الصّالونُ الأدبيّ في جمعيّة الثّقافةِ العربيّةِ في أمسية ماغوطيّة/ قرمانيّة في عكّا القديمة |
افتتحَ الأمسيةَ إياد برغوثي مُرحِّبًا بالحضور، ومعوِّلاً على الأيّام القادمة أن تتّسعَ حلقةُ الصّالون الأدبيّ بأعضائِه، وتزدهرَ نشاطاتُهُ الأدبيّة والثّقافيّة، لتساهمَ في إثراء الحياة الثّقافيّة وتنشيطها، ومواكبَةِ الحركةِ الأدبيّة والثّقافيّة المَحلّيّة والعربيّة. الجزءُ الأوّل من النّدوة تناولَ سيرةَ الأديب والشّاعر السّوريّ محمّد الماغوط وكتاباتِهِ الأدبيّةَ بألوانها الشّعريّةِ والنّثريّة السّاخرة، وقد استهلّ الحديثَ عنهُ الشّاعرُ نزيه حسّون وجاءَ في كلمتِهِ: وُلدَ الماغوط عام 1934 في مدينةِ السّلميّة الّتي تقعُ على تخوم باديةِ حِمص في سوريا، وقد تركَها وهو لم يزلْ في الرّابعة عشر مِن عمرِهِ، ليَدرسَ الزّراعةَ في دمشق، وليهربَ مِن قسوة الحياة كما قال، فقد كانتْ له طفولةٌ قاسيةٌ يُردِّدُها في الكثيرِ مِن قصائدِهِ، لكن حبّهُ لهذه المدينة بقي يَسكنُهُ حتّى لفظَ أنفاسَهُ الأخيرةَ في دمشق عام 2006. يبقى أديبُنا الكبيرُ محمّد الماغوط ظاهرةً مميّزةً ومتفرّدةً في أدبِنا العربيِّ المُعاصِر، فقد تركتْ كتاباتُهُ بصماتِها العميقةَ والمُؤثِّرةَ في وجدانِ الشّعوبِ العربيّةِ، وعلى جدرانِ الوطنِ العربيِّ كلِّهِ؛ شعرًا، ونثرًا، ونقدًا وإبداعا. فمنذُ صدورِ ديوانِهِ الأوّلِ، تنبّهَ النّقّادُ إلى عازفٍ جديدٍ يَعزفُ عزفًا آخرَ، وطائرٍ خاصٍّ يُغنّي خارجَ السِّرب، ويقولُ ما يريدُ دونَ تَردُّدٍ ولا وَجلٍ، وبأسلوبٍ ساخرٍ حتّى الألم! عندَ صدور ديوانِهِ الأوّل "حزن في ضوء القمر"،عن دار مجلّة شعر عام 1959، وديوانِهِ الثّاني "غرفة بملايين الجدران"، عن نفس الدّار عام 1960، لفتَ الماغوط بأشعارِهِ نظرَ النّقّاد، ورأَوْا فيه شاعرًا حداثيًّا ومُجدِّدًا مِن الطّرازِ الأوّل. في بدايةِ السّتّينيّات اتّجهَ الماغوط لكتابةِ المسرحيّة، حيث أصدرَ عام 1960 مسرحيّةَ "العصفور الأحدب والمهرّج"، وفي عام 1970 أصدر ديوانًا شعريًّا بعنوان "الفرح ليس مهنتي"، ليعودَ مرّةً أخرى إلى المسرح، ولينشرَ في السّبعينيات مسرحيّاتِهِ "ضيعة تشرين"، و"شقائق النّعمان"، و"غُربة"، و"كأسك يا وطن"، و"خارج السّرب"، هذه المسرحيّات الّتي مثّلَها الفنّانُ السّوريُّ "دريد لحّام" في معظم المسارح العربيّة، والّتي أثارتْ آنذاك موجةً عارمةً مِن الاهتمام والنّقاش، وتعرّفتِ الشّعوبُ العربيّةُ أكثرَ على أدب الماغوط، ذلك لأنّ هذه المسرحيّاتِ كُتبتْ بأسلوبٍ بالغِ السّخريةِ والنّقد. كما وأنتجتْ له المؤسّسةُ العامّةُ للسّينما السّوريّة فِلْمَي "الحدود" و"التقرير". هذا هو محمّد الماغوط هرمٌ شامخٌ وثابت وعظيم، عاش متحدّيًا ومات باسقًا، وحمل كلّ قضايا الوطن الكبرى على كاهله عبرَ رحلةِ حياته القاسية، والّتي انتهت في3/4/2006 عن عمر يناهز ال72 عام، بعد صراع طويلٍ مع المرض الّذي أقعدَهُ جسديًّا، ولم يُقعدْهُ فكرًا وإبداعًا. رحل عن هذا العالم تاركًا لنا كلّ هذا الإرث الأدبيِّ والفكريِّ العظيم، الّذي علينا أن ننهلَ منهُ وأن نُرضعَهُ لأجيالِنا القادمة، علّها تستطيع أن تُحقّقَ كلّ الأحلام الّتي طالما حلمَ الماغوط بتحقيقِها في حياتِهِ، بهذا وفقط بهذا، إنّما نُكرّم هذا الرّجلَ في قبرِهِ. | ||
جدير بنا ونحن نتناول الماغوط، ألاّ نهمل ثنائيّة الأديب والفنّان، وثنائيّة الأديب والحاكم، ومَن نهضَ منهما بالآخر؟ ولا أجعل من علاقة الماغوط بدريد لحّام كعلاقة المتنبّي بسيف الدولة، ولكن من الجميل رغم القطيعة بين الماغوط والفنّان أن يشار إلى هذه الثنائيّة، ويحضرني قول مارون عبّود- وقد تكون الذاكرة خانتني-: "كأنّي بشوقي يَكتب غزَلَهُ/ شعرَه وعبدُ الوهاب مِلْءُ خاطرِهِ"، فهذا التّزاوج بين أدب وفنّ، أنتج فنّا راقيا جدًّا، ما جذبنا إلى الماغوط أنّه سبقنا إلى القول، كأنّنا كلَّنا نقول: "هو ذا ما كنت أريد التّحدّث عنه وعن وجعه"، وقد كان يُدهشُني الماغوط في نهاية كلّ نصّ، وأُعيدُ عملاقيّتة إلى الدهشة وهذه الإشراقة التي تحمل أشياء من الفجاءة. عطالله جبر: الماغوط برعَ أكثر من يوسف الخال وأدونيس، فكيف عُرِّف؟ أخذ منه صديقه بعض القصائد وقرأها في بيروت، ومَن سمعَها فوجئ، وكان للقصائد ضجّة، لكن ربّما الّذي لم يجعلْهُ يتطوّرُ هو جهله باللّغةِ الأجنبيّة، وعدم الاطّلاع على الأعمال العالميّة الأجنبيّة، لكن الآخرَيْنِ كانا يستطيعان، فلو كانت معرفتهما واطّلاعهما لديه، لكان إنتاجُهُ أكثر وأزخم. الإيقاعُ الدّافئ في الكلمات هو الّذي أوصلَهُ مِن خلال التّشبيه والاستعارة، لذلك تفاجأ الحضور بهذا النّوع من الإبداع، ولو انتقلنا، فهناك مَن قلّدوه ولم يرْتقوا إلى مستواه، لقد فاجأنا، لكنّه لم يستطع أن يُطوّرَ الأسلوب، فهناك دراما في القصيدة يبنيها بشكل إنسانيٍّ ترتقي معها، لذلك هو علامة مميّزة في الشّعر العربيّ الحديث، لكن هذا لا يعني أنّه ظاهرةٌ يتيمةٌ، يمكن أن يكون لها مستقبل بعد ذلك، ولكن هناك كُتّاب مثل كافكا، وُجدت كتبُهُ بعد خمسين سنة، وجاءت متميّزةً ومتفرّدةً، وليست شبيهةً بأيِّ نوع آخر. الماغوط كتبَ عددًا مِن المسرحيّات مع دريد لحّام باتّفاق مُسبَق، وجاء في قوْل الماغوط: "لقد مسخني دريد لحّام"، وذلك لأنّ دريد كان مباشرًا جدًّا والأدبُ ليس كذلك يصنع المسرح، ربّما أراد دريد إرضاء الجمهور، فأدخلَ أمورًا لم يكتبها، لكن لا يُمكن التّأكّد من ذلك، لأنّ المسرحيّات غير مكتوبة! المسرحيّات أدبيًّا ليست راقية، لكنّه أبدعَ شعريًّا بنوعيّةٍ خاصّة، وقد فاجأنا في بداياتِهِ، ولم يستمرّ عنصر المفاجأة لاحقًا. سامي مهنا: لا يمكن المقارنة التامّة بين يوسف الخال وأدونيس فهما شاعران مختلفان رغم أنّه جمعتهم ظروف وحالة ونهج متمثلّين في مجلّة شعر. ومحمّد الماغوط كتب شعره الحداثّي المتمرّد على مبنى وجوهر وأسلوب القصيدة العربية من خلال شخصيته وننسيته كرجلِ الرّصيف والمطر والمقهى، وبهذه الرّوح الصّعلوكيّة والموهبة الكبيرة، وذكائه الحّاد وتمرده الجامح استطاع أن يستقطب الأنظار منذ بداياته، وقد تأثّر وباعترافه بالشّاعر سليمان عوّاد رغم أ، من يقرأه يعتقد أنه من مدرسة رامبو وبودلير وفالاري، والماغوط لم يستورد حداثته من الغرب، بل جاءت من داخله، ومن مناخات محيطه ونفسيته، لذلك تجاوب معها القارئ العربي، فهو شاعر الأشياء العادية والقضايا الكبيرة في الوقت نفسه. وقصيدة النثر عند الماغوط مستساغة لأنها تحملّ مقوّمات هذا الأسلوب، وهو يكتبها من منطلق التمكّن لا العجز عن كتابة الشّعر الموزون، وهذه مشكلة الكثير من الشعراء في أيّامنا الذين يكتبون قصيدة النثر من لأنهم لا يتقنون الوزن، مقلدّين أجواء قصيدة التفعيلة، ومناخاها، رغم أن من أهم شروط هذه القصيدة أن لا تكون نمطية. ورواية "الأرجوحة" جميلة جدًّا، كتبها في فترات كان فيها هاربًا ومختبئاً ومسجونًا، دونّها على قصاصات ورق وخبّأها عند أمّه، فضاعت معظمها ، وقد كان فوضويًّا إلى حدّ بعيد،، وكانت زوجتُهُ فيما بعد الشّاعرة سنيّة صالح تحضر هي والكاتب زكريا تامر له الكتب الكثيرة في فترة اختبائه، فتعود لتجد كتبَهُ مبلولةً بالقهوة والماء، ومنشورة على حبال الغسيل لتجف. الماغوط شاعر مدهش رغم أنني أجده أحيانًا مُقلِّدًا لنيتشه ، وهو يبني قوّتَهُ باللّمعات الّتي تُضيئ الجزء العادي من النّصّ، الماغوط تمرّدَ على الحالة السّائدة على الأصعدة جميعها، السّياسيّة والاجتماعية والدينيّة والأدبية والفنّيّةِ، مِن خلال قوة نصوصه وسخريتِهِ، فهو على سبيل المثال يجيب لسؤال لكن لماذا انتمى للحزب القومي السوري وليس للبعث؟ فكان جوابُهُ السّاخر: بأنه سار في الشارع الذي فيه مقرّات الحزبين فوجد الحزب القومي السّوري مدفأة، فأنتسب للحزب. | ||
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر