ولد هذا الأديب في بسكنتا في لبنان بعد إنهاء دراسته في قريته التي كان يرأس إدارتها خليل بيدس ابن الناصرة ومن خريجي السيمنار الروسي (دار المعلمين) ألح على ميخائيل بأن يلتحق بمدرسة الناصرة لينهل منها العلم وينال شهادتها العلمية التي تأهله بأن يكون معلما…
فمن ما كتبه نعيمة في سيرته الذاتية سبعون يتحدث عن سفره إلى فلسطين فيورد..
"كان عالمي رحما مغلفة بظلمات ضمن ظلمات. فأصبح سريرا صغيرا من خشب يغمره النور في النهار والظلام في الليل. ثم بيتا صغيرا سطحه من تراب وأرضه من تراب. ثم حيا في ضيعته. ثم ضيعة بخراجها الممتد إلى أعالي الجبال المحيطة بها. وها هو.. قد آن سفري إلى الناصرة.. يمتد بعيدا بعيدا إلى فلسطين. وأين أنت يا فلسطين. يا أرض الميعاد التي تدر لبنا وعسلا؟ أين أنت يا حلم موسى وسبية يشوع بن نون. ويا حبيبة داوود وسليمان. ويا ملهمة اشعيا وكاتب سفر أيوب. ويا مسرحا تعاقبت علية ادوار أنبل حياة وفصول أفجع مأساة منذ مأساة عدن؟ وأين أنت يا ناصرة النجار يوسف وخطيبته مريم التي منها بطل تينك الحياة والمأساة؟
نعيمة مع زملائة بالناصرة 1903
لله ما أبعدك يا أرض اللبن والعسل. وهل فيكما ما يعني هذا اليافع الذي لم يكمل بعد عامه الثالث عشر. وهل فيكما ما يغنيه عن وكره المتواضع.. وعن أهله..؟"
هكذا تخيل نعيمة فلسطين والناصرة وكأن رجلاه ستطأ الجنة.. فقد كانت له هذه البلاد بوصفه أرض القداسة ومهبط الأنبياء.. واللبن والعسل..
من قرية بسكنتا الجبلية حمل نعيمة معه ورقة النفوس (الباسبورت) ويمم إلى فلسطين بحرا متجاوزا حدود بلدته ومنشأه وبجعبته ريالا مجيديا وهو الزاد للمأكل والمشرب.. وكم تمنى ميخائيل نعيمة بأن تكون هذه النقود في البيت مع أهله لما لهم بحاجة أكثر منه…
ما هي إلا أيام حتى تكحلت عيناه بعروس فلسطين حيفا العربية التي احتضنت الساحل بجمالها..
نزل نعيمة بشوارعها وقد ألبسته أمه لتلك السفرة قمبازا جديدا.. علاوة على طربوش أحمر ومداس جديد..
المدرسة الروسية في الناصرة 1904
وصف نعيمة تلك الزيارة لحيفا بشوارعها وبيوتها العريقة والسكة الحديثة وبما فيها الناس والجمال والحمير والمحترمل والكلاب والعربات تلهب ظهور جيادها أسواط الحوذيين وهم ينادوها بأعلى صوتهم "ظهرك يا حرمة.. وجهك يا أفندي.. جنبك يا عتال…
فيها النساء المؤزرات.. المحجبات.. والرؤوس المعممة والمتقلنسة والمطربشة..
فيها باعة المرطبات يحملون القراب أو القناني الزجاجية الكبيرة ليطفئ بها الشاري أو السائر نار ظمئه..
وفي أيديهم صحون من النحاس لا ينفكون يقرعون بعضها ببعض وينادون.. "بورد يا عطشان!"
يتحرك نعيمة للسفر إلى الناصرة ترافقه الذاكرة لما رأته عيناه وسمعته أذنيه من أحاسيس وصور وانطباعات…
إلى الناصرة إلى مدينة بشارة ومنشأ المسيح عليه السلام…
العربة تسير متخطية التلال والسهول ومشاهد الطبيعة وجبال الجلبوع التي لم تخفيها حتى أكبر السحب…
تلك هي المناظر التي شاهدها ميخائيل حين تخطى الطريق بين حيفا والناصرة..
المسكوبية! المسكوبية الناصرة يا أفندي هكذا أعلن سائق العربة أو الحوذي بأعلى صوته ليستيقظ نعيمة من غثاء السفر الذي انهكه والذي استغرق ثماني ساعات..
ترجل نعيمة ماشيا متلفتا تتفقد عيناه معالم وأسرار هذه المدينة..
في زقاق ضيق وأمام بناية كبيرة هي المسكوبية أو دار المعلمين فتح الحاجب الباب الكبير الذي يستقبل به الطلاب في كل صباح ودخل الصبي وشخص الطلاب بوجه غريب جاءها من سفح صنين البعيد يطلب النور.. يطلب الهداية.. ويطلب المعرفة…
داخل احدى صفوف المدرسة 1902
هكذا بدأ نعيمة مشواره مع العلم في الناصرة ولمدة 6 سنوات كان غذاؤه الكتاب والقرطاس..
عقب تخرجه من السيمنار عام 1906 تلقى نعيمة منحة تعليمية وسافر إلى باريس والتحق بجامعة السوربون عام 1912. ثم التحق بجامعة واشنطن لدراسة الحقوق ونال الشهادة سنة 1916 لكنه لم يمارس المهنة لانشغاله في الأدب..
أسس مع جبران خليل جبران ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي الرابطة القلمية وكان أمين سرها عشرة أعوام.. لكنها أغلقت أبوابها مع وفاة جبران خليل جبران عام 1931.
عاد إلى لبنان وتفرغ للكتابة.. وفي عام 1935 زار مدينة الناصرة بدعوة من النادي الأدبي الذي كان يرأسه أديب جرجورة والذي يعد من أهم النوادي التي تهتم بالثقافة وكان رئيس البلدية سليم بشارة عضو شرف فيه ويشجع النادي بنشر الثقافة ولم يعط أهمية للمحسوبيات والطائفية والاستعلاء مثل يومنا هذا!!!
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر