محمد خير جروان
ان دراسة الجانب العنصري في المجتمع الاسرائيلي تقتضي علينا في البداية دراسة فئات هذا المجتمع فهو في بدايته مجتمع مهاجرين هاجروا الى فلسطين وهم ينتمون الى دول وقوميات مختلفة وكانت بداية هذه الجماعات في قرى تعاونية تقوم على اساس الزراعة والعيش المشترك وقد اطلق عليهم مصطلح «مجتمع اليشوف» وذلك قبل اعلان الكيان الاسرائيلي وبعد قيامه ظهرت ملامح ذلك وانعكست على التقسيم الاجتماعي الذي قام في البداية على اساس اربع فئات وهي:
اليهود الغربيون «الاشكنازيم»: تشكل هذه الجماعة الفئة العليا السائدة على كل الطبقات الاجتماعية ، وهم المهاجرون من اوروبا وامريكا والذين ينتمون الى اصول غربية. وهؤلاء المهاجرون جاءوا الى فلسطين في فترة الانتداب البريطاني وكان الهدف من هجرتهم هو الدافع السياسي والقومي الذي نتج عن الايمان بالآيديولوجية الصهيونية التي تقوم على فكرة الدعوة لقيام دولة يهودية تخلص اليهود من اضطهاد الامم الاخرى. وافراد هذه الفئة تركز وجودهم في المدن الرئيسية وشغلوا الوظائف والمهن العليا التي تمتاز بدخل اقتصادي مرتفع وتعكس هذه المجموعة النموذج الحضاري الغربي والبراعة الفنية وارتفاع مستوى التعليم وتمثيل الثقافة الغربية.
اليهود الشرقيون «السفرديم»: وهم اليهود الذين هاجروا الى فلسطين من البلاد العربية والاسلامية ومنطقة الشرق الاوسط وقد كانوا يمثلون اقلية بالنسبة لليهود الغربيين «الاشكنازيم» عندما تم اعلان قيام الدولة الصهيونية ويعزى السبب في هجرة هذه الفئة الى العامل الديني وقد تركز وجودهم في الاحياء الشعبية داخل المدن والمناطق الريفية وفي الاماكن التي يسكنها العرب قبل طردهم من اراضيهم ويعمل معظم افراد هذه الفئة في المهن البسيطة والاعمال اليدوية وتمتاز هذه الفئة في انخفاض مستواها الثقافي والعلمي وانها جماعة محافظة ومتدينة وتتصف بالتماسك العائلي والعزلة السياسية.. وهنا يتبين بان هذه الفئة تعتبر ادنى من فئة الاشكنازيم» لأنها اصطبغت بالصمحترم الشرقية من ناحية الثقافة والدين والمستوى التعليمي المتدني فهي كانت تعاني من عدم الانسجام مع اليهود الغربيين وذلك بسبب التباين في المستوى المعيشي والاقتصادي والسياسي والتعليمي والقيمي وهذا ما ادى الى عزلتها وسكنها في اماكن شعبية وريفية.
وفئة الصابرا من اصل اشكنازي او سفاردي: وهذه الفئة هي من مواليد المهاجرين اي انهم ولدوا على ارض فلسطين التاريخية داخل المستوطنات «الكوبتز والموشاف» وقد برزت هذه الفئة او جيل الشباب بعد حرق 1948 واعلان الدولة الصهيونية ، والاقلية العربية هم العرب الذين بقوا في المناطق التي احتلتها اسرائيل عام 1948 وكان عددهم في هذه الفترة لا يتجاوز 156 الفا وهذه الفئة تعتبر ادنى الفئات الاجتماعية داخل اسرائيل من الناحية ا لاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية وشكلوا داخل المجتمع الاسرائيلي قومية مختلفة عن باقي فئات المجتمع وعندما قامت اسرائيل تعرضت هذه الفئة الى الاضطهاد من قبل الطبقات الاجتماعية الاخرى.
والحقيقة ان التقسيم الفئوي داخل المجتمع الاسرائيلي لم يقف عند هذا الحد بل تعدى ذلك الى تمتعه بخاصية التحول التي تدعمها موجات الهجرة اليهودية الى اسرائيل فكلما زادت الهجرة الى اسرائيل زاد مقياس التقسيم الاثني بداخله وتنبغي الاشارة الى ان خاصية التحول داخل المجتمع الاسرائيلي تنعكس فقط على التعدد الاثني للجماعات اليهودية.
وفي السنوات التي اعقبت قيام الكيان الصهيوني شهد المجتمع الاسرائيلي عددا كبيرا من موجات الهجرة وذلك على الرغم من موجات النزوح التي جرت بين الحين والآخر الى ان دخلت هذه الموجات عقد الثمانينات وسارت طوال عقد التسعينات من القرن المنصرم حيث اخذت تتبلور اثنيات يهودية جديدة وكان ابرزها يهود اثيوبيا ويهود روسيا «الاتحاد السوفياتي سابقا» فيهود اثيوبيا لم يتجاوز عددهم في اسرائيل حتى سنة 1984 المئات ولكن بعد هذا التاريخ وتحديدا من عام 1991 - 2001 شهدت الهجرة اليهودية من اثيوبيا انتعاشا كبيرا حيث بلغ العدد الحالي لهؤلاء اليهود 85,500 الف مهاجر وقد كان اتباع هذه الهجرة محدودي الثقافة وفقراء ومعظم قواهم العاملة هي «اجيرة» وقد كان لهم تأثير بارز داخل المجتمع الاسرائيلي على مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية اما يهود الاتحاد السوفياتي فخلال عقد من الزمن (التسعينيات) وصل الى اسرائيل ما يقارب 835,000 الف مهاجر ففي سنة 1998 شكل المهاجرون السوفيات الى اسرائيل %16 من الجماعات اليهودية و12,8% من سكانها ، وفي عام 2000 شكل العدد الكلي للمهاجرين السوفيات في اسرائيل ما يزيد على المليون نسمة ويتضمن هذا العدد 200,000 الف مهاجر جاؤوا في فترة السبعينيات».
وبالتالي يمكن قياس العلاقة بين هذه الطبقات على تصنيفين الاول العلاقة بين الجماعات اليهودية داخل اسرائيل والثاني العلاقة بين هذه الجماعات اليهودية مجتمعة والاقلية العربية وبالنسبة للتصنيف الاول لقد طغى على العلاقة بين الاشكنازيم والسفرديم الرؤية الغربية التي تقوم على العنصرية والاستعلاء حيث ينظر الاشكناز الى ان الحركة الصهيونية قد قامت بينهم وهم اصحاب فكرة انشاء الدولة الصهيونية على ارض فلسطين وان الشرقيين ما هم الا متطفلين على الحركة الصهيونية والدولة من بعدها وقد شبههم بن غوريون (بالوحوش البشرية وايضا بالزنوج) فقد بلغ التناقض الاجتماعي بينهما ذروته في فترة ما بعد قيام الدولة وان كان السياسيون داخل اسرائيل حاولوا عدم ابراز هذا التناقض حيث أخذوا يستخدمون مصطلحات من شأنها تبديد هذا التناقض عندما يشيرون الى التفاوت الاجتماعي واصحاب العمل والعمال والرأسماليون والبروليتاريون ففي المقام الاول هناك هوة اجتماعية بين الاشكناز والسفارد وهي مسبباتها كثيرة ولكن من بعض المسببات الجوهرية هو المساعدات التي تلقتها الجماعات اليهودية الاشكنازية من الحكومة الالمانية في بداية الخمسينات والستينيات وقد كانت هذه الجماعات تتألف من اسر صغيرة مما ادى الى رفع مستواها المعيشي الى مرتبة عالية جدا وفي المقابل لم يستفد اليهود السفارد من هذه المساعدات بالقدر الذي استفاد منه الاشكناز وقد كانت الاسرة السفاردية تفوق العدد البسيط الذي تتكون منه الاسرة الاشكنازية وهذا ايضا ساهم في تعميق هذه الفجوة.
وفي المقام الثاني قام الاشكنازيم بتفتيت وحدة الاسر السفاردية المهاجرة الى اسرائيل وذلك من خلال التفريق بينهم وجعلهم جميعا عاملين في القرى التعاونية وبالتالي كان لهذا التقسيم أثره في تفتيت وحدة هذه الاسر وتحولها الى مجموعة من افراد الطبقة الدنيا وعلاوة على ذلك سعى الاشكناز الى اهمال الثقافة الغنية التي جاء بها السفرديم وهي لغة البلد المهاجر من خلال سياسات معينة وبالتالي فان ابناء الجماعات اليهودية الشرقية لم يستفيدوا من هذه الثروة المعرفية لآبائهم في حين ان ابناء الجماعات الاشكنارية برعوا في اللغة والثقافة الغربية التي حملها آباؤهم من الدول التي هاجروا منها وبالتالي فان الفجوة الاجتماعية بين الجماعات اليهودية الاشكنازية والسفردية لا تقف عند هذا الحل بل تتعدى ذلك الى تناقضات اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية هذا على الرغم من ان اليهود السفارديم يشكلون %60 من سكان اسرائيل وعلى الرغم من ان عدد الاشكنازيم بالنسبة ليهود العالم %15 فقد طغى الطابع العنصري على العلاقة بين هاتين الطبقتين وتجددت هذه العنصرية مع تبلور اثنيات جديدة حيث لقي اليهود الاثيوبيون جانبا كبيرا من الاضطهاد والعنصرية والعزل وابقائهم على هامش المجتمع غير ان حال اليهود السوفيات لم يكن افضل لان هذه الجماعة شكلت «مجموعة مميزة ذات حدود اجتماعية وثقافية قوية فيما يتعلق ببنيتهم الديمغرافية فشبكاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ومصادر معلوماتهم ومصادر الترفيه الخاصة بهم شكلت تركيزا ديمغرافيا شديدا حيث انهم يعيشون في احياء يشكل المهاجرون السوفيات فيها ما لا يقل عن ثلث السكان وبالتالي نلاحظ ان هذه المجموعة شكلت فيتو جديدا داخل المجتمع الاسرائيلي له تجمعاته وعلاقاته الاجتماعية والثقافية والحضارية الخاصة به وهذا في الحقيقة ما قوى عصب الاثنية الجديدة داخل المجتمع الاسرائيلي وجعلها اكثر وضوحا من مثيلاتها الاثنية ونظرت اليها الجماعات الاخرى نظرة عنصرية بسبب انها اثنية حملت معها كفاءات علمية عالية نافست جميع القوى العاملة في مختلف الجماعات اليهودية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر