ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

ملتقى أجراس العودة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى أجراس العودة

سياسي، ثقافي ، اجتماعي، إخباري


    جان بول سارتر ومشكلة اليهودي

    غسان كنفاني
    غسان كنفاني
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الميزان جنسيتك : فلسطينية
    اعلام الدول : جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Palestine_a-01
    نقاط : 401
    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 22/04/2009

    جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Empty جان بول سارتر ومشكلة اليهودي

    مُساهمة من طرف غسان كنفاني الأربعاء 20 مايو 2009, 10:37 am

    بقلم أحمد بهاء الدين


    [b]أين أخطأ سارتر, وأين أصاب في كتابه التحليلي عن مشكلة اليهودية؟


    جان بول سارتر فيلسوف وفنان اشتهر باتخاذ مواقف سياسية كثيرة, تنطوي عادة على الوقوف إلى جانب الحق والعدالة والمساواة والانتصار للمضطهدين ونضاله المشهور من أجل حرية الجزائر واستقلال الجزائر ما زال ماثلاً. وصموده في وجه العسكرية الرجعية في فرنسا كان رمزاً لبطولة المثقف الذي يشعر بمسؤوليته نحو المجتمع.

    جان بول سارتر من الفنانين الذين صمدوا قبل ذلك في وجه الطغيان النازي. وطالما هاجم في مؤلفاته كل ما تنطوي عليه النازية من عنصرية وتعصب قومي.

    ومن المنطقي أن يكون لسارتر بعد ذلك موقف قوي ضد «أعداء السامية» أي أصحاب دعوة التعصب العنصري ضد اليهود..

    من المنطقي أن يكون له هذا الموقف. وهو موقف عادل بالتأكيد. لأن دعوة معاداة السامية والتعصب العنصري ضد اليهود هي دعوة رجعية مظلمة كدعوة معاداة الزنوج وكنزعة اضطهاد أي أقلية من أي نوع وكأي دعوة عنصرية أخرى.

    ولكن هذا كله لا يبرر المبالغة. ولا يبرر الخروج على المنطق السليم والجموح وراء الرغبة في تبرير كل ما يصدر عن اليهود. وكل ما هو يهودي ومن هو يهودي.. ولو أدى الأمر إلى اتهام العالم كله والتاريخ الإنساني كله بأقسى الاتهامات.

    ولكن هذا هو ما جمح إليه جان بول سارتر بالضبط... وفي هذا الكتاب الذي سوف أحاول أن أعرض بعض ما جاء فيه بعد استطراد قليل من هذه المقدمة..

    * * *

    ونحن العرب قد وجدنا أنفسنا ـ من حيث لا نريد ـ طرفاً في كل ما له صلة باليهود.. بما في ذلك حكاية «معاداة السامية». ذلك أن اليهود, الذين واجهوا على يد المجتمعات الأوروبية اضطهاداً طويلاً, وصل إلى قمته في غرف الغاز التي أقامها هتلر لإعدام الجنس اليهودي.. هؤلاء اليهود وجدوا أن حل قضيتهم الوحيد هو في أن ينشئوا مدرسة للتعصب العنصري لا تقل عن الهتلرية, هي الصهيونية. وأن تتبلور هذه النزعة العنصرية في وطن ودولة لهم ينشئونها على أشلاء مليون عربي..!

    هكذا ـ من حيث لا نريد ـ وجدنا أنفسنا محتاجين إلى أن نرهف السمع لكل ما يقال عن اليهود أو المسألة اليهودية..

    لماذا؟...

    هل لأننا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهود في المجتمعات التي ينتمون إليها... فرنسية أو إنجليزية أو أمريكية؟..

    كلا... فإننا نؤمن بأن اليهودي كالمسلم والمسيحي له حق الحياة في الوطن الذي ينتمي إليه. بل إن دعوتنا الأساسية ضد إسرائيل تستند إلى أن اليهودي يجب أن يبقى في الوطن الذي ينتمي إليه... لا أن يهاجر منه لينشئ دولة عنصرية باغية فوق قطعة من أرضنا.

    نحن إذن نتمنى لليهودي طيب المقام حيث يكون. لا لأن هذه هي العقيدة الإنسانية التي تؤمن بها فحسب. بل لأننا ـ أيضاً ـ أصحاب مصلحة في هذه العقيدة. نحن أصحاب مصلحة في أن يندثر ـ فعلاً ـ التعصب العنصري بوجه عام, والتعصب العنصري ضد اليهود بوجه خاص. لأن هذا التعصب العنصري, ولو بطريق غير مباشر, هو الذي خلق إسرائيل. وهذا التعصب العنصري هو الذي تعتمد إسرائيل ـ الآن ـ إلى إذكائه, أو إيهام الناس بوجوده في كل مكان, لإلقاء الجذوة التي خلقت إسرائيل..

    نحن إذن ـ لهذا كله ـ لا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهودي في فرنسا أو بريطانيا أو بولندا أو أمريكا

    ولكننا نرهف السمع لهذا الدفاع, ونشك في واقعه أحياناً, لسبب هو: أن إسرائيل تتخذه سلاحاً لها ضدنا, وتصطنع منه دخاناً يخفي جريمتها العنصرية في فلسطين!

    هنا فقط نتنبه ونشك وننتقد! لأنه يكون هنا ـ على أحسن الفروض ـ من ذلك النوع الذي يقال عنه أنه «حق يراد به باطل!»

    وإسرائيل الآن تقوم «بحركة التفاف» فكرية واسعة في العالم أجمع! ... إنها تحاول بالأفلام الملونة, وبمعدات السينما سكوب, وبالروايات, والمسرحيات, وبالكتب العلمية والتاريخية, وبالمحاكمات... أن تثقل ضمير العالم كله بالذنب نحو اليهود! أن تشعر كل فرد وكل دولة وكل دين وكل ملة أنه مسئول عن جزء مما حل باليهود! وفق غمرة هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر إسرائيل به العالم... تحاول أن نستخلص الضمانات لإسرائيل, والأموال لإسرائيل, والأعداء العرب بوصفهم الخصوم الجدد لليهود! ... في غمره هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر به إسرائيل العالم تحاول أن تقنع هذا العالم بأن يغفر لها ذنبها, وأن يرى في طرد مليون عربي نوعاً من التعويض المعقول لها!

    ويجب أن نعترف بأن إسرائيل قد نجحت ـ في أماكن كثير من العالم ـ في خلق هذا الشعور! وجان بول سارتر نفسه ـ في هذا الكتاب الذي أعرض له, يقول أن بعض المتحررين لا يرون في اليهود إلا مجرد موضوع يثبتون به تحررهم! فالواحد منهم يتحمس في الدفاع عن اليهود لا لإحساس باطني قوي بالحاجة إلى هذا الدفاع, ولكن ليقول للعالم أنه متحرر!

    وإنني لأخشى, أن يكون جان بول سارتر نفسه, قد وقع في هذه الغلطة, وفاق كل المتطرفين في الدفاع عن اليهود لهذا السبب ... من حيث يدري أو من حيث لا يدري!..

    إن العنوان الكامل لهذا الكتاب ـ 152 صفحة ـ هو «عدو السامية.. واليهودي!»...

    وسارتر في هذا الكتاب يشرح لنا ـ أولاً ـ نظريته الفلسفية في «الإنسان» ليقيم على أساسها تبريره المطلق لكل ما يصدر عن اليهود!...

    ونظريته في (الإنسان) ـ في محاولة للتبسيط الشديد ـ هي أنه لا يوجد شيء اسمه «الطبيعة الإنسانية». أي أن الإنسان لا تتحدد صفاته وأخلاقه ونزعاته بمجرد مولده.. ولكن يوجد شيء اسمه «إنسان في موقف».. بمعنى أن «الموقف» الذي يوجد فيه الإنسان هو الذي يحدد ويصنع طبيعة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. إلى آخره. فالإنسان لا يمكن تمييزه أو فصله عن «الموقف» الذي يوجد فيه.

    والناس المتشابهون لا يتشابهون بحكم «طبيعة» واحدة ولدوا بها ولكنهم يتشابهون بحكم تشابه «الموقف» أو «الحالة» التي يوجدون فيها. فما يجمع بين فئة من الناس هو وحده «الموقف» وليس وحدة الطبيعة البشرية.

    والنتيجة التي يرتبها سارتر على هذا هي: انه لا يوجد شيء اسمه «جنس» يهودي واحد له «طبيعة» واحدة. فالواقع, كما يقول, إن هناك «أجناساً» يهودية متعددة, فالفرق بين اليهودي الروسي مثلاً واليهودي اليمني شاسع جداً كالفرق بين أي روسي وأي يمني!

    فوحدة الجنس إذن ليست هي التي تجمع بين يهود العالم..
    [/b]
    غسان كنفاني
    غسان كنفاني
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الميزان جنسيتك : فلسطينية
    اعلام الدول : جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Palestine_a-01
    نقاط : 401
    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 22/04/2009

    جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Empty رد: جان بول سارتر ومشكلة اليهودي

    مُساهمة من طرف غسان كنفاني الأربعاء 20 مايو 2009, 10:38 am

    هل هي وحدة التراث والتاريخ؟

    في رأي سارتر: لا! فتاريخ وطن إسرائيل القديم قد انقطع واندثر منذ ألفي سنة. فيهود العالم في الواقع لا يجمعهم تاريخ واحد ولا عاطفة قومية واحدة.

    إذن.. هل تكون وحدة الدين؟

    كلا أيضاً! فالناس من أديان كثيرة يعيشون متفرقين في أنحاء الأرض دون أن تكون بينهم هذه «الرابطة» أو «الوحدة» التي نراها بين يهود العالم. ثم أن اليهود المشتتين لهم نظرات مختلفة إلى الدين نفسه. وكثير منهم ملحدون في حقيقة الأمر ولكنهم مع ذلك يتمسكون «بطقوس» الدين فقط, لأنه يعطيهم إحساساً «بالانتماء» إلى فئة معينة, فالدين بالنسبة لليهود لا قيمة له عندهم «كدين» ولكن قيمته عندهم هي «كرمز» فقط.

    ويخلص كارتر من هذا إلى أن الشيء الحقيقي الذي يربط بين يهود العالم هو «موقفهم»! هو موقف كل المجتمعات منهم.. ونظرة العالم إليهم!

    وأمضي خطوة أخرى مع منطق جان بول سارتر.. كي تكتمل فكرته أمام القارئ

    إن اليهودي ـ في رأي سارتر ـ يولد كما يولد أي مخلوق على سطح الأرض.. ولكنه حين يشب يجد نفسه في «موقف» مختلف عن الآخرين: يجد أن الناس ينظرون إليه كيهودي.. وأن الدنيا تعامله كيهودي.. هو وكل يهودي مثله..

    إنه يولد وحوله جو من الاستعباد والاشمئزاز والنفور والكراهية!

    إنه يولد ليجد نفسه في موقف «الملعون». وإذا به يكتسب, بالتالي, الصفات المادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية التي تترتب على هذا «الموقف»..

    إنه يولد ولديه القابلية الطبيعية لكي يكون مواطناً مندمجاً في الوطن.. فرنسياً في فرنسا, وإنجليزياً في بريطانيا.. ولكن المواطنين هم الذين يأبون عليه أن يندمج.. فلا يجد مفراً من أن يظل «يهودياً».. وأن تظل اليهودي صفة تميزه وتفصله عن الآخرين.. ويصبح بالتالي «غير قابل» للانتماء إلى الوطن ـ أي وطن ـ والاندماج فيه

    ولما كان اليهودي ـ أياً كان المكان الذي يولد فيه ـ يواجه هذا «الموقف».. فإن هذا «الموقف الواحد» بالتالي يوحد بين جميع اليهود في العالم.. ويخلق بينهم هذه الرابطة التي نعرفها.. والتي مصدرها هو هذا الموقف «المنبوذ» وليس مصدرها وحدة الدين ولا وحدة الجنس ولا وحدة التاريخ!..

    وأقدم تهمة وضعت اليهود في هذا الوضع المنبوذ من العالم المسيحي لهم بأنهم قتلوا المسيح.. ولذلك فكل مسيحي أوربي يشب وهو ينظر إلى اليهود على أنهم قتلة أحفاد قتلة!..

    والفكرة التي يبنى عليها سارتر نظريته ـ إلى الآن ـ معقولة إلى حد بعيد. إن الذي يجمع اليهود ليس الأصل الواحد ولا الدين الواحد ولا التاريخ الواحد. وهذا أحد الأدلة التي نسوقها لنقول إنه لا حق لهم في الوطن الذي اغتصبوه في فلسطين. إنما الذي يجمعهم هو وحدة «الموقف».. موقف «النبذ» و«الإبعاد» الذي يواجهونه في أوروبا بالذات.

    ولكن سارتر بالغ كثيراً في ترتيب النتائج على هذه الفكرة. فذهب إلى أقصى الحدود في إلقاء مسئولية هذا «النبذ» على المجتمعات التي ينشأ فيها اليهود. أي على العالم كله.. في حين لم يفكر لحظة واحدة في أن يكون اليهود أنفسهم مسئولين ـ ولو إلى حد ما ـ عن هذا النبذ الذي يعيشون فيه.

    ومنذ ذلك الوقت والمجتمعات المسيحية في أوروبا ترفض أن ينتمي اليهود إليها أو يندمجوا فيها ـ قومياً أو اجتماعياً ـ لقد اختارت أوروبا لهم مركز «الملعون» فلم يكن أمامهم مفر من أن يسلكوا سلوك الملعون. كان محرماً عليهم أن يمتلكوا الأرض أو أن يخدموا في الجيش.. فلم يكن أمامهم مفر من أن يركزوا حياتهم على النقود.

    وبتركيزهم المطلق على النقود تعززت اللعنة الأولى عليهم بلعنة جديدة اقتصادية. اليوم يتهم العالم اليهود بأنهم لا يعملون أبداً في أعمال إنتاجية كالزراعة أو الصناعة أو العمل اليدوي ولكنهم يعملون في مهنة النقود.. فإن السبب في رأي سارتر هو أن أوروبا المسيحية أبت عليهم أن ينتموا إلى الوطن انتماء عادياً وأبت عليهم ممارسة أي مهنة أخرى.

    * * *

    ويستطرد سارتر استطراداً ذكياً في تحليل حب اليهود المشهور للفلوس, وتفرغهم للعمل في الأوراق المالية والبنوك والمضاربات وما إلى ذلك فيقول: إن الذي يجذب اليهودي إلى الفلوس ليس حب الفضة أو الذهب في حد ذاته, ولكن الذي يجذبه في الفلوس هو: قوتها الشرائية أو «قدرتها على الشراء».. الفلوس لا جنسية لها. ولا قومية ولا تراث. إنها لغة عالمية.. قوتها مستقلة عن قوة القيم الأخرى التي يجد اليهودي نفسه محروماً منها. «ثمن» أي شيء لا يتوقف على شخصية ولا جنسية ولا دين المشتري. المشتري هو الذي يملك الرقم المكتوب في خانة السعر. فإذا دفع الثمن فإنه يصبح المالك القانوني للشيء. فالتملك بالشراء لغة عالمية لا تحتاج إلا إلى الفلوس. في الآداب المحلية نقرأ دائماً إن هناك أشياء كثيرة ليس لها ثمن.. لا تباع ولا تشترى كالشرف والحب والفضيلة والذوق.. إلى آخره, وهذا في رأي سارتر أسلوب لاستبعاد اليهودي وحرمانه من نيل هذه الأشياء. ولكن هذا في حد ذاته هو الذي يجعل اليهودي حريصاً على أن يثبت أن كل هذه الأشياء يمكن شراؤها, وأن الفلوس بالتالي هي أهم شيء. إنه لا يؤمن بأن أي شيء له «قيمة» ولكن كل شيء له «ثمن». إن «القيمة» لها معايير كثيرة غير الفلوس... ترجع إلى التراث مثلاً أو الانتماء إلى أصل معين أو حضارة معينة.. أو أو.. إلى آخر هذه الأشياء التي يجد اليهودي نفسه محروماً منها, فهو لذلك يحاول إلغاء فكرة «القيمة» التي لا يستطيع أن يشارك فيها لتحل محلها فكرة «الثمن».. أي الفلوس.. الشيء الذي يستطيع أن يمتلكه ويشارك فيه.

    «القيمة» شيء اجتماعي. فما ليس له قيمة في مجتمع قد تكون له قيمة كبيرة في مجتمع آخر. واليهودي منبوذ من كل مجتمع, لذلك فهو يفضل إلغاء فكرة «القيمة» التي لا يستطيع أن يشارك فيها, ويحل محلها فكرة «الثمن»

    فلهفة اليهودي على الفلوس.. وعدم اعترافه بأي قيمة إلا بالفلوس وبفكرة الثمن.. ليس مصدرهما خسة طبيعية تفيه. ولكنهما «رد فعل» لحرمان المجتمع له من المشاركة في القيم الخاصة بهذا المجتمع.

    يضاف إلى ذلك أن اليهودي دائماً قلق في أعماقه. إنه لا يطمئن أبداً إلى استمرار ملكيته لأي شيء. إنه لا يستطيع أن يثق في أن مركزه أو ممتلكاته أو قوته في المجتمع الذي يعيش فيه يمكن أن تستمر غداً.. تاريخه عبارة عن عشرين قرناً من التيه والتجوال.. إنه مستعد في أي لحظة لأن يحمل عصاه على كاهله ويرحل. إنه لا يمكن أن يستشعر فعلاً استقرار «الآري» الذي لا يمكن مناقشه التصاقه بأرضه وانتمائه لوطنه, وكل القيم الاجتماعية المعترف بها في بلاده.

    على هذا النحو يمضي سارتر في سرد كثير من الصفات التي أصبحت لاصقة بشخصية «اليهودي» في الذهن العام, مبرراً لها جميعاً بأنها رد فعل ونتيجة لمعاملة المسيحية الأوروبية, والقوميات الأوروبية لليهود خلال 2000 سنة مستمرة من الزمان, حتى حين يقول الواحد «يهودية حسناء» يجد أن للكلمة وقعاً يختلف عن وقع قوله «أمريكية حسناء» أو«يونانية حسناء» مثلاً. إن كلمة «يهودية حسناء» فيها نوع من لذة الاستباحة والاغتصاب! اليهودية الحسناء هي تلك التي جرها فرسان القوزاق من شعرها في شوارع القرى المحترقة. اليهودية الحسناء في الفولكلور ـ الأدب الشعبي ـ الأوروبي هي المقهورة المغتصبة أو الذليلة في حب أوروبي لا يهتم لها كثيراً, وسوف يتزوج آخر الأمر من أوروبية مثله. وفي بعض القصص الشعبية حين تموت اليهودية في سبيل حبها اليائس لا تقدم القصة موتها على أنه استشهاد, بل على أنه نوع من العدل!»

    «واليهودي في فرنسا مثلاً قد يصل إلى أعلى الدرجات, ويحقق أكبر قدر من الثراء, ولكن المجتمع رغم ذلك يأبى عليه أن يلتحق التحاقاً حقيقياً حتى ولو «قبل وجوده» في كل مكان, إنه قد يصبح وزيراً. ولكن الناس لا يذكرونه فيقولون إنه «وزير» بل إنه «وزير يهودي».

    وكما يرسم جان بول سارتر صورة اليهودي التي خلفها المجتمع الأوروبي.. يرسم صورة «عدو السامية».. وهو ليس المواطن الأوروبي العادي, ولا حتى الذي يقف من اليهودي هذا الموقف, بل هو ذلك الذي يتميز بعداء خاص لليهود.

    يقول سارتر أن أعداء السامية ودعاة التعصب العنصري ليسوا عادة من الأذكياء أو المتفوقين بأي صورة من صور التفوق. أي ليسوا من «النخبة» في أي مجتمع. ولكنهم من «العاديين تماماً» أو الأقل من العاديين!

    وأغلب الدعوات العنيفة ضد السامية نشأت وترعرت بين أبناء الطبقة الوسطى الصغيرة التي لا يملك أفرادها شيئاً.. فبمجرد تعصبهم يشعرون فجأة بأنهم يمتلكون شيئاً. فالطبقة الوسطى الصغيرة التي لا تملك إلا قليلاً في ألمانيا كانت هي نواة دعوة معاداة السامية, إنها عاجزة إزاء «اليونكرز» وكبار الصناعيين الذين يملكون كل شيء في ألمانيا, وهي في نفس الوقت لا تقبل الاعتراف بأنها لا تملك شيئاً كالبروليتاريا, لهذا أقبلت على دعوة معاداة السامية لأنها تعطيها إحساساً بالامتلاك وبالتميز إزاء فئة أخرى, هي اليهود, تريد أن تسرق منها ما تملك.. وهو الوطن!

    يقول جان بول سارتر إن اليهودي.. إزاء هذا «الموقف» الذي يجد نفسه فيه.. يختار أحد موقفين.. فريق يحاول أن يتنصل من يهوديته, وأن يتهرب منها.. وأن يتستر عليها.. أي يحاول بوجه عام تخفيف وقع المقاطعة الموجهة ضده.. فهو إنسان في حالة هرب دائماً من نفسه ومن وضعه..

    [size=16]
    غسان كنفاني
    غسان كنفاني
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الميزان جنسيتك : فلسطينية
    اعلام الدول : جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Palestine_a-01
    نقاط : 401
    السٌّمعَة : 2
    تاريخ التسجيل : 22/04/2009

    جان بول سارتر ومشكلة اليهودي Empty رد: جان بول سارتر ومشكلة اليهودي

    مُساهمة من طرف غسان كنفاني الأربعاء 20 مايو 2009, 10:40 am

    وفريق ثان.. يكون رد فعله عكسياً. إن يقبل اتهام العالم كله, ويعامل العالم على هذا الأساس, ومن هذا الفريق الثاني خرج ـ في رأي سارتر ـ أولئك الذين دعوا إلى إقامة وطن يهودي ودولة يهودية, على أساس أن تأكيد الذات اليهودي والوجود اليهودي, والرد على النفي الاجتماعي في أنحاء العالم لا يكون إلا بإقامة دولة تكون لها أرض وقومية ووجود ينتمي إليه.

    ثم يقول: إن إقامة دولة يهودية قد تحل مشكلة اليهود الذين يسكنون في تلك الدولة. ولكنها لا تحل مشكلة اليهود الذين يفضلون البقاء في أوطنهم, بل إنها تزيد من تعقيد موقفهم. ذلك أن قيام هذه الدولة هو دليل آخر يبرهن على ما يقوله خصومهم من أنهم لا يحبون الانتماء إلى الأوطان التي يعيشون فيها أصلاً.

    وهو يتنبأ بأزمة شديدة بين اليهود المهاجرين إلى إسرائيل من جهة.. واليهود الباقين في أراض آبائهم وأجدادهم. فرنسا أو غير فرنسا من جهة أخرى!

    إلى هنا.. وأعتقد أنني أعطيت وجهة نظر سارتر في الموضوع فرصة كافية في حدود هذه المساحة, وقد آن أن نتأمل كلامه معاً في سطور قليلة..

    إن الملاحظة البارزة على هذا الكتاب هي أن سارتر كتبه بلهجة المحامي, فالبرغم من أن فيه أشياء كثيرة صحيحة وعلى درجة كبيرة من ذكاء التحليل.. فإن الكتاب كله مكتوب بلهجة المحامي الموكل للدفاع عن قضية معينة. فهو يشعر أن من واجبه تبرير كل شيء. والدفاع عن كل شيء. ونفى كل مسئولية ـ صغيرة أو كبيرة ـ عن موكله!

    ونحن ـ كما سبق وأن قلت ـ لسنا أعداء للسامية ولا أعداء لليهود كجنس أو دين. بل ولا نختلف في هذه الناحية عن أي رأي قال به سارتر ولكن المرء حين يفصل في قضايا نفسية وتاريخية واجتماعية عمرها 2000 سنة, لا يمكن أن يلقي كل المسؤولية على طرف واحد دون طرف وهو مطمئن الضمير. ولقد بالغ سارتر في نفي أي مسؤولية عن اليهود إلى درجة أنه كان يكون «عنصرياً» بمعنى آخر! فكما أن كراهية عنصر معين هو اتجاه عنصري, كذلك فإن نسبة فضيلة الصواب المطلق إلى عنصر معين هي أيضاً نزعة عنصرية!

    إن سارتر حين يعيد ويزيد ويؤكد أن اليهود يحاولون دائماً الاندماج والذوبان في كل مجتمع يعيشون فيه, ولكن المجتمعات العالمية هي التي ترفض ذلك, وهي التي تصر على إبقائهم منفصلين.. إنما يتجاهل في الواقع محاولات كثيرة جرت لامتصاص اليهود في مجتمعات كثيرة, ويتجاهل أن اضطهاد اليهود إذا كان قد حدث في مناسبات كثيرة إلا أنه لم يكن أبداً القاعدة المستمرة في التاريخ.

    وفي بلاد كالبلاد الشيوعية, تم فيها إلغاء الدين بصفة رسمية وبالتالي تم فيها إلغاء الدين كعنصر تمييز بين مواطن ومواطن, وانفتحت بذلك فرصة ضخمة لليهود لكي يصبحوا على الزمن جزءاً لا يتجزأ من البلد الذي يعيشون فيه.. لم يغير هذا من الحقيقة في شيء, وظلت المشكلة اليهودية قائمة بنحو أو بآخر.. بمعنى أنه ظلت الرابطة اليهودية المنفصلة عن الرابطة القومية العامة في تلك البلاد قائمة. وآية ذلك محاولات اليهود في تلك البلاد من أجل الهجرة إلى إسرائيل. بالرغم من أن كثيرين جداً من هؤلاء الراغبين في الهجرة هم في الواقع ملحدون, كما يقول سارتر نفسه في ملاحظته عن اليهود الأوروبيين.

    إنهم هنا يهربون من هذا «الاندماج» الذي يقول سارتر إنهم يطلبونه!

    ولا يمكن القول بأنهم يهربون من نظام اقتصادي لا يحبونه مثلاً.. لأنه لا يحدث أبداً أن تهرب «فئة بأكملها» من وطنها, إذا كانت تحس بالانتماء إلى هذا الوطن بالمعنى الذي يفهمه أي مواطن في أي وطن لمجرد اعتراضها على النظام الاقتصادي.

    وقد ركز سارتر حديثه خلال صفحات طوال عن اشتراك اليهود الفرنسيين في المقاومة السرية ضد النازي وضد الاحتلال الألماني. وأشاد طويلاً ببطولتهم وقال ما معناه إنهم بهذا دفعوا أعظم ضريبة يمكن أن يدفعها أي فرنسي.

    ولكن هذا المثل لا يصلح دليلاً مطلقاً على رغبتهم في الاندماج والانتماء المطلق إلى المجتمع الذي يعيشون فيه. والسبب هو أن العدوان النازي لم يكن موجهاً ضد «فرنسا» وحدها, إنما كان موجهاً أيضاً ضد «اليهود» بالذات. كان هتلر يهدد اليهود أكثر مما يهدد فرنسا.. فهم هنا أمام خصم للطائفة لا مجرد خصم للوطن. ولهذا فهم قد حاربوا هتلر كيهود قبل أن يحاربوه كفرنسيين. حاربوا حرب الدفاع عن بقاء اليهود لا حرب الدفاع عن عظمة فرنسا مثلاً!

    والدليل على ذلك أن هناك أمثلة كثيرة تدل على أن اليهود في هذا الوطن أو ذلك لم يكونوا يختارون دائماً الانتماء إلى الوطن في ساعات مجد الوطن وساعات ذله على السواء, هو الانتماء الحقيقي. إنما كانوا كثيراً ما يعتبرون أنفسهم كتلة خارج دائرة الوطن, لها حرية اختيار الوطن وتغييره وفق المصلحة التي يرونها..

    سارتر نفسه يشير إلى الثورة الوطنية البولندية التي نشبت في القرن التاسع عشر ضد الاحتلال الروسي. وكيف أن يهود وارسو برفضهم الانضمام إلى الثورة كانوا يهدفون إلى تحقيق مركز ممتاز لأنفسهم عن طريق موالاة المغتصب الروسي.

    وسارتر يقول إن قيصر روسيا كان يضطهد يهود روسيا في نفسر الوقت الذي كان يمالئ فيه يهود بولندا ويمنحهم الامتيازات. وأن السبب هو أن القيصر اعتبرهم فئة منفصلة عن الوطن في الحالتين. فالفئة المنفصلة في وطنه هي خطر على وطنه ولذلك يضطهدهم. والفئة المنفصلة في وطن بولندا تفيد سياسته ضد بولندا فهو لهذا يمالئهم!

    ولكن هل دفاع سارتر هذا يبرئ اليهود ـ تماماً ـ من مسؤولية الموقف؟

    وإذا فرضنا أن موقف الاضطهاد داخل روسيا كان «مفروضاً» عليهم ولا حيلة لهم فيه.. فهل موقف ممالأة المستعمر في بولندا أيضاً كان مفروضاً عليهم ولا حيلة لهم فيه؟!

    بالطبع ... لا!..

    مثل آخر أضربه لا لأن له دلاله خاصة, ولكن لأنه كان محل جدل بالذات. هو: اليهود في الجزائر!..

    إن اليهود الجزائريين من سكان البلاد الأصليين. ومنذ الاحتلال الفرنسي للجزائر على الأقل يمكن القول أن حظهم وحظ أبناء سائر الأديان كان واحداً. فلا يعقل أن يضطهدهم الجزائريون وهم أنفسهم مضطهدون.

    ولكن اليهود هناك وجدوا الفرصة المناسبة بعد الاحتلال لكي يختاروا الجنسية الفرنسية وينضموا بكل كيانهم إلى الكيان الطارئ على الجزائر, صاحب الامتيازات ويتخلصوا من جلدهم الجزائري القديم وكان هذا قبل أن تقرر فرنسا إعطاء الجنسية الفرنسية لكل سكان الجزائر بعشرات من السنين.. وبعد مرور حقبة طويلة, وبعد اشتعال النار تحت بوتقة الثورة الجزائرية, أصبح اليهود الجزائريون جزءاً من الأوروبيين ومن مشكلة الأوروبيين.

    ليس صحيحاً إذن هذا الموقف الذي يتخذه سارتر.. من طلب البراءة التامة لكل المجتمعات اليهودية في كل زمان ومكان.. وطلب الإدانة الكاملة لكل المجتمعات الإنسانية الأخرى في كل زمان ومكان!..

    وكما أن المحامي الذكي يعمد عادة إلى إخفاء وإهمال نقط الضعف في موقف موكله, كذلك فإن سارتر يمر مرور الكرام على نقط الضعف الأساسية في موقف اليهود اليوم..

    إن الكتاب ـ مثلاً ـ مشحون بطاقة هائلة ضد أي اتجاه عنصري. فماذا عن الدعوة العنصرية في داخل المجتمع اليهودي.. وهي الدعوة الصهيونية؟

    لا شيء!

    بالرغم من أن سارتر أشبع كل شيء يتصل بالمسألة اليهودية عرضاً وتحليلاً فإنه لم يذكر الصهيونية إلا في سطور تعد على أصابع اليد الواحدة؟..

    رغم أن الصهيونية ـ كدعوة عنصرية ـ أقدم من النازية نفسها بعشرات من السنين؟..

    لأنه لو وضع الصهيونية في مكانها المناسب من الأهمية, فكأنه وضع اليهود أو فئة كبيرة منهم تحت رحمة كل مدافعه الثقيلة التي يصوبها في كتابه إلى النزعات العنصرية وإلى كل أنواع التعصب.

    ومن المؤكد أن أي دراسة للمسألة اليهودية الآن لا تهتم بالدعوة الصهيونية فكرياً وسياسياً وتاريخياً.. تكون دراسة وناقصة ومتحيزة إلى حد كبير؟..

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 27 نوفمبر 2024, 1:04 am