بقلم أحمد بهاء الدين
[b]أين أخطأ سارتر, وأين أصاب في كتابه التحليلي عن مشكلة اليهودية؟
جان بول سارتر فيلسوف وفنان اشتهر باتخاذ مواقف سياسية كثيرة, تنطوي عادة على الوقوف إلى جانب الحق والعدالة والمساواة والانتصار للمضطهدين ونضاله المشهور من أجل حرية الجزائر واستقلال الجزائر ما زال ماثلاً. وصموده في وجه العسكرية الرجعية في فرنسا كان رمزاً لبطولة المثقف الذي يشعر بمسؤوليته نحو المجتمع.
جان بول سارتر من الفنانين الذين صمدوا قبل ذلك في وجه الطغيان النازي. وطالما هاجم في مؤلفاته كل ما تنطوي عليه النازية من عنصرية وتعصب قومي.
ومن المنطقي أن يكون لسارتر بعد ذلك موقف قوي ضد «أعداء السامية» أي أصحاب دعوة التعصب العنصري ضد اليهود..
من المنطقي أن يكون له هذا الموقف. وهو موقف عادل بالتأكيد. لأن دعوة معاداة السامية والتعصب العنصري ضد اليهود هي دعوة رجعية مظلمة كدعوة معاداة الزنوج وكنزعة اضطهاد أي أقلية من أي نوع وكأي دعوة عنصرية أخرى.
ولكن هذا كله لا يبرر المبالغة. ولا يبرر الخروج على المنطق السليم والجموح وراء الرغبة في تبرير كل ما يصدر عن اليهود. وكل ما هو يهودي ومن هو يهودي.. ولو أدى الأمر إلى اتهام العالم كله والتاريخ الإنساني كله بأقسى الاتهامات.
ولكن هذا هو ما جمح إليه جان بول سارتر بالضبط... وفي هذا الكتاب الذي سوف أحاول أن أعرض بعض ما جاء فيه بعد استطراد قليل من هذه المقدمة..
* * *
ونحن العرب قد وجدنا أنفسنا ـ من حيث لا نريد ـ طرفاً في كل ما له صلة باليهود.. بما في ذلك حكاية «معاداة السامية». ذلك أن اليهود, الذين واجهوا على يد المجتمعات الأوروبية اضطهاداً طويلاً, وصل إلى قمته في غرف الغاز التي أقامها هتلر لإعدام الجنس اليهودي.. هؤلاء اليهود وجدوا أن حل قضيتهم الوحيد هو في أن ينشئوا مدرسة للتعصب العنصري لا تقل عن الهتلرية, هي الصهيونية. وأن تتبلور هذه النزعة العنصرية في وطن ودولة لهم ينشئونها على أشلاء مليون عربي..!
هكذا ـ من حيث لا نريد ـ وجدنا أنفسنا محتاجين إلى أن نرهف السمع لكل ما يقال عن اليهود أو المسألة اليهودية..
لماذا؟...
هل لأننا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهود في المجتمعات التي ينتمون إليها... فرنسية أو إنجليزية أو أمريكية؟..
كلا... فإننا نؤمن بأن اليهودي كالمسلم والمسيحي له حق الحياة في الوطن الذي ينتمي إليه. بل إن دعوتنا الأساسية ضد إسرائيل تستند إلى أن اليهودي يجب أن يبقى في الوطن الذي ينتمي إليه... لا أن يهاجر منه لينشئ دولة عنصرية باغية فوق قطعة من أرضنا.
نحن إذن نتمنى لليهودي طيب المقام حيث يكون. لا لأن هذه هي العقيدة الإنسانية التي تؤمن بها فحسب. بل لأننا ـ أيضاً ـ أصحاب مصلحة في هذه العقيدة. نحن أصحاب مصلحة في أن يندثر ـ فعلاً ـ التعصب العنصري بوجه عام, والتعصب العنصري ضد اليهود بوجه خاص. لأن هذا التعصب العنصري, ولو بطريق غير مباشر, هو الذي خلق إسرائيل. وهذا التعصب العنصري هو الذي تعتمد إسرائيل ـ الآن ـ إلى إذكائه, أو إيهام الناس بوجوده في كل مكان, لإلقاء الجذوة التي خلقت إسرائيل..
نحن إذن ـ لهذا كله ـ لا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهودي في فرنسا أو بريطانيا أو بولندا أو أمريكا
ولكننا نرهف السمع لهذا الدفاع, ونشك في واقعه أحياناً, لسبب هو: أن إسرائيل تتخذه سلاحاً لها ضدنا, وتصطنع منه دخاناً يخفي جريمتها العنصرية في فلسطين!
هنا فقط نتنبه ونشك وننتقد! لأنه يكون هنا ـ على أحسن الفروض ـ من ذلك النوع الذي يقال عنه أنه «حق يراد به باطل!»
وإسرائيل الآن تقوم «بحركة التفاف» فكرية واسعة في العالم أجمع! ... إنها تحاول بالأفلام الملونة, وبمعدات السينما سكوب, وبالروايات, والمسرحيات, وبالكتب العلمية والتاريخية, وبالمحاكمات... أن تثقل ضمير العالم كله بالذنب نحو اليهود! أن تشعر كل فرد وكل دولة وكل دين وكل ملة أنه مسئول عن جزء مما حل باليهود! وفق غمرة هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر إسرائيل به العالم... تحاول أن نستخلص الضمانات لإسرائيل, والأموال لإسرائيل, والأعداء العرب بوصفهم الخصوم الجدد لليهود! ... في غمره هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر به إسرائيل العالم تحاول أن تقنع هذا العالم بأن يغفر لها ذنبها, وأن يرى في طرد مليون عربي نوعاً من التعويض المعقول لها!
ويجب أن نعترف بأن إسرائيل قد نجحت ـ في أماكن كثير من العالم ـ في خلق هذا الشعور! وجان بول سارتر نفسه ـ في هذا الكتاب الذي أعرض له, يقول أن بعض المتحررين لا يرون في اليهود إلا مجرد موضوع يثبتون به تحررهم! فالواحد منهم يتحمس في الدفاع عن اليهود لا لإحساس باطني قوي بالحاجة إلى هذا الدفاع, ولكن ليقول للعالم أنه متحرر!
وإنني لأخشى, أن يكون جان بول سارتر نفسه, قد وقع في هذه الغلطة, وفاق كل المتطرفين في الدفاع عن اليهود لهذا السبب ... من حيث يدري أو من حيث لا يدري!..
إن العنوان الكامل لهذا الكتاب ـ 152 صفحة ـ هو «عدو السامية.. واليهودي!»...
وسارتر في هذا الكتاب يشرح لنا ـ أولاً ـ نظريته الفلسفية في «الإنسان» ليقيم على أساسها تبريره المطلق لكل ما يصدر عن اليهود!...
ونظريته في (الإنسان) ـ في محاولة للتبسيط الشديد ـ هي أنه لا يوجد شيء اسمه «الطبيعة الإنسانية». أي أن الإنسان لا تتحدد صفاته وأخلاقه ونزعاته بمجرد مولده.. ولكن يوجد شيء اسمه «إنسان في موقف».. بمعنى أن «الموقف» الذي يوجد فيه الإنسان هو الذي يحدد ويصنع طبيعة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. إلى آخره. فالإنسان لا يمكن تمييزه أو فصله عن «الموقف» الذي يوجد فيه.
والناس المتشابهون لا يتشابهون بحكم «طبيعة» واحدة ولدوا بها ولكنهم يتشابهون بحكم تشابه «الموقف» أو «الحالة» التي يوجدون فيها. فما يجمع بين فئة من الناس هو وحده «الموقف» وليس وحدة الطبيعة البشرية.
والنتيجة التي يرتبها سارتر على هذا هي: انه لا يوجد شيء اسمه «جنس» يهودي واحد له «طبيعة» واحدة. فالواقع, كما يقول, إن هناك «أجناساً» يهودية متعددة, فالفرق بين اليهودي الروسي مثلاً واليهودي اليمني شاسع جداً كالفرق بين أي روسي وأي يمني!
فوحدة الجنس إذن ليست هي التي تجمع بين يهود العالم.. [/b]
[b]أين أخطأ سارتر, وأين أصاب في كتابه التحليلي عن مشكلة اليهودية؟
جان بول سارتر فيلسوف وفنان اشتهر باتخاذ مواقف سياسية كثيرة, تنطوي عادة على الوقوف إلى جانب الحق والعدالة والمساواة والانتصار للمضطهدين ونضاله المشهور من أجل حرية الجزائر واستقلال الجزائر ما زال ماثلاً. وصموده في وجه العسكرية الرجعية في فرنسا كان رمزاً لبطولة المثقف الذي يشعر بمسؤوليته نحو المجتمع.
جان بول سارتر من الفنانين الذين صمدوا قبل ذلك في وجه الطغيان النازي. وطالما هاجم في مؤلفاته كل ما تنطوي عليه النازية من عنصرية وتعصب قومي.
ومن المنطقي أن يكون لسارتر بعد ذلك موقف قوي ضد «أعداء السامية» أي أصحاب دعوة التعصب العنصري ضد اليهود..
من المنطقي أن يكون له هذا الموقف. وهو موقف عادل بالتأكيد. لأن دعوة معاداة السامية والتعصب العنصري ضد اليهود هي دعوة رجعية مظلمة كدعوة معاداة الزنوج وكنزعة اضطهاد أي أقلية من أي نوع وكأي دعوة عنصرية أخرى.
ولكن هذا كله لا يبرر المبالغة. ولا يبرر الخروج على المنطق السليم والجموح وراء الرغبة في تبرير كل ما يصدر عن اليهود. وكل ما هو يهودي ومن هو يهودي.. ولو أدى الأمر إلى اتهام العالم كله والتاريخ الإنساني كله بأقسى الاتهامات.
ولكن هذا هو ما جمح إليه جان بول سارتر بالضبط... وفي هذا الكتاب الذي سوف أحاول أن أعرض بعض ما جاء فيه بعد استطراد قليل من هذه المقدمة..
* * *
ونحن العرب قد وجدنا أنفسنا ـ من حيث لا نريد ـ طرفاً في كل ما له صلة باليهود.. بما في ذلك حكاية «معاداة السامية». ذلك أن اليهود, الذين واجهوا على يد المجتمعات الأوروبية اضطهاداً طويلاً, وصل إلى قمته في غرف الغاز التي أقامها هتلر لإعدام الجنس اليهودي.. هؤلاء اليهود وجدوا أن حل قضيتهم الوحيد هو في أن ينشئوا مدرسة للتعصب العنصري لا تقل عن الهتلرية, هي الصهيونية. وأن تتبلور هذه النزعة العنصرية في وطن ودولة لهم ينشئونها على أشلاء مليون عربي..!
هكذا ـ من حيث لا نريد ـ وجدنا أنفسنا محتاجين إلى أن نرهف السمع لكل ما يقال عن اليهود أو المسألة اليهودية..
لماذا؟...
هل لأننا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهود في المجتمعات التي ينتمون إليها... فرنسية أو إنجليزية أو أمريكية؟..
كلا... فإننا نؤمن بأن اليهودي كالمسلم والمسيحي له حق الحياة في الوطن الذي ينتمي إليه. بل إن دعوتنا الأساسية ضد إسرائيل تستند إلى أن اليهودي يجب أن يبقى في الوطن الذي ينتمي إليه... لا أن يهاجر منه لينشئ دولة عنصرية باغية فوق قطعة من أرضنا.
نحن إذن نتمنى لليهودي طيب المقام حيث يكون. لا لأن هذه هي العقيدة الإنسانية التي تؤمن بها فحسب. بل لأننا ـ أيضاً ـ أصحاب مصلحة في هذه العقيدة. نحن أصحاب مصلحة في أن يندثر ـ فعلاً ـ التعصب العنصري بوجه عام, والتعصب العنصري ضد اليهود بوجه خاص. لأن هذا التعصب العنصري, ولو بطريق غير مباشر, هو الذي خلق إسرائيل. وهذا التعصب العنصري هو الذي تعتمد إسرائيل ـ الآن ـ إلى إذكائه, أو إيهام الناس بوجوده في كل مكان, لإلقاء الجذوة التي خلقت إسرائيل..
نحن إذن ـ لهذا كله ـ لا نكره أن يدافع المدافعون عن اليهودي في فرنسا أو بريطانيا أو بولندا أو أمريكا
ولكننا نرهف السمع لهذا الدفاع, ونشك في واقعه أحياناً, لسبب هو: أن إسرائيل تتخذه سلاحاً لها ضدنا, وتصطنع منه دخاناً يخفي جريمتها العنصرية في فلسطين!
هنا فقط نتنبه ونشك وننتقد! لأنه يكون هنا ـ على أحسن الفروض ـ من ذلك النوع الذي يقال عنه أنه «حق يراد به باطل!»
وإسرائيل الآن تقوم «بحركة التفاف» فكرية واسعة في العالم أجمع! ... إنها تحاول بالأفلام الملونة, وبمعدات السينما سكوب, وبالروايات, والمسرحيات, وبالكتب العلمية والتاريخية, وبالمحاكمات... أن تثقل ضمير العالم كله بالذنب نحو اليهود! أن تشعر كل فرد وكل دولة وكل دين وكل ملة أنه مسئول عن جزء مما حل باليهود! وفق غمرة هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر إسرائيل به العالم... تحاول أن نستخلص الضمانات لإسرائيل, والأموال لإسرائيل, والأعداء العرب بوصفهم الخصوم الجدد لليهود! ... في غمره هذا «الشعور بالذنب» الذي تغمر به إسرائيل العالم تحاول أن تقنع هذا العالم بأن يغفر لها ذنبها, وأن يرى في طرد مليون عربي نوعاً من التعويض المعقول لها!
ويجب أن نعترف بأن إسرائيل قد نجحت ـ في أماكن كثير من العالم ـ في خلق هذا الشعور! وجان بول سارتر نفسه ـ في هذا الكتاب الذي أعرض له, يقول أن بعض المتحررين لا يرون في اليهود إلا مجرد موضوع يثبتون به تحررهم! فالواحد منهم يتحمس في الدفاع عن اليهود لا لإحساس باطني قوي بالحاجة إلى هذا الدفاع, ولكن ليقول للعالم أنه متحرر!
وإنني لأخشى, أن يكون جان بول سارتر نفسه, قد وقع في هذه الغلطة, وفاق كل المتطرفين في الدفاع عن اليهود لهذا السبب ... من حيث يدري أو من حيث لا يدري!..
إن العنوان الكامل لهذا الكتاب ـ 152 صفحة ـ هو «عدو السامية.. واليهودي!»...
وسارتر في هذا الكتاب يشرح لنا ـ أولاً ـ نظريته الفلسفية في «الإنسان» ليقيم على أساسها تبريره المطلق لكل ما يصدر عن اليهود!...
ونظريته في (الإنسان) ـ في محاولة للتبسيط الشديد ـ هي أنه لا يوجد شيء اسمه «الطبيعة الإنسانية». أي أن الإنسان لا تتحدد صفاته وأخلاقه ونزعاته بمجرد مولده.. ولكن يوجد شيء اسمه «إنسان في موقف».. بمعنى أن «الموقف» الذي يوجد فيه الإنسان هو الذي يحدد ويصنع طبيعة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. إلى آخره. فالإنسان لا يمكن تمييزه أو فصله عن «الموقف» الذي يوجد فيه.
والناس المتشابهون لا يتشابهون بحكم «طبيعة» واحدة ولدوا بها ولكنهم يتشابهون بحكم تشابه «الموقف» أو «الحالة» التي يوجدون فيها. فما يجمع بين فئة من الناس هو وحده «الموقف» وليس وحدة الطبيعة البشرية.
والنتيجة التي يرتبها سارتر على هذا هي: انه لا يوجد شيء اسمه «جنس» يهودي واحد له «طبيعة» واحدة. فالواقع, كما يقول, إن هناك «أجناساً» يهودية متعددة, فالفرق بين اليهودي الروسي مثلاً واليهودي اليمني شاسع جداً كالفرق بين أي روسي وأي يمني!
فوحدة الجنس إذن ليست هي التي تجمع بين يهود العالم.. [/b]
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر