تشتهر الخليل كمدينة صناعية عريقة بالعديد من الصناعات التقليدية، ومنها صناعة الجلود وصناعة الحجر، حيث ترتبط العلميات الإنتاجية في كلا الصناعتين بمخلفات صناعية ذات تأثيرات بيئية على الإنسان والأرض والمياه الجوفية.
وحسب خبراء في هذا المجال فالصناعات الجلدية تفرز عنصر الكروم التي تعتبر من المواد المسرطنة، في المياه الخارجة من مدابغ الجلود، إضافة إلى ملوثات أخرى.
كما تنتج صناعة الحجر كميات كبيرة من بودرة الحجر التي تسبب مشاكل تلوّث للتربة والمياه الجوفية، والهواء، وأجريت خلال السنوات الماضية العديد من الجهود البحثية لباحثين فلسطينيين في الجامعات الفلسطينية للتخلص من هذه النفايات، والتحكم في تأثيراتها البيئة.
وفي لقاء خاص لـ 'وفا'، مع مدير مركز التكامل مع الصناعة في جامعة بوليتكنيك فلسطين، الدكتور ماهر الجعبري، وهو أستاذ مشارك في كلية الهندسة والتكنولوجيا، ويشرف على فريق بحثي يضم عدد من الباحثين، اعتبر الجعبري مفهوم معالجة النفايات باستخدام النفايات، من المبادئ البيئية الرائدة للتطبيقات التكنولوجية، وان البحث خطوة في هذا الاتجاه العلمي الرائد، وخصوصا أن مدابغ الجلود في الخليل توجد في نفس المنطقة الجغرافية التي توجد فيها مناشير الحجر.
وأكد أن البحث يطرح منهجية عملية جديدة للتعاطي مع النفايات الصناعية في فلسطين من خلال تطبيق فلسفة معالجة النفايات بالنفايات، للحد من تأثيراتها البيئية، كما تثبت هذه الدراسة الجدوى التطبيقية للتخلص من عنصر الكروم في المياه الصناعية الخارجة من مدابغ الجلود عمليا، من خلال معالجتها بخلطها مع النفايات الصلبة الخارجة من صناعة الحجر والرخام (بودرة الحجر)، مما يؤدي إلى إمتصاص (adsorption) عنصر الكروم على سطوح بودرة الحجر، إضافة إلى مساهمة درجة القاعدية الناتجة عن وجود مخلفات الحجر في الماء في ترسيب إضافي لعنصر الكروم .
وقال إن فريقه البحثي ركز على دراسة هذه المخلفات الصناعية، للوصول إلى تطوير طريقة تقنية لمعالجة المياه الصناعية العادمة الخارجة من مدابغ الجلود عن طريق استخدام النفايات الصلبة من مناشير الحجر، كما تقدم الفريق بورقة عملية تعرض نتائج البحث التطبيقي لهذه التقنية في المؤتمر الدولي للطاقة وحماية البيئة والذي عقد في جامعة بوليتكنك فلسطين خلال الفترة من 10-12/11/2009.
وأوضح أن البحث تضمن دراسة تأثير مجموعة من العوامل على فعالية العملية، ونسبة التخلص من مادة الكروم من خلال استخدام جهاز الفحص الطيفي (UV/Visible spectrophotometry)، وشملت العوامل نسبة خلط المادة الصلبة للسائل، وزمن الخلط ودرجة الحموضة.
وبين أن التجارب المخبرية أثبتت أن التخلّص شبه الكامل من مادة الكروم من مياه المدابغ ممكنة التحقق عند ظروف تشغيل مثالية، تحدد نسبة المواد الصلبة المضافة (بودرة الحجر) والوقت الكافي لخلط النفايات يبعضها.
وتضمنت الدراسة المقدمة للمؤتمر كذلك عرضا للنتائج المخبرية على شكل منحنيات تربط نسبة إزالة الكروم مع الزمن، وبينت أن تلك النسبة تزداد مع الزمن إلى درجة تقترب فيها من الثبات لدى الوصول لحالة الاتزان أو الإشباع، وهذه الحالة التي تحدد الإزالة النهائية للكروم من المياه العادمة، تزداد كلما زادت نسبة المادة الصلبة للسائل، مما يعني فعالية أكبر لعملية معالجة النفايات الصناعية.
وتبين كذلك خلال الرسالة أن إزالة شبه كاملة للكروم، تحصل عندما تكون نسبة الصلب للسائل فوق 4 غرامات لكل 100 ملم من السائل، وبعد خلط وتحريك لبضع ساعات، بحيث يلاحظ بالمشاهدة تحوّل لون المياه العادمة من لون بنفسجي داكن إلى لون المياه العادي، كما تثبت الفحوصات الكيميائية.
وميّز البحث بين آليتي الامتصاص والترسيب في التخلص من عنصر الكروم، حيث أثبت أنه تم إزالة الكروم على درجة حموضة أقل من 5 (وهي ظروف لا يحصل عندها ترسيب كيميائي للكروم) مما يؤكد أن العملية عند هذه الظروف هي عملية امتصاص وليست ترسيبا.
وأكد د.الجعبري لـ 'وفا' أن فكرة البحث جاءت مع خلال بحث سابق على مادة 'الحوّر' الطبيعية المستخدمة في الخليل تقليديا لتصفية عصير العنب لصنع الدبس، وتطبيقها للتخلّص من الكروم، بمساعدة الباحثة صفا شاهين (ماجستير كيمياء في الجامعة الأردنية) ونجحت تلك الفكرة، وتم نشرها في أبحاث سابقة.
ثم بعد ذلك فكر في تطوير الفكرة وتطبيق المبدأ الرائد القائم على التخلص من النفايات الصناعية باستخدام نفايات صناعية أخرى.
وأشار الجعبري أن هدف المشروع الرئيسي هو إثبات الجدوى الفنية والتطبيقية في معالجة النفايات بالنفايات، كأسلوب رائد في تقليل الآثار البيئية الناتجة عن الصناعات الفلسطينية، وتطبيق ذلك على صناعة الجلود، للحد من انتشار عنصر الكروم في التربة وانتقاله في المياه الجوفية نتيجة تسربه مع المياه العادمة في الأودية.
وأشاد الجعبري بجامعة بوليتكنيك فلسطين، التي تشجع البحث العلمي من خلال عدة اتجاهات، وتمويل بعض النشاطات البحثية من موازنة الجامعة، ومنح الباحث بعض التفرّغ الجزئي من التدريس مقابل نشاطات البحث العلمي، مبينا أن الجامعة وفرّت المختبر والأجهزة لإجراء هذا البحث، إضافة إلى توفر لجنة علمية لمناقشة نتائج البحث، وتدقيقها.
وأكد على دعم وتنبني المشروع من قبل الدكتور مصطفى أبو الصفا عميد كلية العلوم التطبيقية (خلال فترة المشروع)، مشيرا إلى أن الجامعة أسست مركز التكامل مع الصناعة لغاية التواصل مع الصناعة حول مثل هذه الأبحاث التطبيقية لحل إشكالات الصناعة، والمركز يحظى بدعم كبير من إدارة الجامعة ومن مجلس أمنائها، وهو يتواصل مع الصناعة بشكل تصاعدي.
وأكد أن فريق البحث قام بإجراء تطبيق الفكرة عمليا، عن طريق الحصول على عينات مياه عادمة من مدابغ الجلود، ومن مخلفات قص الحجر (بودرة الحجر).
وقال الجعبري: وضعنا المنهجية البحثية، وصممنا التجارب المخبرية المناسبة، التي تقوم على خلط النفايات الصناعية من المصدرين، وراقبنا تغيّر الخصائص، من خلال فحص تركيز عنصر الكروم خلال عملية المعالجة بتحليل الطيف الفوق بنفسجي، ومن ثم بعد إجراء سلسلة التجارب قمنا بتحليل النتائج حسب الأسس العلمية.
وأثبتنا أن بودرة الحجر من مخلفات مناشير الحجر ذات قابلية عالية لاستقطاب الكروم الذائب في المياه العادمة على سطحه ومن ثم فصلها من السائل إلى الصلب.
وأهم نتيجة للبحث هي إثبات الجدوى التطبيقية للفكرة عمليا، وهنالك نتائج تتعلٌّق بتوصيف الظاهرة حسب الأسس العلمية، والقياسات الكمية، وهنالك نتائج تتعلّق بالتفريق بين عملية الترسيب الكيميائي للكروم وعميلة امتصاص الكروم على سطح البودرة.
وحول دور الجهات المعنية بالبحث، أكد أن هنالك حاجة لتفعيل أكبر للشراكات المجتمعية في متابعة وتنفيذ مثل هذه الأبحاث التطبيقية، ولا بد من إيجاد أرضية للتعاون ما بين القطاع الصناعي والأكاديمي، مبينا أن هذه هي الرسالة التي يحملها مركز التكامل مع الصناعة الذي يديره حاليا في جامعة بوليتكنيك فلسطين.
وشدد على أهمية وجود علاقة 'ثالوثيه' تجمع القطاع الخاص، والأكاديمي، والحكومي، لتحويل مثل هذه الأبحاث إلى التنفيذ على المستوى الصناعي.
وحول أهمية تسجيل البحث أو حصوله على براءة اختراع، أكد الجعبري، إيمانه بنشر المعرفة والأفكار العلمية، لا حصرها في أفق ضيّق وحجبها عن الناس من خلال عملية التسجيل، مبينا أن نجاح الأفكار البحثية هو في تطبيقها عمليا في الصناعة لا في إبقائها حبيسة الأوراق الرسمية، وهذا ما يحقق الاعتبار الفعلي للبحث، ولذلك لم يقم الفريق بخطوات لتسجيل الفكرة.
واعتبر الجعبري أن الجائزة الحقيقية تكون في تبنى الجهات الرسمية فكرة تطوير المشروع بالتعاون مع الصناعة والحصول على تمويل لنشاطات أخرى للبحث في هذا المجال.
ودعا الباحثين في فلسطين إلى التركيز على الأبحاث التطبيقية التي تعالج المشاكل المحلية، لأن مثل تلك الأبحاث يمكن أن تكون ذات أثر ملموس، وتستقطب اهتمام الناس.
كما دعا الجهات التي تقوم بتمويل الأبحاث العلمية بعدم ربط ذلك التمويل بشروط المشاركة البحثية مع باحثين من جامعات عبرية، لأن ذلك لا يسهم في تحريك الباحثين في الجامعات الفلسطينية، بل يجعل الحركة العلمية فيها تابعة للحركة العلمية في الجامعات العبرية، وهو ما يسيس العملية العلمية، وخصوصا أن موقف الجهات الرسمية لا يؤيّد هذه الشراكات البحثية.
وهنالك أبحاث تطبيقية أخرى نقوم بها بالتعاون مع العملية الصناعية من خلال مركز التكامل مع الصناعة، وآمل أن تجد اهتمام المانحين لتمويلها لأنها ذات صمحترم تطبيقية وتستجيب لاحتياجات حقيقية.
وعبر د. الجعبري عن أمله في تجسيد فلسفة تمويل البحث العلمي من خلال مساهمات الصناعة نفسها حتى لا نبقى في حالة تبعية علمية لما تحدده الجهات المانحة، ولكي لا يكون البحث العلمي مجرد 'ديكور' شكلي في الجامعات، بل ليتحول إلى نشاط تطويري للصناعات.
وأكد على ضرورة الشراكة المجتمعية في إجراء هذه الأبحاث التطبيقية، وفي تحويلها إلى التنفيذ العملي من خلال بناء وحدات معالجة صناعية، ودعا إلى أن تهتم الجهات الرسمية بأساليب التخلّص الصحيح من النفايات الصناعية لأن تراكمها في البيئة الفلسطينية يؤدي إلى مشاكل متفاقمة على صحة الإنسان والحيوان والنبات، كما وركز على ضرورة اهتمام الشركات الصناعية بتكنولوجيا المعالجة البيئة، واعتبر أن مفهوم 'لا ضرر ولا ضرار' يجب أن يكون دافعا لأصحاب الشركات لمتابعة تلك الجهود البيئية.
وفي السياق نفسه، بيّن الدكتور ماهر الجعبري أنه قام مع فريق بحثي آخر بتطوير جهاز لمعالجة الغازات المنبعثة من أفران صناعية بناء على آلية الامتصاص في الماء، وأن الشركة الصناعية تقوم بتشغيل وفحص الجهاز الذي تم تطويره في مركز التكامل مع الصناعة، وأن المشروع يمثّل قصة نجاح في التعاون الأكاديمي الصناعي.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر