حينما سقط ياسر عرفات شهيدا على مذبح الاحتلال، زفته لنا تلك الجوقات "شهيدا شهيدا شهيدا".
في فترة حكومة إيهود أولمرت، جرت مفاوضات مع الرئيس محمود عباس، وخلالها كان "بيع فلسطين" جار على قدم وساق، وانتهت فترة أولمرت، وانتهت معها المفاوضات، ولكن "للمفاجأة" أن فلسطين ما تزال على حالها، على بؤسها وأوجاعها، منها ما يصنعه الاحتلال، ومنها أوجاع "بصناعة وطنية خالصة"، يعني "MADE IN PALESTINE"، وهي اليوم معروضة للبيع مرة أخرى لبنيامين نتنياهو.
هل فكر أحد بإعادة حساباته وما ابتدعه من حكايات قبل نحو عامين؟، فقبل أقل من شهرين، وقف أولمرت يروي خفايا المفاوضات، ليس من باب أن يتحدث عن كرمه، بل من باب توجيه اتهام للقيادة الفلسطينية، بأنها رفضت حتى ما عرضه عليها، وكلمة "حتى" هي من باب المنطق الإسرائيلي، ونظرا للأوضاع السياسية الداخلية في إسرائيل.
فقد تحدث أولمرت عن دولة فلسطينية بحدود 1967 مع تعديلات حدود أرادها بنسبة 6 %، "وتقاسم" في القدس حسب خطة بيل كلينتون، وحتى في مسألة اللاجئين جرى الحديث عن عودة محدودة لهم إلى مناطق 1948.
لقد سكتت القيادة الفلسطينية حتى الآن، ولم تعقب على ما قاله أولمرت، "وأغلب الظن"، أن هذا السكوت علامة الموافقة على ما قال، بما في ذلك ردها على عرضه، وقد نسمع في يوم قريب مسؤولا فلسطينيا يُكمل ما رواه أولمرت ويوضح أكثر.
هذا لا يعني أن على المعارضة الفلسطينية بأن تسكت، على العكس تماما، ولكن شتان بين المعارضة البناءة وجوقة التخوين، التي يمتهنها البعض لتبرير وجوده، فهناك الكثير مما يمكن انتقاده؛ منها استمرار الاعتماد على الوسيط الأميركي، ومنها غياب المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، كي تكون ورقة ضغط فلسطينية، ومنها عدم تفعيل هيئات وأطر م.ت.ف، والتأكيد أنها هي المفاوض، وليس السلطة الفلسطينية، كما تريد إسرائيل وغيرها، إضافة إلى أمور أخرى.
في نهاية المطاف، الكل يعرف ويعي أنه لن يكون بمقدور لا عباس ولا أي قائد فلسطيني أن يوقع على اتفاق يرفضه الشعب، والقيادة الفلسطينية تعرف ذلك وهي شريكة بهذا الرأي.
\n barhoum.jaraisi@alghad.jo هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته
المصدر : جريدة الغد الاردنية 26 / 10 / 2010
بقلم: برهوم جرايسي |
|
لم يكن مفاجئا إطلاقا أن المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وصلت إلى طريق مسدود، وأنها توقفت حتى بأسرع مما كنا نتخيل، بعد ثلاثة لقاءات، وحتى وإن جرى استئنافها خلال أيام، كما يُحكى، فإنها ستتوقف ثانية، فأصلا هذه جولة مفاوضات زائدة، محكوم بالفشل عليها مسبقا.لكن هذه المفاوضات لم تتوقف عند شارة مرور ضوئية بحكم أنظمة السير، بل هناك من أوقفها، وإذا لم تخني الذاكرة، فإن الجانب الفلسطيني هو الذي أوقفها، بفعل المواقف الإسرائيلية الرفضية، وبفعل الاستيطان الذي لم يتجمد أصلا، ولهذا فإن ما يجري حاليا ليس استئنافا، وإنما استمرار لمشاريع الاستيطان التي تنهش بالأرض الفلسطينية في القدس والضفة الغربية المحتلة.
أن تقول كلمة جيدة عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فهذا يعني في الأجواء المستمرة منذ سنوات، وفي أفضل الأحوال، أنك تنفذ عملية انتحارية، لأن ما هو أسوأ هو أن تُزج في خانات "بيع فلسطين" و"التفريط"، حسب الموضة الدارجة.
فعلى مدى 17 عاما من المفاوضات التي اتفق على تسميتها "مسار أوسلو"، لم تكن جولة مفاوضات واحدة، إلا وزفّت لنا جوقات فلسطينية وعربية أن ما يجري من وراء الكواليس هو بيع فلسطين، يعني أن القيادات الفلسطينية "نجحت" ببيع فلسطين التاريخية، وعن بكرة أبيها، مرتين سنويا بالمعدل، فأن "تنجح" في بيع الوطن للزبون نفسه 34 مرّة، فهذا أمر يحتاج لموهبة إبداعية خارقة.
تكمن المشكلة في أن الجوقة، أو الجوقات، التي تمتهن لهجة التخوين هي ذاتها على مر 17 عاما، ولكنها لم تحاسب نفسها ولم تفحص مصداقية مزاعمها بعد انتهاء كل مرحلة من المراحل، فالرئيس الراحل ياسر عرفات "باع فلسطين"، و"نهب أموال الثورة"، و"ثروته الشخصية تقدر بسبعة بلايين دولار"، هذه مزاعم قيلت طيلة فترة عرفات، وحتى حينما كان في أشد ظروف الحصار، ولم يهتم أحد بأن بدعة "الثروة" كانت إسرائيلية، ولكن حينما سقط ياسر عرفات شهيدا على مذبح الاحتلال، زفته لنا تلك الجوقات "شهيدا شهيدا شهيدا".
في فترة حكومة إيهود أولمرت، جرت مفاوضات مع الرئيس محمود عباس، وخلالها كان "بيع فلسطين" جار على قدم وساق، وانتهت فترة أولمرت، وانتهت معها المفاوضات، ولكن "للمفاجأة" أن فلسطين ما تزال على حالها، على بؤسها وأوجاعها، منها ما يصنعه الاحتلال، ومنها أوجاع "بصناعة وطنية خالصة"، يعني "MADE IN PALESTINE"، وهي اليوم معروضة للبيع مرة أخرى لبنيامين نتنياهو.
هل فكر أحد بإعادة حساباته وما ابتدعه من حكايات قبل نحو عامين؟، فقبل أقل من شهرين، وقف أولمرت يروي خفايا المفاوضات، ليس من باب أن يتحدث عن كرمه، بل من باب توجيه اتهام للقيادة الفلسطينية، بأنها رفضت حتى ما عرضه عليها، وكلمة "حتى" هي من باب المنطق الإسرائيلي، ونظرا للأوضاع السياسية الداخلية في إسرائيل.
فقد تحدث أولمرت عن دولة فلسطينية بحدود 1967 مع تعديلات حدود أرادها بنسبة 6 %، "وتقاسم" في القدس حسب خطة بيل كلينتون، وحتى في مسألة اللاجئين جرى الحديث عن عودة محدودة لهم إلى مناطق 1948.
لقد سكتت القيادة الفلسطينية حتى الآن، ولم تعقب على ما قاله أولمرت، "وأغلب الظن"، أن هذا السكوت علامة الموافقة على ما قال، بما في ذلك ردها على عرضه، وقد نسمع في يوم قريب مسؤولا فلسطينيا يُكمل ما رواه أولمرت ويوضح أكثر.
هذا لا يعني أن على المعارضة الفلسطينية بأن تسكت، على العكس تماما، ولكن شتان بين المعارضة البناءة وجوقة التخوين، التي يمتهنها البعض لتبرير وجوده، فهناك الكثير مما يمكن انتقاده؛ منها استمرار الاعتماد على الوسيط الأميركي، ومنها غياب المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، كي تكون ورقة ضغط فلسطينية، ومنها عدم تفعيل هيئات وأطر م.ت.ف، والتأكيد أنها هي المفاوض، وليس السلطة الفلسطينية، كما تريد إسرائيل وغيرها، إضافة إلى أمور أخرى.
في نهاية المطاف، الكل يعرف ويعي أنه لن يكون بمقدور لا عباس ولا أي قائد فلسطيني أن يوقع على اتفاق يرفضه الشعب، والقيادة الفلسطينية تعرف ذلك وهي شريكة بهذا الرأي.
\n barhoum.jaraisi@alghad.jo هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته
المصدر : جريدة الغد الاردنية 26 / 10 / 2010
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر