المجتمع الفلسطيني :
تقع فلسطين بين آسية وإفريقية ، في قلب الوطن العربي والعالم الإسلامي ، غير بعيد من أوروبة ، وفيها الأماكن المقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث، مما جعلها على قدر كبير من الأهمية ، وجعل سكانها من أصول مختلفة ، ويبدو هذا التنوع واضحاً في بيت المقدس، إذ نجد السكان مزيجاً غريباً من حيث تعدد الديانات والمذاهب ، فهم ما بين مسلم ومسيحي ويهودي، ومن حيث تعدد الأصول، فهناك الأرمن والأقباط والمغاربة والشوام،إلى جانب العرب القادمين من الجزيرة العربية منذ عهد قديم، قبل الإسلام بقرون، وغير ذلك.
ولا تنحصر هذه الظاهرة في القدس دون غيرها ، ولكنها أظهر ما تكون فيها، وهذا يعني ، إضافة إلى ما تقدم ، أن المشهد الثقافي في فلسطين يقوم على التنوع والانفتاح ، وقد تجلّى قديماً في دوره القوي في تشكيل التراث الشعبي الفلسطيني ، إذ نجد من ورائه عوامل دينية متعددة إلى جانب التركة الحضارية للشعوب القديمة التي استوطنت المنطقة أو عبرتها على نحو ما شهدته حقبة الحروب الصليبية ، والحقبة العثمانية ، ومن قبلها الفاطمية .
غير أن الحقيقة الأوضح في ما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني انتماءُ غالبيته للعروبة والإسلام ، مما يعني أنهما أبرز العناصر التي أسهمت في صياغة فكره وثقافته ، وعندما نذكر هذين العاملين ، فإننا لا نعني أن انتماء المجتمع إليهما يعني أن ثقافته وفكره يصدران عن ما يقتضيه الإسلام والانتماء للعروبة ، فكثيراً ما نجد عادات وتقاليد مما يسود المجتمع لا تنسجم بحال من الأحوال مع تعاليم الدين والواجب القومي أو الوطني . وسنستعرض في الصفحات التالية أبرز خصائص المجتمع الفلسطيني الايجابية منها والسلبية ، على طريق الانتقاد والنقد البناء، وأملاً في أن ننجح في إحداث التغيير اللازم .
أولاً : القلق النفسي :
يعيش شعبنا منذ أكثر من قرن حياة قلق واضطراب ، وحالة فريدة من الصراع ومحاولة تحقيق الذات ، فمن التابعية العثمانية التي عملت على طمس معالم العروبة ، دون أن تكون منصفة بين رعاياها إلى الحقبة الاستعمارية وما تخللها من تغلغل صهيوني تمخض عن كيان استيطاني إحلالي اغتصب ثلاثة أرباع فلسطين ، وما أعقب ذلك من تشتت اللاجئين عبر الحدود إلى البلدان المجاورة ، وما هو أبعد ، إلى الحقبة الأردنية المصرية في الضفة والقطاع ، ومما أعقبها من عدوان إسرائيلي أفضى إلى سقوط بقية فلسطين في يد المحتل ، وتخلي الأمة من بعد عن نُصرة هذا الشعب المظلوم ، وما تلا ذلك من فعاليات المقاومة والانتفاضة ، إلى اليوم ... كل هذه اللكمات المتلاحقة حالت بين الشعب الفلسطيني والسوية النفسية ، مما أدى إلى نشوء ظاهرة الانطواء على الذات وإن كان ظهورها يتفاوت بين المواطنين في نسبته ، وهذا أدى إلى ما هو أخطر ، من قبول بالواقع على ظلمه ، وقبول المحتل من قبل بعض فئات المجتمع ، وضعف الميول القومية ، والاغتراب بل الهجرة الدائمة . فالفلسطيني نتيجة لما تقدم مرهف، لا يثق بالآخر كثيراً ، شفاف ، مدمن صبر ، جراء تواتر الفتن والشدائد بساحته . وهو لذلك ميالٌ لأن يرتاح .
ثانياً : انتشار ظواهر التشظي الاجتماعي ممثلة في :
أ- العشائرية :
العشائرية ظاهرة عربية قديمة ، وهي تنسجم مع القانون الطبيعي الذي ينظم الحياة الاجتماعية بين البشر عموماً ، إذ ما العشيرة إلا أسرة ممتدة ، حافظت تحت وطأة ظروف معينة على روابط وعلاقات متينة بين أفرادها ، بغض النظر عما إذا كانت هذه الروابط قائمة على المصالح المادية أو على أسس الحق والعدل.
وليس هناك ما يحرّم هذه الرابطة إذا قامت على أسس منطقية ودون أن تلحق بالآخرين ظلماً أو غبناً ، ولكنْ ، يبدو ، أن المفهوم الجاهلي للرابطة العشائرية عاد ليطغي على العلاقات الاجتماعية بعيد الإسلام بقليل إلا ما رحم الله ، وإن كنا، يبين حين وآخر ، نجد حالات شاذة ترعى حقوق الآخر ، وتحرص على قيم الحق والعدل .
وهذه الظاهرة منتشرة في الأوساط الفلسطينية على نطاق واسع، وخيرُ ما يترجمها الدواوين التي تنتشر في المدن والأرياف ، التي تحمل اسم هذه العشيرة ، وتلك العائلة ، بل ربما وجدنا قرى أو أحياء بكاملها تحمل اسم عشيرة أو عائلة بعينها .
ب- وهناك الجمعيات التي تقوم على عصبة البلدية ، وهذه الظاهرة تختص باللاجئين الفلسطينين ، في المخيمات وغيرها ، كأن تجد جمعية اللد ، أو ديوان أهالي كفر سابا ، أو أهالي مسكة ، أو الشيخ مونس، ولعل الداعي إلى الانتساب للمدينة أو القرية ، وتجاوز العشائرية (أحياناً) هو اشتراك أبنائها في الحرمان من حق العودة ، فهم يحيون الذاكرة بالانتماء إلى البلد الأصلي بدلاً من الأجداد ، مع أن بعضهم ربما جمع بين الاثنتين .
ج- الحزبية :
شهدت المنطقة ظهور أحزاب كثيرة ، منها إسلامية وقومية، ووطنية ضيقة ، إضافة إلى ما بدأ يظهر على الساحة من أحزاب أممية ، إضافة إلى ما بدأ يظهر على الساحة من أحزاب قيمية ، كحزب الفضيلة ، والنقاء ، والائتلاف وغير ذلك مما لا سبيل إلى حصره مع تقدم الزمن .
ويضاف إلى ذلك ما شهدته الساحة الفلسطينية على وجه الخصوص من تكتلات نضالية وجهادية تسعى لتحرير فلسطين ، فكانت هنالك حركة فتح ، ومن بعد حركة حماس ، وكانت الجبهات الشعبية فالديموقراطية والنضال الشعبي وحركة اللجان الثورية ، وكانت حركة الجهاد الإسلامي وغير ذلك من التنظيمات والفصائل .
وقد انتسب الفلسطينيون إلى هذه الأجسام وتلك الأحزاب ، أو أيدوها أملاً في أن يتحقق على يدها النصر ، ولم يقصروا في نصرتها ورفدها بالدم والمال ، وتحمس كل إلى الجسم الذي يراه أفضل من غيره ، حتى كادت الأمور تصل في بعض الأحيان إلى مثل ما تصل فيه بين العشائر .
د- الطبقية :
المعروف أن المجتمعات السوية تعيش في مستوى واحد أو يكاد ، وإذا تبين أن فيها تمايزاً طبقياً فإنه يكون طفيفاً ، كما هي الحال في دول أوروبة الغربية ، أو الصين مثلاً من دول المنظومة الاشتراكية . ولكن الصورة عندنا غير ذلك ، فالتفاوت الطبقي بين فئات الشعب رهيب ، وقد كنت أقول لطلابي : أحقاً أننا أبناء مجتمع واحد ؟ هل ينتمي أهل رفيديا والمخفية من نابلس هم ومن يسكن في مخيم عين بيت الماء مثلاً ؟ أو من يسكن أم الشرايط ومن يسكن الجلزون أو الأمعري؟
إن هذه الظاهرة القبيحة هي أحد أوجه الرأسمالية في المجتمعات المتخلفة التي لم تأخذ دورها في صياغة الحضارة البشرية ، فهي تستوردها وتسيء استخدامها ، مما يؤدي على "سوء توزيع المنتوج" فيكون هنا صفراً ، وهناك متضخماً ، وهنا سكان قصور ، وهناك سكان قبور ، وتستمر الوتيرة ، فيزداد الغني غنى ، والفقير فقراً وعلى عين النظام الذي يربط مصالحه بمصالح الأغنياء ، مما يعني مزيداً من سحق المسحوقين ، ولو كانت هناك محاكم ومجالس للشعب.
ثالثاً : تغييب دور المرأة ، وهضم حقوقها :
من المظاهر السائدة في الوطن العربي ، وبعض الدول الإسلامية ، تغييب دور المرأة ، وحرمانها من ممارسة دورها في صياغة الحياة وبناء المجتمع مما يعني تغييب نصف طاقة المجتمع على الأقل . لا سيما أن المجتمع "الرجولي" كان وما يزال ممسكاً بدفة الأحداث والقيادة ، فأثبت عجزه عن إنجاز ما كان يُعلّق عليه من آمال . غير أن تقاعس المرأة عن الأخذ بزمام الأمور ، والمبادرة إلى ممارسة حقها في صنع الأحداث ، والتمرد (المشروع) على العلاقات الظالمة التي تسود عالمها ، أغرى الرجل بالاستمرار في تفرّده ، مما أدى إلى حال الجمود والهوان التي يعيشها المجتمع العربي وغيره .
إن المجتمع الفلسطيني ، كغيره من المجتمعات الشرقية ، ينظر إلى المرأة نظر انتقاص ، ومن أبشع ما يمارس ضدها حرمانها حقوقها المشروعة في الإرث والتعلم ، بل لعل هذين من أبشع ما يمارس في جنب الدين ، وهذا هو التجني عليه، مع أننا نجاهر بالانتساب إليه ، و نفاخر بذلك ، وهذا من التناقض المفضي إلى الفشل ، وأعتقد أننا جميعاً متفقون على أننا فاشلون .
مجتمع جبل الخليل :
يمتاز هذا المجتمع عن سائر المجتمع الفلسطيني بعدة خصال ، فهو يشترك مع بقية أبناء المجتمع في جل المواصفات السابقة ، لكن على تفاوت ، فإذا أخذنا ظاهرة التشظي الاجتماعي لوجدنا أن الطابع الغالب عليه هو العشائرية ، أما التحزب فإلى التكتلات الإسلامية ، وذلك أن هذا المجتمع قبلي إسلامي في نشأته .
ويمتاز هذا المجتمع بظاهرة خاصة، هي أنه بحكم وقوعه على شفير البادية ، فقد ظل أقرب إلى التبدي والفطرة وسلامة الطبع ، إلا من احتك بالمجتمعات الأخرى فاقتبس منها ، وانتقلت إليه عدواها.
وفي الوقت الذي نجد المساجد فيه تمتلئ بالنساء في رمضان ( وغيره أحياناً ) فإننا لا نجد هذه الظاهرة في مجتمعات فلسطينية أخرى إلا نادراً ، غير أن المرأة هنا كثيراً ما تحرم حقوقها في الإرث – أكثر من أختها في مناطق أخرى – وربما حيل بينها وبين الخروج لطلب العلم ما لم يكن المعهد قريباً ، على العكس من أختها في مناطق أخرى ، إذ يتاح لها أن تغترب أحياناً لتقيم في مساكن للطالبات ، أو في ما تخصصه الجامعات لهن داخل أسوارها .
وقد يكون مناسبا هنا أن أذكر حديثاً دار بيني وبين إحدى طالباتي ممن يدرسن " لغة الاعلام" وهي تأمل أن تكون صحفية ناجحة ، فقد قلت لها بعد أن بسطت لها القول في طبيعة المهنة ومقتضيات العمل بها أن عليها أن تراجع إمكاناتها واستعدادها لهذا العمل ، وان نخبر أهلها بذلك كيلا تحرم من مزاولة عملها بعد التخرج ، حين تكون مضطرة للنزول للعمل ليلاً أحياناً ، إلى موقع الحدث ، وربما اقتضاها الأمر أن تخاطر بنفسها في الأحداث الساخنة على نحو ما نعرفه من مصير بعض الصحفيين الفلسطينيين .... ونصحتها ، أخيراً ، بالتفكير في التحويل إلى تخصص آخر ، ما لم تر غير ذلك .
من هنا ، كان علينا عند التعامل مع فئات المجتمع المختلفة ، أن ندرسها لنعرف كيف يمكن أن نتعامل معها ، علينا ، إذا أردنا أن نقود مشروعاً حضارياً شاملاً ، أن نرصد العلاقات الظالمة في المجتمع ، وبؤر التخلف أو العادات والتقاليد السقيمة ، وأن نبادر إلى وضع الخطط الكفيلة بنسفها مع توفير البديل المناسب ، دون المساس بثوابت المجتمع ، كي يظل المجتمع متواصلاً في امتداده بين جذوره وحاضره ومستقبله ، وإلا فليس إلا الهاوية والضياع المطلق ( أو العولمة ما لم يكن لنا فيها دور).
تقع فلسطين بين آسية وإفريقية ، في قلب الوطن العربي والعالم الإسلامي ، غير بعيد من أوروبة ، وفيها الأماكن المقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث، مما جعلها على قدر كبير من الأهمية ، وجعل سكانها من أصول مختلفة ، ويبدو هذا التنوع واضحاً في بيت المقدس، إذ نجد السكان مزيجاً غريباً من حيث تعدد الديانات والمذاهب ، فهم ما بين مسلم ومسيحي ويهودي، ومن حيث تعدد الأصول، فهناك الأرمن والأقباط والمغاربة والشوام،إلى جانب العرب القادمين من الجزيرة العربية منذ عهد قديم، قبل الإسلام بقرون، وغير ذلك.
ولا تنحصر هذه الظاهرة في القدس دون غيرها ، ولكنها أظهر ما تكون فيها، وهذا يعني ، إضافة إلى ما تقدم ، أن المشهد الثقافي في فلسطين يقوم على التنوع والانفتاح ، وقد تجلّى قديماً في دوره القوي في تشكيل التراث الشعبي الفلسطيني ، إذ نجد من ورائه عوامل دينية متعددة إلى جانب التركة الحضارية للشعوب القديمة التي استوطنت المنطقة أو عبرتها على نحو ما شهدته حقبة الحروب الصليبية ، والحقبة العثمانية ، ومن قبلها الفاطمية .
غير أن الحقيقة الأوضح في ما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني انتماءُ غالبيته للعروبة والإسلام ، مما يعني أنهما أبرز العناصر التي أسهمت في صياغة فكره وثقافته ، وعندما نذكر هذين العاملين ، فإننا لا نعني أن انتماء المجتمع إليهما يعني أن ثقافته وفكره يصدران عن ما يقتضيه الإسلام والانتماء للعروبة ، فكثيراً ما نجد عادات وتقاليد مما يسود المجتمع لا تنسجم بحال من الأحوال مع تعاليم الدين والواجب القومي أو الوطني . وسنستعرض في الصفحات التالية أبرز خصائص المجتمع الفلسطيني الايجابية منها والسلبية ، على طريق الانتقاد والنقد البناء، وأملاً في أن ننجح في إحداث التغيير اللازم .
أولاً : القلق النفسي :
يعيش شعبنا منذ أكثر من قرن حياة قلق واضطراب ، وحالة فريدة من الصراع ومحاولة تحقيق الذات ، فمن التابعية العثمانية التي عملت على طمس معالم العروبة ، دون أن تكون منصفة بين رعاياها إلى الحقبة الاستعمارية وما تخللها من تغلغل صهيوني تمخض عن كيان استيطاني إحلالي اغتصب ثلاثة أرباع فلسطين ، وما أعقب ذلك من تشتت اللاجئين عبر الحدود إلى البلدان المجاورة ، وما هو أبعد ، إلى الحقبة الأردنية المصرية في الضفة والقطاع ، ومما أعقبها من عدوان إسرائيلي أفضى إلى سقوط بقية فلسطين في يد المحتل ، وتخلي الأمة من بعد عن نُصرة هذا الشعب المظلوم ، وما تلا ذلك من فعاليات المقاومة والانتفاضة ، إلى اليوم ... كل هذه اللكمات المتلاحقة حالت بين الشعب الفلسطيني والسوية النفسية ، مما أدى إلى نشوء ظاهرة الانطواء على الذات وإن كان ظهورها يتفاوت بين المواطنين في نسبته ، وهذا أدى إلى ما هو أخطر ، من قبول بالواقع على ظلمه ، وقبول المحتل من قبل بعض فئات المجتمع ، وضعف الميول القومية ، والاغتراب بل الهجرة الدائمة . فالفلسطيني نتيجة لما تقدم مرهف، لا يثق بالآخر كثيراً ، شفاف ، مدمن صبر ، جراء تواتر الفتن والشدائد بساحته . وهو لذلك ميالٌ لأن يرتاح .
ثانياً : انتشار ظواهر التشظي الاجتماعي ممثلة في :
أ- العشائرية :
العشائرية ظاهرة عربية قديمة ، وهي تنسجم مع القانون الطبيعي الذي ينظم الحياة الاجتماعية بين البشر عموماً ، إذ ما العشيرة إلا أسرة ممتدة ، حافظت تحت وطأة ظروف معينة على روابط وعلاقات متينة بين أفرادها ، بغض النظر عما إذا كانت هذه الروابط قائمة على المصالح المادية أو على أسس الحق والعدل.
وليس هناك ما يحرّم هذه الرابطة إذا قامت على أسس منطقية ودون أن تلحق بالآخرين ظلماً أو غبناً ، ولكنْ ، يبدو ، أن المفهوم الجاهلي للرابطة العشائرية عاد ليطغي على العلاقات الاجتماعية بعيد الإسلام بقليل إلا ما رحم الله ، وإن كنا، يبين حين وآخر ، نجد حالات شاذة ترعى حقوق الآخر ، وتحرص على قيم الحق والعدل .
وهذه الظاهرة منتشرة في الأوساط الفلسطينية على نطاق واسع، وخيرُ ما يترجمها الدواوين التي تنتشر في المدن والأرياف ، التي تحمل اسم هذه العشيرة ، وتلك العائلة ، بل ربما وجدنا قرى أو أحياء بكاملها تحمل اسم عشيرة أو عائلة بعينها .
ب- وهناك الجمعيات التي تقوم على عصبة البلدية ، وهذه الظاهرة تختص باللاجئين الفلسطينين ، في المخيمات وغيرها ، كأن تجد جمعية اللد ، أو ديوان أهالي كفر سابا ، أو أهالي مسكة ، أو الشيخ مونس، ولعل الداعي إلى الانتساب للمدينة أو القرية ، وتجاوز العشائرية (أحياناً) هو اشتراك أبنائها في الحرمان من حق العودة ، فهم يحيون الذاكرة بالانتماء إلى البلد الأصلي بدلاً من الأجداد ، مع أن بعضهم ربما جمع بين الاثنتين .
ج- الحزبية :
شهدت المنطقة ظهور أحزاب كثيرة ، منها إسلامية وقومية، ووطنية ضيقة ، إضافة إلى ما بدأ يظهر على الساحة من أحزاب أممية ، إضافة إلى ما بدأ يظهر على الساحة من أحزاب قيمية ، كحزب الفضيلة ، والنقاء ، والائتلاف وغير ذلك مما لا سبيل إلى حصره مع تقدم الزمن .
ويضاف إلى ذلك ما شهدته الساحة الفلسطينية على وجه الخصوص من تكتلات نضالية وجهادية تسعى لتحرير فلسطين ، فكانت هنالك حركة فتح ، ومن بعد حركة حماس ، وكانت الجبهات الشعبية فالديموقراطية والنضال الشعبي وحركة اللجان الثورية ، وكانت حركة الجهاد الإسلامي وغير ذلك من التنظيمات والفصائل .
وقد انتسب الفلسطينيون إلى هذه الأجسام وتلك الأحزاب ، أو أيدوها أملاً في أن يتحقق على يدها النصر ، ولم يقصروا في نصرتها ورفدها بالدم والمال ، وتحمس كل إلى الجسم الذي يراه أفضل من غيره ، حتى كادت الأمور تصل في بعض الأحيان إلى مثل ما تصل فيه بين العشائر .
د- الطبقية :
المعروف أن المجتمعات السوية تعيش في مستوى واحد أو يكاد ، وإذا تبين أن فيها تمايزاً طبقياً فإنه يكون طفيفاً ، كما هي الحال في دول أوروبة الغربية ، أو الصين مثلاً من دول المنظومة الاشتراكية . ولكن الصورة عندنا غير ذلك ، فالتفاوت الطبقي بين فئات الشعب رهيب ، وقد كنت أقول لطلابي : أحقاً أننا أبناء مجتمع واحد ؟ هل ينتمي أهل رفيديا والمخفية من نابلس هم ومن يسكن في مخيم عين بيت الماء مثلاً ؟ أو من يسكن أم الشرايط ومن يسكن الجلزون أو الأمعري؟
إن هذه الظاهرة القبيحة هي أحد أوجه الرأسمالية في المجتمعات المتخلفة التي لم تأخذ دورها في صياغة الحضارة البشرية ، فهي تستوردها وتسيء استخدامها ، مما يؤدي على "سوء توزيع المنتوج" فيكون هنا صفراً ، وهناك متضخماً ، وهنا سكان قصور ، وهناك سكان قبور ، وتستمر الوتيرة ، فيزداد الغني غنى ، والفقير فقراً وعلى عين النظام الذي يربط مصالحه بمصالح الأغنياء ، مما يعني مزيداً من سحق المسحوقين ، ولو كانت هناك محاكم ومجالس للشعب.
ثالثاً : تغييب دور المرأة ، وهضم حقوقها :
من المظاهر السائدة في الوطن العربي ، وبعض الدول الإسلامية ، تغييب دور المرأة ، وحرمانها من ممارسة دورها في صياغة الحياة وبناء المجتمع مما يعني تغييب نصف طاقة المجتمع على الأقل . لا سيما أن المجتمع "الرجولي" كان وما يزال ممسكاً بدفة الأحداث والقيادة ، فأثبت عجزه عن إنجاز ما كان يُعلّق عليه من آمال . غير أن تقاعس المرأة عن الأخذ بزمام الأمور ، والمبادرة إلى ممارسة حقها في صنع الأحداث ، والتمرد (المشروع) على العلاقات الظالمة التي تسود عالمها ، أغرى الرجل بالاستمرار في تفرّده ، مما أدى إلى حال الجمود والهوان التي يعيشها المجتمع العربي وغيره .
إن المجتمع الفلسطيني ، كغيره من المجتمعات الشرقية ، ينظر إلى المرأة نظر انتقاص ، ومن أبشع ما يمارس ضدها حرمانها حقوقها المشروعة في الإرث والتعلم ، بل لعل هذين من أبشع ما يمارس في جنب الدين ، وهذا هو التجني عليه، مع أننا نجاهر بالانتساب إليه ، و نفاخر بذلك ، وهذا من التناقض المفضي إلى الفشل ، وأعتقد أننا جميعاً متفقون على أننا فاشلون .
مجتمع جبل الخليل :
يمتاز هذا المجتمع عن سائر المجتمع الفلسطيني بعدة خصال ، فهو يشترك مع بقية أبناء المجتمع في جل المواصفات السابقة ، لكن على تفاوت ، فإذا أخذنا ظاهرة التشظي الاجتماعي لوجدنا أن الطابع الغالب عليه هو العشائرية ، أما التحزب فإلى التكتلات الإسلامية ، وذلك أن هذا المجتمع قبلي إسلامي في نشأته .
ويمتاز هذا المجتمع بظاهرة خاصة، هي أنه بحكم وقوعه على شفير البادية ، فقد ظل أقرب إلى التبدي والفطرة وسلامة الطبع ، إلا من احتك بالمجتمعات الأخرى فاقتبس منها ، وانتقلت إليه عدواها.
وفي الوقت الذي نجد المساجد فيه تمتلئ بالنساء في رمضان ( وغيره أحياناً ) فإننا لا نجد هذه الظاهرة في مجتمعات فلسطينية أخرى إلا نادراً ، غير أن المرأة هنا كثيراً ما تحرم حقوقها في الإرث – أكثر من أختها في مناطق أخرى – وربما حيل بينها وبين الخروج لطلب العلم ما لم يكن المعهد قريباً ، على العكس من أختها في مناطق أخرى ، إذ يتاح لها أن تغترب أحياناً لتقيم في مساكن للطالبات ، أو في ما تخصصه الجامعات لهن داخل أسوارها .
وقد يكون مناسبا هنا أن أذكر حديثاً دار بيني وبين إحدى طالباتي ممن يدرسن " لغة الاعلام" وهي تأمل أن تكون صحفية ناجحة ، فقد قلت لها بعد أن بسطت لها القول في طبيعة المهنة ومقتضيات العمل بها أن عليها أن تراجع إمكاناتها واستعدادها لهذا العمل ، وان نخبر أهلها بذلك كيلا تحرم من مزاولة عملها بعد التخرج ، حين تكون مضطرة للنزول للعمل ليلاً أحياناً ، إلى موقع الحدث ، وربما اقتضاها الأمر أن تخاطر بنفسها في الأحداث الساخنة على نحو ما نعرفه من مصير بعض الصحفيين الفلسطينيين .... ونصحتها ، أخيراً ، بالتفكير في التحويل إلى تخصص آخر ، ما لم تر غير ذلك .
من هنا ، كان علينا عند التعامل مع فئات المجتمع المختلفة ، أن ندرسها لنعرف كيف يمكن أن نتعامل معها ، علينا ، إذا أردنا أن نقود مشروعاً حضارياً شاملاً ، أن نرصد العلاقات الظالمة في المجتمع ، وبؤر التخلف أو العادات والتقاليد السقيمة ، وأن نبادر إلى وضع الخطط الكفيلة بنسفها مع توفير البديل المناسب ، دون المساس بثوابت المجتمع ، كي يظل المجتمع متواصلاً في امتداده بين جذوره وحاضره ومستقبله ، وإلا فليس إلا الهاوية والضياع المطلق ( أو العولمة ما لم يكن لنا فيها دور).
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر