ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى أجراس العودة

مرحباً بك عزيزي الزائر في ملتقى أجراس العودة ، اذا لم يكن لديك حساب بعد نتشرف بدعوتك لإنشائه

ملتقى أجراس العودة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى أجراس العودة

سياسي، ثقافي ، اجتماعي، إخباري


    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:46 am




    محتويات
    إهداء ............................................................................. 05
    مدخل ............................................................................ 08
    مقدمة المترجم لا، لم يمت غيفارا................................................. 23

    القسم الأول
    المبادىء العامة لحرب الغوار
    1 – جوهر حرب الغوار ......................................................... 31
    2 – ريادة حرب الغوار .......................................................... 39
    3 – صيالة حرب الغوار ......................................................... 43
    4 – الحرب في الأرض المؤاتية .................................................. 49
    5 – الحرب في الأراضي المجافية ................................................ 53
    6 – الحرب في المناطق المدنية .................................................. 58

    القسم الثاني
    الغوار
    1- المغاور مصلحاً اجتماعياً ..................................................... 61
    2- المغاور مقاتلاً ................................................................ 64
    3 – تنظيم الغوارة ................................................................ 74
    4 – القتال ....................................................................... 82
    5 – ابتداء حرب الغوار وتطورها وانتهاؤها ...................................... 92
    القسم الثالث
    تنظيم جبهة الغوار
    1 – التموين ...................................................................... 96
    2 – المنظمة المدنية ............................................................ 101
    3 – دور المرأة ................................................................. 106
    4 – الصحة .................................................................... 109
    5 – التخريب ................................................................... 113
    6 – الصناعة الحربية ........................................................... 116
    7 – الدعاية .................................................................... 119
    8 – الإخبار والاستخبار ........................................................ 122
    9 – التدريب والتثقيف السياسي ................................................. 124
    10 – بناء جيش حركة تحررية ................................................. 127

    القسم الرابع
    من تشكيل الغوارة الأولى إلى الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها
    1 – تنظيم الغوّارة الأصلية سراً ................................................. 131
    2 – الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها ............................................ 135
    3 – تحليل الوضع الكوبي، حاضره ومستقبله .................................... 138

    * *
    1- ما هو المغاور؟ ............................................................. 153
    2- حرب الغوار: وسيلة ........................................................ 158
    الدور الاجتماعي للجيش المتمرد ................................................ 179

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:48 am

    مقالات عسكرية
    حرب الغوار
    (حرب العصابات)

    إهداء
    نهدي هذا الكتاب إلى ذكرى كاميلو سيانفويغوس[1]. كان مفروضاً أن يعيد قراءته ويُجري فيه التصحيحات اللازمة، إلا أن القدر لم يتح له ذلك. ويمكن اعتبار هذه السطور تكريماً من الجيش الثائر[2] إلى رائده الكبير، إلى أعظم قائد مغاور[3] أنجنبته هذه الثورة، إلى الثوري الناصع، إلى الصديق الأخ.
    كان كاميلو رفيق مئة قتال، كان موضع ثقة فيدل في اللحظات العصبية من الحرب، كان المناضل المفعم نكراناً للذات، الذي أتخذ الفداء دوماً أداة لإسقاط طبعه وتصليب طباع الجنود. أعتقد أنه كان قميناً أن يوافق على هذا الكتاب الوجيز الذي جمعت فيه تجاربنا في حرب الغوار[4]، لأنها نتاج الحياة ذاتها. إلا أنه كان خليقاً أن يرفد هذه الصفحات بالحيوية العميقة التي يفيض بها خلقه وذكاؤه وإقدامه، تلك الصفات التي لا تبلغ مثل هذا الكمال إلا في نفر من شخصيات التاريخ.
    بيد أنه لا ينبغي للمرء أن يتصور كاميلو كبطل أسطوري، يحقق مآثر خارقة بحافز من عبقريته وحدها. يجب النظر إليه كفيض من الشعب الذي صنعه، على نحو ما يصنع أبطاله وشهداءه وقادته، في الأصطفاء العظيم إبان النضال وظروفه القاسية.
    لا ادري هل كان كاميلو يعرف قولة دانتون بصدد الحركات الثورية: "الإقدام، ثم الإقدام، الإقدام أبداً!". على أية حال، كان كاميلو قد مارسها في أعماله بعد أن قرنها بالضرورات الخاصة بالمغاور، وهي تحليل الوضع بدقة وسرعة، وملكة التنبؤ بالمسائل التي يطرحها المستقبل.
    وإذا كانت هذه السطور بمثابة تكريم شخصي وتكريم شعب بأسره لبطلنا في آن، فهي لا تستهدف أن تروي سيرته وتقص مآثره، إلا أنني أقول إن كاميلو كان رجل ألف مأثرة، كان يرسلها بصورة طبيعية، إذ كان، إلى جرأته واحترامه للشعب، يجمع شخصيته الخاصة، ذلك العنصر الذي كثيراً ما يُنسى ويُنكر شأنه، والذي كان كاميلو يطبع به كل ما يخصه. إنها الاصالة الثمينة التي قلما تجد رجالاً يدمغون بها كل عمل من أعمالهم. لقد قالها فيدل مرة: لم تأته ثقافته من الكتب، بل كان له ذكاء الشعب الفطري، فاختاره الشعب بين ألف رجل ليرفعه إلى المكانة الممتازة التي تبوّأها بفضل إقدام وصلابة وذكاء واجتهاد لا مثيل لها.
    كان كاميلو يمارس الصدق ديناً، وقد نذر نفسه له: الصدق تجاه فيدل الذي يجسد بشخصه إرادة الشعب، والصدق تجاه الشعب ذاته. كانت هاتان العاطفتان لا تنفصمان لدى هذا المغاور الغلاّب، تتلاحمان تلاحم فيدل والشعب.
    حرّي بنا أن نتساءل: من الذي أزال كيانه الجسماني من الوجود؟ لأن حياة أمثاله تتمادى في الشعب ولا تنتهي إلا عندما يقرر الشعب ذلك.
    إن العدو هو الذي قتله، لأنه كان يبغي موته، لأنه ليس ثمة طائرات مضمونة، لأن ملاحيها لا يستطيعون اكتساب كل الخبرة اللازمة، ولأنه وهو مثقل بالأعمال، كان يريد الوصول إلى لا هابانا[5] بأسرع وقت... وإن ما قتله هو طبعه أيضاً، لم يكن كاميلو يرزن الخطر، كان يستخدمه اللإلهاء، يداعبه، ويثيره كما تثار ثيران الحلبة، يجتذبه ويداوره. ففي عقليته الغوارية لم تكن هناك عثرة تستطيع إيقاف أو تشويه الخط الذي ارتسمه لنفسه.
    ذهب عندما كان شعب بأسره قد عرفه وأعجب به وأحبه. كان من الممكن أن يحدث ذلك في وقت أبكر وكانت سيرته عندئذ لن تعدو سيرة أي قائد مغاور. قال فيدل: سوف يجيء كثير من مثال كاميلو، ويمكنني الإضافة أنه ظهر كثير من مثل كاميلو، وقد انتهت حياتهم قبل أن يتموا ذات الدورة الرائعة التي أدخلتهم في التاريخ. إن كاميلو، والكاميلويين الآخرين (الذين لم يحققوا أنفسهم، والقادمين)، هم البرهان على قوة الشعب، والتعبير الأسمى عما يمكن أن تنجبه أمة شاكية السلاح دفاعاً عن أصفى مثلها العليا وعن إيمانها في إنجاز أنبل غاياتها.
    لن نثبِّته لنحبسه في قالب، ففي ذلك قتله. لندعه هكذا، على هيئة ملامح، دون تحديد دقيق لفكرانه[6] الاجتماعي والاقتصادي الذي لم يكن محدداً تماماً. ولنتذكر فقط أنه لم يوجد في هذه الحرب التحررية جندي يضارع كاميلو. ثوري مكتمل، رجل شعبي، صنّاع في هذه الثورة التي صنعتها الأمة الكوبية لنفسها، لم يكن عقله ليتصور أقل هنة من الإعياء أو القنوط. إن كاميلو المغاور هو موضوع دائم للتخيل كل يوم. إنه الذي فعل هذا أو ذاك من الأعمال، "شيئاً من كاميلو"، إنه الذي طبع الثورة الكوبية بسمته الدقيقة التي لا تَمحي، والذي يبقى حاضراً في قلوب كل من لم يحققوا أنفسهم والقادمين.
    إن كاميلو، في تجدده المستمر الخالد، هو صورة الشعب.

    - تشي غيفارا -
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:50 am

    [size=16]مدخل
    إنقضى عام على كتابة هذه المقدمة. ومن نافلة القول إنه لو قدر لي أن أكتبها اليوم لفعلت بشكل آخر. فموت تشي غيفارا في الظروف المثيرة التي نعرف، يكاد يضفي على كل شيء معنى جديداً كل الجدة، وبالتالي على بعض هذه السطور البائسة. وأولها، مثلاً، لحظة، أتصوره فيها يقرأ هذه الصفحات بانتقاده اللاذع الذي عرف عنه عل الدوام، أو السطور التي تتحدث عن رحيله عن كوبا، وقد كتبت عندما كان الأعداء ينشرون عن هذا الرحيل الإشاعات المتجنية، واليوم نعرف أنه في تشرين الثاني 1966 بدأ يكتب يوميّته الأخيرة، في الغوار البولفي. لقد سمع العالم، في ربيع 1967، رسالته الرائعة إلى مؤتمر القارات الثلاث التي سحقت، في جملة ما سحقت، تلك الافتراءات، وأكدت بعد نظرته، وعمق فكره وتلاحمه وشجاعته العجيبة.

    تشرين الأول 1967
    "إن الأساس الأول الذي يجب أن تبنى عليه الحركة (حركة الغوار) هو الكتمان المطلق، وإنعدام تسرب المعلومات إلى العدو"، هذا ما كتبه في حرب الغوار الذي ظهر عام 1960، المقدم أرنستو غيفارا، الذي ندعوه في كوبا تشي، للسبب ذاته الذي حملنا على أن ندعو أنتونيوميلا A. Mella الشيكو عندما كان منفياً في المكسيك. إن ما يمنع تشي من أن يرتِّب بنفسه هذه الأوراق ويقدِّم المنشود واقعة أنه انقطع منذ عام لمهمة ثورية جديدة يرافقها، حسب نصيحته هو، "كتمان مطلق" و "انعدام في تسرب المعلومات إلى العدو".
    وإذا كان هذا التفسير يبرر هنا غياب اسمه، فلا شيء يبرر، بالمقابل، وجود اسمي، ويؤسفني ألا يكون التواضع التاكتيكي المعتاد في حالات مماثلة هو الذي يحملني على هذا القول. يجب علي، لأسباب سأوضحها في الحال، أن أضع الورقة على الطاولة ولو أدى ذلك إلى ملل القارىء. فإذا كنت قد قبلت دعوة الناشرين لكتابة هذه المقدمة فلأني عوَّلت منذ زمن طويل على المساهمة في نشر فكر العالم الثالث (عدا عن السرور الساذج لأن أرى اسمي يقترن بصورة ما باسم رجل أكن له أكبر الإعجاب)؛ لأن هذا النشر يجب أن يتم في الوقت الذي ندُل فيه على أصالة هذا الفكر، وأخيراً، لأني اقترحت نشر هذه النصوص إذ وجدت نشرها نافعاً، مما أجبرني بصورة من الصور على كتابة هذه الكلمات. إن للقارىء ملء الحق أن يتساءل عن سبب هذه التصريحات. وها إني أقدم له ورقتي الأخيرة. لقد كتبتها على الأخص للمقدم غيفارا، ليرى، عندما يصله هذا الكتاب، أني نبشت أوراقه، فتخيرت منها ما تخيرت وطرحت ماطرحت، بل وقدمت بعض الكلمات. وإني أتخيل بسهولة ابتسامتك وتعليقك. وأسمح لنفسي، أيها المقدم، بأن أجيبك أنَّ ما فعلته كان يجب أن يفغله غيري، وأنك على أية حال ستستاء من هذا الفعل، وأنك، إذا أسفت لغياب نص أو بدا لك غيره عديم الجدوى، فلدي من الأسباب ما يكفي لتبرير هذا الانتقاء. لم أسترسل في هذا العمل بدافع من رأيي وحده، رغم أن هذا الرأي كان، في نهاية المطاف أكثر الآراء مسؤولية: فقد استشرت أصدقاء أفضل مراناً مني في المسائل السياسية (وبعضهم يعرفونك)، حتى انتهى بنا الأمر إلى الإبقاء على هذا الانتقاء. أعدت قراءتها دفعة واحدة فبدت لي جيدة، وبدت لي مجدية.
    والآن يجب علي أن أتوجه إلى القارىء: ولد أرنستو غيفارا في بوينوس ايرس، عام 1928، في أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. كان أبوه مهندساً. فثقفه الثقافة المتناسبة مع وضعه: تعلّم لغة ثانية (اللغة الفرنسية) ومهنته رفيعة: الطب، هذه المهنة التي يقول عنها الناس جميعاً ويؤمن البعض إنها كهنوت. قرأ كثيراً، الأدب والسياسة وهو في القناصة، كما قرأ سبنغلر وفرويد. وقد يكون فرويد هو الذي وجهه نحو الطب. كان يرتاد الجماعات الطلابية المتمردة دون أن يناضل في أي اتجاه خاص. وكان قد شعر، حتى قبل أن ينهي دروسه بأن شيئاً آخر يجذبه إليه. مارس الطب في مستشفى للبرص في سانتياغو ديل أستيرو. وأراد أن يتعرف إلى القارة فانطلق لاستكشافها، على دراجة نارية، مع أحد الأصدقاء، وقطعها من الأرجنتين إلى فنزويلا وتوقف في ميامي حيث أعيد إلى الأرجنتين في طائرة كانت تنقل خيول سباق. والأرجح أنه تجلى له في ذلك الوقت ما تجلى لمارتي Marti في زمنه: وحدة بلادنا وحدة عميقة لا تتحطم، وحدة تتجاوز الحدود المصطنعة. والأرجح أنه بدأ في تلك اللحظة يشعر بأميركيته – اللاتينية. وفي البيرو، وغواتيمالا، والمكسيك – ثم في كوبا على الأخص – سيتثبت مما طرحت هذه الأسفار أمام ناظريه: البؤس، والعري والهوية العميقة لأرضنا الهجين.
    وإذا كان الوضع الخاص للبلاد التي ولد فيها يبدو له مبهماً وبدفعه للبحث عن سماوات أخرى (كان ذلك أيام البيرونية)، فإن هذه السماوات ستتبناه وستحوله. والغريب أن الذين كانوا يتحدثون إليه، كانوا يجدون أن لهجته ليست أرجنتينية، ولا مكسيكية، ولا كوبية. دون أن تكون بطبيعة الحال، تلك اللهجة الإسبانية المجردة الشاحبة، لهجة بعض أستاذة اللغة في بلاد أجنبية: إنها في الواقع، ما كان أدنامونو يقترح، بالنسبة لقارتنا، في مجال اللغة: فوق الكاستيلانية. فكل واحد منا يعترف بها لغة له رغم أن لديه في الوقت ذاته شيئاً ما من مكان آخر. وهذا المكان الثاني قد لا يكون شيئاً آخر سوى الشمول ذاته، سوى أميركتنا بمجموعها. ألا نستطيع التخمين بأن لغة مارتي الإسبانية يجب أن تكون كذلك؟ لغة لا تصطبغ بالصمحترم الكوبية قدر صبغتها الإسبانية – الأميركية؟ (حتى لو كان التأثير الكوبي سائداً. إذ تحدث أوربينا عن لهجته الساحلية).
    توقفت عند هذه النقطة لأني أعتقد أن هذه دلالة إضافية على أن "تشي"، كمارتي، يفكر، بل ويشعر أيضاً أنه أميركي – لاتيني ويتكلم كأميركي – لاتيني تماماً كما يشعر غيره أنه ينتمي إلى بلد من البلدان أو حتى إلى منطقة من هذه البلاد. لم يكن لديه أي صلف قومي، بل نوع من المرارة القارية المسؤولة: فكل ما يفرقنا كان يبدو له عبثاً حيال المشكلات الواقعية والمشتركة التي يجب أن نعقد العزم على مجابهتها مجابهة واقعية ومشتركة.
    في عام 1954 كان أرنستو غيفارا في غواتيمالا. جذبته إليها الإمكانيات الثورية التي كانت تعيشها تلك البلاد. هذه الإمكانيات حصدتها بقسوة جيوش كاستيلو آرماس، أجيرة حكومة أميركا الشمالية. وكانت هذه الحكومة قد تعاونت مع أجرائها في كاراكاس على القضاء على نظام لم يكن (كما نراه اليوم) سوى نظام خجول في تقدميته. كان غيفارا بين أولئك الذين اجتازوا الحدود المكسيكية بعد أن انتظروا عبثاً وصول الأسلحة ليقاتلوا، وبعد أن شعروا في لحمهم بغلظة حكومة لاتدين بمبدأ: هذه الحكومة هي التي قدر لها بعد سبع سنوات أن ترسل مرتزقة آخرين ضد كوبا، وأن تُنزل مباشرة بعد ستع سنين جيوشها في سان دومينيك.. وفي المكسيك كان غيفارا يكسب عيشه من أعمال تافهة، فعمل، مثلاً، مصوراً متجولاً. وفي ذلك الوقت التقى بفيدل كاسترو. وقد روى مقابلته معه كما يلي:
    (... إن كاتب هذه السطور، الذي تقاذفته أمواج الحركات الاجتماعية التي تهز أميركا اللاتينية، قد أُتيحت له فرصة الالتقاء، لهذه الأسباب ذاتها بمنفي أميركي آخر: هو فيدل كاسترو.
    "تعرفت إليه في أحدى الليالي الأميركية الباردة وأذكر أن حديثنا الأول دار حول السياسة الدولية: ففي ساعات الصباح الأولى، كنت واحداً من الغزاة المستقليين". (ذكريات من الحرب الثورية).
    وقال أيضاً: "كان الأمر يستحق أن أموت على شاطىء أجنبي في سبيل مثل أعلى طاهر كهذا المثل" أما بقية حياة تشي فهي من شأن مؤرخي القارة أكثر مما هي من شأن كاتبي السير الشخصية. وبعد أن تدرب تشي في المكسيك رحل إلى كوبا في أواخر عام 1956. فكان واحداً من الـ 82 رجلاً الذين نزلوا في غرانما. ولحسن حظنا أنه لم يكن واحداً من أبرز الشخصيات في تلك المأثرة فحسب، بل كان مؤرخها الأول، وهو أمر يجعل من العبث أن أذكر هنا تلك اللحظات التي وصفها وصفاً مدهشاً. أضف إلى هذا، أن لحظة النزول ذاتها كانت مادة لعمل أدبي عظيم: قصة جوليو كورتازار "اجتماع" التي أخذها عن رواية تشي، "أليغريا دي بيو Alegria de pio وعندما انتصرت الثورة في أول كانون الثاني 1959، برز تشي كأحد أوائل الزعماء، رغم إصابته بالربو المزمن، والمسؤول الذي قاد (مع كاميلو سيانفويغوس) غزو كوبا حسب أوامر فيدل كاسترو.
    يجب أن ألفت الانتباه إلى بعض الأسفار التي قام بها تشي بعد انتصار الثورة. كان يعرف – كما قال هو نفسه عام 1961 في جامعة مونتيفيديو – جميع بلدان أميركا اللاتينية تقريباً. في عام 1959 زار بلداناً أخرى: ليرى مشكلاتنا "من الشرفة الآسيوية – الأفريقية": الجمهورية العربية المتحدة، وأندونيسيا، والهند.
    لقد انفتح عالمه، وصار بإمكانه أن يثبت من تماثل المشكلات لا في بلدان قارتنا فحسب، بل في القارات الثلاث النامية أيضاً. بيد أن الثورة الكوبية أسرع في مسيرتها وأعمق من ثورات هذه البلدان الأخرى: فقد تحولت عام 1960 إلى ثورة اشتراكية. وسافر تشي، في نهاية العام، إلى البلدان الاشتراكية. وتأكد فيها من قيام رابطة جديدة مع البلدان التي تبني الاشتراكية كبلادنا، وخاصة تلك التي تنطلق، مثل كوريا، من شروط التخلف الصناعي واضطرت لأن تدفع ثمناً رهيباً للاعتداءات. وعندما عاد بين سنتي 1964 و 1965 إلى البلدان النامية (إلى أفريقيا على وجه التحديد) عاد ممثلاً لثورة من ثورات العالم الثالث: ثورة يذوب فيها الخطان الكبيران لتجديد هذا العصر: ثورة ترتبط بالكفاح ضد الاستعمار وتصدر عن ثورة أوكتوبر وبديهي أن هذه الأسفار كانت أكثر من مجرد تنقلات: إنها علامات مرئية لفكر سيشرحه تشي شيئاً فشيئاً وبوضوح كبير.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:52 am

    ولقد بدأ هذا الفكر يعبَّر عن نفسه علناً منذ الأيام الأولى، في خطابه بتاريخ 28 / 1 / 1959، مثلاً، الذي نشر تحت عنوان "الدور الاجتماعي للجيش المتمرد".
    في هذا الخطاب، يشرح لنا تشي كيف بدأت في الجيش المتمرد، انطلاقاً من فشل إضراب نيسان 1958، الجهود الأولى لإعطاء الثورة عقيدة ونظرية. بيد أن هذه الاهتمامات، بطبيعة الحال، لا تتضمن أبداً أن يكون تشي باحثاً نظرياً محضاً. فهو يقول في هذا الخطاب ذاته إن من أكبر صفات الثورة التي استولت لتوها على الحكم هو أنها "حطمت جميع نظريات الصالونات". ولا ينوي مطلقاً إعاداتها إلى ما كانت عليه. إن هدفه يختلف عن هذا اختلافاً تاماً، فيكتب في الصفحات الأولى من حرب الغوار (1960): رسالتنا الحالية أن نجعل من الواقعات نظرية، وأن نبني هذه التجربة ونعممها ليستفيد منها الآخرون" هذا التعريف لا بديل له فكومة الواقعات الثورية، بالنسبة للمراقب الذي تعوزه الدقة، حتى لو كان نصيراً مندفعاً، تحتاج لأن تكون لها بنية وأن تعمَّم. إنهما مهمتان نظريتان، تصلحان لما دعاه التوسر Althusser وبحق الممارسة النظرية: يجب أن نفكر في المعطيات لنستخلص منها صورة، ويجب أيضاً أن نميز الحادث الموضعي عن التجربة القابلة للتعميم. والأعداء يعون ذلك بطبيعة الحال: فهم يقترحون بسرعة على الثورات وجهاً خالياً تماماً من الجاذبية، زاعمين أنهم يعممون الأوجه المحلية السلبية بينما يتظاهرون بأنهم لا يرون في النجاحات الجوهرية سوى واقعات عارضة أو ثانوية. إن عمل تشي، إذاً، رسالة مكافحة لا تستسلم لنظريات الصالونات بل تتجه نحو النتائج العملية وتنطلق من مادة بناء هي أيضاً عملية وعاجلة وكانت الثورة الكوبية قد أثبتت، عام 1959، وجود طريق لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية في المستعمرات الخفية الأميركية اللاتينية. وكان من ضروري شرح مضمون هذا الطريق وتقديم نتائج مثل هذه التجربة للمحاربين القادمين: ذلك هو الأمر الذي كرس له تشي جزءاً كبيراً من جهوده خلال تلك السنة الحافلة بالعمل على وجه خاص، وكان نتاجها حرب الغوار الذي أعلن عن نفسه في مقال شباط 1959، "من هو المغاور؟". وفي السنوات التالية رأى ضرورياً أن يُجعل ذلك الكتاب من شؤون الساعة. فأدخل أفكاراً جديدة إلى كتابه "حرب الغوار، طريقة". وكان يريد أن يعيد كتابته إذ كان يضم تجارب أحدث عهداً. ومع ذلك فإن هذه الكتابة "يجب أن تنتظر بالتأكيد زمناً طويلاً"، كما ذكر لينين في نهاية كتابه الدولة والثورة، لأن تشي ارتأى هو أيضاً "أن من الأفضل والأجدى أن يعيش تجربة الثورة بدلاً من أن يكتب عنها".
    إن القصد الذي يدفع تشي إلى التساؤل عن نظرية الثورة في تنميتها ليس أقل قيمة عملية. لكن قبل أن نتحدث عنه، يحسن بنا أن نشير هنا إلى كتاب آخر يتعلق بحرب الغوار من جهة أخرى: هو كتاب "ذكريات عن الحرب الثورية". لم تكن الاعتبارات الفكرية وحدها هي التي دفعت تشي إلى كتابته بذلك الأسلوب النثري العجيب الذي عرف عنه، الأسلوب الجامع المألوف، بل يجب القول أيضاً إنه الفنان الذي يكتب. ونحن هنا لا "نعمم"، بل نضع اليد، والذاكرة على شيء ملموس. وإذا كان الكتاب السابق دليلاً للعمل وهيكله العظمي، فإن الذكريات هي الجسم ذاته لذلك العمل، مع كائنات بشرية بطولية أو مترددة، سامية أو حقيرة – حقيقية في أية حال. إنه أكثر الكتب التي نشرت في كوبا في هذه السنوات الأخيرة، وقعاً في النفس.
    إن الكتابين اللذين يعالجان الحرب الثورية – نظريتها وممارستها، إذا صح القول – هما الكتابان الوحيدان اللذان كتبهما تشي بصفتهما كتابين بنائين. لكنهما لم يكونا كل ما كتب تشي – وقال. بالعكس: اهتم منذ البداية بالأوجه الأخرى للثورة، وعبر عن هذه الاهتمامات سواء بشكل خطب، أو بشكل مقالات أو محاولات. وعالج، في كتبه، مسائل تتعلق بالتمرد، أي بالثورة قبل أن تستلم الحكم، في أول كانون الثاني 1959، وتصدى في خطبه ومقالاته، بصورة عامة، للمشكلات التي كانت تعترض الثورة بعد تسلمها الحكم. ولم تكن هذه المشكلات، من وجهة نظر فكرية، أقل تعقيداً من سابقاتها، ويحق لنا أن نعتقد أنها أكثر تعقيداً وتتطلب من القادة دأباً كبيراً في التخمين النظري وفي التطبيق العملي المناسب. وكان هؤلاء القادة، من جهة أخرى، قد وصلوا إلى السلطة في ريعان الشباب. فلم يكن فيدل كاسترو نفسه، عام 1959 يتجاوز الثلاثين من العمر إلا قليلاًُ. وسيقدم لنا هؤلاء الرجال مشهداً غير معتاد: فبدلاً من أن يعيش هؤلاء الشباب طي الكتمان تطوراً فكرياً قلما يكون غيرهم مطلعاً عليه لحظة العمل التاريخي، سيتطورون على مرأى ومسمع من الجميع. وسينهون تكوينهم عراة الجذور. لا لأنهم وصلوا إلى السلطة دون صفات كافية – للتثبت من الصلابة التي انطلقوا بها إلى القتال. نعيد إلى الذاكرة فقط الدفاع الرائع الذي ألقاه فيدل كاسترو عام 1952. "سينصفني التاريخ"- ، بل إن هذه الصفات ستنضج في الحكم، بمجابهة المشكلات الجديدة الهائلة. وسط واقع معقد، دولي وقومي على السواء، سيكون من الواجب جلاء غوامضه واحدا بعد الآخر. فكان السؤال الأول الذي وجب إذاً أن يطرحوه على أنفسهم هو ما هي الثورة. ما هي النظرية الثورية لهذا العمل الثوري؟
    قال فيدل كاسترو، عام 1953، إن المسؤول المثقف عن الهجوم على ثكنة مونكادا - وبالتالي عن الأحداث التي سيثيرها هذا الهجوم في السنوات التي أعقبته – كان جوزيه مارتي. وقال تشي غيفارا الذي كان يعلم عام 1959 أن هذه الثورة تنقش في إطار مكافحة الاستعمار المعاصرة، في خط البلدان النامية، قال في بداية 1960، في 28 كانون الثاني:
    "كان مارتي المرشد المباشر لثورتنا، الرجل الذي كان يجب على الدوام أن نرجع إلى كلامه لتفسير الظاهرات التي نحياها تفسيراً صحيحاً. لأن جوزيه مارتي أكثر من كوبي: إنه أميركي. إنه ملك البلدان العشرين كلها التي تضمها قارتنا.. ويعود لنا الشرف بإحياء كلمات جوزيه مارتي، في وطنه، حيثما ولد". كان تشي يخمن دون شك بأن مارتي هو أول مفكر في العالم الثالث ويصح هذا التصريح، إذ يؤكد ما قاله كاسترو قبل ذلك بست سنوات، لثورة من ثورات البلدان النامية. بيد أن ثمة أمراً آخر في هذه الكلمات يستحق أن نعيره انتباهنا هو استخدام الماضي. قال تشي: كان مارتي مرشدنا وكان يجب الرجوع إلى كلامه.. لا لأنه أنكر هذا الكلام، بل بالعكس. وكلامه، كان يجب أن نتذكر أنه نصحنا هو ذاته بأن نفعل "في كل لحظة ما هو ضروري في كل لحظة". وكان الواقع، أخيراً، قد طرح على ثورتنا التي كانت قد وصلت إلى الحكم مشكلات لا يمكن أن تكون بالضبط هي ذاتها المشكلات التي طرحت على مارتي، يوم لم يكن قد توصل إلى أن يرى بلاده حرة سياسياً. كانت هذه المشكلات المختلفة تتطلب منا أن نتصدى لها تصدياً أصيلاً. وكانت، بالتالي تقتضي منا إضفاء النظرية على هذه المقاربة التي لم تعد تلك التي عرفها مارتي. فمنذ استلامها السلطة كانت الثورة تتأصل في تبادل مأساوي للأعمال التأديبية الأميركية الشمالية والردود الكوبية. وقد استطاع تشي أن يقول إن القانون الأول للإصلاح الزراعي كان على الأرجح التدبير الوحيد الذي اتخذ مباشرة دون أن يكون جواباً على عدوان أميركي – شمالي. وفيما بعد، بدءاً من المقاومة العنيدة التي وجهتها الولايات المتحدة لهذا القانون الذي كانت كوبا تمارس به سيادتها – والذي يكاد يكون فاتحة أعمالها - ، ستكون القرارت الكبرى التي اتخذتها الحكومة الثورية هجمات كوبية مضادة للاعتداءات الأميركية، وقد بدأت هذه الاعتداءات بشكل حملة صحفية شعواء تبعتها تصريحات رسمية حتى وصلت إلى العدوان المادي وإلى الحصار، مروراً بما سبقه من وقف مشتريات السكر ورفض تكرير النفط الذي تشتريه كوبا من خارج الدائرة الأميركية الشمالية. وفي هذه الأثناء، وجدت الثورة الكوبية في الاتحاد السوفياتي سوقاً لسكّرها، ولقيت المساندة الحازمة من الطبقات الشعبية كما لقيت في البداية التباعد المطرد ثم العداء المكشوف مما كان يدعى البرجوازية الوطنية التي ارتبط مصيرها بمصير الولايات المتحدة. ليس ثمة أي شك بأن الثورة الكوبية، إذ وُضعت أمام أحد أمرين: أن تهلك بيدي الولايات المتحدة أو أن تتأصل بسرعة، قد اختارت هذه الإمكانية الثانية. وارتفعت أصوات الناقدين الكبار في العالم أجمع أنهم كانوا يعلمون بأن الثورة شيوعية. لقد كانوا يرون، في الواقع. ما لو توفر للعالم الاجتماعي روبرت ك. مرتون لاستخدمه مثالاً على "النبوءة المنجزة ذاتياً". وعندما نتجت بفعل الولايات المتحدة قضية شراء السكر الكوبي ورفض تكرير البترول السوفياتي في كوبا، وعمدت كوبا من جانبها إلى تأميمات مصافي التكرير الأميركية الشمالية في الأرض الكوبية، قال تشي، بتاريخ 28 تموز 1960، في مؤتمر الشبيبة المنعقد في هافانا:
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:54 am

    "... إذا سئلت ما إذا كانت هذه الثورة التي ترون ثورة شيوعية... فسأقول إن هذه الثورة، إذا ما صارت ماركسية – وأقول ماركسية – فلأنها اكتشفت أيضاً، بأساليبها الخاصة، الطرق التي أشار إليها ماركس".
    إثر هذا الاكتشاف، وجواباً للإدانة التي فرضتها على كوبا منظمة الدول الأميركية، في سان جوزيه، قرأ فيدل كاسترو على الشعب الذي اجتمع في تلك المناسبة في ساحة الثورة بتاريخ 2 ايلول 1960 ما وجب أن يصير تصريح هافانا الأول. وقد عبر هذا التصريح تعبيراً مضمراً عن الصفة الاشتراكية التي أخذتها الثورة على عاتقها. بعد ذلك بما ينوف عن الشهر، في 8 تشرين الأول، نشر تشي مذكراته بعنوان "مذكرات لدراسة إيديولوجية الثورة الكوبية"، وهي دراسة عميقة للموضوع. فهل أفسدت الصفة غير المهذبة في ظاهرها التي التصقت بالثورة المبدأ اللينيني القائل: لا حركة دون نظرية ثورية؟ ويجيب تشي متسائلاً:
    "يحسن القول إن النظرية الثورية، كتعبير عن حقيقة اجتماعية، تسمو على كل بيان، وبعبارة أخرى، أن الثورة يمكن أن تتم إذا فسرنا تفسيراً صحيحاً الواقع التاريخي واستخدامنا استخداماً ملائماً القوى التي تتدخل في هذا الواقع، دون أن نعرف النظرية... يجب أن يكون المرء "ماركسياً" بالبساطة ذاتها التي يكون فيها "نيوتونياً" في الفيزياء و "باستورياً" في البيولوجيا، وبما أن الواقعات الجديدة تحدد مفاهيم جديدة، فإن ذلك لا ينزع أبداً جانب الحقيقة من المفاهيم التي أنقضت... يعني هذا، ويجب أن نشير إليه مرة أخرى، أن قوانين الماركسية حاضرة في أحداث الثورة الكوبية، بصورة مستقلة عن واقعة أن قادتها يجاهرون بهذه القوانين أو يعرفونها معرفة عميقة من الناحية النظرية".
    لقد توقفت عند هذه الإستشهادات، إلا أني أعتقد أنها تظهر بأكبر قدر من الصفاء والوضوح كيف أُعِد فكر الثورة الكوبية إعداداً تدريجياً، دون تخطيطات مبسطة قبلية، وكذلك دون خوف مما قد يلصق بها. وقد نشأت، من جهة أخرى، لدى فيدل أولاً، ولدى غيره من القادة الكبار أيضاً، إرادة إبعاد كل تضليل لغوي يدفعهم إلى رفض العبارة النمطية الجامدة لمصلحة الاقتراب من الواقعة عن طريق الشرح، ويمضي حتى يرتدي شكل الخطاب التعليمي الطويل الذي يلقيه فيدل كاسترو والذي تحدث عنه سارتر. إن القول أن كوبا تمضي في طريقها لإقامة ديكتاتورية مثلاً لن يفيد شيئاً كثيراً بل قد يزعج المراقب قليل الحذر. فالأفضل أن نشرح ما يجري فيها. وعندما تتلقى هذه الواقعة، بصورة لاحقة، اسماً، فسيكون هذا الاسم غنياً في مغزاه بدلاً من أن يكون صيغة جوفاء رنانة أو يحدث ارتكاسات انفعالية متأصلة الجذور تستطيع الممارسة وحدها توضيحها. وهكذا لم نقم بالثورة الاشتراكية إلا بعد أن اتخذت الثورة الكوبية تدابير اشتراكية، عام 1960، خاص في نصف الثاني منها، مدفوعة بالواقعات ذاتها، حتى بعد أن قوبلت بحماس عدالة هذه التدابير لدى صدور تصريح هافانا الثاني، والتي أكدها فيدل كاسترو، عشية الغزو، في 16 نيسان 1961. في تلك الفترة شرح تشي في نص جوهري ("كوبا، شذوذ تاريخي، أم طليعة الكفاح ضد الاستعمار"، (نشر بتاريخ 9 نيسان 1961)، أصالة الثورة الكوبية، الحركة التي اتبعت، رغم أنها "مارقة إلى حد كبير بأشكالها وبمظاهرها – ولم يكن بمقدورها إلا أن تتبع – الخط العام لجميع أحداث القرن التاريخية الكبرى، المتميزة بالنضالات المعادية للاستعمار وبالانتقال نحو الاشتراكية". ويعترف تشي بالعوامل الاستثنائية النادرة لثورتنا ("من بينها العامل الأول، والأهم، وربما الأكثر أصالة، تلك القوة الطبيعية المسماة فيدل كاسترو روز"؛ ومنها أيضاً "أن الإمبريالية الأميركية الشمالية قد ضللت ولم تستطع قط أن تقدر الأبعاد الحقيقية للثورة الكوبية") لكنه يشير بخاصة إلى "أن الجذور الدائمة لجميع الظاهرات الاجتماعية في أميركا، والتناقضات التي تنضج في داخل المجتمعات الراهنة، تثير تحويلات يمكن أن تبلغ مدى ثورة كالثورة الكوبية". في هذا النص يبلغ الفكر السياسي لدى تشي غيفارا درجة النضج. وانطلاقاً من هذه اللحظة، سنراه يتحدث في خطبه الدولية الكبرى، خطبه في بونتاديل إيسته، وجنيف، والأمم المتحدة، أو الجزائر، كناطق فوق العادي باسم العالم الثالث. إن الثورة الكوبية لم تكِّون فكراً دون أن تكِّونه في الوقت نفسه للبدان الأخرى التي تجتاز ظروفاً مماثلة لتلك التي تمر فيها كوبا: وفي طليعتها بلدان أميركتنا، وكذلك بلدان قارتين أخريين ناميتين.
    وإذا كانت الثورة الكوبية قد وجدت بمساعيها هي فكراً أصيلاً، فإن ذلك الأمر يقتضي منا أن نجابه بهذا الفكر جملة من المشكلات، ستحمل بدورها هذا الفكر على الأغتناء. وسيكون تشي الممثل والشاهد الاستثنائي لهذا التفاعل في بناء الاشتراكية اليومي في بلد نام.
    هذا الطبيب التائه الذي أقنعه فيدل كاسترو، في ليلة باردة من ليالي المكسيك، بأن يرافقه لتحرير بلاده، هذا المغاور الذي كلفه فيدل بشن الحرب الثورية من أول الجزيرة إلى آخرها، هذا المحول الذكي الذي حول الممارسة العملية إلى نظرية، هو الذي سيوكل إليه فيدل بعد تسلم السلطة مراكز رئيسية في الحكومة. أولاً رئاسة البنك الوطني، لإدخال الاستقرار على الوضع الخطير للقطع النادر، ثم وزارة الصناعة المكلفة بتنسيق وتكبير الصناعة التي أممت فجأة في بلد قليل التنمية، والذي قُطع، بالإضافة إلى هذا، قطعاً فظاً عن المصدر الذي يكاد يكون المصدر الوحيد للمنتوجات المصنوعة. كانت القضية أن تظل الأمة واقفة على قدميها وأن تكون في حالة تمكنها من العمل.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:55 am

    كان على تشي أن يتصدى لمشكلات اقتصادية ملموسة في سبيل إنجاز هذه المهام الجديدة التي سيخرج منها أيضاً ظافراً. فالثورية، بطبيعة الحال، لا تأتي جاهزة: أنها على الدوام سلسلة من المهام التي يجب على الناس تحقيقها، تحقيقاً حسناً أو سيئاً. ولا توجد صيغ يجب تطبيقها بصورة آلية. إن الثورة تثبت، بمعنى مختلف عن المعنى الذي فكر به كروتشه Croce، أن التاريخ هو فعلاً "مأثرة من مآثر الحرية". فأمام كل مشكلة جديدة تنبجس المسألة اللينينية: ما العمل؟ ولا جدوى من البحث عن الجواب في أي كتاب. بل يجب أن يأتي الجواب، كما نصح لينين بالذات، من "التحليل الملموس للأوضاع الملموسة". فتشي يجد نفسه إذاً مرغماً على أن يأخذ بعين الاعتبار وقائع مثل طبيعة التخطيط الاشتراكي، تبعاً لوضع كوبا الملموس، وحسب الصلة الديناميكية لهذا الوضع مع العالم أجمع، ويستنتج من هذا التحليل مميزات نظام التمويل في الميزانية على الحساب الاقتصادي، وهذا يجره إلى مهاترات سياسية مع شارل بيتلهايم ذاته. وللأسباب ذاتها يصر على أولوية الحافز الأخلاقي على الحافز المادي إذا أردنا حقاً بناء مجتمع اشتراكي، لكنه طبعاً لا يقول بالحافز الأخلاقي حصراً: فنحن لا نرى كيف يمكن التوصل إلى هذا المجتمع الاشتراكي إذا حرضنا لدى الناس الشهوات التي تقوم عليها الرأسمالية. وليس هذا ما يقترحه تشي: "لا ننكر الضرورة الموضوعية للحافز المادي، لكننا نرفض فعلاً أن نستخدمه كدافع أساسي" ("حول نظام الميزانية..."). وبالمقابل، ليس من الخيال في تشي، بل لا بد منه لهذا البناء الجديد أن نحفز الإنسان إلى اتخاذ موقف جديد تجاه العمل")، موقف يتيح تطمين شاعر تشي المفضل، ليون فيليبه L. Felipe، الذي رأى بقلق تعارض العمل واللعب. فهل من الضروري أن نصر على الانفعال الذي نعانيه ونحن نرى هذا الرجل، هذا تشي يبدأ خطاباً في عمال مثاليين وينشد أبياتاً للشاعر الإسباني الكبير؟ إن ما لم ينسه تشي أبداً، وهو غارق في عمله، أو في نظرياته، هو الغائية الحقيقية لثورة ما: خلق كائن بشري أفضل، "إنسان جديد"، حسب تعبيره هو. وإذا كان تشي يناقش قانون القيمة، وخطر البيروقراطية، والإطار الثوري، وصفات الشيوعي الشاب، وبناء الحزب، فهذه الفكرة هي التي تجوب شواغله كلها. ما أهمية عنف العمل أو ضحالة الفكرة، فهذه أو ذاك، لدى الثوري، مسخّران لخدمة الإنسان. وإذا كان الأعداء يستطيعون طمس هذه الحقيقة، فإن واجب الثوريين، أن يرددوها ويشرحوها.
    "إن وزن هذا البناء، بناء العقل الإنساني ] كتاب رأس المال[ يبلغ حداً يجعلنا ننسى في الغالب الصفة الإنسانية (بالمعنى الأفضل للكلمة) لقلقه... فالإنسان هو الذي يهمنا الآن... كان ماركس يفكر بتحرير الإنسان، وكان يرى الشيوعية حلاً للتناقضات التي أنتجت انحطاطه..."
    وقد بلغ هذا الموقف الذي وقفه تشي تعبيره الأصفى والأوضح في النص الأخير الذي كتبه قبل رحيله عن كوبا في الرسالة الرائعة التي وجهها إلى كارلوس كويجانو، مدير الصحيفة الأسبوعية مارشا، والتي نشرت تحت عنوان "الاشتراكية والإنسان في كوبا": لقد كانت، بمقدار ما، تلخيصاً، وحصيلة. وعندما نشر هذا النص في كوبا (وأذيع على نطاق واسع جداً) كان تشي قد غادر البلاد.
    يستحيل أن نتجنب في هذه الصفحات المسألة التي يطرحها كثير من الناس في العالم أجمع والمتعلقة بتشي: لماذا غادر كوبا؟ أعتقد أن على هذه المسألة أن تدخل في حسابها أموراً عديدة: هي أن تشي فعلاً أميركي – لاتيني، مثل الفنزويلي سيمون بوليفار،والأرجنتيني جوزيه دوسان مارتان، والدومينيكي ماكسيمو غوميز – أو المارتينيكي فرانتز فانون الذي كان تشي يحبه كثيراً – الذين ناضلوا كلهم في سبيل بلاد أخرى غير تلك التي ولدوا فيها، وغالباً في سبيل عدة بلدان، وأن كوبا هي واحدة من بلدان عديدة في أميركا اللاتينية التي عاش فيها تشي، وأن الثورة الكوبية هي إحدى ثورتين أمركيتين – لاتينيتين اشترك فيهما تشي (الثورة الثانية هي الثورة الغواتيمالية)، وأنه ما يزال في أميركا اللاتينية – وفي العالم النامي بصورة عامة – كثير من الثورات تنتظر التفجير. وأن هذه الثورات الجديدة التي تطالب الشعوب بها بإلحاح هي كالثورة الكوبية فصول لثورة واحدة. وفي عام 1959، عندما نزل الجيش المتمرد من الجبال كان الناس البسطاء في كوبا مقتنعين أن تشي سينطلق بين لحظة وأخرى للاشتراك في تحرير بلد آخر مستبعد. بيد أن الثورة الكوبية التي بدأت لتوها كانت بحاجة إليه لتوطيد كيانها. وكان آنذاك مثالاً للعامل المتفاني، وبطل البناء. وبعد ست سنوات، عندما خاضت هذه الثورة معركتها الأولى، وعندما عرفت جيرون، وتطهير إيسكامبري، وأزمة تشرين أول، عندما نظمت معاملها وأريافها على أساس الإنتاج من أجل الشعب، اعتبر تشي أن هنالك "أراضي أخرى في العالم" بحاجة أمس إليه.
    إن أولئك الذين يتهمون الثوريين بأنهم تقييديون بشكل أعمى هم أول من يرفض عنصر الحرية. والجدة، والإبداع في التاريخ. فما أن رأوا تشي يغادر كوبا حتى نبشوا من القبر أزواجاً شهيرة زعموا استخدامها لتجنب التفكير في ظاهرة لم يتوقعوها وفهم هذه الظاهرة، فالعاطفيون أخذوا يتحدثون عن بوليفار وسان مارتان، وسيِّئو النية اقترحوا أسماء أخرى.. الحقيقة أن التاريخ يمتلك الآن تشاركاً جديراً لا تستطيع التشاركات السابقة تفسيره بأي شكل ولا تستطيع رده إلى تبسيطات سابقة: إنه فيدل كاسترو وأرنستو غيفارا. وإنه لأمر رائع أن نرى كم يكمل هذان الرجلان أحدهما الآخر: فمن جهة الهزة البركانية للرجل الذي يعتبره تشي ذاته "تلك القوة من قوى الطبيعة المسماة كاسترو روز" ومن جهة أخرى تلك الرغبة الجامحة لدى تشي في صنع المفاهيم. إن اللحظة التي تتداخل فيها هاتان الوظيفتان – واللحظة التي نعيشها واحدة منهما – ليست أقل ما في هذا الحوار من جمال: فنحن نرى فيدل يثبت فكره ( وهذا يقوده إلى الدخول في مهاترات من أجل توضيح فكره) لأنه على وجه الضبط الزعيم الأول للثورة ونرى تشي يندفع في العمل، ليكون مرة أخرى، أميناً لنظريته. وهكذا يسعد الثورة الأميركية – اللاتينية الحالية أن يكون على رأسها رجلان يختفي لديهما التفرع الثنائي القديم الرأس المفكر – والذراع المسلح، ويذوب في واقع جديد ملتهب. فلماذا قرر أحد الرجلين، ذاك الذي لم يولد في كوبا لكنه خدمها خدمة لم يؤدها إلا القلة من الكوبيين، أن يعود من جديد إلى القتال، في سبيل حرية أرض أخرى هذه المرة؟ إن القراء لا يملكون كما لا أملك أنا معطيات كافية للإجابة. بيد أن الرجل الذي يستطيع التحدث عن هذا الموضوع، في الوقت الأنسب: فيدل كاسترو، قال في ختام مؤتمر القارات الثلاث الذي يجسداً تجسيداً رائعاً المثل الأعلى لفيدل وتشي على السواء:
    "إنضم إلينا الرفيق غيفارا عندما كنا منفيين في المكسيك. ومنذ اليوم الأول لم تكن تفارقه الفكرة التي عبر عنها بوضوح، وهي أنه عندما ينتهي الكفاح في كوبا، فإن عليه واجبات أخرى يجب أن يقوم بها في أمكنة أخرى، ولقد قطعنا له على أنفسنا وعداً بأننا لن نطلب منه البقاء في بلادنا، من أجل أية مصلحة للدولة، وأية مصلحة قومية، وأي ظرف، ولن نمنعه من تحقيق هذه الرغبة أو هذه الدعوة. وقد وفينا وفاء تاماً مخلصاً بهذا الوعد الذي قطعناه. للرفيق غيفارا."

    روبرتو فرناندزريتامار
    لاهافانا، تشرين الأول 1966
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:56 am

    مقدمة المترجم
    لا، لم يمت غيفارا

    مات غيفارا...
    حين حملت أمواج الأثير هذا النبأ الأليم رفض الناس الطيبون في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في تلك البلدان حيث يحتدم الصراع ضد الاستعمار بمختلف الأشكال، تارة بالحديد والنار كما في فيتنام أو الشرق الأوسط أو بعض أقطار أميركا اللاتينية، وتارة أخرى بمختلف الوسائل المتراوحة بين النضال الشرعي والنعف المتفاوت الشدة كما في كثير من البلدان الآسيوية والأفريقية، رفض الناس الطيبون أن يصدقوا، لا، لم يمت غيفارا، ولا يمكن أن يموت... إن غيفارا أكبر من ذلك، أكبر من الموت، أكبر من أن يصرعه الرصاص الغادر يطلقه أعداء الشعوب، أكبر من أن يسقط والرسالة العظيمة التي نذر لها نفسه لّما تتحقق...
    وكانت الأنباء قد تواترت مرات عديدة قبل ذلك، تبثها مكاتب الاستخبارات الاستعمارية والعميلة، عن مصرع الثوري الكبير، لكنه سرعان ما يفتضح كذبها وبطلانها خلال ساعات معدودة أو أيام قلائل... ما يمنع أن يكون الخبر كاذباً هذه المرة، رغماً عن تكاثر الدلائل على صحته؟ لكنه حين أعلن فيدل كاسترو، زعيم رفيق البطل الثائر الراحل وبل أقرب الرفاق إليه في النضال، من راديو هافانا وتلفزيونها، ليلة الخامس عشر من تشرين الأول 1967، أن النبأ الفاجع صحيح بصورة أليمة، كان لابدّ للناس الذين يؤمنون بالحقيقة الواقعة أن يصدقوا، رغماً عن كل ما يثيره هذا التصديق في قلوبهم من مرارة ولوعة وحزن. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتألمون فيها لفقدان رفيق بطل، كما أنها لن تكون المرة الأخيرة.
    لم يكن غيفارا بطلاً لأنه قارع الظلم بشجاعة فحسب، لأنه جابه أعداء الشعب ببسالة، وبعزيمة لا ترهب الموت ولا تهاب التضحية مهما غلت، بل كان بطلاً لأنه كان قبل كل شيء مثال الثوري الكامل. كان مخلصاً لمثله الأعلى حتى النهاية مقداماً لا يعرف التراجع، ذكياً يحذق سياسة الأمور، متواضعاً لا يتسرب الخلل أو الهوى إلى نفسه، وكانت كبرياؤه الوحيدة هي الكبرياء الثورية، هذه التي تجعله قاسياً لا يرجم حيال أعداء الثورة وأعداء الإنسان، وحيال جميع الأشياء أو الأهواء التي تعارض الثورة أو تسيء إليها، لكنه في الوقت نفسه رفيق طيب ودود لجميع أولئك الذين يشاركون في الثورة، أو يتوقون إليها، أو يتعرضون للظلم والاضطهاد من أية جهة كانت. ولعل هذا هو السبب في أن غيفارا كبر جداً في عيون الثوريين والأنصار، في كوبا نفسها وفي جميع البلدان الأخرى، كبر حتى حَسِبَ بعض الناس أنه أضحى أسطورة، أو وهماً يزعمون أن الثورة تنغذى به، وأنها لا تستطيع بدونه أن تستمر في البقاء. لا، إن غيفارا كبير لأنَّ إخلاصه لمبادىء الثورة كان كبيراً، إن غيفارا كبير لأن إيمانه كان كبيراً بالثورة التي لا حدود لها ولا وطن، الثورة التي ليست هي وقفاً على هذا البلد أو ذاك، وليست هي محصورة ضمن حدود هذا القطر أو ذاك، بل هي ثورة قائمة أبداً، متصلة دون انقطاع، ولن ينطفىء لها لهيب حتى تطهر هذه الكرة الأرضية من كل رجس، وتطهر نفس الإنسان من كل دنس، فتكون بذلك قد قضت قضاء مبرماً على العالم القديم والإنسان القديم، ووضعت الأسس المتينة الصلبة من اجل بناء العالم الجديد والإنسان الجديد. ولقد آمن غيفارا بهذه الثورة منذ تفتح وعيه على العالم، وظل وفياً لها حتى أغمض عينيه الإغماضة الأخيرة، وأنكر من أجلها طبقته وماضيه والحياة الهانئة التي كان يمكن أن يحياها، وخلّف ذلك كله وراء ظهره ليرتمي في حمأة المعركة، وسلاحه المادي ضعيف واهٍ. لكن سلاحه الفكري والروحي جبار لا يقاوم.
    * *
    كان أبوه مهندساً معمارياً أرجنتيني التبعة، أي من تلك الطبقة البرجوازية الميسورة التي يمكن أن تتوفر لها جميع مسرات الحياة العصرية. ولقد أصيب أرنستو في طفولته الأولى بمرض الربو، الأمر الذي جعله موضع العناية الصحية الفائقة، هذه العناية التي تمرد عليها حين اشتد ساعده، فجعل يمارس مختلف ضروب الرياضة، حتى أشدها ارهاقاً، في محاولة للتغلب على ذلك المرض الذي يفرض عليه بعض القيود. ولعل هذا هو السبب في تفضيله دراسة الطب على أية دراسة أخرى، لأن الطب فن يمكن أن يخلِّص الإنسان من بعض القيود القاسية التي تفرضها عليه الطبيعة المناوئة.بيد أن مطالعاته علمته في تلك الأثناء أن ثمة قيوداً أقسى من سلاسل المرض، ومن أكبال الظروف الطبيعية المناوئة، قيوداً مادية تئيد على السواد الأعظم من البشر، وقيوداً روحية تكبل نفوسهم وتنأى بهم عن الطبيعة الإنسانية الحقيقية، قيوداً، طالعته من آلاف عيون الناس البائسين الجياع، العاطلين عن العمل، الرازحين تحت نير الكبت والاضطهاد، الطامحين إلى لقمة العيش وإلى الكرامة من وراء لقمة العيش. ولقد طالعه من قرار هذه العيون اليأس كله، والخوف كله، والذل كله، وطالعته في الوقت نفسه قوة لا تغلب، قوة عاتية، جبارة، ساحقة، سوف يتحول إليها اليأس والذل والخوف ذات يوم، وعندئذ لن يعترض أحد أو مشيء سبيلها. أليس ذلك ما حدث دائماً في التاريخ، منذ أيام روما القديمة؟ أو ليس ذلك ما حدث مؤخراً في روسيا حيث انقلب الخوف واليأس والذل إلى تلك القوة الجارفة التي اكتسحت عالم القياصرة العفن، وجعلت تبني على أنقاضه عالماً جديداً يبشر بالأمل، وبالحرية، وبالكرامة وبالغد السعيد؟
    وإن غيفارا ليشعر إذاً أن مكانه ليس في بيت أبيه، ولا في عيادة يستقبل فيها المرضى كل يوم، ولا حتى في وطنه الأرجنتين حيث لا يستطيع أن يعمل شيئاً في الوقت الحاضر. إن "حياته تبدأ وراء الحدود"، ومكانه هو العالم الفسيح، وموطنه هو كل موضع في هذه الدنيا تحول فيه اليأس والخوف والذل على قوة تناضل في سبيل حياة أفضل... و هذا هو في قلب المعركة، حيثما تحتدم، في تشيلي وفي كولومبيا، وفي بوليفيا وفنزويلا، وفي غواتيمالا حيث كان شعب صغير، رازح منذ مئات السنين تحت نير الاستعمار والاستعباد والاستغلال، قد صنع ثورة وهو يكافح عنها ضد قوى القارتين مجتمعة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية واحتكاراتها الغاشمة.
    أجل، إن في قلبه ناراً تشتعل، تدفعه لأن يكون إلى جانب المظلومين، إلى جانب البائسين، إلى جانب المعذبين في الأرض. وهذا ما يعبر عنه في رسالة إلى والديه كتبها مؤخراً: "وليس الحب الحقيقي الذي يرويني حب الوطن والزوجة والأولاد والأصدقاء، بل هو أكبر من ذلك كثيراً، فهو الشعلة التي تحترق في باطن الملايين من بؤساء العالم المحرومين، شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة. إني أؤمن بأن النضال المسلح هو الطريق الوحيدة أمام الشعوب السامية إلى التحرر. ويعتبرني الكثيرون مغامراً، وأنا مغامر حقاً، لكن من غير طراز أولئك المغامرين المنساقين وراء نزوات فردية عابرة. وإني أضحي بكل شيء من أجل الثورة والنضال المتصل".
    وهكذا، حين سقط النظام الشعبي في غواتيمالا تحت الضربات الاستعمارية المهيأة بكل خبث، غادر غيفارا إلى المكسيك، ملجأ جميع الثوريين في أميركا اللاتينية، ومن هناك بدأت قصته مع فيدل كاسترو، واشتراكه في حملة غرانما التي نزلت على الشاطىء الكوبي، دوره في ملحمة سييرا مايسترا التي انتهت إلى اسقاط نظام باتيستا الدكتاتوري وإقامة نظام شعبي ثوري يسير بخطى حثيثة نحو الاشتراكية
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:57 am

    يقول فيدل كاسترو في معرض حديثه عن أرنستو "تشي" غيفارا: "نحن الذين نعرف أرنستو غيفارا بصورة وثيقة – وأقول "نعرف" لأنه لا يمكن قط الحديث عن أرنستو غيفارا بصيغة الماضي – لا بد لنا أن نقول إن لدينا خبرة عظيمة بخلقه ومزاجه. ومهما يكن من الصعب أن نتصور أن مثل هذا الرجل، بمثل هذه السمعة وبمثل هذه الشخصية، قد قضى في معركة دارت بين دورية من المغاورين وقوات من الجيش النظامي، حتى إذا بدا ذلك أبعد ما يكون عن المنطق، فإننا نعرف أن ليس فيه شيء فوق عادي. ذلك أنه تميز دائماً، خلال كل الوقت الذي عرفناه فيه، ببسالة عجيبة، بازدراء مطلق للخطر، فهو يصنع في جميع الأوقات الأشد خطراً والأعظم صعوبة الأشياء الأعظم صعوبة والأشد خطراً. هكذا كان سلوكه في مناسبات عديدة أثناء نضالنا في سييرا ما يسترا، وفي لاس فيلاس، وكثيراً ما اضطررنا، بطريقة أو أخرى، إلى اتخاذ بعض التدابير من أجل حمايته، وقد عارضنا أكثر من مرة تنفيذ بعض الأعمال التي كان يريد انجازها، وذلك بقدر ما كنا نتبين فيه تلك الصفات الرائعة التي يتحلى بها المقاتل والإمكانات المتوفرة لديه من أجل خدمة الثورة في واجبات أو مهمات ذات أهمية استراتيجية أعظم، بحيث كنا نحميه من خطر السقوط في معركة ذات أهمية أقل.
    "ولنعترف بأننا كنا نخاف دائماً من أن يقود هذا المزاج، هذه المبادرة الخاصة به، الحاصرة في جميع أوقات الخطر، إلى الموت في أية معركة. وما كان في قدرة أي إنسان أن يكون على يقين من أنه سيتخذ على الأقل حداً أدنى من تدابير الحماية. وكثيراً ما كان يتقدم في طليعة دورية استكشافية عادية...
    "ولعله كان يفكر، وهو واع تماماً للرسالة التي أخذها على عاتقه ولأهمية النشاط الذي يقوم به، لعله كان يفكر – كما فكر على الدوام – بما للبشر من قيمة نسبية وما للقدرة من قيمة لا تدحض. كانت هذه الأشياء تشكل جزءاً من شخصيته..
    "ولقد كنا نحب أكثر ما نحب أن نشاهده يتحول إلى صانع لانتصارات الشعوب الكبرى بالأحرى من أن يكون رائداً لهذه الانتصارات. لكن رجلاً له هذا المزاج، وهذه الشخصية، وهذا الخلق، وهو يملك على الدوام هذا الارتكاس حيال بعض الظروف، لمدعو من سوء الحظ لأن يكون رائداً لهذه الانتصارات بالأحرى منه صانعاً لها.. وإنه لمن المؤكد أن الرواد هم أيضاً صناع النصر، ومن كبار الصنّاع فضلاً عن ذلك: لكنه كان أقل الناس اهتماماً بذلك.
    "وإنه لمنطقي أن يكون من المحال، بالنسبة إلينا جميعاً نحن الذين نكن له حباً عميقاً، أن نرضى بأن نشاهده وقد انقلب إلى رائد فحسب، إلى قدوة لا نرتاب مطلقاً في أنه سيكون لها وقع هائل. إنه لمنطقي أن يتألم كل كائن إنساني حين يتعرض مثل هذا الخلق وهذا الذكاء وهذه الاستقامة للدمار الحكمي."
    أجل، لقد كان غيفارا رائداً لانتصارات الشعوب، وكان صانعاً لهذه الانتصارات في الوقت نفسه. وإن هذا الإخلاص الذي كان ينطوي عليه لمثله الأعلى، وللهدف السامي الذي كرس نفسه من أجله، هو الذي حمله على مغادرة كوبا، بعد ما تحقق الظفر فيها للشعب، كيما يذهب مرة أخرى إلى "ما وراء الحدود" إلى ميادين جديدة للنضال يواصل الرسالة التي يحملها. ولذا كان غيفارا قدوة، قدوة للثورة في كل مكان، قدوة لطلائع الشعوب المناضلة في كل صقع من أجل حقها في الحياة، من أجل مكانها اللائق تحت الشمس، من أجل غدها المشرق السعيد...
    وإن هذه القدوة الرائعة، هذه القدوة التي هي ملء الأبصار والأسماع والأفئدة، هذه القدوة التي وضعها الثوار في كل مكان، في أميركا اللاتينية وفي آسيا وإفريقيا، نصب أعينهم، هي بالضبط ما سعى المستعمرون وأجراؤهم، ولا يزالون يسعون، للقضاء عليها. فمنذ غادر غيفارا كوبا جعلت المخبرات الأميركية كلها البحث عنه والسعي للقضاء عليه، وكان العملاء في منظمة الشعوب الأميركية الخاضعة لإشرافها أدوات التنفيذ في هذه المؤامرة الإجرامية. وإذا هم نجحوا أخيراً، بفعل المصادقات والخيانة، في القضاء على جسد غيفارا، فإنهم لن ينجحوا قط في القضاء على روحه، على عمله، على القدوة التي صنعها من أجل الآخرين.
    لقد كانوا يخافونه.. كانوا يخافونه حياً، وهو لا يبرحون يخافون الآن، بعدما توصلوا إلى حذف جسده. ولقد أشارت جميع الأدلة إلى أن غيفارا وقع أسيراً، بعدما أصيب بجروح بليغة، وبعدما تعطلت بندقيته من جراء إصابتها بطلق ناري، في معركة جرت بين بضعة ثوار بوليفيين وقوات نظامية تفوق الألف وخمسمائة جندي في عددها. وما كان يمكن ليغيفارا، كما يقول كاسترو، أن يستسلم حياً.. لكن رفاقه القلائل حين شاهدوه جريحاً، استماتوا في المقاومة وفي الدفاع عنه، فاستمرت المعركة بين هؤلاء الرجال الستة عشر وقوات الجيش النظامي البوليفي قرابة ست ساعات، وهو شيء لا يمكن أن يحدث في حرب الأنصار مطلقاً. لكن غيفارا جرح جروحاً بليغة بحيث لا يستطيع الانسحاب، وتعطلت بندقيته بحيث لا يستطيع أن يضع حداً لحياته بنفسه. بيد أن الحكومة الدكتاتورية في بوليفيا، التي أسرته حياً، قد أجهزت عليه، وبعدما أجهزت عليه رفضت أن تسلم جثته لأخيه، كما رفضت أن تطلع كائناً ما عليها، أو على مكان وجودها. لقد دفنوه في مكان مجهول، ولعلهم أحرقوا الجثة وذروا رمادها في الرياح، حتى يزيلوا من الوجود كل أثر له، فيما يعتقدون، فلا يتحول قبره، في المستقبل، إلى محجة للثوريين في كل مكان، إلى هيكل يقصده الناس الشرفاء من أنحاء المعمورة الأربع، كي يعبروا عن جلهم وتقديرهم واحترامهم للثائر الراحل، وعن حقدهم على القتلة وإدانتهم لهم.
    إن المستعمرين وأذنابهم، هؤلاء يعرفون بغريزتهم أن التاريخ قد أصدر حكمه عليهم مسبقاً على حد تعبير فيدل كاسترو، يخافون غيفارا حتى بعد وفاته، فهم يريدون أن يحرموا الحركة الثورية – وبالخاصة في أميركا اللاتينية – من الرمز، يريدون أن يطفئوا الشعلة، ويحسبون أنهم بذلك يضربون الحركة الثورية ويزعزعونها.
    ألا بئس ما يحسبون وما يخططون! إن الثوريين هم على الدوام أفضل الناس تأهباً لجميع الظروف وجميع التقلبات وجميع النكسات الممكنة. ولقد تميز تاريخ جميع الثورات وجميع الشعوب الثورية، في كل مكان وفي كل العصور، ببعض الضربات الأليمة، وبعض النكسات اليسيرة، لكن الثوريين الحقيقيين كانوا يتغلبون دائماً على هذه النكسات وتلك الضربات، ويواصلون الطريق بعزيمة أشد، وبتصميم أعظم على إحراز النصر. وإن الثوريين بالضبط هم أكثر الناس معرفة وتقديراً لقيمة المبادىء الخليقة وقيمة القدوة الحسنة، وهم بالضبط أرسخ الناس إيماناً بأعمال الرجال الحقيقيين ومبادئهم، وأعظم إدراكاً لما تتصف به حياة البشر الحكيمة من زوال وما تتصف به أفكارهم وسلوكهم وقدرتهم من خلود... ذلك أن القدوة هي التي ألهمت الشعوب طوال التاريخ وأرشدتها.
    ويقول فيدل كاسترو بالنص الواحد: "من ذا يستطيع أن ينكر شدة الضربة التي تعرضت لها الحركة الثورية من جراء موت تشي، ومن جراء انعدام إمكانية الاعتماد على خبرته، وعلى إلهامه وعلى قوة سمعته التي كان الرجعيون يرتعشون منها ذعراً! إنها ضربة شديدة، ضربة بالغة القسوة. لكننا على يقين مع ذلك من أنه أشد قناعة من أي إنسان آخر بأن حياة البشر الحكمية ليست الشيء الأهم، بل إن سلوكهم هو الذي يأتي في المرتبة الأولى.. وهذا وحده هو ما يفسر ازدراءه المطلق للخطر، وهو الشيء الوحيد الذي يتلاءم مع شخصيته ومع عمله..."
    ولذا فإن الحركة الثورية، انطلاقاً من هذه الحقيقة، ستعرف كيف تحول هذه القدرة إلى قوة لا تقهر، وكيف تستلهمها لتسير قدماً إلى الأمام، دونما تردد، وبصلابة أشد وعزيمة أمضى.
    لا، لم يمت غيفارا، بل هو حي في أفئدة جميع الثوريين، جميع الناس الطيبين، جميع الناس الشرفاء في سائر أنحاء العالم، وإن صرخته لتدوي في أسماع الجميع، هادرة، شاحذة الهمم، وحافزة إلى العمل المستمر:
    "لا يهمني أين ومتى سأموت، لكنه يهمني أن يبقى الثوار قائمين، يملأون ضجيجاً حتى لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين؟


    دمشق في 22 / 11 / 1967
    الدكتور فؤاد أيوب
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 11:58 am

    القسم الأول

    المبادىء العامة لحرب الغوار


    1 – جوهر حرب الغوار
    لم يكن الظفر المسلح الذي أحرزه الشعب الكوني على طغيان باتيستا[7] لينحصر فقط في النصر الملحمي الذي سجله المراقبون في العالم أجمع، بل كان كذلك انقلاباً في العقائد القديمة حول سلوك الجماهير الشعبية في أمريكا اللاتينية. وقد برهن بشكل ملموس أن شعباً يستطيع، بالغوار، أن يتحرر من حكومة تضطهده.
    ونحن نرى أن الثورة الكوبية قد رفدت الحركة الثورة في أمريكا بثلاثة إسهامات إذ أثبتت ما يلي:
    أولا – تستطيع القوى الشعبية أن تكسب حرباً ضد الجيش النظامي.
    ثانياً – لا ينبغي الانتظار دوماً حتى تجتمع كافة الظروف للقيام بالثورة، إذ يمكن للبؤرة الثورية أن تفجِّر هذه الظروف الثورية.
    ثالثاً – ينبغي في الأنحاء المتخلفة من أمريكا، اتخاذ الريف ميداناً أساسياً للنضال المسلح.
    تتعارض النقطتان الأوليان مع الموقف التريُّثي الذي يقفه ثوريون أو أشباه ثوريين ممن يتذرعون لعطالتهم بدعوى أن شيئاً لا يمكن محاولته ضد الجيش النظامي، ناهيك عن أولئك الذين ينتظرون أن يلقوا كافة الظروف الموضوعية والذاتية وقد اجتمعت بصورة آلية، دونما اهتمام بتعجيلها. إن هاتين الحقيقتين اللتين لا مجال لانكارهما قد غدتا واضحتين تماماً، إلا أنهما قد نوقشتا في كوبا في الماضي وربما هما تُناقشان الآن في أمريكا اللاتينية.
    ومن الطبيعي أن الحافز الذي تشكله بؤرة الغوار لا يكفي وحده لاستجماع كافة الظروف اللازمة للثورة. بل ينبغي الاعتبار دوماً بأن إنشاء البؤرة الأولى وتوطيدها يقتضيان حداً أدنى من الظروف المؤاتية. فينبغي إذاً أن يبرهن للشعب بوضوح تعذر الاستمرار في النضال المطالبي في إطار الشرعية. إن ما يخل بالسلام هو بالضبط أن قوى الاضطهاد تحتفظ لنفسها بالسلطة ضد الحق.
    وسوف يجد استياء الشعب، في مثل هذه الظروف، تعبيراً عن ذاته يزداد قوة، وسيأتي الوقت الذي تتبلور فيه المقاومة في نطفة[8] من نضال يثيرها في الأصل موقف السلطات.
    عندما تصل إحدى الحكومات إلى السلطة عن طريق استشارة شعبية، مزيفة أو غير مزيفة، وتحافظ ولو في الظاهر على الشرعية الدستورية، فإن بذرة الغوار لا يمكن أن تنتش[9] لأن كافة إمكانات النضال الشرعي لما تستنفد بعد.
    أما الإسهام الثالث، فهو على الصعيد الريادي[10]. ويجب اعتباره تحذيراً للذين يستندون إلى مقاييس عقيدية[11]، فيدَّعون تركيز نضال الجماهير على الحركات المدنية، ناسين تماماً مساهمة الفلاحين العظيمة في حياة كافة البلدان المتخلفة من أمريكا. ليس الأمر استصغاراً لنضال الجماهير العمالية المنظمة، إنما هو تحليل إمكانانتا تحليلاً واقعياً، في ظروف النضال المسلح الصعبة، حيث تصاب الضمانات التي ترافق دساتيرنا عادة، بالتعطيل أو التجاهل. ينبغي عندئذ أن تغدو الحركات العمالية سرية وأن تواجه دون سلاح أخطاراً هائلة في وضع عدم الشرعية. أما في الريف، فالموقف ليس على ذات القدر من الصعوبة، لأن المغاوير المسلحين يدعمون السكان، في أماكن يستحيل أن تطالها قوى القمع.
    سوف نتوسع في التحليل بدقة في ما بعد. ولنلاحظ منذ الآن في مطلع هذا الكتاب، الاستنتاجات الثلاثة الآنفة، التي تؤلف في رأينا، الشيء الأساسي في مساهمتنا.
    تتصف حرب الغوار، أساس النضال الشعبي، بمميزات ووجوه متباينة جداً، وإن كانت تستمد دوماً من إرادة التحرر ذاتها. من الواضح – وقد قالها النظريون جيداً – أن الحرب تستجيب إلى سلسلة معينة من القوانين العلمية، وأن من يخالفها يتحتم فشله. إن الغوار هو أحد أطوار الحرب النهجية[12]، وينبغي أن تحكمه قوانينها كافة، إلاَ أنه يشتمل إضافة، وبسبب طابعه الخاص، على قوانين لاحقة ينبغي الرضوخ لها. من الطبيعي أن تحدد الظروف الجغرافية والاجتماعية لكل بلد ما هي القوالب الخاصة التي ترتديها حرب الغوار فيه، غير أن هذه القوانين الأساسية صحيحة لكل نضال من هذا النمط.
    نقصد الآن إلى إيجاد الأسس التي يقوم عليها هذا النمط من النضال، والقواعد التي ينبغي أن تتبعها الشعوب الباحثة عن تحررها. إن مقصدنا هو تحويل الممارسة إلى نظرية واتسجلاء بنية هذه التجربة وتعميمها لفائدة الآخرين.
    ينبغي أن نثبت أولاً من هم المقاتلون. إنهم من جانب، النواة المضطهِِدة، وفي خدمتها الجيش النظامي، حسن التجهيز والضباطة[13]. وتستطيع هذه النواة في حالات كثيرة أن تعوّل على تأييد الأجنبي وتأييد جماعات صغيرة من الموظفين الدائرين في فلك المضطهِد. ويقف في الجانب الآخر، سكان البلد أو المنطقة المعنية. ومن المهم ملاحظة أن الغوار نضال جماهيري، نضال الشعب، وأن الغوّارة[14]، الجماعة المسلحة الصغيرة، هي طليعته المقاتلة. وتمكن قوتها في جمهور السكان. لا ينبغي اعتبار الغوّارة اضعف عددياً من الجيش النظامي الذي تقاتله، رغم أن قوَّة نارها اضعف منه. لذلك ينبغي اللجوء إلى حرب الغوار لدفع الاضطهاد، متى توفر تأييد غالبية السكان، مع كمية من الأسلحة في منته الضآلة.
    تتمتع الغوارة حينئذ بالتأييد الشامل من السكان المحلين وهذا شرط لا تقوم بدونه. يبدو ذلك واضحاً إذا أخذنا مثال عصابات قطاع الطرق التي تعمل في منطقة ما. لهذه العصابات كافة مميزات جيش الغوار: التماسك، واحترام الرئيس، والشجاعة، ومعرفة الأرض، وفي أحيان كثيرة، تقدير جريء للصِيالة[15]الواجب اتباعها، ولا ينقصها إلا تأييد الشعب: فلا مفر لهذه العصابات من أن تعزلها الضابِطة أو تبيدها.
    بعد أن حلَّلنا صِيالة العمليات في حرب الغوار، وشكل الكفاح فيها، وبعد أن فهمنا أن الشعب هو مستندها، بقي أن نتساءل: من أجل ماذا يناضل المغاور؟ فنصل إلى النتيجة المحتومة وهي أن المغاور مصلح اجتماعي، وأنه يحمل السلاح استجابة لاستنكار الشعب الكامن ضد مضطهِديه، وأنه يقاتل لتغيير النظام الاجتماعي الذي يبقي على إخواته العزَّل في الهوان والبؤس. إنه يهاجم المؤسسات الخاصة بعصر معين، لكي يحطم بنيانها، بكل ما تتيح له الظروف من قوة.
    سوف نرى متى حللنا صِيالة حرب الغوار بعمق أكبر، أنه ينبغي للمغاور أن يعرف الأرض تمام المعرفة، وكذلك مسالك القدوم والانكفاء، وإمكانات المراوغة السريعة، وأمكنة الاختباء، والتأييد الشعبي طبعاً. يدل كل ذلك على أن المغاور سوف يمارس عمله في بيئة ريفية قليلة السكان، وفي المكان المفضل لكفاح الشعب من أجل مطاليبه، كل ذلك في تطلع يكاد ينحصر بتغيير البنيان الاجتماعي لملكية الأراضي. بعبارة أخرى، إن المغاور هو قبل كل شيء ثائر زراعي. إنه يترجم رغبة جماهير الفلاحين الكبرى في امتلاك الأرض، امتلاك وسائل إنتاجهم ودوابهم وكل ما رغبوا فيه سنوات طوالاً، وما يؤلف حياتهم كما يؤلف الأرض التي سوف يموتون فيها.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:00 pm

    ينبغي التدقيق في أن ثمة نمطين مختلفين من حرب الغوار: أحدهما وهو حالة ذلك النضال الذي يتمم عمل الجيوش النظامية الكبرى – مثل نضال الأنصار الاوكرانيين في الاتحاد السوفياتي، ولا يتناوله تحليلنا. النمط الآخر وحده هو الذي يهمنا: إنه حالة جماعة مسلحة تتقدم في النضال ضد السلطة القائمة، سواء أكانت استعمارية أم لا، وتستقر في مأرز[16] وحيد، وتنتشر في الأوساط الريفية. ومهما كان البناء الفكري الذي يلهم النضال، فإن أمنية امتلاك الأرض هي ما يؤلف أساسه الاقتصادي.
    بدأت صين ماوتسي تونغ في الجنوب بنضال نَوَى عمالية منيت بالهزيمة وأشرفت على الإبادة. إنها لم تترسخ وتشرع في سيرها الصاعد إلا بعد المسيرة الكبرى في مقاطعة يونّان، عندما استندت إلى الأرياف واعتمدت الإصلاح الزراعي أساساً لمطالبها. وكان نضال هوشي منه في الهند الصينية يستند إلى الفلاحين زارعي الأرز الذين يضطهدهم النير الاستعماري الفرنسي، وأخذ هذا النضال يتقدم بمؤازرة هذه القوى حتى هزم الاستعماريين. وفي كلا الحالين، وعلى الرغم من المعترضة التي شكلتها الحرب الوطنية ضد المعتدين اليابانيين، فإن الأساس الاقتصادي، وهو النضال من أجل الأرض، لم يختفِ. وفي حالة الجزائر، فإن استثمار مليون مستعمر فرنسي لأراضي الجزائر القابلة للزراعة كلها تقريباً، هو الملحق الاقتصادي بالفكرة العظيمة للقومية العربية. وفي بلدان أخرى مثل بورتوريكو، حيث لم تسمح الظروف الخاصة بهذه الجزيرة بنشوء حرب الغوار، فإن الروح القومي الذي يجرحه التمييز كل يوم أبلغ الجراح، يقوم على تطلع الفلاح (وإن تم استكداحه[17] في أحيان كثيرة) إلى الأرض التي سلبه إياها الغزاة اليانكي[18] وكانت هذه الفكرة المركزية ذاتها، في ظروف مختلفة، هي التي تلهب صغار المالكين، والفلاحين، والعبيد، في مزارع كوبا الشرقية، عندما تنادوا للدفاع معاً عن حقهم في امتلاك الأرض إبان حرب التحرر ذات الأعوام الثلاثين[19].
    وعلى الرغم من المميزات الخاصة التي تجعل من حرب الغوار نمطاً من الحرب محدداً بدقة، فإن هذه الحرب، بالنظر إلى إمكانات تطورها وتحولها إلى حرب تحاصُنٍ[20] عن طريق تزايد الجماعة العاملة الأصلية، يمكن اعتبارها نطفة أو شكلاً بدائياً لحرب التحاصُن، وتتبع إمكانات اتساع حرب الغوار وتحويرها وتحويلها إلى حرب تحاصن، وضوحاً، إلى إمكان هزم العدو في كل معركة تُخاض وكل قتال وكل مناوشة. إنه مبدأ أساسي، إذاً لا يُخاض غمار أي معركة أو قتال أو مناوشة ما لم تكن مظفرة بالتأكيد. يقول تعريف سيىء النية إن "المغاور هو يسوعي[21] الحرب". يعني هذا أن العناصر الجوهرية في الغوار هي المفاجأة والخداع والعمل الليلي. واضح أنه نوع خاص من اليسوعية، تسببه الظروف التي ترغم المرء أحياناً أن يتبنى سلوكاً يخالف مفاهيم الرواء والمباراة الرياضية التي يريدون حملنا على الاعتقاد أن الحرب تمارس وفقها.
    الحرب هي دوماً صراع يسعى كل خصم فيه لإفناء الآخر. وللوصول إلى ذلك يلجأ، إضافة إلى القوة، لكافة الأساليب، كافة الحيل الممكنة.
    ولا تعدو الريادة والمهانة[22] أبداً إيضاح الأهداف التي ارتسمها كل من الخصمين لنفسه، والوسائل التي يستعملانها لبلوغ الأهداف. وتشتمل هذه الوسائل على استعمال كافة نقاط الضعف لدى العدو. فإذا ما حلَّل المرء واحدة من حروب التحاصُن لاحظ أن كل سرية فيها مأخوذة على انفراد يتميز عملها بمميزات حرب الغوار ذاتها: تأثير المفاجأة، الخداع، العمل الليلي. وإذا لم تستعمل هذه الصيالة، فمرد ذلك إلى تعذر مداهمة الأعداء الساهرين. ولما كانت الغوارة بحد ذاتها جماعة مسلحة وإن ثمة مناطق واسعة لا يراقبها العدو، فيمكن إحداث تأثير المفاجأة دوماً، ومن واجب المغاوير أن يفعلوا ذلك.
    إنهم يصفون عمل المغاور ذمَّاً بقولهم: "عضّ واهرب"، وهو صحيح. عض واهرب، تريَّث، راقب، عُدْ ثانية عضّ واهرب مرة أخرى وهكذا دواليك، دون أن تترك للعدو راحة. يبدو في الظاهر أن هذه التراجعات، هذا الرفض للقتال الجبهي، تؤلف موقفاً سلبياً، إلا أنها في الواقع نتائج الريادة العامة لحرب الغوار، التي تطابق غايتها النهائية غاية كل حرب: الظفر وإفناء العدو.
    من الثابت أن حرب الغوار تؤلف أحد أطوار الحرب، فلا يستطيع هذا الطور وحده أن يؤدي إلى الظفر. إنه أحد الأطوار الأولى من الحرب، وسوف يتطور حتى يكتسب الجيش الثائر، إبان نموه المستمر، مميزات جيش نظامي. يكون قد تهيأ عند ذلك لأن يكيل الضربات النهائية للعدو وأن يظفر. فإذا كان النضال في البدء من شأن غوّارة واحدة، فالظفر سيكون دائماً من شأن جيش نظامي.
    ومثلما ينبغي في الحرب الحديثة، أن لا يموت اللواء قائد فرقة على رأس جنوده، ينبغي كذلك للمغاور الذي هو لواء نفسه، أن يصون حياته. إنه مستعد لعطائها، غير أن الوجه الإيجابي من حرب الغوار هو بالدقة أن كل مغاور مستعد للموت ليس دفاعاً عن مثل أعلى، بل لتحويل المثل الأعلى إلى حقيقة. هذه هي قاعدة نضال الغوار وعين جوهره: إنها المعجزة التي تجترحها جماعة صغيرة من الرجل، وهم الطليعة المسلحة للجمهرة الشعبية الكبرى التي تؤازرهم، إذ يتطلعون إلى ما وراء الهدف الصيالي المباشر، ويجهدون بثبات لتحقيق مثل أعلى، لهدم البنيان القديم، لإقامة مجتمع جديد وإحقاق العدالة الاجتماعية أخيراً.
    وإذا ما نظرنا للأمر من هذه الزاوية، فإن كل ما كان مدعاة لأحكام مشوبة بالذم، يستنير بنور جديد ويجد تبريره في عظمة الغاية التي يصبو إليها المغاوير. فليس في الأمر وسائل ملتوية لبلوغها. فهذا السلوك في النضال الذي يجب أن لا يخبو لحظة، وهذه الصرامة في مواجهة المسائل الكبرى المرتبطة بالهدف النهائي، هما عظمة المغاوير.





    2 – ريادة حرب الغوار
    يُقصد بالريادة، في الاصطلاح العسكري، تحليل الأهداف التي يجب بلوغها،تبعاً لوضع عسكري عام، والوسائل المؤدية إلى هذه الأهداف.
    ولتقدير الريادة تقديراً صحيحاً، من وجهة نظر حرب الغوار، يلزم القيام بتحليل أساسي لسلوك العدو. فإذا ما اتضح أن الهدف النهائي للجيش النظامي هو إفناء القوى المعادية له، فإن حرباً أهلية من هذا النمط تمثل الأمر لنا تمثيلاً نهجياً ينبغي للعدو أن يعمد إلى إفناء كافة أعضاء الغوارة إفناءً شاملاً. وبالمقابل ينبغي للمغاور أن يحلل الوسائل التي يعتد بها العدو لإدراك هذا الحل، الوسائل التي يستطيع العدو اعتمادها من رجال، وجؤول[23]، وتأييد شعبي، وتسلح، وحسن قيادة ينبغي ان تتكيف ريادتنا باستنتاجات هذا التحليل، دون أن تُسقِط من اعتبارها أبداً أن الهدف النهائي هو إنزال الهزيمة بالعدو.
    ثمة أوجه أساسية ينبغي درساتها، مثلاً: السلاح، وكيفية استعماله، والتحليل المضبوط لدرجة فعالية دبابة أو طائرة في صراع من هذا النوع، والبحث عن معرفة أسلحة العدو وذخائرة وعاداته. فالسلاح الموجود لدى العدو هو بالضبط منبع تموين الغوار وإذا أمكن الاختيار، فيسفضل نمط السلاح الذي يستخدمه الجيش النظامي، لأن أكبر أعداء الغوار هو فقدان الذخيرة، وهو ما ينبغي تداركه من العدو ذاته.
    بعد تحليل وتدريج الأهداف التي يجب بلوغها، يلزم تحديد المراحل لتحقيق الهدف النهائي، وهي مراحل يوضع توقَّع بها، إلا أنها تتعدل إبان الصراع وتتكيف بالظروف غير المتوقعة التي يحتمل نشوؤها.
    الشيء الجوهري بالنسبة للمغاور، في الطور الأول، هو أن لا يدع نفسه يُبَاد. من ثم ورويداً، يزداد يُسراً لأعضاء الغوارة أو الغوارات المختلفة أن يتكيفوا بطراز الحياة هذا ويعتادوا الهروب بسهولة وتخليف القوى المرسلة في أعقابهم. بعد بلوغهم هذا الهدف، الذي يتم سوية مع اتخاذ المواقع التي تعصم المغاوير من أن تطالهم يد العدو (أو مع النجاح في تأليب[24] قوى كافية لفَلّ عزيمة العدو من أي هجوم)، ينبغي الشروع عندئذ بإضعاف العدو تدريجاً. أولاً في أقرب الأمكنة إلى مواضع المكافحة العنيفة ضد الغوار، ثم في أرض العدو، بمهاجمة مواصلاته، وإرهاق مآرِز عملياته أو مآرِزه المركزية، والإكثار من التخريب جهد المستطاع، تبعاً للوسائل المتوفرة.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:02 pm

    ينبغي الضرب باستمرار. يجب عدم ترك جندي العدو يغمض جفنه في منطقة العمليات. يجب مهاجمة المخافر وتصفيتها بطريقة منهجية. يجب إعطاء العدو الانطباع بأنه مطوَّق في كل لحظة، ويتم ذلك نهاراً في الأرض الوعرة الشَجِرة، وليلاً في الأرض المنبسطة أو سهلة المسلك للدوريات. يقتضي كل ذلك تعاون السكان تعاوناً كلياً، كما يقتضي معرفة كاملة بالأرض. يتبادر هذان الشرطان إلى النظر في كل دقيقة من حياة المغاور. لذلك ينبغي إقامة مراكز دراسة لمناطق العمليات الحالية أو المستقبلة، والنهوض في الوقت ذاته بعمل جماهيري كثيف، مع شرح دواعي الثورة وغاياتها، ونشر الحقيقة التي لا مراء فيها وهي أنه يستحيل، في النهاية، الظفر على الشعب. إن من لا يشعر بهذه الحقيقة المطلقة لا يمكن أن يكون مغاوراً.
    يجب في البدء أن يحمل هذا العمل محمل الكتمان. يجب أن يطلب من كل فلاح من كل فرد من المجتمع الذي نعمل فيه، أن لا يبدي أي تعليق عما يرى أو يسمع. ويتم البحث في وقت لاحق عن مساعدة السكان الذين تتوافر أمتن الضمانات عن إخلاصهم للثورة. ويُستخدمون من ثم في مهمات الارتباط ونقل البضائع أو الأسلحة، ويفيدون كأدِلاء في المناطق التي يعرفونها. ويمكن الوصول أخيراً إلى عمل جماهير سبق تنظيمها في مناطق النشاط، وتكون نتيجته النهائية الإضراب العام.
    الإضراب عامل في المقام الأول من الأهمية في الحرب الأهلية. لكن الوصول إليه يستلزم سلسلة من العوامل الثانوية. وهذه العوامل ليست حاضرة دائماً ولا تتوفر بصورة عفوية إلا في حالات قليلة جداً. ينبغي استحداثها بشرح دواعي الثورة، بالتدليل على قوة الشعب الحقيقية وإمكاناته.
    ويمكن الاستعانة أيضاً بجماعات معينة، شديدة التجانس. فبعد أن تكون قد أثبتت فعاليتها في أعمال أقل خطراً، تبدأ بأعمال التخريب. إنه سلاح ماض آخر في حرب الغوار: يمكن به إنزال الشلل بجيوش كاملة، والاضراب في الحياة الصناعية لإحدى المناطق، وحرمان سكان مدينة من العمل والماء والموصلات وإرغامهم على هجران الشوارع إلا في ساعات معينة.
    فإذا ما تم التوصل إلى ذلك تدنت معنويات العدو أكثر فأكثر، ومعها معنويات وحداته المقاتلة، وتماثلت الثمرة إلى النضج لقطافها في اللحظة المرغوبة.
    يفترض ذلك أن تكون الأرض التي أدركها نشاط الغوار قد اتسعت سابقاً، لكنه ينبغي ألاّ يبالغ أبداً في توسيعها. يجب الاحتفاظ دوماً بمأرِز عمليات قوي والاستمرار في توطيده طوال مدة الحرب. يجب تلقين سكان المنطقة، والاحتراز من أعداء الثورة الألِدَّة، واستكمال كافة الوسائل الدفاعية البحتة، داخل هذه الأرض، كالخنادق والألغام والموصلات.
    ومتى بلغت الغوار قِواماً ذا شأن من سلاح ورجال، عليها أن تجنح إلى تشكيل أرتال جديدة. وعلى نحو ما يحصل في خلية النحل، حيث تنفصل ملكة جديدة في وقت معين، وتذهب في جزء من الثول، فإن الخلية الأم في الغوارة، مع أهم قائد فيها، تمكث في المنطقة الأقل خطراً، بينما تتوغل الأرتال الجديدة في مناطق عدوة أخرى، وفق النهوج[25] الذي وصفناه.
    ويأتي وقت تصبح فيه الأرض التي تحتلها الأرتال المختلفة أصغر من أن تستوعبها، في حين توجه هذه الأرتال قوى عاتية إبان تقدمها نحو المناطق التي يقبض عليها العدو قبضاً شديداً. في هذه الحالة، تتألب الأرتال، وتكافح في جبهة متراصة، فإذا بها حرب تحاصن، حرب جيوش نظامية، غير أن جيش الغوار القديم لا يستطيع الانفصال عن مأرِزه. ينبغي عندئذ تشكيل أرتال غوارية جديدة وراء خطوط العدو، تنهج مثل سابقتها وتتوغل شيئاً فشيئاً في هذه المنطقة الجديدة حتى تسيطر عليها.
    وبذلك نصل على مرحلة الهجوم، محاصرة المواضع، وإنزال الهزيمة بإمدادات العدو، نصل على نشاط الجماهير المتزايد شدَّةً كل يوم في سائر أرجاء الوطن، وإلى هدف الحرب النهائي: الظفر.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:03 pm

    3 – صيالة حرب الغوار
    الصيالة هي الوسيلة العملية لمتابعة الأهداف الريادية الكبرى.
    إنها متمم الريادة وهي، على نحو ما، وضعها موضع التنفيذ. فالوسائل الصيالية أكثر قابلية للتحول وأكثر مرونة بكثير من الأهداف النهائية، وعليها أن تتكيف بكل واحد من ظروف الصراع. وخلال حرب واحدة، توجد ثمة أهداف صيالية ثابتة وأخرى متحولة. وينبغي قبل كل شيء مراعاة تصويب نشاط الغوّارة على نشاط العدو.
    جؤول الغوارة هو مائزتها[26] الأساسية، وهو يسمح لها أن تصل بدقائق معدودة بعيداً عن مكان العمل، وإذا لزم الأمر، أن تغدو في بضع ساعات بعيدة عن منطقة العمليات، فيتيح لها ذلك أن تغير جبهتها باستمرار وتتجنب كل تطويق. وحسب أطوار الحرب المختلفة، تستطيع الغوارة أن تمارس التراجع فقط للإفلات من الطوق. التطويق هو الوسيلة الوحيدة لإرغام الغوارة على خوض معركة حاسمة تكون غير مؤاتية لها على نحو بليغ. كما يمكَّن الغوارة أيضاً أن تخوض قتالات لتضاد التطويق: يدع فريق صغير من الرجال نفسه ليطوقه العدو في الظاهر، بينما يجد العدو نفسه فجأة وقد طوقته قوى تفوقه عدّاً. أو يُستخدَم الفريق الصغير من الرجال المتحصِّن في موضع منيع، كطعم، بينما يتم تطويق وإبادة العتاد وكافة الجنود الآتين لنجدة الجيش النظامي. تسمى هذه الحرب الجائلة "مينويتو" تشبيهاً لها بالرقصة التي تحمل الاسم ذاته. يحاصر المغاوير مثلاً رتلاً عدواً إبان السير، واضعين خمسة أو ستة رجال في كل من الجهات الأربع، بعيدين عن بعضهم بعضاً بكفاية لكي لا يقعوا في التطويق. تباشر إحدى هذه الزمر القتال. فيتركز الرتل العدو عليها تلقائياً. يتراجع هؤلاء المغاوير وعندئذ، مع بقائهم في تماس بالعدو ويبدأ الهجوم ثانية من زمرة أخرى، فيجدد الجيش حركته السابقة ويتراجع المغاوير ثانية. يمكن على هذا النحو دون خطر كبير، تجميد رتل عدو وجعله يستنفد كمية كبيرة من الذخيرة وتحطيم معنوياته.
    تطبق المهانة ذاتها في الليل، لكن بمزيد من الاقتراب، ومن الهجومية، لأن التطويق آنئذ أصعب. العمل الليلي هو مائزة هامة أخرى لحرب الغوار: إنه يسمح بالتقدم أقرب ما يمكن من المواضع المزمع مهاجمتها، وبالتجول في المناطق غير المعروفة جيداً حيث توجد مخاطر الوشاية. من المفهوم، نظراً لقلة العدد، أن هذه الهجمات لا بد من وقوعها دوماً بالمفاجأة، وهذا ما يهب تفوقاً عظيماً ويتيح للمغاوير إنزال الخسائر بالعدو دون مقابل في صفوفهم. ففي قتال يقف فيه مئة رجل في جانب وعشرة في الجانب الآخر، لا يمكن أن تتعادل الخسائر. خسائر العدو قابلة التعويض في كل لحظة، وهي، إذا استرسلنا في مثالنا، توافق 10 % من العدد. أما خسائر الغوارة فإن تعويضها يستلزم وقتاً أطول لأن المغاور جندي ذو تخصص عال وخسارته تعادل 10 % من مجموع العدد.
    لا يُترك جندي ميت من الغوار أبداً طريحاً بسلاحه وذخيرته، وما أثمنهما في النضال. إن واجب كل مغاور، عندما يصرع أحد رفاقه، هو أن يستعيد السلاح والذخيرة. فالعناية التي تبذل للذخيرة، والمدارة التي تحاط بها، هما بالضبط مميز آخر لحرب الغوار. فيمكن في قتال بين غوارة وقوة نظامية، تحديد هوية الطرفين من طريقتيهما في إطلاق النار: تركيز كبير للنار لدى الجيش النظامي، ورمي متباعد ودقيق لدى المغاوير.
    وقد حدث أن أحد أبطالنا، وهو متوفى الآن، قد استعمل رشاشه حوالي خمس دقائق دون مباعدة بين الرشَّات، فاختلط الأمر على قواتنا من جراء هذه الوهازة[27] في الرمي التي حملتهم على الظن أن ذلك الموضع المفتاح قد سقط في أيدي العدو. إنها إحدى المناسبات النادرة التي لم نحاول فيها توفير الذخيرة، نظراًً لأهمية النقطة المدافع عنها.
    هناك مائزة جوهرية أخرى للمغاور، هي قابليته للتكيف بكل الظروف ولتحويل كل الحوادث العارضة إلى عناصر مؤاتية. فالمغاور، إزاء جمود طرائق القتال النهجية، يرتجل صيالته في كل لحظة من النضال ويفاجىء العدو باستمرار.
    إن مواضع المغاور هي مطاطة قبل كل شيء. إنها نقاط محددة لا يستطيع العدو أن يجوزها، ونقاط إلهاء. كثيراً ما تلاحظ الدهشة تعتري العدو عندما يتبين له، من بعد تقدمه بانتظام واجتيازه المعاثر بسهولة، أنه قد أوقف فجأة وتعذر عليه السير قُدُماً. مرد ذلك إلى أن المغاوير يتخذون مواضع لا تُنَال، إذا ما أتيح لهم إجراء دراسة جدية للأرض. ليس المهم هو عدد المهاجمين، بل المهم عدد المدافعين. فإذا كان عددهم كافياً أمكنهم أن يقوموا كتيبة، والنجاح حليفهم في أغلب الأحيان، إن لم نقل دائماً. إن مهمة القادة الكبرى هي الحكمة في اختيار المكان والزمان اللذين يمكن الدفاع فيهما عن أحد المواضع حتى النهاية.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:04 pm

    تختلف مِهانة الهجوم هي الأخرى بالنسبة للغوارة: يبدأ الهجوم مفاجئاً، حانقاً، لا يرحم، ليتجمد بغتة في سلبية مطبقة. يتماثل من بقي حياً من الأعداء إلى الاطمئنان، ظناً منهم أن العدو قد انقلع، فيرتاحون ويعودون إلى حياة منتظمة داخل الثكنة أو المدينة المحاصرة، فإذا بهجوم جديد ينفجر، في نقطة أخرى، متصفاً بالموائز عينها. هذا في حين تقبع معظم قوى الغوارة تراقب نجدات العدو المحتملة. وقد يُشن هجوم عنيف أحياناً على مخفر يحرس حياً فيسقط بين أيدي المغاوير. المفاجأة والسرعة هما الشيء الجوهري في الهجوم.
    إن أعمال التخريب ذات أهمية عظيمة جداً. ينبغي التمييز بوضوح بين التخريب كوسيلة ثورية عالية النجاعة وبين الإرهاب وهو وسيلة يغلب عليها عدم النجاعة بصورة عامة وهي ذات نتائج لا يمكن التنبؤ بها، وكثيراً ما تحدث ضحايا بين الناس الأبرياء، وتكلف عدداً كبيراً من الأرواح المفيدة للثورة. يمكن اعتبار الإرهاب وسيلة مقبولة إذا استخدم لمعاقبة قائد مرموق من قوى الاضطهاد، إشتهر ببغيه وبفعاليته في القمع وعُرف أن ثمة فائدة في إزالته من الوجود. ولن يلجأ أبداً إلى إعدام أفراد قليلي الأهمية، يستتبع موتهم مزيداً من القمع.
    هناك نقطة يختلف حولها كثيرون في تقدير الإرهاب. يعتبر بعضهم أن مجرد إثارة الاضطهاد المباحثي واستمضائه يعيق كل اتصال علني إلى حد ما – أو نصف سري – مع الجماهير، فيجعل إعادة تأليب الجماهير مستحيلة، من أجل اعمال تضحى ضرورية في حينها. هذا صحيح بحد ذاته. ولكنه يتفق خلال حرب أهلية، ولدى سكان معينين، أن يكون القمع قد بلغ مبلغاً من الشدة ينتفي معه في الواقع أي نوع من الأعمال الشرعية. يستحيل العمل الجماهيري عندئذ ما لم يكن مدعوماً بالسلاح. ينبغي إذاً إعارة اهتمام كبير لأختيار الوسائل التي ستتّبع، وتحليل النتائج المؤاتية التي يمكن أن تجرها هذه الوسائل على الثورة. فالتخريب، بكل حال، هو دوماً من أمضى الأسلحة إذا أُحسِن استعماله. يجب عدم استخدامه لتعطيل وسائل إنتاجية تدع قطاعاً من السكان مشلولا، أي تحدث البطالة، دون أن تشل حركة المجتمع المنتظمة. بعبارة أخرى، فمن المضحك مثلاً تخريب معمل للمرطبات[28]، بينما يكون تخريب مركز كهربائي ناجعاً ومنصوحاً به.
    ففي الحالة الأولى يحصل ترحيل بضعة عمال، لكن ذلك لا يغير مجرى الحياة الصناعية في شيء. أما في الحالة الثانية، فيحصل ترحيل العمال أيضاً، إلاَّ أنه يجد تبريره الكامل في الشلل التام لحياة المنطقة. سوف نعود في ما بعد إلى مِهانة التخريب.
    الطيران سلاح ذو حظوة في الجيش، لكن ليس له عمل حقيقي في الطور الأول من حرب الغوار، عندما يكون الرجال قلة مبعثرة في منطقة وعرة. يغدو الطيران ناجعاً عندما يخرب بصورة منهجية وسائل الدفاع المنظمة والمرئية، وليس هذا واقعاً في نمط حربنا. إنه ناجع أيضاً أثناء سير الأرتال، في الأرض السهلة أو رديئة الوقاية، ولكنه يمكن استبعاد هذه المسألة بسهولة بإجراء السير ليلاً. إن النقل، على الطرق أو على السكك الحديدية، هو إحدى نقاط ضعف العدو. يستحيل عملياً مراقبة طريق أو سكة حديدية متراً متراً. يمكن وضع شحنة كبيرة من المتفجرات في أي مكان، فتعطل السبيل، أو تنفجر عند مرور ناقلة[29] عليها، فتحدث بالإضافة إلى تعطيل السبيل خسارة كبيرة في الرجال والعتاد.
    مصادر المتفجرات متنوعة جداً: يمكن استقدامها من الخارج، واستعمال القنابل التي أطلقها العدو ولم تنفجر، أو صناعتها في معامل خفية داخل منطقة الغوار. والمِهانات المتبعة لتفجيرها متنوعة أيضاً. وتتعلق صناعة المتفجرات كذلك بظروف الغوارة.
    كنا نصنع في معاملنا البارود ونستخدمه كمتفجر، وقد اخترعنا عدة أجهزة لتفجير هذه الألغام في الوقت المرغوب. كانت أفضل النتائج تحصل من الأجهزة الكهربائية. إلاَّ أن أول لغم فجرناه كان قنبلة ألقتها طائرات العدو، وقد حشوناها بمتفجرات مختلفة. أسنِدَت هذه القنبلة ببندقية ربط بزنادها مرس. فلما مرت مدرعة عدوة شددنا المرس ففجرت الطلقة القنبلة.
    يمكن إتقان هذه المِهانات إلى حد بعيد، وقد علمنا أنهم في الجزائر مثلاً يستعملون حالياً ضد الحكم الاستعماري الفرنسي، ألغاماً مسيرة عن بعد تنفجر على مسافة كبيرة من نقطة إطلاقها باللاسلكي.
    إن الاختباء في الدروب لتفجير الألغام ثم إبادة من يبقى حياً هو مهانة عظيمة المردود للتمون بالسلاح والذخيرة، لأنه لا يبقى للعدو وقت لاستخدامها ولا للهروب، فيمكن بلوغ نتائج ذات شأن باستعمال ذخيرة ضئيلة جداً.
    تضطر هذه الأعمال المرهقة العدو إلى تعديل صيالته. وسوف يطفق يجري تنقلاته بأرتال آلية حقيقية وليس في ناقلات منفردة. إلاَّ أنه يمكن، إذا أحسن اختيار الأرض، الوصول إلى ذات النتيجة، بتقطيع أوصال الرتل وتركيز القوى على ناقلة واحدة منه. ينبغي في هذه الحالة عدم التجاوز عن العناصر الجوهرية لصيالة حرب الغوار: المعروفة الكاملة بالأرض، ومراقبة سبل التملَّص وكافة الدروب الثانوية، ومعرفة سكان المنطقة وحيازة تأييدهم الكامل من أجل التموين والنقل وإيواء الرفاق الجرحى خفيةً، بصورة مؤقتة أو دائمة، وأخيراً، التفوق العددي في نقطة معينة، وقابلية عظيمة للجؤول، وتوفر الاحتياطات.
    فإذا ما اجتمعت كل هذه الشروط، أعطى الهجوم المفاجىء على سبل مواصلات العدو نتائج ذات شأن.
    يؤلف الموقف الواجب التزامه تجاه بني الإنسان كافة عنصراً جوهرياً في صيالة الغوار. إن كيفية معاملة العدو هامة بحد ذاتها: يجب أن يكون الهجوم صارماً لا هوادة فيه، ومثله الموقف إزاء كافة العناصر الحقيرة التي تتعاطى الوشاية والغيلة. إلا أنه ينبغي التوسع في الرحمة جهد المستطاع إزاء الجنود الذين يذهبون للقتال قياماً – أو ظناً منهم أنهم يقومون – بواجبهم العسكري. لا أسرى عند عدم وجود مآرِز عمليات كبيرة أو أمكنة منيعة. يجب عندئذ إعادة الحرية إلى الباقين أحياء، ومعالجة الجرحى منهم بكافة الوسائل الممكنة. يجب أن يرتكز السلوك نحو السكان المدنيين على احترام كبير لكافة تقاليد وعادات أهالي المنطقة، للتدليل العملي على تفوق المغاور أخلاقياً على الجندي المضطهِد. وفي ما عدا حالات خاصة، ينبغي عدم إجراء العدالة مجراها دون إعطاء المذنب إمكان الدفاع عن نفسه.






    4 – الحرب في الأرض المؤاتية
    قلنا في ما سبق إن نضال الغوار لن يجري دائماً في الأرض الأكثر مؤاتاة لتطبيق صيالة الغوار. إلاَّ أن الصيالة العامة يجب أن تكون هي هي دائماً، قائمة على المسلّمات الأساسية لحرب الغوار، عندما يوجد الفريق المغاور في مناطق صعبة المسالك، كالجبال الشجِرة أو الوعرة، أو القفار الممتنعة على السير، أو المرازغ[30].
    النقطة المهمة هي: كيف العثور على التماس بالعدو؟ كيف الأشتباك به؟ فإذا كانت المنطقة متاهة للجيش النظامي مناوئة له لدرجة أنه لا يستطيع دخولها ينبغي أن تتقدم الغوّارة حتى المناطق السالكة بالنسبة للجيش النظامي، حيث يمكن القتال.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:06 pm

    ومتى انقضى الطور الأول، ومذ أن تؤمن الغوارة أودها، عليها أن تقاتل. عليها لهذه الغاية أن تخرج باستمرار من ملجئها، لكن ليس لزاماً أن تكون عظيمة الجؤول كما في الأرض غير المؤاتية لها. يجب أن تتكيف بظروف العدو، لكنها لا تحتاج أن تتنقل كما في الأراضي التي يستطيع العدو أن يحشد فيها سريعاً عدداً كبيراً من جنوده. ولا يتحتم أن تكون العمليات ليلية. وفي حالات كثيرة، يمكن القيام بالعمليات نهاراً، ولا سيما التنقل. يتعلق كل ذلك طبعاً بيقظة العدو، براً وجواً. ويمكن أن يطول أمد القتال، ولا سيما في الجبل. ويمكن القيام بقتالات طويلة الأمد بعناصر ضئيلة، ويُرجَّح جداً أن يُستطاع منع وصول نجدات العدو إلى ميدان العمليات.
    إن مراقبة المسالك هي قاعدة لا يجوز أن ينساها المغاور أبداً. إلاَّ أن مصاعب العدو في تلقي النجدات هي بالذات ما يزيد من هجومية المغاور، إذ يستطيع أن يدنو من العدو أكثر، وأن يهاجمه بمزيد من المباشرة، وأن يقاتله جبهياً ولأمد أطول. يتعلق كل ذلك طبعاً بظروف شتَى، بكمية الذخيرة مثلاً.
    وعلى الرغم مما للحرب في الأرض المؤاتية، ولا سيما في الجبل، من حسنات عديدة، ثمة محذور يعتريها هو كونها لا تسمح بالاستيلاء بعملية واحدة على كمية كبيرة من السلاح والذخيرة، لأن العدو يتخذ احتياطات في مثل هذه البقاع (ينبغي ألاَّ ينسى المغاور أبداً أن العدو هو مصدر تموينه بالسلاح والذخيرة). وبالمقابل، فإن الغوارة تستطيع أن تستقر في هذه الأرض وتتحضر بسرعة أكبر منها في الأرض غير المؤاتية، لتنشىء مأرِزاً مركزياً قادراً على الاضطلاع بحرب التحاصن. إنها تستطيع أن تقيم في هذه الأرض المنشآت الصغيرة التي تحتاج إليها، وأن تحميها بالشكل الملائم من أذى الطيران والمدفعية بعيدة المدى، كالمشافي ومراكز التعليم أو التدريب، بالإضافة إلى المخازن ووسائل النشر... إلخ.
    وتستطيع الغوارة في هذه الظروف أن تزيد من قوامها وتستطيع أن تضم رجالاً لا يقاتلون، وحتى أن تسدي التدريب للذين سوف يستلمون السلاح الذي سوف يقع بين أيديها في المستقبل.
    يتبع عدد الرجال في الغوارة الواحدة لمقاييس مرنة، وفقاً للمكان، وسهولة التموين، وفرار الناس المضطهَدين جماهيرياً من المناطق المجاورة، وتوفر السلاح، وحاجات المنظمة ذاتها. ورفد المقاتلين الجدد هو بكل حال مما يسهل كثيراً عملية التحضر.
    يمكن أن يتسع قطر نشاط غوارة من هذا النمط بقدر ما تسمح بذلك عمليات الغوارات الأخرى في المناطق المجاورة. غير أن هذا القطر يحد منه الزمن اللازم للذهاب من مكان عملية إلى منطقة آمنة. فإذا حسبنا أن المسير لا يجوز إلاَّ ليلاً، لن تستطيع الغوارة أن تقوم بعملية على أبعد من خمس أو ست ساعات من نقطة أمانها الأدنى. وتستطيع زمر صغيرة من المغاوير أن تنتشر طبعاً، منطلقة من منطقة الأمان هذه، وتستشري تدريجياً في المنطقة المجاورة.
    إن الأسلحة ذات المدى البعيد والاستهلاك القليل من الذخيرة هي المنصوح بها لهذا النمط من الحرب. وتدعم بمجموعة من الأسلحة ذاتية الحركة أو نصف ذاتية الحركة. ومن جملة البنادق والرشيشات المتوفرة في السوق الأمريكية الشمالية، تجدر التوصية بصورة خاصة بالبندقية م – 1 السماة "غاراند"، التي ينبغي أن يستعملها أناس على جانب من الخبرة، إذ من محاذيرها أنها تستهلك كثيراً من الذخيرة. ويمكن في الأرض المؤاتية استخدام أسلحة نصف ثقيلة مثل الرشاشات ذات المنصب الثلاثي، التي توفر لسدنتها مجال أمان أكبر. بَيْدَ أنه ينبغي أن تكون دائماً أسلحة للدفاع وليس للهجوم.
    والأمثل، من أجل غوارة قوامها خمسة وعشرون رجلاً، هو وجود عشر إلى خمس عشرة بندقية من ذات الطلقة الواحدة، وحوالي عشرة اسلحة ذاتية الحركة، تتدرج من "الغاراند" إلى المسدسات الرشاشة، تدعمها أسلحة ذاتية الحركة خفيفة وسهلة الحمل، مثل الرشيشات "براونينغ" أو الـ"ف. أ. ل." البلجيكية والـ"م. 14" وهما أحدث نمطاً. ومن بين المسدسات الرشاشة، فإن ذات 9 مم هي المفضلة لأنها تسمح بنقل مزيد من الذخيرة. وكلما كان صنعها أبسط كلما زاد النصح بها لسهولة تبديل قطعها في هذه الحالة. وبكل حال، ينبغي أن يكون التسلح مماثلاً لتسلح العدو إذ أن الذخيرة التي يستخدمها هو، هي التي سوف نستخدمها نحن متى وقعت أسلحته في أيدينا. وتهمل على وجه العموم الأسلحة الثقيلة التي يمكن أن يستخدمها العدو فالطيران لا طائل له، لانعدام الرؤية لديه، والدبابات والمدافع لا كبير جدوى منها لصعوبة التوغل التي تعترضها في هذه المناطق.
    التموين أمر عظيم الأهمية. فللمناطق الوعرة، على العموم، وبحكم وعورتها محاذير، إذ أن الفلاحين (وبالتالي التموين المباشر بالمنتجات الزراعية واللحم) فيها قليلو العدد. ولاجتناب فترات الضيق المزعج، ينبغي الاحتفاظ بطرق مواصلات مستقرة لإمكان التعويل باستمرار على حد أدنى من الزاد مخزون في أمكنة احتياطية.
    وتقل عموماً في منطقة العمليات هذه إمكانات التخريب الواسعة النطاق. فهذه المنطقة، بحكم قلة مسالكها، تقل فيها الأبنية والخطوط الهاتفية وأنابيب المياه التي يمكن إلحاق الأذى بها بالعمل المباشر.
    ويكون من المهم للتموين توفر بعض الدواب، وأكثرها ملاءمة هو البغل، نظراً لوعورة الأرض. (و ينبغي توفر مراع تسمح بتغذية مناسبة). يستطيع البغل أن يجتاز أراض غاية في الوعورة، حيث يتعذر المرور لأي دابة أخرى. وفي حالات الصعوبة القصوى ينبغي اللجوء على النقل على ظهور الرجال. يستطيع كل فرد أن ينقل حملاً زنته خمسة وعشرون كيلوغراماً لعدة ساعات في اليوم، ولعدة أيام.
    وينبغي أن تتضمن طرق المواصلات مع الخارج سلسلة من المحطات حيث يقوم أناس حائزون الثقة الكاملة، على تخزين البضائع وخبء عمال الارتباط. كما يمكن إنشاء طرق مواصلات داخلية يتعلق اتساعها بدرجة النمو التي بلغتها الغوارة وكنا قد استطعنا في بعض المناطق، حيث أقيمت جبهات عمليات الغوار في كوبا، إنشاء طرق وخطوط هاتفية طولها عدة كيلو مترات. وكان لنا على الدوام جهاز من الرسلاء يغطي المناطق كافة، في أقصر وقت ممكن.
    وثمة وسائل ارتباط أخرى لم يستخدمها الغوار في كوبا، مثل إشارات الدخان والمرايا العاكسة للشمس، الحمام الزاجل.
    ينبغي أن يعنى المغاوير بصيانة الأسلحة والذخائر، وفوق كل شيء، أن تكون لهم أحذية جيدة. إنها ضرورة حيوية. وهي ما ينبغي أن تستهدفه الجهود الأولى في العمل الحرفي لديهم. لن تكون المعامل في البدء، إلاَّ منشآت لتسكيف الأحذية العتيقة. ومن ثم، إبان تنظيم العمل، يمكن إنشاء عدة ورشات تستطيع إنتاج الأحذية بمعدل يومي حسن. إن صناعة البارود بسيطة نوعاً ما، ويمكن إنتاج الكثير منه إذا وجد معمل صغير وإذا جلبت العدة اللازمة من الخارج. تؤلف الأراضي الملغومة خطراً بالغاً للعدو. فإذا ما انفجرت في آن واحد مساحات كبيرة ملغومة، أمكنها إزهاق مئات الرجال.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:08 pm

    [size=16]

    5 – الحرب في الأراضي المجافية
    ينبغي أن تتوفر كافة الشروط الأساسية لحرب الغوار، من أجل الاحتراب في هذا النوع من الأرض، القليل الوعورة، الخالي من الغابات، وذي طرق المواصلات العديدة. وطرائق الحرب وحدها هي التي سوف تتغير. ينبغي ان يكون الجؤول فائقاً في هذا النمط من الغوار. فالضربة التي تكال، والأفضل في الليل، ينبغي أن تكون غاية في السرعة، شبه صاعقة. وليس على الغوارة أن تنسحب بسرعة فقط، بل أن تبلغ أيضاً مأرِزاً جديداً، غير مأرِز انطلاقها، وأبعد ما يكون عن مكان الاشتباك، متذكرة أنه ليس ثمة ملاذ ينأى عن قوات القمع.
    يستطيع الرجل أن يقطع في ليلته بين ثلاثين وخمسين كيلو متراً ولكنه يستطيع أيضاً أن يسير في ساعات النهار الأولى، إلاَّ إذا كانت مناطق العمليات غير تابعة تماماً لحمى الغوارة وإذا كان أهل المحلة يشكلون خطراً باحتمال إفشائهم وضع الفرقة والجهة التي اتجهتها إلى الجيش المعادي. ففي هذه الحال يفضل دائماً العمل ليلاً، في صمت مرين قبل العمل وبعده، ويتم اختبار الهزيع الأول من الليل للقيام بالعمل وهنا أيضاً قد تتكشف الحسابات عن خطأ إذ يمكن وجود حالات تفضل فيها ساعات الفجر. لا يجوز بأية حال تعويد العدو على شكل محدد من الحرب، بل ينبغي تنويع الأمكنة والساعات وطرائق العمل باستمرار.
    ذكرنا آنفاً أن العمل لا يمكن أن يكون طويل الأمد، بل سريعاً وبالغ الفعالية يدوم بضع دقائق، ويعقبه الانسحاب فوراً. لا تكون الأسلحة المستعملة في هذه الحالة مثلها في الأرض المؤاتية، ويفضل توفُّر أكبر عدد من الأسلحة ذاتية الحركة: ففي الهجمات الليلية ليست الدقة هي العامل الحاسم، بل تركيز الرمي. فكلما كان رمي الأسلحة ذاتية الحركة أكثب[31]، كلما ازداد احتمال القضاء على العدو.
    ثم إن انفجارات الألغام في الطرقات وهدم الجسور هي عوامل رئيسية. تكون الهجمات أقصر وأقل تواتراً، ولكن يمكن أن تكون عنيفة جداً. وتستخدم أسلحة مختلفة مثل الألغام السابق وصفها وبارودة الصيد. بارودة الصيد سلاح فتاك للناقلات المكشوفة المستخدمة لنقل الجنود، أو للناقلات ذات الغشاية التي ليس لها حماية خاصة، كالشاحنات مثلاً. والبارورة ذات الفشك المحشو بالخردق الغليظ[32] فعالة للغاية. ليست سلاحاً خاصاً بالغوار، فهي تستخدم ايضاً في الحروب النهجية، وقد كان للأمريكيين سرايا من المشاة ذات بنادق رفيعة الجودة مجهزة بحراب، لتطهير ملاجىء الرشاشات.
    ثمة مسألة هامة هي مسألة الذخيرة. إنها تغنم من العدو دائماً تقريباً. لا ينبغي كيل الضربات إلاَّ حيث يتم التأكد تماماً من إمكان تعويض الذخيرة المستعملة، إلا إذا توفرت مخزونات كبيرة مخبوءة في حرز أمين. بعبارة اخرى، لا يسوغ شن هجوم على جماعة من الرجال إذا كلف ذلك كل الذخيرة المتوفرة، دون إمكان تعويضها. ينبغي دائماً، في صيالة الغوار، أن يحسب الحساب للمسألة الخطيرة التي يشكلها التموين بالعتاد الحربي، وهو الجوهري لمتابعة النضال. ينبغي إذاً أن تكون الأسلحة مماثلة لأسلحة العدو، باستثناء المسدسات والبنادق التي يمكن الحصول على ذخيرتها في المدينة أو في منطقة الغوار ذاتها.
    يجب ألا يتجاوز قوام غوارة من هذا النوع عشرة او خمسة عشرة رجلاً. ويكون في غاية الأهمية أن يؤخذ بالحسبان دوماً تحديد قوام الوحدة المقاتلة: فيمكن لعشرة أو أثني عشر أو خمسة عشر رجلاً أن يختبئوا في أي مكان، وهم يكافحون العدو بمقاومة فعالة متعاونين فيما بينهم. وربما كان أربعة أو خمسة غير كافين. أما إذا تجوز العدد العشرة، يتفاقم كثيراً إمكان تحديد موضعهم من جانب العدو إبان السير أو في مأرِزهم.
    تذكروا أن سرعة الغوارة إبان السير تساوي سرعة أبطأ رجالها. ويصعب إيجاد وهَّازة سير واحدة لدى عشرين أو ثلاثين او أربعين رجلاً، أكثر منه لدى عشرة. وينبغي أن يكون مغاور السهل إطلاقاً، عدَّاءً سريعاً، فينبغي أن تتجلى في السهل ممارسة مبدأ "إضرب واهرب" بأكمل تعبير لها. ولغوارات السهل محذور بالغ هو إمكان تطويقها بسرعة، وافتقارها لحروز أمينة تستطيع أن تبدي منها مقاومة فعالة. فعليها بسبب ذلك أن تعيش في خفاء مطلق إبان جزء كبير من الطور الابتدائي، فلا تستطيع أن تثق بأي جار لم تختبر أمانته اختباراً تاماً. إن أعمال قمع العدو تبلغ على العموم مبلغاً من العنف والوحشية، وتصيب ليس رب الأسرة فقط، بل النساء والأطفال في أحياء كثيرة بحيث يمكن أن تحدو بهم إلى "التخاذل" وإعطاء المعلومات عن مكان وجود الغوارة وطرائق عملها، مما يسبب تطويقاً ذا نتائج مزعجة دوماً وإن لم تكن مميتة بالضرورة بالنسبة للغوارة. وينبغي أن تنشط الغوارة متى سمح التموين بالسلاح أو حالة الشعب الثورية بزيادة عدد الرجال. وتستطيع الغوارات المختلفة، إذا لزم الأمر، أن تجمتع في وقت ما لكيل ضربة هامة، لكن بحيث تعود لتوّها تنقسم إلى جماعات صغيرة من عشرة إلى خمسة عشر رجلاً تتبعثر باتجاه مناطقها المعتادة.
    يمكن تنظيم جيوش حقيقية، ذات قيادة واحدة تحوز الاحترام والطاعة، دون الاضطرار إلى البقاء في جماعة واحدة. وهذا ما يولي أهمية عظمى لانتخاب قائد الغوارة، إذ ينبغي التأكد من أن هذا القائد سيكون مسؤولاً كلياً من الناحية الفكرية والشخصية، أمام أعلى قائد في المنطقة.
    البازوكة هي أحد الأسلحة التي يمكن استخدمها في الغوار. إنها سلاح ثقيل، عظيم الفائدة نظراً لسهولة نقله واستعماله. ويمكن أن يستعاض عنه إذا اقتضى الأمر، بالرمانة ضد الدرع. البازوكة طبعاً سلاح يغنم من العدو: إنه سلاح أمثل للرمي على الناقلات المدرعة، والناقلات غير المدرعة المحملة بالجنود وللاستيلاء بسرعة على مراكز عسكرية صغيرة ذات حاميات قليلة. لكنه ينبغي التنويه بأنه يتعذر لرجل واحد أن يحمل أكثر من ثلاث صِمامات، إذ تشكل هذه لوحدها مجهوداً بالغاً.
    وفي ما يتعلق بالأسحلة الثقيلة التي تغنم من العدو، ينبغي الاجتهاد لعدم إضاعة أي منها. بَيْدَ أن بعض هذه الأسلحة، مثل الرشاش المنصوب والرشاش من عيار 50، يمكن إذا ما غنمت، استخدامها بشيء من عدم الاكتراث لخسارتها: فلن نقاتل في ظروف مجافية لنا، ذوداً عن رشاش ثقيل أو سلاح من هذا القبيل، بل سيستخدم بكل بساطة حتى اللحظة التي يتحتم فيها تركه في موضع ما. كان التخلي عن سلاح في حربنا التحررية يشكل جنحة خطيرة ولم يصدف قط أن قُبل العذر الذي نوهنا عنه. غير أننا نلحظ ذلك، مؤكدين على هذه الحالة الفريدة التي لا يكون فيها التخلي عن السلاح مدعاة للنقد. إن سلاح المغاور في الأرض المجافية، هو سرعة رميه.
    إذا كانت منطقة ما سهلة المسلك، فهي على العموم مأهولة وتصادف فيها كثافة فلاحية كثيرة. يتأتى هذا الواقع بشكل ملموس مع إمكانات التموين. فبتوفر أناس موثوقين، ذوي صلات مع مراكز توزيع المؤن، تستطيع الغوارة أن تقوم بأودها، دون تخصيص الوقت والمال لإقامة خطوط التموين الطويلة المحفوفة بالخطر. ويحسن بالمرء التذكر أنه كلما كان عدد الرجال صغيراً كلما تأمن الغذاء بسهولة. والمؤن الجوهرية، مثل شِباك النوم والبطانيات والأقمشة الكتيمة للماء والكلِل[33] والأحذية والأدوية والغذاء، متوفرة في المنطقة مباشرة ما دامت هي حاجات شائعة الاستعمال لدى السكان.
    وتضحى الموصلات أسهل كثيراً إذ يمكن الاعتماد على عدد أكبر من الرجال ومن خطوط الموصلات، إلا أن الأمان الضروري لنقل الرسائل إلى نقطة بعيدة يتضاءل، إذ يلزم هذه الحالة عدد من عمال الارتباط يقتضى الوثوق بهم. ويبقى احتمال القبض على أحد هؤلاء الرسلاء الذين يجوبون المناطق العدوة باستمرار، خطراً دائماً. فإذا لم تكن الرسائل غاية في الأهمية، يفضل استخدام الصيغة الشفهية. أما إذا كانت بالغة الأهمية، فينبغي كتابتها بالرمز. وقد أثبتت التجربة أن النقل الشفهي من فم إلى أُذُن يشوه كل مخابرة تشويهاً تاماً.
    ولهذه الأسباب ذاتها تفقد الصناعات من أهميتها. ولن يستطاع إنشاء معامل للأحذية أو السلاح. ويجب الاقتصار عملياً على ورشات صغيرة حسنة التمويه، حيث يمكن إعادة حشو فشك البنادق، وصنع نمط ما من الألغام وقطع من السلاح وكل ما يحتاج إليه في الحال. وبالمقابل، يمكن الاعتماد للقيام بالأعمال الضرورية، على كل الورشات الصديقة في المنطقة.
    نصل إلى النتيجتين اللتين تنتجان منطقياً مما أسلفنا. النتجية الأولى هي أنه، في إطار حرب الغوار، تتناسب شروط التحضُّر عكساً مع درجة تطور المنطقة المعنية. فالمرافق تدفع الإنسان إلى التحضر، ولكن العكس هو الذي يحدث بصدد الغوار: فكلما لاقى المغاور رفاهاً أكبر أصبحت حياته أقل ثباتاً وأكبر بداوة. إن عنوان هذا الفصل هو بالضبط "الحرب في الأرض المجافية" لأن كل ما هو لحياة الإنسان وما ينتج عنه من مواصلات، ومراكز مدينة، أو نصف مدنية، وتجمعات السكان الكبرى، والأراضي التي يسهل شغلها بالآلة، كل ذلك مما يجافي وضع المغاور.
    والنتجية الثانية: إذاكان الغوار يستلزم بالضرورة عملاً جماهيرياً هاماً، فإن هذا العمل يزداد أهمية في المناطق المجافية، حيث يمكن لهجوم واحد من العدو أن يسبب نكبة. ينبغي ههنا أن تكون الدعاية مستمرة لتحقيق وحدة العمال والفلاحين وسائر الطبقات الاجتماعية في المنطقة، للتوصل إلى جبهة داخلية متجانسة تماماً ومتفقة مع المغاوير. والنظر إلى هذا العمل الجماهيري الدائب بصفته العامة كعلاقات بين الغوارة وبين سكان المنطقة، لا يجيز نسيان الفردية لعدو مكابر ينبغي إزالته بلا ندم إذا ما شكَّل خطراً. وينبغي أن تكون الغوارة صارمة بهدا الصدد. فلا يمكن بقاء أعداء داخل منطقة العمليات، في أماكن غير أمنية.






    6 – الحرب في المناطق المدنية
    إذا ما صار الأمر في مرحلة معينة من حرب الغوار، إلى مهاجمة المدن، بعد التوغل في الريف المجاور على نحو يتيح إنشاء الغوارات فيه بشيء من الأمان، يلزم عندئذ تزويدها بتنظيم خاص.
    ينبغي التنويه بأن الغواراة لا يمكن أن تنشأ عفوياً في منطقة مدنية. لن تقوم إلا بعد أن تنشأ بعض الشروط الضرورية لوجودها. يشير هذا الواقع من ذاته إلى أن الغوارة في ضاحية المدينة توضع مباشرة تحت إمرة قادة موجودين في منطقة أخرى. على أن وظيفتها لن تكون القيام بمعمل مستقل، بل على العكس، تقع في نطاق مخططات ريادية محددة سلفاً. وستكون وظيفتها هي ردف عمل جماعات أكثر أهمية في منطقة أخرى، والإسهام في نجاح فكرة صيالية معينة، دون أن تبلغ اتساع عمليات الغوارات غير المدنية. لن تستطيع غوارة في منطقة مدنية أن تختار بين تخريب المواصلات أو القيام بالاغتيالات أو مداهمة دورية جنود على طريق نائية، بل سوف تقوم بما يطلب منها بالضبط، فإذا كان دورها هو قطع الأعمدة، أو الأسلاك الكهربائية، أو الخطوط الحديدية أو أنابيب المياه، فعليها الاقتصار على تنفيذ هذه المهمات بدقة.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:10 pm

    ينبغي ألاّ يتجاوز قوامها أربعة أو خمسة رجال. إن هذا التحديد هام لأنه ينبغي اعتبار الغوارة في ضاحية المدينة قائمة في أرضٍ تبلغ مبلغاً استثنائياً من المجافاة لها. فالعدو هنا بالغ اليقظة. وتزداد إمكانات التنكيل والوشاية إلى حد عظيم. وثمة ظرف مشدَّد لصعوبتها، إذ لا ينبغي نسيان أن الغوارة في ضاحية المدينة لا تستطيع الابتعاد عن مواضع عملياتها. فإلى سرعة عملها وتنقلها ينبغي أن يضاف الابتعاد الضئيل نسبياً عن مكان العمل. فهي غوارة ليلية بالدرجة الأولى. ولن تستطيع تعديل عملها ما لم يسمح تقدم الثورة بمحاضرة المدينة واشتراك الغوارة في الحصار كمقاتلة عاملة.
    ينبغي أن تكون الصفات الجوهرية لدى هذا المغاور: مزيداً من الضباطة عما لدى المغاوير الآخرين إذا كان ذلك ممكناً بعد، والكتمان. ولن يستطيع التعويل إلاَّ على بيتين أو ثلاثة بيوت صديقة لإيوائه. إنه على مثل اليقين من أن التطويق في هذه الظروف يعدل الموت. ولن يكون السلاح مثله لدى الزمر الأخرى. سوف تكون أسلحة دفاعية فردية يمكن إخفاؤها ولا تعميق هروباً سريعاً. لن يكون لدى الزمرة إلا بندقية واحدة أو اثنتين في الحد الأقصى (أو بنادق مقصورة القناة)، ولدى أعضاء الزمرة مسدسات.
    لن تتم أية محاولة هجوم إلاَّ فُجاءً، ضد فرد أو اثنين من جيش المعادي، أو ضد دائرة استخبارات. وسوف يركز العمل على التخريب المنظم.
    ويسلتزم التخريب عتاداً هاماً: مناشير، ديناميت، معاول ورفوشاً وأدوات لرفع السكك، وأخيراً، تجهيزاً آلياً مناسباً للمهمات المطلوبة، مخبوءاً في حرز أمين، إلا أنه في متناول اليد عند الحاجة.
    وإذا وجدت أكثر من زمرة واحدة، فسوف ترتبط جميعاً بقائد واحد، يوجه كل المهمات الضرورية بواسطة عمال ارتباط مدنيين موثوقين كل الثقة. يستطيع المغاور في بعض الحالات أن يحافظ على العمل الذي كان يزاوله زمن السلم، ولكنه أمر عسير جداً. سوف تكون الحرب في ضواحي المدن عملياً واقع فريق من الرجال قد لزموا الاختفاء، منظمين مثل الجيش، وموجودين في الظروف المجافية لهم كما وصفناها.
    لقد أبخس النضال في المنطقة المدنية قدره كثيراً، إلاَّ أنه في غاية الأهمية. إن عملاً جيداً واسع النطاق يشل الحياة التجارية والصناعية في القطاع شلاً شبه تام ويضع السكان كافة في وضع من عدم الاطمئنان والقنوط والقلق بحيث يتمنون حوادث عنيفة للخروج من هذا الإنتظار. فإذا ما جرى التفكير بالمستقبل منذ ابتداء الحرب، وتم تكوين اختصاصيين لهذا النمط من القتال، فسوف يتم ضمان عمل أكثر سرعة بكثير، وبالتالي اقتصاد ثمين للأمة في الأرواح والزمن.






    القسم الثاني

    الغوار






    1- المغاور مصلحاً اجتماعياً
    لقد حددنا وضع المغاور في ما سبق: إنه رجل يندمج بإرادة الشعب التحررية، ومتى استنفدت الوسائل السلمية، فهو يطلق العنان للنضال فيغدو الطليعة المسلحة للسكان المقاتلين. إنه يدخل النضال وفي نيته هدم النظام الظالم، ويتطلع أيضاً، بكثير أو قليل من التأكيد، إلى استبدال النظام القديم بشيء جديد.
    لقد أكدنا أن الريف في أمريكا اللاتينية وفي كافة البلدان المتخلفة تقريباً، هو الذي يشكل ميدان النضال الأمثل، في الظروف الراهنة. لذا فإن أساس المطاليب الاجتماعية التي سوف يثيرها المغاور سيكون تغيير بنية الملكية الزراعية.
    سيدور النضال إذاً باستمرار تحت الإصلاح الزراعي. ويمكن في البدء ألاَّ تكون أهداف هذا الإصلاح وحدوده محددة تماماً، وأن يقف عند رغبة الفلاح، القائمة منذ قرون خلت، في امتلاك الأرض التي يشتغلها أو التي يرغب في اشتغالها.
    تتعلق شروط تحقيق الإصلاح الزراعي بالشروط القائمة قبل بدء النضال وبالاتساع الاجتماعي لهذا النضال. إلاَّ أن المغاور، بصفته عنصراً واعياً من الطليعة الشعبية، ينبغي أن يكون سلوكه الأخلاقي بحيث يستوثقه خادماً حقيقياً للإصلاح الذي ينشده. فإلى الشدة الكراهية الناجمة عن شروط الحرب القاسية، ينبغي أن يضيف الشدة الناشئة عن الرقابة الصارمة على النفس، التي تقاوم كل غلواء، كل جنوح يمكن أن تستدرجه الظروف. ينبغي أن يكون المغاور ناسكاً.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:11 pm

    أما العلاقات الاجتماعية، فسوف تتغير مع تطور الحرب. ففي البدء، لا يزال المغاوير مستجدين، فلن يستطيعوا ولن يحاولوا حتى تغيير أي شيء في البنيات الاجتماعية المحلية. أما البضائع التي لا يستطيعون تأدية قيمتها، فسوف يشترونها لقاء سندات تسدد في أول فرصة سانحة.
    ينبغي أن يساعد المغاور الفلاح دوماً، مِهانياً واقتصادياً ومعنوياً وثقافياً. ومنذ لحظات الحرب الأولى سيكون حاضراً دوماً لمساعدة الفقير، مع فرض أقل قدر ممكن من الإزعاج للغني. إلاَّ أن الأمور تأخذ مجراها، وتزداد التناقضات حدة، وسوف يأتي وقت يأخذ فيه كثيرون ممن كانوا ينظرون إلى الثورة بشيء من العطف يقلبون لها ظهر المجنّ، وسوف يخطون خطوتهم الأولى في الصراع ضد القوى الشعبية. في هذه اللحظة ينبغي أن ينقلب المغاور فيغدو حامل راية قضية الشعب، ويعاقب كل خيانة. وفي منطقة القتال، تقصر الملكية الخاصة على حدود وظيفتها الاجتماعية: أي أن الأرض الفائضة والدواب غير الضرورية لعائلة غنية تنتقل إلى أيدي الشعب وتوزع بالعدل.
    ويحق للمالك الذي يحل هذا المصير بأرزاقه أن يتقاضى تعويضاً وينبغي احترام هذا الحق. إلاَّ أن التسديد يتم بسندات ("سندات الأمل"، كما دعاها استاذنا اللواء بايو[34] عند الكلام عن هذا النوع من الإقرار بالدين).
    وتنتقل أراضي وأملاك وصناعات أعداء الثورة البارزين والمباشرين فوراً إلى أيدي القوى الثورية، وينبغي الإفادة من مناخ الحرب، من هذه اللحظات التي تبلغ فيها الأخوة الإنسانية أسمى قيمتها، لابتعاث كل نمط من العمل التعاوني يمكن أن تتقبله ذهنية المنطقة.
    لا يكتفي المغاور، المصلح الاجتماعي، بأن يضرب المثل بسلوكه، بل ينبغي أن يسدي توجيهاً فكرياً مستمراً، بفضل معارفه، وأمانيه، والتجربة التي يكتسبها خلال شهور الحرب أو سنواتها. إن هذه التجربة تفيد الثوري إذ تنير مفاهيمه بقدر ما يتأكد له بأس السلاح، وبقدر ما يعي ظروف أهالي المنطقة. يدرك الثوري عندئذ الأساس الحق والضرورة الحيوية لكثير من التغييرات التي كان يرى أهميتها النظرية فيما مضى، ولكنه غالباً ما لم يفطن لطابعها العملي الملِح.
    يكثر هذا الموقف نظراً لأن بادئي حرب الغوار وقادتها ليسوا أناساً ينوءون كل يوم بفلاحة القَراح[35]، إنهم رجال يفهمون ضرورة تغيير وضع الفلاحين الاجتماعي ولكنهم لم يتألموا، في جملتهم، من شرور حالة الفلاح. فيحصل عندئذ – وأتكلم ههنا عن التجربة الكوبية – تفاعل حقيقي بين أولئك القادة الذين يعلِّمون الشعب، بالوقائع، أهمية النضال المسلح الأساسية، وبين الشعب ذاته الذي يكبر شأنه إبان النضال، ويُري القادة بدوره ما هي الضرورات العملية. ومن هذا التفاعل بين المغاور وشعبه ينشأ تجاذر[36] تدريجي يقوي الموائز الثورية للحركة شيئاً فشيئاً، ويعطيها بُعدها القومي.





    2- المغاور مقاتلاً
    تتطلب حياة المغاور ومميزاتها التي رسمنا معالمها باقتضاب، مجموعة من الشروط الجسمية والعقلية والأخلاقية ليتكيف المرء بهذه الحياة وينجز المهمات التي تقتضيها بنجاح.
    وأول سؤال يتبادر هو الآتي: ماذا يُطلب من المغاور؟ ينبغي الإجابة أولاً أنه يُفضَّل أن يكون المغاور من أهالي المنطقة. إذ يكون له في محلته علاقات يمكنه الاتصال بها مباشرة، ويكون عارفاً بهذه المنطقة إذ هو منها. (إن معرفة الأرض هي أحد العوامل الهامة في نضال الغوار). ويستطيع أن ينجز عملاً أفضل لاعتياده مواجهة صعوبات منطقته. ويضيف إلى ذلك الحماس في الدفاع عن حِماه الخاص أو في النضال لتغيير النظام الاجتماعي الذي يُسيء إلى عالمه الشخصي.
    المغاور مقاتل ليلي: نقصد بذلك أنه يجوز كافة الصفات اللازمة للعمل الليلي. ينبغي أن يكون ماكراً، وأن يسير في الوهاد والأنجاد إلى مكان القتال دون أن يشعر أحد بتنقلاته، وينقضّ على العدو باستعمال المفاجأة، فهي عنصر رئيسي في هذا النمط من الحرب. ينبغي له أن يفيد من الذعر الحاصل، فيلقي بنفسه في القتال جامحاً، لا يحتمل أدنى توان لدى رفاقه، مستفيداً من أدنى معالم الوهن لدى العدو. يصل المغاور كالإعصار، يهدم كل شيء، لا رحمة لديه إلاَّ ما تمليه الظروف، يقتل عند الاقتضاء، ويزرع الرعب بين المقاتلين الأعداء. إلاَّ أنه في آن، يعامل المهزومين العزَّل بالحسنى، ويحترم الموتى.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:12 pm

    الجريح حرام، وينبغي معالجته على أحسن وجه ممكن – إلاَّ إذا أدانته حياته الماضية بالإعدام – فيجرى به المقتضى في هذه الحالة. إن ما لا يسوغ عمله أبداً هو أصطحاب أسير عندما لا يتوفر بعد مأرز متين يمتنع على العدو: يغدو هذا الأسير عندئذ خطراً على أمن السكان المحليين وعلى تشكيلة الغوار ذاتها، بسبب المعلومات التي يمكن أن يقدمها إذا ما عاد إلى فرقته الأصلية. فإذا لم يكن مجرماً، أطلِق سراحه بعد توبيخه.
    ينبغي أن يجازف المغاور بحياته كلما لزم ذلك، وأن يكون مستعداً ليجود بها دون تردد في اللحظة المطلوبة. لكن عليه أن يكون حذراً في آن والاَّ يعرِّض نفسه بلا ضرورة. ينبغي اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لاجتناب النهاية غير الموفقة أو الهلاك. لذلك يهم جداً في كل قتال، أن تراقب كافة النقاط التي يمكن أن يتلقى العدو النجدات منها. ويمكن بذلك اجتناب التطويق أيضاً، فهو نكبة مادية بالغة الخطورة، إلاَّ أنه نكبة معنوية أشد خطورة، إذ يُفقد الإيمان بمستقبل النضال.
    بَيْدَ أنه ينبغي أن يكون المغاور مقداماً، أن يحلِّل الخطر وإمكانات العمل ببرود، أن يكون جاهزاً دوماً لاتخاذ موقف متفائل مهما كانت الظروف، أن يجد مخرجاً موفقاً، حتى في اللحظات التي لا تترك فيها المقارنة بين العناصر المؤاتية والمجافية له غير أمل ضئيل.
    ولكي يفوز المغاور بالحياة، ينبغي أن يثبت قدرة كافية على التكيف ليستطيع الاندماج بالبيئة التي يعيش فيها واستخدامها إلى الحد الأقصى حليفة له. ثم ينبغي أن يكون حادَّ الإدراك، ذا قدرة عفوية على الإبداع، تسمح له باتخاذ القرارات في غمرة العمل.
    إن قدرات التكيف والإبداع هذه لدى الجيوش الشعبية تُفشل كل حسابات أمراء الحرب وتكبح جماحهم.
    لا يسوغ للمغاور في أية حال أن يترك رفيقاً جريحاً إلى رحمة جنود الأعداء إذ أن مصيره شبه المؤكد هو الموت. يلزم إبعاده عن مناطق القتال مهما كلف الأمر، لنقله إلى حرز أمين، وينبغي احتمال أشد المتاعب لهذه الغاية ومعاناة أعظم المخاطر: فيجب ان يكون جندي الغوار رفيقاً لا يضارع.
    وهو بالإضافة إلى ذلك، أبكم. كل ما يقال أو يجري أمامه لا يعرفه غيره. لا يسمح لنفسه أبداً بكلمة زائدة، حتى مع رفاقه في القتال، فالعدو سوف يحاول باستمرار أن يدخل رجاله إلى قلب تشكيلة الغوار، للتعرف إلى مخططاتها وإلى أماكن ووسائل الحياة التي تستخدمها.
    وبالإضافة إلى الصفات الأخلاقية التي ذكرناها، ينبغي أن يتمتع بعدد من الصفات الجسمية الهامة جداً. ينبغي أن يكون غير تعوب، فيجد "نَفَساً ثانياً" عندما يبدو أنه بلغ من الإعياء مبلغاً لا يطاق. فكل حركة من حركاته بطولية تخرج من أعماق إيمانه، فترغمه على أن يخطو خطوة أخرى، لن تكون هي الأخيرة، إذ يفوز بأخرى، ثم أخرى، وأخرى، باستمرار إلى أن يبلغ المكان الذي حدده القائد.
    ينبغي أن يستطيع معاناة الألم إلى أقصى حدوده، فيحتمل ليس فقط حرمان الغذاء، والماء والثياب، والمأوى، الذي يتعرض له كل آن، بل يحتمل الأمراض والجراح أيضاً. وكثيراً ما ينبغي أن تندمل الجراح دون تدخل الجرَّاح، بفعل الطبيعة وحدها، ولا بد أن يكون الأمر كذلك لأنه يغلب لمن يغادر منطقة الغوار للمعالجة، أن يغتاله العدو.
    ولكي يحقق هذه الشروط ينبغي أن يتمتع المغاور أيضاً بصحة من حديد، تسمح له باحتمال كل الخطوب دون أن يصيبه مرض، كما تسمح له بالتعافي إبان حياة الوحش الطريد هذه، حتى يغدو، إذا أمكنني القول، جزءاً لا يتجزأ من الأرض التي يقاتل عليها، بفعل من التكيف الطبيعي.
    تحدو بنا كل هذه الاعتبارات إلى التساؤل: ما هي السن المثلى للمرء لكي يكون مغاوراً؟ يصعب جداً تدقيق حدود السن. ثمة مائزات اجتماعية أو فردية من شتى الأنواع يمكن أن تغير منها. فسوف يكون الفلاح مثلاً أجلد كثيراً من ابن المدينة. والمدني الذي اعتاد التمارين الجسمية والحياة الصحية سيكون أفعل بكثير من رجل قضى عمره كله خلف المكتب. إلاَّ أنه يمكن القول بإيجاز إن السن القصوى للمقاتل، في مرحلة البداوة التامة من الغوار، لا ينبغي أن تتجاوز الأربعين، مع بعض استثناءات قليلة تصادف خاصة لدى الفلاحين. لقد التحق أحد أبطال نضالنا، هو المقدم كريشنثيو بيريز، بالـ"سييرا"[37] وله من العمر خمس وستون، وكان من أكثر الرجال فائدة في الجيش. ونستطيع التساؤل هل ينبغي أن ينتمي أعضاء تشكيلة مغاورة إلى فئة اجتماعية معينة. وقد قيل إنه ينبغي أن تتفق فئتهم الاجتماعية مع فئة المنطقة التي تختار مركزاً للعمليات، أعني أن تكون النواة المقاتلة فلاحية. الفلاح هو وضوحاً أفضل جندي، لكن هذا لا يعني أنه ينبغي نفي عناصر السكان الآخرين وحرمانهم من فرصة النضال في سبيل قضية عادلة. وفي هذا الصدد أيضاً ليس من قاعدة لا استثناء لها.
    لم نحدد بعد السن الدنيا. نعتقد أنه لا يجوز قبول عناصر لم يبلغوا السادسة عشرة، إلاَّ في ظروف خاصة جداً هنا أيضاً. فهؤلاء المراهقون، الذين يكادون أن يكونوا أولاداً، ليسوا بعامَّتهم على ما يكفي من النمو لاحتمال المشاق والمتاعب والآلام التي سيرغمون عليها.
    يمكن القول إن السن المثلى للمغاور تقع بين خمس وعشرين وخمس وثلاثين سنة. فالحياة في هذه المرحلة قد اتخذت لدى الجميع وجهتها النهائية، ومن يذهب مخلّفاً بيته وعالمه قد فكر ملياً في مسؤولياته، ويفعل ذلك وقد حزم أمره على ألاَّ يتراجع خطوة. ثمة بين الأولاد أيضاً حالات لمقاتلين غير عاديين قد بلغوا أسمى تقديرات جيشنا الثائر. إلاَّ أنها استثناءات فقط. وازاء كل مراهق أثبت صفات المقاتل الرفيعة، ثمة عشرات لزم إعادتهم إلى ديارهم وشكَّلوا لوقت طويل ثقلاً خطيراً على تشكيلة الغوار.
    والمغاور، كما قلنا، جندي يحمل بيته على ظهره، مثل الحلزون. فينبغي له إذاً أن يجهز حقيبته بحيث أن أقل كمية ممكنة من المتاع تؤدي له أعظم الفائدة. لن يصطحب إلاَّ ما لا غنى عنه، لكنه سوف يحتفظ به خلال كل الظروف كأثمن ما عنده، فهو ما لا يسوغ فقده إلاَّ في حالات يائسة حقاً.
    وسوف يقتصر تسلُّحه إذاً على ما يستطيع اصطحابه بنفسه حصراً. سيكون تجديد التموين بالسلاح صعباً جداً، وأصعب منه التموين بالذخيرة: فالتعليمات العسكرية هي إذاً عدم ابتلال الرصاص، وصيانته، وعدَّه واحدة واحدة لاجتناب فقدان شيء منه. أما البندقية فتبقى نظيفة دائماً، مشحمة جيداً، لامعة القناة، ومن المفيد أن يعاقب قائد كل جماعة أولئك الذين لا يسهرون على صيانة سلاحهم.
    ولكي يتحلى هؤلاء الرجال بمثل هذه الصفات من إخلاص وحزم، تسمح لهم بالعمل في هذه الظروف المناوئة، ينبغي أن يكون لهم مثل أعلى. إن هذا المثل بسيط، مباشر، ليس فيه كبير ادعاء، ولا يرمي بعيداً على وجه العموم، إلاَّ أنه على قدر من الحزم والوضوح يمكن معه التضحية بالحياة في سبيله، دون تردد. إنه لدى كافة الفلاحين تقريباً، حق امتلاك قطعة أرض تخصهم لشغلها والاستمتاع بوضع اجتماعي عادل. إنه لدى العمال، الحصول على عمل وتقاضي أجر لائق، والاستمتاع أيضاً بوضع اجتماعي عادل. وتصادف لدى الطلاب وأهل المهن الحرة، أفكار أكثر تجريداً، مثل الشعور بالحرية التي يكافحون من أجلها.
    يحدو بنا كل ذلك إلى التساؤل: كيف يعيش المغاور؟ إن حياته النظامية هي أن يجوب الطرق. لنأخذ مثلاً مغاوراً في الجبل في منطقة شَجِرة، يطارده العدو باستمرار. تنتقل تشكيلة غوارية في هذه الظروف نهاراً، دون أن تأخذ وقتاً للطعام. ومتى تدانى الليل تحط الرحال في فرجة من الغاب، قرب مورد ماء، وفق التنظيم المعتاد، فتجتمع كل جماعة للطعام سوية، ومتى ران الليل تشعل النيران بما يتوفر لذلك.
    يأكل المغاور متى استطاع، وكل ما يستطيع. تختفي وجبات خيالية في بطون المقاتلين، ويعانون أحياناً أخرى صيام يومين أو ثلاثة دون هوادة في إجهادهم. إن سقف المغور هو السماء المكشوفة: وسوف يداخل بين السماء وبين شبكة نومه رقاً من النايلون كتيماً للماء، ويضع تحت شبكته حقيبته وبندقيته ورصاصه التي هي كنوزه. يستحسن أحياناً عدم نزع الأحذية خشية حدوث هجوم مفاجىء من العدو. الأحذية هي كنز آخر للمغاور ومن يملك زوجاً منها يضمن لنفسه حياة سعيدة في نطاق المصاعب اليومية.
    هكذا يسير المغاور يوماً بعد يوم، دون اقتراب من أي مكان آهل، مجتنباً كل تماس لم يقصده هو، عائشاً في أوعر المناطق، دون طعام أحياناً وحتى دون شراب، في الحر والقر. يتفصد عرقه في المسيرات الدائبة ويجف عليه ممتزجاً بالعرق الأسبق، دون توفر النظافة بانتظام (غير أن ذلك يتعلق كما هو الأمر دائماً، بمزاج كل واحد).
    حدث في الحرب الأخيرة، عندما أوشكنا على دخول بلدة "أل أوفيرو"، بعد السير ستة عشر كيلو متراً والقتال ساعتين وخمس وأربعين دقيقة في عين الشمس، وبعد عشرة أيام ونيف قضيناها في ظروف مجافية لنا، أن وُجدنا قرب البحر تحت شمس محرقة. كانت أجسامنا تفوح برائحة مميزة مؤذية إلى حد أنها تصد كل من يقترب. وكانت حاسة الشم لدينا قد تكيفت بهذا النمط من الحياة، وكانت شبكة كل مغاور تعرف عن سواها من رائحتها الخاصة.
    ينبغي أن تكون المعسكرات سهلة المغادرة وألاَّ يبقى فيها أثر يشي بها، وأن تكون اليقظة في غايتها. ولكل عشرة رجال ينامون، يجب أن يكون ثمة واحد أو اثنان ساهرين. ينبغي تبديل الحرس مرات عديدة ومراقبة كافة مداخل المعسكر مراقبة وثيقة.
    تعلََّم حياة الحرب كثيراً من الحيل لتهيئة الطعام ولطبخه بسرعة وتطييبه بكل ما يصادف في الجبل، أو لابتكار ألوان جديدة وتنويع أشكاله التي تتألف بصورة أساسية، في المنطقة المدارية، من النباتات الدَرَنية، والحبوب، والملح، وقليل من الزيت أو الزبدة، وفي مناسبات متباعدة جداً، من أحد صنوف اللحم.
    المعركة هي أكثر الأحداث إثارة للاهتمام، إبان حياة القتال. وهي ما يحمل فرح الجميع إلى أوجه ويجعلهم يغِذّون السير بحماس متجدد. تشن المعركة – ذروة حياة الغوار – في اللحظة المؤاتية حيث تم تحديد موضع مخيم عدو ضعيف بكفاية للقضاء عليه، وتم التعرف إليه، أو عندما يتقدم رتل عدو حتى الأرض التي تشرف عليها القوى التحررية مباشرة. الحالتان مختلفتان. يتم العمل ضد المخيم بشكل جماهيري، ويرمي في الأساس إلى طرد الأرتال الآتية لفك الطوق. فالعدو المختبىء ليس أبداً هدفاً مفضلاً لدى المغاور.
    إن العدو الجائل، النزق، الجاهل بأوصاف المنطقة، المرتاع، المفتقر إلى حماية طبيعية، هو العدو الأمثل. مهما ساء وضع عدو معتصم، فإن لديه أسلحة قوية يصد بها الهجوم، ولن يجد نفسه أبداً في ذات الظروف التي يقع فيها رتل كبير يفاجأ بالهجوم في نقطتين مختلفتين أو ثلاث، وتقطَّع أوصاله، وينسحب مهاجموه قبل صدور أي رد ضدهم إذا ما تعذر عليهم تطويق الرتل أو إبادته.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:14 pm

    وإذا تعذر قهر المعتصمين بالجوع أو بالعطش أو بهجوم مباشر، ينبغي الانسحاب متى أتاح التطويق إنزال الخسائر بالرتل العدو. وإذا كان رتل المغاوير أضعف مما ينبغي، أو رتل الغزاة أقوى مما ينبغي، يتم تركيز الهجوم على المقدمة. فمتى تم ضرب المقدمة عدداً من المرات واقتنع الجنود بحتمية موت الذين يحتلون الصفوف الأمامية، يمكن لخشيتهم من الانخراط فيها أن تُحدث تمردات حقيقية، لذا ينبغي توجيه الضرب إليها دائماً. ولا يمنع ذلك من توجيه الضربات إلى نواح سواها أيضاً.
    تتوقف طلاقة المغاور في العمل وإمكانات تكيفه بالبيئة على تجهيزه. فالمغاور وإن كان مندمجاً في زمر عاملة صغيرة، يحتفظ بموائز فردية. ينبغي أن يحوز في حقيبته كل ما يلزمه للعيش، حتى مأواه الفردي، لأنه قد يضطر للبقاء وحيداً لمدة من الزمن. وعندما نورد مساقاً بالتجهيز، نشير بصورة جوهرية إلى ما يستطيع الفرد أن يحمله وهو خاضع لظروف حرب في طورها الأول، يطارده العدو، في أرض وعرة ممطرة باردة نسبياً، أي أننا نضعه في مثل الوضع الذي حصل لدى بدء حرب التحرر الكوبية.
    ينبغي التمييز في هذا التجهيز، بين ما هو جوهري وما هو متمم. نصنَّف في ما هو جوهري شبكة النوم التي تسمح بالراحة على نحو ملائم. يجد المرء دوماً شجرتين لمد الشبكة بينهما، ويمكن اتخاذها بساطاً إذا نام على اليابسة. لا بديل عن الشبكة عند هطول المطر أو عندما يوجد المرء في أرض رطبة، وهي حالة متواترة في المناطق المدارية. تتم الشبكة بقطعة من رق النايلون الكتيم للماء. يكون النايلون كبيراً بكفاية لتغطية الشبكة ويربط بأربعة أمراس مثبتة بزواياه الأربع. ويشد مرس من مركز الرق إلى الأشجار التي تحمل الشبكة فيفيد في تحديد مسال المياه ويربط الرق من زواياه بشجيرة قريبة، مشكَّلاً على هذا النحو خيمة صغيرة.
    لا غنى عن البطانية، لأن البرد شديد جداً، في الجبل، متى سجا الليل. ومن الضروري أيضاً توفر قطعة لباس دافئة تسمح بمواجهة تغيرات الحرارة القصوى. يشتمل اللباس على بنطال وقميص من كتان سميك، موحد أو غير موحد. ينبغي أن تكون الأحذية على أحسن ما يمكن من الجودة، وهي من أولى الأصناف التي ينبغي حيازة احتياط منها؛ إذ بدونها يصبح السير شاقاً جداً.
    ولما كان المغاور يحمل مأواه في حقيبته، فهذه الأخيرة ذاتها هامة جداً. يمكن صنع أبسط الحقائب من جيب ما، يركب له سيران من الحبل، إلاَّ أن الحقائب المصنوعة من الكتان الغليظ والمتوفرة في السوق أو تلك التي يصنعها السراَّجون، تفضلها. ينبغي أن يحمل المغاور دائماً مؤونة فردية بالإضافة إلى تموين الفرقة كلها. المواد التي لا غنى عنها هي: أولاً الزبدة أو الزيت، الضروريان لاستهلاك الجسم من الدسم، وعلب المحفوظات التي لا يجوز استعمالها إلاَّ عندما يتعذر الحصول على غذاء للطبخ، أو عندما تتوفر كثرة من العلب فيعيق ثقلها السير، ومحفوظات السمك ذات القدرة الغذائية العظيمة، والحليب المكثف وهو غذاء ممتاز سيما لكمية السكر العظيمة التي يحويها، وهو ايضاً تفكهة حقيقية. يمكن حيازة حليب مسحوق أيضاً. ثمة عنصر أساسي آخر هو السكر ومثله الملح الذي تغدو الحياة بدونه عذاباً. ولنختم فصل المواد الأساسية ببعض التوابل التي أكثرها شيوعاً البصل والثوم، ويمكن أن يوجد غيرهما، حسب المناطق. هذا هو الجوهري.
    ينبغي أن يحمل المغاور في حقيبته صحناً وملعقة وسكيناً متعدد النصال. يمكن أن يكون الصحن قصعة أو كَفتاً أو علبة محفوظات. تتيح طهي قطعة لحم أو مالانغا[38] أو رأس بطاطا أو شاي أو قهوة.
    يلزم لصيانة البندقية شحوم خاصة ينبغي استعمالها بعناية فائقة. وإذا لم يتوفر الزيت الخاص، فزيت آلة الخياطة. يلزم أيضاً خِرقَ لتلميع السلاح باستمرار، وقضيب لتنظيف داخله، وهو عمل ينبغي إتيانه بتواتر كافٍ. تكون جعبة الفشك من صنع نظامي أو محلي حسب الإمكان، لكنه ينبغي أن تكون جيدة بكفاية لعدم فقدان أي رصاصة. الرصاص هو أساس النضال. كل شيء سواه عبث بدونه. إنه ثمين كالذهب.
    يجب أن يحمل المرء معه مَطَرة أو صفيحة ماء، إذ لا غنى عن الشرب الوافر ولا يستطيع دوماً أن يحصل على الماء في اللحظة المرغوبة. ينبغي حيازة الأدوية ذات الاستعمال العام أيضاً كالبنسلين أو أي دواء آخر مضاد للحيوية، وبصورة رئيسية ما يؤخذ منها بالفم، وكذلك مسكنات للحمى، واسبرين، وأدوية مضادة للأمراض المستوطنة الخاصة بالمنطقة. كما يمكن توفر حبوب ضد البرداء وأدوية ضد الإسهال وضد الطفيليات من كل نوع. وفي المناطق التي تعيش فيها حيوانات سامة، يسوغ وجود المصل الموافق لها. ويكون باقي التجهيز جراحياً. وينبغي بالإضافة وجود حقائب للإسعاف الأوَّلي لإجراء المعالجات الأقل أهمية.
    التبغ متمم عادي، ذو أهمية خاصة في حياة المغاور. ينبغي توفر اللفائف والسيكار وتبغ الغليون، لأن التبغ رفيق عظيم للجندي المنفرد في حالة الراحة. الغليون مفيد جداً لأنه يسمح زمن العوز بالإفادة القصوى من كل التبغ وأعقاب اللفائف والسيكار. ليس الثقاب هاماً لإشعال السيكار فقط، بل لقدح النار أيضاً. فهذه من أصعب المعضلات في الجبل وقت المطر. ويستحسن بالإضافة إلى القدَّاحة توفر الثقاب الذي ينوب عنها إذا فقد وقود القداحة.
    يلزم توفر الصابون ليس لنظافة الجسم بقدر ما هو لتنظيف الأواني. إذ متى بقيت هذه وسخة، لوحظ توافر في التعفنات المعوية وحدثت التهابات تسببها بقايا الطعام المتخمرة التي تستهلك مع الطعام الجديد. يستطيع المغاور، بهذا التجهيز، أن يأمن الحياة في الجبل في أي ظرف مجافٍ له، وللمدة اللازمة حتى يسيطر على الموقف مهما بلغ من السوء.
    ثمة متممات قد تكون مربكة أحياناً، إلاَّ أنها ذات فائدة عظمى على وجه العموم. الحُقَّة[39] هي من هذا القبيل. تستخدم كثيراً في البدء لإحكام التوجيه، لكن معرفة الأرض تجعل هذه الأداة، شيئاً فشيئاً، غير ذات جدوى. ثم إنها صعبة الاستعمال جداً في الأرض الجبلية لأن الطريق التي تشير إليها ليست هي الفضلى بالضرورة، إذ أن الخط المستقيم تعترضه عادة عقبات لا تُجاز. قطعة إضافية من رق النايلون هي شيء مفيد آخر، لتغطية التجهيز كله وقت المطر. ينبغي التذكر أن المطر في البلدان المدارية شبه مستمر في بعض الشهور، وأن الماء عدو لكل تجهيز المغاور، من طعام وتسليح وأدوية وأوراق وملابس داخلية.
    يمكن حيازة ملابس داخلية للغيار، إلاَّ أنها عامة، من أحمال الأغرار. يمكن توفر بنطال للغيار، على الأكثر، وحذف الملابس الداخلية والمناشف... الخ. فعلى المغاور، بالحياة التي يعيشها، أن يقتصد من طاقته حين يحمل متاعه. سوف يتخلى هكذا شيئاً فشيئاً عن كل ما ليس ذا قيمة جوهرية.
    الأمتعة المتممة الخاصة باللياقة البدنية هي: قطعة صابون تستخدم لغسل الثياب ولنظافة الجسم، فرشاة للأسنان وسَنُون[40]. ويحسن توفر بعض الكتب يتعايرها أعضاء الغوارة: سيرة جيدة لأبطال سالفين، كتب تاريخ أو جغرافية اقتصادية، والأفضل عن البلد ذاته، وبعض الأعمال ذات الطابع العام التي ترمي إلى رفع مستوى الجنود الثقافي وتُنقص من ميلهم إلى الميسر، إذ ربما وجد وقت فراغ زائد أحياناً في حياة المغاور.
    كلما بقي ثمة مكان في الحقيبة، ينبغي ملؤه بالزاد، إلاَّ في المناطق التي تحسن فيها شروط التموين. يمكن حيازة السكاكر، أو الأطعمة الأقل ضرورة، التي تشكَّل تكملة للأغذية الجوهرية. البسكويت هو من هذا القبيل، وإن كان كبير الحجم ويتكسر حتى يغدو مسحوقاً. ويفيد في الجبال ذات الإنبات المداري، حوز مُدية "ماشيته"، كما تفيد في الأمكنة الرطبة جداً، قنينة بنزين صغيرة أو خشب راتنجي، لأشعال النار عندما يكون الحطب مبلولاً.
    على كل مغاور أن يحوز أيضاً مفكرة يسجل فيها المعلومات، ويكتب الرسائل ويتخاطب مع المغاوير الآخرين، وكذلك قلماً أو قلم حبر. يجب أن يكون في متناوله دائماً قطعة خيط أو نبات حبلي، ذات فوائد متعددة، وكذلك إبر وخيط وأزرار. إن المغاور الذي يمتلك هذا التجهيز يحمل على منكبيه بيتاً متيناً، كبير الوزن إلاَّ أنه كافٍ لتأمين أرفه حياة ممكنة في غمرة ظروف الحرب.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:15 pm

    3 – تنظيم الغوارة
    لا يمكن تنظيم الغوار وفق مخطط جامد. فهناك فروق لا تحصى تبعاً للبيئات التي ينبغي أن تتكيف بها. وسوف نفترض، تبسيطاً لعرضنا، أن تجربتنا الخاصة هي ذات قيمة عامة، بَيْدَ أنه ينبغي التذكير دائماً أنه يمكن تنظيم غوارة بطرق أخرى أكثر مؤاتاة لخصائص جماعة مسلحة أخرى.
    إن عدد الرجال الذين يؤلفون الغوارة هو من أعسر المسائل حسماً. يتفاوت هذا العدد، ومثله بنية الفرقة ذاتها، كما شرحنا آنفاً. وإذا قبلنا أن الجماعة قوة تجول في أرض مؤاتية لها، جبلية، في شروط ليست من السوء بحيث تلوذ بفرار دائم، ولا من الجودة بحيث تتخذ لها مأرِز عمليات، ففي هذه الحالة ينبغي ألا تعد جماعة مسلحة أكثر من مئة وخمسين رجلاً في كل وحدة مقاتلة. إنه عدد مرتفع نوعاً ما. والأمثل أن تضم مئة رجل. هذا ما يشكل رتلاً يقوده مقدم، وفق تسلسل الرتب الكوبية. ويحسن التذكير بأن رتب العريف والرقيب التي كانت تعتبر مميزة للطغيان، كانت قد أُلغيت في حربنا.
    يتولى إذاً مقدَّم قيادة جملة القوى التي عددها مئة إلى مئة وخمسين رجلاً. وسوف يكون عدد النقباء بعدد ما يوجد من مجموعات قوامها ثلاثون إلى أربعين رجلاً. إن دور النقيب هو قيادة مجموعته وتأليبها، وجعلها تقاتل بتماسك، وتولي توزيعها وتنظيمها العام. إن الوحدة الوظيفية في حرب الغوار هي الزمرة. قوام الزمرة حوالي ثمانية إلى اثني عشر رجلاً، وعلى رأسها ملازم يقوم من أجل زمرته بوظائف النقيب ذاتها، إلاَّّ أنه يبقى تحت إمرة الأخير.
    إن ميل الغوارة إلى العمل في جماعات صغيرة يجعل من الزمرة الوحدة الحقيقية فيها. فيؤلف ثمانية رجال إلى عشرة الحد الأقصى للقتال المتماسك. تعمل هذه الزمرة تحت إمرة قائدها المباشر، الذي كثيراً ما يكون منفصلاً عن النقيب، وإن كان في جبهة واحدة معه، إلاَّ في بعض الظروف الخاصة. إن ما لا يجوز عمله أبداً هو تجزئة الوحدة. يُعين في كل فصيلة وكل زمرة خَلَف مباشر للقائد، في حالة فقدان الأخير. وينبغي أن يكون الخلف ذا تهيئة كافية لتولي مسؤولياته الجديدة مباشرة.
    التغذية مسألة أساسية في هذه الفرقة حيث ينبغي أن يحظى الجميع، من آخر نفر إلى القائد، بذات المعاملة. تتخذ التغذية أهميتها القصوى ليس فقط من جراء نقص التغذية المزمن، بل لأن توزيعها يشكل الحدث اليومي الوحيد أيضاً. الفرقة شديدة الحساسية بالعدالة، فتَرْزِن الجِرَايات[41] بفكر نقاد. ينبغي عدم السماح بأية حظوة لأحد أبداً. فإذا أجرى توزيع الطعام، لسبب ما، على الرتل كله، ينبغي وضع نظام والتقيد به بصرامة، مع احترام كميَّات الطعام المقدم لكل فرد وجودته. أما توزيع الملابس، فمسألة مختلفة. هذه أمتعة ذات استعمال فردي. هناك عاملان يتقدمان في هذه الحالة: أولاً درجة احتياج الطالبين، وغالباً ما يكون عددهم أكثر من الأمتعة المعدة للتوزيع، وثانياً قِدَم كل فرد واستحقاقه. يصعب تحديد نظام القِدَم والاستحقاق، ويجب أن يضعه أحد المسؤولين، ويخضع هذا بدوره إلى رقابة قائد الرتل المباشر. ينبغي أن يتم التوزيع على ذات النحو من أجل الأشياء الأخرى الطارئة والتي ليست ذات استعمال جماعي. ينبغي توزيع التبغ والسيكار بالعدل بين الجميع.
    يجب تكليف رجال خاصين بعمل التوزيع هذا. ويفضل أن يكونوا تابعين إلى القيادة مباشرة. تضطلع القيادة بالمهمات الإدارية وبالارتباطات، وهما أمران جد هامين، كما تضطلع بسائر المهمات التي تخرج على العادة. ينبغي أن يشترك بالقيادة أشد الضباط ذكاء. وينبغي أن يكون جنودهم نابهين ومفعمين بروح تضحية قصوى، إذ كثيراً ما يطلب منهم أكثر مما يطلب من سائر الفرقة. أما الطعام فلن يكون لهم فيه حق بأي معاملة خاصة.
    يحمل كل مغاور تجهيزه الكامل، إلا أنه ينبغي بالإضافة، توزيع عدة أشياء هامة تخص الرتل كله توزيعاً عادلاً. توجد لذلك طريقتان. يتعلق تفضيل أحديهما بعدد الرجال الذين لا يحملون سلاحاً. تقوم الطريقة الأولى على توزيع كل الأشياء مثل الأدوية والأدوات الجراحية والسنية، والجرايات الإضافية، والملابس والأواني المختلفة الزائدة، والتسليح الثقيل، بصورة متكافئة بين الفصائل كافة، وهي التي تكون مسؤولة عندئذ عن العتاد المخصص لها. يوزع كل نقيب هذه الأشياء بين الزمر، وكل آمر زمرة بين رجاله. تستخدم الطريقة الثانية عندما لا تكون الفرقة كلها مسلحة تسليحاً كاملاً، فتقوم على تشكيل زمر أو فصائل مكلفة بالنقل بصورة خاصة: تكون هذه الطريقة عادة أحسن مردوداً إذ أن أحمال جنود هذه الزمر والفصائل أخف وزناً، ما دام العزَّل منهم خالصين من ثقل البندقية ومسؤوليتها. والعدة في هذه الحالة أكثر تمركزاً، فيقل عليها خطر الضياع. ويكون جزاء الحاملين منحهم قطعة سلاح، فتدب بينهم روح المباراة ويريدون مزيداً من الحمل ويبدون حماساً أعظم. تسير هذه الفصائل في المؤخرة، عليها ذات الواجبات ولها حق في ذات المعاملة كبقية الفرقة.
    تتنوع المهمات داخل الرتل تبعاً لنشاطه. فإذا لم يبارح الرتل المعسكر، تؤلف زمرة خاصة للحراسة، ينبغي أن تتألف من جنود متمرسين بالقتال، مختصين، ينالون لهذه المهمة مكافأة خاصة، هي بصورة عامة، مزيد من الاستقلال، أو توزيع فائض من الحلوى أو التبغ. فإذا كان ثمة مئة رجل مثلاً، ومئة وخمس عشرة علبة سيكارة، يمكن توزيع هذه العلب الخمس عشرة الفائضة بين أفراد هذه الزمر. تكلف المقدمة والمؤخرة، والمتمايزتان نهاراً على مساحة متسعة، ويصعب بلوغها ليلاً. وإذا وجب المكوث فيها عدة أيام، لزم إنشاء وسائل دفاع فعالة تحسباً لحالة تعرضها للهجوم. يمكن ضرب وسائل الدفاع هذه عند انسحاب الغوارة، أو تركها إذا لم تفرض الظروف ضرورة تعفية[42] كل أثر عن مرور الرتل.
    ينبغي أن تقع الأماكن المختارة للحرس على مرتفعات، تسمح بالإشراف تماماً عن بقية الفرقة بمهام الحراسة الرئيسية إلاَّ أن كل فصيلة ينبغي أن يكون لها حرَّاسها وكلما كان الحرس مبتعداً عن المعسكر، لا سيما في المنطقة المحررة، كلما ازداد أمان الجماعة.
    وفي حال إقامة معسكر دائم، يلزم استكمال. جملة وسائل الدفاع باستمرار. ينبغي التذكر أن مدفع الهاون هو السلاح الثقيل الوحيد الذي يكون فعالاً في المنطقة الجبلية وعلى أرض أُحِكم اختيارها. وباستخدام سقوف مناسبة من المواد المحلية، كالخشب، والحجر... إلخ، يمكن إنشاء ملاجىء ممتازة توقف اقتراب جنود العدو وتقي شر قذائفه.
    من المهم جداً في المعسكر أن يحافظ على الضباطة، التي ينبغي أن ترمي إلى أهداف تربوية: إجبار المغاوير على الهجوم والنهوض بساعات محددة، ومنعهم من ممارسة الألعاب التي لا صفة اجتماعية لها والتي تستدرج معنويات الفرقة إلى الانحلال، ومنع استهلاك المشاريب الغَوْلية[43]... إلخ. وتكلف لجنة بالنظام الداخلي، تنتخب من بين المقاتلين المتحلَّين بأعظم الجدارات الثورية: لتقوم بتحقيق هذه المهمات كافة. ويكون من مهماتها أيضاً منع إيقاد النيران في الأمكنة المكشوفة أو تصاعد الدخان قبل حلول الليل، والعناية بتنظيف المعسكر قبل مغادرته، لصون السر المطلق حول وجود الغوارة.
    ينبغي الانتباه جداً إلى مواقد النار التي يستمر جمرها متقداً لمدة طويلة، فتغطى بالتراب، كما تدفن الأوراق وعلب المحفوظات والفضلات الغذائية. يجب أن يرين الصمت المطلق تماماً على الرتل إبان السير. تنتقل الأوامر إيماءً أو همساً، سارية من فم إلى أُذُنْ حتى آخر رجل. وإذا ما اجتازت الغوارة مناطق مجهولة وهي تشق طريقها أو تتبع دليلاً، تسير المقدمة على مسافة حوالي مئة أو مئتي متر إلى الأمام، تبعاً لموائز الأرض. وفي المناطق التي يحتمل فيها التيه، يُترك رجل عند كل منعطف لينتظر التالي، وهكذا حتى آخر رجل في المؤخرة. وتسير المؤخرة منفصلة هي أيضاً عن سائر الرتل، تراقب المؤخرات وتحاول محو آثار المرور قدر الإمكان. وإذا كان ثمة دروب جانبية يلوح منها خطر، يجب أن تحرسها زمرة حتى مرور آخر رجل في الفرقة عنها. ويكون من الأيسر أن تفرز هذه الزمرة من فصيلة خاصة، بيد أنه يمكن تشكيلها أيضاً من عناصر تنتمي إلى كل الفصائل. يجب أن تنتظر
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:17 pm

    هذه الزمرة حتى تعقبها الزمرة التالية، قبل أن تعود إلى فصيلتها، وهكذا دواليك إلى أن يتم مرور الفرقة كلها.
    لا ينبغي فقط أن يتم السير على نمط واحد بترتيب مقرر، بل أن يستمر هذا الترتيب دوماً، ليعرف أن الفصيلة رقم 1 هي المقدمة، والفصيلة رقم 2 هي التي تليها، وفي الوسط الفصيلة رقم 3 التي يمكن أن تكون فصيلة القيادة، ثم الرقم 4، ثم المؤخرة أي الفصيلة رقم 5. ينبغي الحفاظ على هذا الترتيب دوماً. ويجب في السير الليلي أن يكون الصمت أكثر إطباقاً بعد، وأن تخفض المسافة بين كل مقاتلين اثنين، لكي لا يتيه أحد ولا يضطر امرؤ إلى رفع الصوت أو اشعال ما يضيء، فالإضاءة ليلاً هي عدوة المغاور.
    وإذا كان هذا السير توطئة لهجوم ما، تترك الأحمال غير اللازمة كالحقائب والقدور... إلخ في المكان المحدد كنقطة ازدلاف[44] عامة بعد بلوغ الهدف، وتتابع كل فصيلة حاملة سلاحها وتجهيزها الحربي فقط. يجب أن يقوم أناس موثوقون، سلفاً، بدراسة النقطة المزمع مهاجمتها، فيجرون الاتصالات ويرسلون تقريراً عن حرس العدو وأوصاف معسكره وعدد حماته. تقرر عندئذ خطة الهجوم النهائية، ويُوزع المقاتلون، على أن يحسب دوماً تخصيص قسم كبير من الرجال لمكافحة النجدات المحتملة.










    وإذا كانت مهاجمة المعسكر ليست إلاَّ إلهاء لاستدراج قدوم النجدات (تضطر هذه النجدات أن تمر في دروب مؤاتية للكمائن)، وجب أن ينقل رجل من الكمين نتيجة الأمر بسرعة إلى القائد، مع إشعاره إذا اقتضى فك الحصار لكي لا يتعرض المحاصِرون لهجوم خلفي. وبأية حال، يجب دائماً، خلال الحصار أو الهجوم المباشر، وجود حرس على الدروب المؤدية إلى مكان القتال.
    ويفضل الهجوم المباشر دائماً إذا كان الوقت ليلاً. ويمكن الاستيلاء حتى على المعسكر دون كبير خطر، إذا ما توفرت الشجاعة وسرعة الخاطر اللازمتان.
    لا يبقي أثناء الحصار إلاَّ الانتظار وحفر الخنادق مع الاقتراب من العدو أكثر فأكثر ومحاولة إرهاقه بكل الوسائل وخاصة إرغامه بالنار على الخروج. إن "كوكتيل مولوتوف" سلاح ذو فعالية خارقة على مقربة من العدو. وإذا لم يتم الاقتراب بكفاية لإلقاء "كوكتيل"، أمكن استخدام بنادق ذات إياد خاص. تتألف هذه الأسلحة التي أسميناها خلال الحرب "م – 16"، من بندقية عيار16 مقصورة القناة، تسند إلى عصوين يؤلف منقار الأخمص معهما منصباً ثلاثياً. تصنع القناة زاوية قدرها حوالي 45 ْمع الأفق. تتغير الزاوية وضوحاً تبعاً لتقديم أو تأخير قائمتي المنصب الأماميتين. تلقم النبدقية بفشكة خلّب تسند إليها عصا اسطوانية الشكل قدر الإمكان، تنوف على القناة، وهي التي سوف تغدو مقذوفة. يسند إلى طرف العصا المنيف إياد من فِلِزّ[45] يحمل مُخامداً مطاطياً من جهة قاعدته، كما يحمل زجاجة البنزين. يقذف هذا الجهاز زجاجات ملتهبة إلى مئة متر وأكثر، بدقة نسبية. إنه سلاح أمثل في الحصار، وازاء الأبنية الخشبية أو ذات المواد القابلة للاشتعال، وكذلك للرمي على الدبابات في الأرض الجبلية. ومتى انتهى الحصار بالظفر أو رفع بسبب بلوغ الأهداف، تنحسب الفصائل كافة بانتظام إلى النقطة التي تركت فيها الحقائب، وتستأنف الحياة النظامية.
    تولِّد حياة المغاور البدوية في هذه المرحلة حساً من الأخوة مرهفاً جداً بين الرفاق، لكنها تولد أيضاً أحياناً خصومات بين الجماعات، فإذا لم تهذب هذه الخصومات وتحوَّل إلى مباراة سليمة، مَثُلَ خطر تصدّع وحدة الرتل. ينبغي القيام بتربية المغاوير منذ بدء النضال بشرح معناه الاجتماعي وواجباتهم. ينبغي إعطاؤهم مفاهيم واضحة، وتلقينهم أخلاقاً تعرك طباعهم وتجعل من كل تجربة عوناً لهم لتجاوز أنفسهم، فلا تكون مجرد وسيلة إضافية للصراع من أجل البقاء.
    إن للمَثَل قيمة تربوية كبرى، وعلى القادة أن يضربوا بأنفسهم مثل حياة لا صدع فيها وهبوها للقضية. تستند ترقية الجندي على شجاعته وكفاءاته وروح فدائه. فمن لا يوفر هذه الشروط ملياً لا يمكنه استلام المسؤوليات، لأنه سوف يتسبب، إن عاجلاً أو آجلاً، بطوارىء مؤسفة.
    ما إن يقترب أحد المغاوير من بيت، إلاَّ ويقع سلوكه تحت المراقبة: فبحسب طريقته في طلب خدمة ما، أو تموين، وبحسب الأساليب التي يستخدمها للحصول عليهما، يستخلص الأهلون عن تشكيلة الغوار استنتاجاتهم، مؤاتية أو مجافية لها.
    يقتضي الحذر إذاً أن يشرح القائد هذه المسائل بالتفصيل، ويوليها الأهمية التي تستأهلها. ينبغي أن يقنع الرجال أيضاً بمثاله الخاص. وإذا اتفق الدخول إلى قرية، يجب منع المشاريب الغولية مسبقاً، وتحضيض الفرقة، وإعطاؤها مثالاً ممكناً من الضباطة، ومراقبة دخول الرجال إلى القرية وخروجهم منها باستمرار.
    لا بد أن تتعرض تشكيلة الغوار لمحنة التطويق لمعرفة تنظيمها وقيمتها القتالية وبطولتها وروحها، لأن التطويق أخطر وضع في الحرب. كان مغاورونا أثناء الحرب يطلقون في لغتهم "سُحْنة الحصار" على الوجه القانط لدى بعض الجنود المذعورين. كان زعماء العهد المباد يدعون حملاتهم بفخار "تطويقاً" و"إبادة". أما بالنسبة لتشكيلة غوارية خبيرة بأرضها، مرتبطة فكرياً وعضوياً بقائدها، فليست هذه مسألة عظيمة الخطر. يكفي عندها التحصُّن، ومحاولة اجتناب تقدم العدو الذي تدعمه الأسلحة الثقيلة، وانتظار الليل، حليف المغاور الطبيعي. وعند الغسق، في أشد تكتم ممكن، وبعد التعرف إلى أفضل الدروب واختياره، تتخذ أكثر وسائل الانسحاب ملاءمة، مع التزام أطبق الصمت. ويصعب للغاية في هذه الظروف الحؤول بين جماعة من الرجال وبين الإفلات من الطوق ليلاً.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:19 pm



    4 – القتال
    القتال أهم عمل في حياة الغوار. ليس القتال إلاّ فصلاً عابراً في تطور النضال، لكن هذه اللقاءات تتخذ بلا ريب أهمية خارقة، لأن كل اشتباك هو معركة أساسية بالنسبة للمقاتلين.
    ذكرنا آنفاً أن الهجوم يجب أن يتم مع ضمان تام لنجاحه. علينا أن نشرح الخطوط العريضة للصيالة الواجب اتباعها، ولعمل الهجوم ذاته، مع الموائز المختلفة التي يمكن أن تتبادر في كل عملية. سوف نصف النضال في الأرض المؤاتية في المقام الأول، لأنه المثال النَمَطي[46] في حرب الغوار، ولأنه ينبغي أن تستخدم فيه مبادىء سابقة لاكتساب التجربة العملية، بغية حل بعض المسائل. (أما حرب السهل فهي دائماً نتيجة تقدم الغوَّرات بفضل اشتداد بأسها وبفضل الظروف الخاصة بالبيئة، وهذا يعني أنه أصبح لدى المغاوير تجربة غنية يمكنهم أن يفيدوا منها).
    تتوغل الأرتال المعادية عميقاً في الأرض الثائرة، خلال الطور الأول من الحرب. وتبعاً لقوى هذه الأرتال، يمارس نمطان من الهجوم. يؤدي النمط الأول بصورة منهجية وعلى مدى بضعة شهور، إلى إفقاد هذه الأرتال كفاءتها الهجومية. إنه يسبق النمط الآخر زمنياً يسدد هذا الهجوم على المقدمات: فالأراضي المجافية تمنع الأرتال من التقدم مع تغطية كافية على جناحيها. لذا وجب أن تكون لها دوماً مقدمة هي التي تدخل أولاً، فتعرض حياة رجالها لتضمن بذلك سلامة بقية الرتل. فعندما لا يكون عدد المغاوير كافياً، ولا يمكن التعويل على احتياطات، ويكون العدو بالإضافة إلى ذلك قوياً، ينبغي استهداف إبادة هذا الرأس المتقدم دوماً. جملة هذا العمل بسيطة، ولا تتطلب إلاَّ قدراً من التنسيق. عندما يَذُرُّ[47] رأس المقدمة في المكان المقرر – وهو المكان الأكثر حُزونة[48] - يُسمح لقسم من المقدمة بولوج الطريق ويُصْلى ناراً فتّاكة. هذا بينما تستوقف جماعة صغيرة بقية الرتل هنيهة بحيث يُستطاع وضع اليد على الأسلحة والذخائر والتجهيزات. ينبغي أن تحضر لذهن المغاور دوماً فكرة أن منبع تموينه بالسلاح هو العدو. يجب عدم خوض المعركة إلاّ لِغَنم العتاد، عدا حالات الاستثناء.
    يجري تطويق الرتل تماماً عندما تسمح قوى تشكيلة الغوار بذلك، أو يخلق هذا الانطباع على الأقل. وفي هذه الحالة الأخيرة ينبغي أن تكون مقدمة تشكيلة الغوار قوية ومتحصنة بقدر كاف لمقاومة هجمات العدو الجبهية. وعندما يتم إيقاف العدو، تَنْتََل[49] قوى المؤخرة لمهاجمة العدو من خلفه. ولما كان المكان قد اختير سلفاً بحيث لا يستطيع العدو التصرف بجناحيه، يسهل إرباض قناصين يبقون على الرتل كله في منطقة النار، ولو بلغ ثمانية إلى عشرة أضعاف عددهم. فيجب في هذه الحالة، وبفرض كفاية القوى، نصب كمائن تراقب كافة الدروب، لوقف النجدات. يُشد الطوق تدريجاً، وخاصة في الليل. ولما كان المغاور خبيراً بالمكان والعدو جاهلاً به، فإن الليل يدع قوة المغاور تزداد، ومثلها رعب العدو.
    يمكن بهذه الطريقة وعلى جانب من السهولة، إبادة رتل أو تكبيده الخسائر بحيث يلزمه زمن طويل قبل أن يعاد تأليبه.
    وعندما تكون قوى الغوارة ضئيلة ويراد مع ذلك تأخير تقدّم الرتل العدو أو صدّه، توزع قوى الغوارة إلى زمر قوامها اثنين إلى عشرة رماة، في الجهات الأربع، حول الرتل. يمكن الشروع مثلاً بالقتال على الميمنة. وعندما يوجه العدو عمله إلى هذا الجناح ويهجم منه، يبدأ الرمي على الميسرة، ثم في المؤخرة أو المقدمة، وهكذا. يمكن على هذا النحو جعل العدو في حالة إنذار دائمة، باستعمال ذخيرة قليلة جداً.
    ينبغي أن تُكيَّف مِهانة الهجوم على قافلة أو على موضع للعدو، بظروف الأرض المختارة. وينبغي العمل بعامة، بحيث يتم أول اقتحام لأحد المواضع، في الليل، فجأة، مستهدفاً أحد المراكز الأمامية. يمكن لهجوم مفاجىء يشنه مغاوير متمرسون أن يصفي أحد المواضع بسهولة، مع احتساب التفوق الحاصل بتأثير الفجاء. ومن أجل القيام بتطويق منظَّم، يمكن مراقبة مناطق الهروب بقلة من الرجال، وحماية مسالك القدوم بكمائن تنصب بحيث أن العدو إذا مر عن أحدها، استطاع المغاوير الأنكفاء وبقي هناك كمين ثانٍ. وعندما لا يؤثر عنصر المفاجأة، يتوقف الظفر أو الهزيمة، وقت احتلال المعسكر، على كفاءة قوى التطويق في إيقاف وصول النجدات. يتوفر للعدو، عامة في هذه الحالة، دعم المدفعية ومدفعية الهاون والطيران والدبابات. الدبابة سلاح قليل الخطر في الأرض المؤاتية للغوارة: عليها أن تمر في دروب ضيقة يسهل أن تقع فيها فريسة الألغام. ثم أن كفاءة الدبابات الهجومية تفقد ههنا من قيمتها ما دامت تضطر أن تسير رتلاً أحادياً أو على الأكثر ثنائياً. اللغم هو أفضل الأسلحة وآمنها ضد الدبابات. أما في الالتحامات التي يسهل تحقيقها في الأراضي الوعرة، فيغدو "كوكتيل مولوتوف" سلاحاً ذا فعالية خارقة. ولا نتكلم عن البازوكة التي تكون سلاحاً دفاعياً جدياً لقوى الغوار، إلاَّ أنه يصعب توفيره، في بداية النضال على الأقل. أما مدفع الهاون، فيمكن اللجوء ضده إلى الخندق المسقوف. والهاون سلاح عظيم الفعالية ضد موضع مطوق، غير أن قدرته تنقص بالمقابل، إزاء مهاجمين جائلين. ليس للمدفعية دور كبير في هذا النوع من الصراع لأنه ينبغي نصبها في مواضع سهلة المنال، وهي عاجزة ضد أهداف جائلة. الطيران هو السلاح الرئيسي لقوى الاضطهاد، إلاّ أن فعاليته تتضاءل كثيراً بقدر ما تغدو أهدافه الوحيدة هي خنادق صغيرة لا ترى. سوف يرمي الطيران قنابل شديدة البأس، يكون صوتها أعظم من أذاها. ثم إنه كلما ازداد الاقتراب من خطوط دفاع العدو، كلما عسر على طيرانه مهاجمة هذه النقاط.
    اللغم المسيَّر عن بعد هو أكثر أنماط الألغام فعالية، إلاَّ أنه يتطلب معلومات مِهانية لا تتوفر دائماً. غير أن الألغام ذات الضغط، وذات الفتيل، وخاصة الألغام الكهربائية، بالغة الفائدة أيضاً، وتؤلف بالنسبة للقوى الشعبية، على الدروب الجبلية، وسائل دفاع تكاد لا ترام.
    الخندق المائل، المنشأ على عرض الطريق، بحيث تَلِجه الدبابة بسهولة، ولكنها لا تستطيع الخروج منه إلاَّ بصعوبة، هو وسيلة دفاع حسنة ضد المركبات المدرعة. يمكن تمويه هذه الخنادق بسهولة إبان تقدم العدو ليلاً، أو عندما تحول مقاومة الغوارة دون إرسال العدو مشاته أمام المدرعات.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:20 pm

    الشاحنة هي وسيلة نهجية أخرى يتقدم بها العدو في الأرض السالكة. وتسبق بعض المركبات المدرعة أرتال شاحنات العدو. تستطيع تشكيلة الغوار، تبعاً لقوتها، إما تطويق الرتل بأكمله، أو الفتك به بمهاجمة بعض الشاحنات مع تفجير الألغام في آن. ينبغي العمل بسرعة في هذه الحالة، وغنم أسلحة الأعداء الصرعى، والانسحاب. وإذا سنحت الظروف، يمكن محاولة التطويق الشامل الذي شرحنا قواعده العامة آنفاً.
    بارودة الصيد هي سلاح عظيم الفعالية لمهاجمة الشاحنات المكشوفة. فيمكن لخردق بارودة ذات عيار 16 أن يغطي حقلاً قدره عشرة أمتار، أي بمدى طول الشاحنة كلها، فيقتل بعض ركابها، ويجرح غيرهم، ويحدث اضطراباً شديداً. وإذا ما توافرت بعض الرمَّانات، تكون أسلحة ممتازة في هذه المناسبة.
    إن تأثير المفاجأة هو الشيء الجوهري في هذه الهجمات كافة. وهو مائزة في المقام الأول لصيالة الغوار. ولا يمكن حدوث هذا التأثير إذا كان فلاحو المنطقة على علم بوجود الجيش الثائر. لهذا السبب ينبغي إجراء كافة التحركات ليلاً ولا يسوغ إلاَّ لرجال شديدي الكتمان ذوي إخلاص مخبور، أن يعلموا بها ويجروا الارتباطات. يجب أن تكون الحقائب مملوءة زاداً لهذه المسيرات، لكي يستطاع الصمود يومين أو ثلاثة أو حتى أربعة في مكان الكمين.
    لا يجوز الوثوق كثيراً بتكتم الفلاح: أولاً لأن لديه ميلاً طبيعياً للكلام والتعليق على الحوادث مع أعضاء آخرين من أسرته أو مع الُخلَّص من معارفه، ثم لأن الوحشية التي يعامل بها جنود العدو الأهلين، عند الهزيمة، تبث الرعب وتحدو بالبعض، إنقاذاً لحياتهم، أن يتكلموا أكثر مما ينبغي، فيقدمون بذلك معلومات جوهرية. ولأجل نصب كمين، يتم اختيار مكان يبعد على العموم، ما لا يقل عن مسير يوم واحد عن مآرز الغوارة المعتادة، والتي يعرفها العدو دائماً بكثير أو قليل من التقريب.
    لقد أكدنا آنفاً أن كيفية الرمي في القتال تدل على مواضع المتقاتلين، فمن جهة رمي الجندي النظامي، حامياً، سخياً، معتاداً أن تتوفر له الذخيرة كيفياً، ومن الجهة الأخرى رمي المغاور، منهجياً، منجَّماً[50]، عارفاً قيمة كل رصاصة، يستعملها بحرص ولا يرمي أبداً أكثر مما يلزم. ولما كان من غير المنطق أن يترك العدو يفلت، اقتصاداً للذخيرة، أو ألاَّ يستنجز الكمين عمله ملياً، لذا وجب توقع كمية الذخيرة التي ينبغي استعمالها في كل مناسبة، وتسيير القتال وفقاً لهذه الحسابات المسبقة.
    الذخيرة هي مسألة المغاور الكبرى. يتوفر السلاح دائماً، وما يُملك منه لا يعود يفارق الغوارة. أما الذخيرة فتنفد. وإذا كان السلاح يغنم بعامة، مع ذخيرته، فلا تغنم الذخيرة وحدها أبداً إلاّ نادراً. ولا يفيد السلاح الذي يغنم مع ذخيرته في تموين أسلحة أخرى، إذ ليس ثمة سلاح فائض. لذلك يغدو المبدأ الصِيالي القائل بالاقتصاد في الرمي مبدأ أساسياً في هذا النمط من الحرب.
    لا يسع القائد المغاور الذي يعتد بهذه الصفة لنفسه، أن يهمل شأن الانسحاب. ينبغي إجراء الانسحابات في الوقت المجدي، وأن تكون مرنة، وتسمح بإنقاذ كل عتاد تشكيلة الغوار، والجرحى. لا يجوز للثائر أبداً أن يفاجئه العدو أثناء الانسحاب، ولا يستطيع قط أن يسمح لنفسه بترف مطاوعة الطوق الذي يُشد حوله.
    ينبغي إذاً حراسة الطريق المختارة في كافة النقاط التي يحتمل أن يُقبل العدو منها بجنوده في محاولة للتطويق. وإذا ما وقعت محاولة التطويق، وجب أن تكون هناك جملة ارتباط تتيح إشعار الرفاق سريعاً بالمحاولة.
    ينبغي دائماً توفر رجال غير مسلحين، يلتقطون بنادق الرفاق الجرحى أو الصرعى، أو سلاح الأسرى، ويعنون بالأسرى، وبنقل الجرحى، بالارتباطات. ويجب أن يتوفر دائماً فريق جيد من الرسلاء لا يرقاهم الإعياء، مخبورين في جِدِّهم، وقادرين على إيصال الأوامر بعجل تام.
    إن عدد هؤلاء الردفاء نسبي، لكن يمكن تحديده باثنين إلى ثلاثة في العشرة: إنهم يشهدون القتال، وينجزون المهمات المقتضاة في المؤخرة، مدافعين عن المواضع إبان الانسحاب، وقائمين على مصالح الارتباط التي ذكرناها.
    عندما تمارس تشكيلة الغوار حرباً من النمط الدفاعي – أعني عندما تؤمن حماية مسالك منطقة معينة ضد رتل من الغزاة – يتحول القتال إلى حرب تحاصن. غير أنه ينبغي دائماً عند بدء الاشتباك، العناية بتأثير المفاجأة التي تكلمنا عنها آنفاً. وإذا تم حفر خنادق أو جمل دفاعية أخرى يسهل على فلاحي المنطقة تمييزها، ينبغي التأكد أن هؤلاء الفلاحين باقون خلف الخطوط. إذ أن الحكومة، في هذا النمط من الحرب، تقيم الحصار على المنطقة، ويضطر الفلاحون الذين لم يلوذوا بالفرار إلى الذهاب لمناطق بعيدة عن منطقة حمى الغوَّارة، بقصد التموين. وفي اللحظات الحرجة التي نصفها، يضحى كل رجل يغادر منطقة الغوار خطراً بالغاً، نظراً للمعلومات التي يمكن أن يسديها للعدو. وعلى الجيش الثائر، في الحرب الدفاعية، أن يتخذ صيالة الأرض المحروقة مبدأ أساسياً.
    ينبغي بناء الجهاز الدفاعي كله بحيث تقع مقدمة العدو دائماً في كمين. من المهم جداً على الصعيد النفسي، أن يكون رجال المقدمة هم الذين يُصرعون، دون ريب، في كل قتال. ينبغي خلق وعي لهذا الواقع يتفاقم حدَّة كل مرة لدى جيش العدو، فيبلغ منه مبلغاً لا يبقى معه أحد يرضى أن يكون في المقدمة. ولما كان واضحاً أن رتلاً بلا مقدمة لا يستطيع التقدم، فلا بد إذاً أن يتحمل أحد هذه المسؤولية...

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:21 pm

    وإذا ما رُئي الأمر مجدياً، أمكن القيام بمراوغات للإلهاء، أو تطويقات أو هجمات جناحية، أو مجرد صد العدو جبهياً. إلاَّ أنه ينبغي في كل الحالات تقوية النقاط الخليقة أن تستهدفها هجمات العدو الجناحية.
    يفترض ذلك توفر رجال وسلاح أكثر مما في القتالات الآنف وصفها، فمن الواضح أنه يلزم كثير من الرجال لرصد كافة الدروب المتواردة إلى منطقة ما. وقد تكون عديدة. ينبغي ههنا زيادة عدد الفخاخ والهجمات على الناقلات المدرعة، في آن مع ضمان أعظم سلامة ممكنة لجملة الخنادق الثابتة التي يمكن للعدو، بحكم ثباتها، أن يحدد مواضعها. وإذا كان الأمر العسكري في هذا النمط من الحرب، هو بعامة، الصمود بوسائل الدفاع حتى الموت، يجب مع ذلك أن يضمن لكل من الحماة الحد الأقصى من فرص البقاء حياً.
    كلما كان الخندق مستخفياً للمراقبة عن بعد. كان أميناً. ويحسن تغطيته بسقف لإبطال تأثير مدافع الهاون. إن مدافع الهاون المستخدمة في الميدان عامة هي ذات عيار 60 أو حتى 85 مم، وهي لا تستطيع خرق سقف جيد مبني بالمواد المحلية، كالخشب أو الحجر، ومحكم التمويه. ينبغي الاحتياط دائماً بإنشاء مخرج يسمح للمرء في الحالة القصوى، أن يفلت دون تعريض حياته كثيراً. لقد أنشأنا مثل هذه الوسائل الدفاعية في سييرا ماسترا حيث كانت فعالة لوقايتنا من رمي مدافع الهاون. تشير كل هذه الاعتبارات بوضوح إلى انعدام وجود خطوط نار محددة. إن خط النار هو شيء نظري إلى حد بعيد أو قريب، يتثبت في بعض اللحظات الحرجة، إلاَّ أنه مطاط ومتنافذ بين المعسكرين. وما هو موجود إنما هو أرض سائبة[51] واسعة بينهما. إلاَّ أن الأرض السائبة تتميز في الغوار بأن ثمة سكاناً مدنيين يعيشون فيها، ويتعاونون إلى حد ما مع أحد المعسكرين. وتقف أكثرية باهرة منهم، في الواقع، إلى جانب الثورة. لا يمكن ترحيل هؤلاء السكان حشراً، إذ أن أي المتنازعين يحاول ذلك، يختلق لنفسه معضلة تموينية لا حل لها. تمر في هذه الأرض السائبة غزوات دورية، نهارية على وجه العموم لقوى القمع، وليلية لقوى الغوار. وتجد قوى الغوار في هذه الغزوات مصدراً هاماً للتموين ينبغي تداركه على الصعيد السياسي بإقامة أحسن العلاقات مع الفلاحين والتجار.
    إن عمل الذين لا يقاتلون مباشرة هام جداً في هذا النمط من الحرب. لقد أشرنا آنفاً إلى بعض مميزات الارتباط في أماكن القتال، إلاَّ أن الارتباط هو مؤسسة تقوم داخل تنظيم الغوارة. وينبغي بناء الارتباطات حتى أبعد جماعة من المغاوير، بحيث تستطيع الانتقال دائماً من نقطة لأخرى بأسرع وسيلة معروفة في المنطقة، هذا حتى في الأرض المجافية لنا. لا يرد مثلاً، لغوارة تعمل في أرض مجافية، أن تدع جمل موصلات حديثة قائمة، كالبرق، والطرقات.. إلخ، عدا بعض الجمل اللاسلكية التي يتعذر تخريبها والتي لا تفيد إلاَّ حاميات عسكرية قوية تذود عنها. وهي بأية حالة، لو سقطت في أيدي الغوارة، لاحتاجت إلى تغيير الرموز والتوترات، وهو عمل على جانب من الصعوبة في بعض الأحيان.
    نقول ونحن نتذكر تجربتنا الخاصة خلال حرب التحرر: إن الاختبار اليومي الأمين عن كافة نشاطات العدو يُستكمل بالاختبار الذي تؤديه ارتباطاتنا. ينبغي درس جملة المخابرات درساً كثيراً، واختيار رجالها بأكبر عناية. فلا يمكن تقدير مبلغ الأذى الذي يستطيع أن يؤتيه عميل مزدوج. وإذا لم نذهب إلى هذا الحد، فإن اختباراً مبالغاً فيه، يستعظم الخطر أو يستصغره، يمكن أن تنجم عنه متاعب جمة: ويندر أن يستصغر الخطر، إذ أن ميل الفلاح العام يحدو به إلى تضخيم الأنباء. إن الذهنية الجبتية[52] التي تستحضر أشباحاً وكائنات غيبية شتى هي ذاتها التي تختلق جيوشاً جبارة أيضاً عندما لا يعدو الأمر فصيلة أو دورية عدوة. كما ينبغي أن يبدو الجاسوس محايداً قدر الإمكان، وألاّ يظهر في عين العدو، على أية صلة بقوى التحرر. ليست هذه المهمة صعبة بقدر ما تتراءى، ويصادف أناس كثيرون، تجار أو أصحاب مهن حرة وحتى رجال دين، يستطيعون الإسهام فيها وتقديم المعلومات.
    إن الفرق الشاسع بين المعلومات التي تحصل عليها القوى الثائرة ومعلومات الجيش النظامي، هو من أهم موائز حرب الغوار. يضطر الجيش النظامي أن يجوب مناطق مناوئة له إطلاقاً، لا يلقى فيها إلاَّ صمت الفلاحين المر، بينما تعتد تشكيلة الغوار بصديق في كل بيت، إن لم يكن في صفوفها أحد أعضاء الأسرة، وتتداول الأنباء باستمرار خلال جملة ارتباطاتها، حتى الأركان العامة أو مركز قيادة الغوار في المنطقة.
    عندما يتوغل العدو في أرض قد جاهرت بالثورة، حيث انضوى الفلاحون كافة إلى قضية الشعب، تنشأ مسألة بالغة الخطورة. يحاول معظم الفلاحين أن يفروا مع الجيش الشعبي، مخلِّفين أطفالهم ومشاغلهم، ويحاول غيرهم اصطحاب عيالهم بقضِّها وقضيضها، وأخيراً يمكث غيرهم مكانه بانتظار الأحداث. إن أبلغ نتائج توغل العدو هو زج أُسَر كثيرة في وضع صعب، إن لم يكن يائساًً. ينبغي إسداء الحد الأقصى من الدعم لهم، لكنه ينبغي تحذيرهم أيضاً من أن الفرار صوب مناطق غير آهلة، بعيداً عن أماكن التموين المعتادة، يعرضهم بالتأكيد إلى اللِزَن[53].
    لا يسوغ الحديث عن "نمط من القمع" من جانب أعداء الشعب: ففي كل مكان، يعمل أعداء الشعب تبعاً للظروف النوعية من تاريخية واجتماعية واقتصادية، على نحو يزداد أو يقل إجراماً، وإن كانت طرائق القمع العامة متماثلة على الدوام. ثمة أماكن لا يستثير فيها فرار الرجل إلى منطقة الغوار، مخلفاً أسرته في البيت، رد فعل كبير. بَيْدَ أن هذا الفرار كاف، في أماكن أخرى، لمصادرة أرزاقه وإحراقها وللتسبب بقتل الأسرة كلها. لذا فمن الطبيعي أن يتم تنظيم الفلاحين الذين سوف يتأثرون بتقدم العدو، على خير وجه، تبعاً لما يعرف عن قواعد الحرب في هذه المنطقة بالذات.
    واضح أنه ينبغي التأهب لطرد العدو خارج المنطقة المصابة، بقطع خطوط مواصلاته، ومنع تمونيه بواسطة غوارات صغيرة ترغمه على أن يلقي في القتال أعداداً كبيرة جداً من الرجال.
    إن استخدام الاحتياط على نحو حكيم في كل لقاء هو أهم العوامل في هذه المعارك. يندر أن يستطيع الجيش الثائر، بحكم طبيعته، أن يعتمد احتياطات، لأن عمل أبسط المشتركين فيه منظم ومستخدم ملياً في كل قتال. غير أنه يحسن أن يحتفظ الجيش الثائر برجال موزعين، يستطيعون الاستجابة لطارىء ما، أو شن هجوم معاكس، أو تثبيت وضع ما. ويمكن وفقاً لتنظيم الغوارة وتبعاً لإمكانات الساعة، أن يحتفظ بفصيلة متأهبة "صالحة لكل عمل"، تكون مهمتها هي الانتقال إلى أشد النقاط خطراً. يمكن تسميتها "الفصيلة الانتحارية"، أو أي اسم آخر. إنها تقوم جيداً في الواقع بالوظائف التي تشير هذه التسمية إليها. يجب إرسال هذه "الفصيلة الانتحارية" إلى كافة النقاط التي يحسم فيها القتال، وإلى الهجمات المفاجئة على المقدمات، وللدفاع عن الأمكنة الأشد خطورة وعرضة للإصابة، وأخيراً إلى كل مكان يهدد فيه العدو استقرار خط النار. يترك كل امرىء حراً أن ينخرط في هذه الفصيلة، التي يجب أن تغدو جائزة ينالها من يختارها. والجندي منها خليق أن يصبح على مر الزمن مثالاً لكل رتل غواري، ويتمتع المغاور الذي يتشرف بالانتساب إلى هذه القطعة بإعجاب واحترام رفاقه كافة.





    5 – ابتداء حرب الغوار وتطورها وانتهاؤها
    لقد عرّفنا بإسهاب ما هي حرب الغوار. وسوف نعيد الآن وصف تطورها الأمثل، في الأرض المؤاتية، منذ ولادتها بدءاً من نواة وحيدة، أي أننا سوف نؤلف نظريتها، اعتماداً على التجربة الكوبية.
    ثمة في البدء جماعة قليلة أو كثيرة التسلح، متفاوتة التجانس، تحاول بصورة حصرية تقريباً، أن تختبىء في أماكن وعرة، لا يُهتدى إليها، في حين أنها تحافظ على صلة ضعيفة بالفلاحين. تنجح هذه الجماعة في كيل ضربة، فتبدأ شهرتها آنئذ. يأتي بعض الفلاحين الذين سُلبوا أراضيهم أو الذين يناضلون للحفاظ عليها، وبعض المثاليين الناشئين في طبقة أخرى، فيرفدون صفوفها. تكتسب الجماعة مزيداً من الإقدام للتجول في المناطق الآهلة، وصلة أوثق بأهل المنطقة، فتباشر بعض الهجمات، يليها الهروب تواً. وسرعان ما يصل بها الأمر إلى الاشتباك في قتال مع رتل فتبيد مقدمته. تستمر في تجنيد الرجال فيها، ويتضخم عددها، إلاَّ أن تنظيمها يبقى هو هو، عدا أنها تلتزم حذراً أقل وتغامر في مناطق أكثر سكاناً.
    ثم تأخذ الجماعة تقيم معسكرات مؤقتة لبضعة أيام، تبارحها مذ تعلم باقتراب العدو، أو إذا حدث قصف، أو لمجرد ظنها في أحد هذه الأخطار. تتزايد الغوارة عددياً، ويقترن ذلك بالعمل الجماهيري الذي يجعل من كل فلاح نصيراً لحرب التحرر. تختار أخيراً منطقة في منأى عن يد العدو، وتبدأ الحياة الحضرية وتشرع بإقامة الصناعات الصغيرة الأولى: الأحذية، لفائف التبغ، صناعة السلاح، الخبازة، شيء من الخياطة، المشافي، الإذاعة، الطباعة... إلخ.
    أصبح للغوارة تنظيم جديد، وبنية جديدة. إنها رأس حركة كبيرة تظهر فيها، على هيئة ملامح، كافة مميزات الحكومة. تقام محكمة لإدارة العدالة، وإذا أمكن، تنشر بعض القوانين، مع متابعة توعية الجماهير الفلاحية سياسياً، وكذلك الجماهير العمالية إن وجدت في المنطقة. يتم هزم هجوم من جانب العدو، فيزداد عدد البنادق، وبالتالي عدد رجال الغوارة. غير أنه يحين وقت لا يتسع فيه قطر عملها بنسبة عدد رجالها. فينفصل عندئذ رتل عن الجماعة ويذهب لخلق منطقة قتال جديدة. تعاود هذه النواة الجديدة العمل مرة أخرى، لكن بموائز مختلفة نوعاً ما، نظراً للتجربة المكتسبة ولتوغل جيوش التحرر في مناطق الحرب. وتتابع النواة المركزية استفحالها في هذه الأثناء، وقد تلقت أرفاداً هامة من التموين ومن البنادق أحياناً، من مناطق بعيدة، ويستمر قدوم الرجال إليها، وتتابع المهمات الإدارية بابرام القوانين، وتفتح مدارس تسمح بنشر الوعي السياسي بين المجندين وبتدريبهم. ويتعلم القادة بقدر ما تتطور الحرب، وتتحسن كفاءتهم القيادية في آن مع تزايد القوى كمَّا وكيفا.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:23 pm

    وعندما يحين الوقت، تستطيع بعض الجماعات أن تذهب لتقيم في مناطق بعيدة وتعاود الدورة ذاتها.
    غير أن ثمة أرضاً معادية، أرضاً مجافية لحرب الغوار. فتتوغل فيها زمرة صغيرة لمهاجمة المواصلات وتخريب الجسور وبث الألغام وبذر عدم الاطمئنان. وتستمر الحركة تتطور مع المد والجزر الخاصين بالحرب. لا يلبث العمل الجماهيري الواسع أن يتيح للقوى بالتجول في الأراضي المجافية، فيبلغ المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الغوار في ضواحي المدن.
    يزداد التخريب بشكل محسوس في المنطقة كلها. وتصاب الحياة بالشلل، فقد أصبحت قيد رقابة الغوار. يستهدف الغوار مناطق أخرى، ويقاتل العدو على جبهات محددة، وقد تم غنم أسلحة ثقيلة (حتى بعض الدبابات)، وصار النضال بين ندِّ وندّ. يتم مصرع العدو عندما يتحول تتابع الأظفار الجزئية إلى ظفر نهائي، عندما يصل الأمر بالغوار أن يحمل العدو على القتال ضمن الشروط التي يفرضها الغوار، ويتم عندها قهر العدو وإرغامه على الاستسلام.
    ليس هذا إلاَّ تصوير الملامح التي تعيد إلى الأذهان مختلف مراحل حرب التحرر الكوبية، غير أن محتواه عام تقريباً، وأن تضافر العناصر – الشعب، الشروط، القائد - لا يتوفر دائماً كما حصل في حربنا. وهل يلزمنا القول إن فيدل كاسترو يجمع صفات المقاتل ورجل الدولة وإننا مدينون إلى نظرته للأمور بنزولنا إلى البر وبظفرنا؟ لا نستطيع القول إن ظفر الشعب لم يكن ليحدث بدونه، لكننا نستطيع القول إن الظفر بدونه، كان أغلى ثمناً وكان أقل اكتمالاً.









    القسم الثالث

    تنظيم جبهة الغوار





    1 – التموين
    إن تموين تشكيلة الغوار على نحو صحيح هو أمر جوهري. ينبغي أن تستطيع الجماعة إيجادها أودها من منتجات الأرض، بينما هي تمكَّن الفلاحين الذين يقدمون هذه المنتجات أن يجدوا أودهم فيها أيضاً. لا يستطيع المغاور، في النضال الشاق الذي يخوضه – ولا سيما في البدء – أن ينتج بنفسه أي شيء، خاصة إذا وجد في أرض سالكة لأرتال القمع. وبقدر ما تنمو تشكيلة الغوار، عليها أن تؤمَّن لنفسها منابع تموين بعيدة عن مناطق القتال. تعيش في البدء مما ينتجه الفلاحون فقط. قد تستطيع المِيرة[54] من بعض المراكز، ولكنها لا تستطيع أبداً أن تنشىء شبكات تموينية لأنها تفتقر بعد إلى الأرض التي تقيمها عليها. إذن تتكيف شبكة التموين ومثلها تخزين المؤن بتطور الصراع.
    يجب كسب ثقة سكان المنطقة كلياً وقبل كل شيء. ويتم الفوز بها باتخاذ موقف إيجابي من مشاكلهم، بمساعدتهم وتوجيههم باستمرار، بالدفاع عن مصالحهم وبمعاقبة الذين يستغلون الفوضى لطرد الفلاحين من أراضيهم والاستيلاء على محاصيلهم وإقراضهم بالربا.
    يجب أن يكون الخط المتبع مرناً وصلباً في آن. يكون مرناً بانتهاج التعاون العفوي مع كل الذين يعطفون باخلاص على الحركة الثورية. ويكون صلباً تجاه الذين يهاجمون الحركة الثورية مباشرة، مثيرين التفرقة أو ناقلين معلومات هامة إلى جيش العدو.
    يتم الإشراف على المنطقة شيئاً فشيئاً ويمكن عندها اعتماد حرية حركة أكبر. يجب اتخاذ مبدأ أساسي هو دفع أثمان البضائع المأخوذة من الأصدقاء دوماً، سواء أكانت منتجات زراعية أو سلعاً تجارية. كثيراً ما تكون هذه البضائع هدايا، غير أن ظروف حياة الفلاح تحول أحياناً دون هذه الهبات. وقد تفرض ضرورات الحرب مهاجمة بعض المتاجر، دون إمكان الدفع. يجب دوماً في هذه الحالات إعطاء التاجر إيصالاً، سند إقرار بالدين، من "سندات الأمل" التي ذكرناها آنفاً. ولكنه يفضَّل استخدام هذه الوسيلة مع أناس موجودين خارج حدود المنطقة المحررة، وتسديدها في أسرع وقت ولو جزئياً.
    ومتى تحسنت الظروف بكفاية لتسمح بالاحتفاظ بصورة دائمة بأرض لا يطالها جيش العدو، أمكننا أن نعمد عندئذ إلى البذار بصورة جماعية. يشتغل الفلاحون الأرض لصالح جيش الغوار، فيضمنون بذلك مصدراً ثابتاً للتموين.
    وإذ كان عدد المغاوير المتطوعين يتجاوز عدد الأسلحة، وإذا كانت الظروف السياسية تحول دون نزول هؤلاء الرجال إلى المناطق الخاضعة للعدو، يمكن للجيش الثائر أن يدع رجاله وكافة المجندين فيه يشتغلون الأرض، ويجنون المنتجات التي تضمن التموين. يملأ هؤلاء المتطوعون بذلك سجلات خدمتهم التي تفيد فيما بعد لترقيتهم إلى صفوف المقاتلين. غير أنه يُفضَّل أن يتم البذار على يد الفلاحين أنفسهم، لأنهم ينجزون العمل بحماس أكبر وكفاءة أعظم. ويمكن التوصل، في مرحلة أكثر تقدماً، إلى شراء محاصيل برمتها وتخزينها لاستعمال الجيش، سواء في الهواء الطلق أو في المخازن، حسب طبيعة السلع.
    وعندما يتم إنشاء هيئات مكلفة بتموين السكان الفلاحين أيضاً، يتم تجميع كل السلع لدى هذه الهيئات، لإجراء عمليات مقايضة بين الفلاحين، بوساطة الجيش الثائر.
    وإذا تحسنت الظروف أكثر، أمكن تحديد الضرائب. يجب أن تكون أخف ما يمكن، لا سيما على المنتج الصغير. ويجب السهر، فوق كل شيء، على العلاقات الطيبة بين طبقة الفلاحين وبين الجيش الثائر الذي هو فيض منها.
    يمكن أن تُجْبَى الضرائب نقداً أو بشكل حصص من المحصول تأتي لترفد الاحتياطات. اللحم مثلاً سلعة في المقام الأول من الضرورة، فيجب ضمان إنتاجه وحفظه. ويتم بالتعاون مع الفلاحين إنشاء مزارع لتربية الدجاج والماعز والخنازير، التي تُشْتَرى من كبار الملاك أو تُصَادر منهم، وإذا كانت المنطقة غير آمنة، يبدو الفلاحون فيها بمظهر مَن لا علاقة له بالغوارة. ومن المعتاد في مناطق الملكيات الكبرى أن تتوفر الماشية بكميات كبيرة، فتذبح وتملّح. فإذا ما حفظ اللحم بهذه الشروط، بقي صالحاً للاستهلاك مدة طويلة.
    تنتج الماشية الجلد أيضاً. يمكن إقامة صناعة دباغة بدائية إلى حد ما، تسمح بتوفير المادة الأولية للأحذية، وهي لوازم لا يستغني المغاور عنها. يمكن القول، بصورة عامة، إن الأغذية التي لا غنى عنها هي: اللحم، الملح، بعض الخضار أو الأدران أو البذور. ينتج الفلاح الغذاء الأساسي دائماً، وهو المالانغا في المناطق الجبلية من مقاطعة أوريينته (كوبا)، والذرة في المناطق الجبلية من المكسيك وأمريكا الوسطى والبيرو، والبطاطا في البيرو أيضاً، وهو الماشية في بلدان أخرى كالأرجنتين، وهو القمح في سواها. يجب بأية حال ضمان تموين الفرقة بالغذاء الأساسي، وببعض المواد الدسمة الحيوانية أو النباتية التي تسمح بإغناء التغذية.
    الملح حاجة لا غنى عنها. عندما نكون على مقربة من البحر ونستطيع بلوغه، ينبغي إنشاء مَجَفَّات[55] صغيرة للملح فوراً، لتكوين احتياط منه. ولا يسعنا نسيان أنه يسهل فرض الحصار على المنطقة الجبلية، التي تكاد لا تنتج شيئاً، فيؤدي الحصار إلى إفقار المنطقة على نحو بالغ. ويستحسن أن تتوقع المنظمة الفلاحية والمنظمات المدنية عامة هذا الاحتمال. يجب أن تتوفر لدى الفلاحين احتياطات غذائية ليستطيعوا البقاء خلال أشد فترات النضال قسوة. يجب الاجتهاد بسرعة لتكوين مخزونات من السلع غير التالفة كالحبوب: ذرة، قمح، ارز... إلخ، والدقيق، والملح، والسكر، والمحفوظات بكافة أنواعها، ويجب القيام بالبذار الضروري أيضاً.
    سوف يأتي يوم يتم فيه حل كافة المسائل الغذائية في المنطقة، غير أن كمية كبيرة من المنتجات الأخرى تبقى ضرورية، كالجلد مثلاً للأحذية (إذا تعذر إنشاء صناعة للجلد)، والكتَّان للألبسة، ولوازم أخرى كالورق وآلات الطباعة للصحف والحبر... إلخ.
    وكلما استكملت الغوارة تنظيمها، ازدادت حاجتها لأصناف تأتي من العالم الخارجي. فيصبح ضرورياً عندئذ أن تؤدي منظمة خطوط التموين عملها على وجه الكمال. تقوم هذه المنظمة بصورة أساسية بواسطة الفلاحين الأصدقاء. ويجب أن تكون بنيتها ذات قطبين، أي تكون لها نهاية في المدينة من جهة، ونهاية في جبهة الغوار من الجهة الأخرى. وتجتاز خطوط التموين، ابتداء من مناطق الغوار، كل الأرض التي يمكن أن يمر فيها العتاد. وسوف يألف الفلاحون الخطر شيئاً فشيئاً (يمكنهم إتيان العجب العجاب إذا عملوا في جماعات صغيرة)، فينقلون العتاد إلى المكان المحدد دون أن يعانوا أخطاراً بالغة. يمكن إجراء هذه التنقلات ليلاً على المحترمل أو أية زوامِل[56] أخرى، وحتى بسيارات الشحن في بعض المناطق، فيتم بذلك ضمان تموين منتظم. والمقصود ههنا نمط من خطوط التموين وارد من الأنحاء القريبة من أمكنة العمليات.
    بيد أنه يجب أيضاً تنظيم خطوط تموين واردة من مناطق أكثر بعداً. وينبغي لهذه المناطق، بالإضافة إلى العتاد غير المتوفر في القرى أو مدن المقاطعات، أن تقدم المال اللازم للشراء.
    تعيش المنظمة من هِبَات الأصدقاء المباشرة، وتعطي لقاءها إيصالات سرية، ويجب أن يكون القائمون على تعاطي هذه الأمور خاضعين لرقابة شديدة. وعندما تخرج غوارة من مأرِز عملياتها لتداهم منطقة جديدة، يمكنها تسديد مشترياتها نقداً أو بـ"سندات الأمل". وفي هذه الحالة، ليس ثمة حل غير أخذ بضائع التجار. ويتبع التسديد عندئذ إلى أمانة الغوارة أو إلى إمكاناتها المالية.
    تحتاج كافة خطوط التموين التي تجتاز الريف إلى سلسلة من المحطات أو نهايات المراحل، المنشأة في بيوت خاصة، يمكن إخفاء المؤن فيها في النهار، حتى الليل التالي. ولا يجوز أن يعرف هذه البيوت غير أولئك المكلفين مباشرة بالتموين. ويجب أن يعرف أهل هذه البيوت أنفسهم أقل ما يمكن عن هذه النقليات وأن يكونوا طبعاً أشخاصاً يوحون للمنظمة بأكبر قدر من الثقة.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:24 pm

    البغل أكثر الدواب ملاءمة لنقل المؤن. للبغل طاقة احتمال لا تصدق، ويستطيع التجوال في أشد المناطق وعورة، حاملاً أكثر من مئة كيلو طوال أيام وأيام. وتجعل منه قناعته وسيلة النقل المثلى. يجب أن يكون حافره حسن الأنعال وأن يَعْتَني بالبغل بَغَّالون حاذقون. يمكن على هذا النحو تجنيد جيش حقيقي عظيم الفائدة، يدبّ على أربع. وقد يحصل، رغم صبر البغل وطاقته على احتمال أصعب المراحل، أن تؤدي صعوبة أحد المسالك إلى وجوب تخفيف الأحمال عنه. ولتجنب ذلك يكلف فريق خاص بتحديد معالم الدروب الجبلية. فإذا ما اجتمعت كل هذه الظروف، وإذا توفر تنظيم متين وإذا أقام الجيش الثائر أطيب العلاقات مع الفلاحين، تم ضمان التموين بانتظام.





    2 – المنظمة المدنية
    إن التنظيم المدني للحركة الانتفاضية أمر بالغ الأهمية، وذلك على الجبهتين الداخلية والخارجية. وللجبهتين طبعاً، موائز ووظائف متباينة إلى حد بعيد، وإن تم تصنيف مهماتهما تحت تسمية واحدة. فجباية المال التي يمكن أن تقوم بها الجبهة الخارجية مثلاً تختلف عن جباية الجبهة الداخلية. ومثلها شأن الدعاية، أو التموين. وسوف نصف أولاً مهمات الجبهة الداخلية.
    نقصد بالجبهة الداخلية منطقة واقعة ولو جزئياً تحت إشراف قوى التحرر، ومؤاتية للغوار. أما عندما ينتشر قتال الغوار في أرض مجافية له، فلا يتوطد تنظيم الغوار فيها عمقاً، بل اتساعاً، لأنه يصيب نقاطاً متزايدة العدد، ولكنه لا يستطيع تحقيق تنظيم داخلي، لأن العدو متوغل في المنطقة. ويمكن في الجبهة الداخلية توفر سلسلة من المنظمات التي تؤدي وظائف نوعية لتحسين عمل الإدارة. تعود الدعاية، بصورة عامة، مباشرة إلى الجيش، غير أنه يمكن فصلها مع بقائها تحت إشرافه (وهذه المسألة، بأية حال، هامة إلى حد يجعلني أعالجها على حدة فيما بعد). وتعود جباية الضرائب إلى المنظمة المدنية، ومثلها تنظيم الفلاحين بصورة عامة (والعمال إن وجدوا)، وينبغي أن يخضع هذان الأمران إلى إشراف محكمة.
    وكما أوضحنا في الفصل السابق، يمكن تحقيق الجباية بأشكال شتى، من ضرائب مباشرة وغير مباشرة وهِبَات ومصادرات. يؤلف كل ذلك جزءاً من الفصل الهام المتعلق بتموين جيش الغوار.
    ينبغي الانتباه بشدة كي لا يؤدي عمل الجيش الثائر إلى إملاق[57] المنطقة، وإن كان عمله مسؤولاً عن ذلك بصورة غير مباشرة بسبب حصار العدو. إنها حجة تستخدمها دعاية العدو باستمرار. فينبغي لهذا السبب بالضبط، عدم إثارة أي سبب مباشر للنزاع. فيجب مثلاً أن لا يكون هناك أي نظام يمنع مالك محصول في المنطقة المحررة من بيع محصوله خارج هذه المنطقة، إلاَّ في حالات قصوى وبصورة مؤقتة، مع شرح الأسباب بوضوح للفلاحين. وخلال كل عمل يقوم به الجيش الثائر، ينبغي أن يشرح قسم الدعاية دائماً أسباب هذا العمل، وسوف يفهمه الفلاح بعامة فهماً تاماً، فقد صار هذا الجيش جيشه، طالما أن له فيه إبناً أو أخاً أو قريباً. ونظراً لأهمية العلاقات مع الفلاحين يجب إنشاء هيئات تسيِّر هذه العلاقات في مجرى محدد وتنظّمها. تقوم هذه الهيئات في المناطق المحررة، ولكنها تنشىء علاقات بالمناطق المجاورة أيضاً. وتستطيع هذه الهيئات، عن طريق المناطق المجاورة بالتحديد، أن تتوغل شيئاً فشيئاً فتسمح بذلك بتوسيع جبهة الغوار. يذيع الفلاحون الدعاية الشفهية والمكتوبة، ويحكون كيف يعيش الناس في المنطقة الأخرى، والقوانين التي أُبرِمَت فيها لحماية صغار الفلاحين، وروح الفِداء لدى الجيش الثائر، فيخلقون بذلك الجو الملائم لدعم هذا الجيش.
    يجب أن تكون لمنظمات الفلاحين أيضاً تفرعات تسمح للجيش الثائر، عندما يرغب في ذلك، أن ينقل بعض المنتجات لبيعها في أرض العدو، عن طريق سلسلة من الوسطاء الذين يعملون مجاناً إلى حد متفاوت. ذلك أن التاجر، إذا كان تعلقه بالقضية يدفعه إلى معاناة بعض المخاطر، فإن ثمة تعلقاً بالمال أيضاً يدفعه إلى الإفادة من المخاطر عينها لجني الربح.
    أشرنا عندما تكلمنا عن التموين إلى أهمية مصلحة إنشاء الطرق. فعندما تبلغ الغوارة درجة معينة من التطور، تنشىء مآرز ثابتة إلى حد ما، ولا تعود تتيه بلا موئل في مناطق مختلفة. يجب عندئذ إنشاء سلسلة من الدروب التي تتفاوت بين درب البغَّالة والطريق المعبَّدة. ينبغي النظر طبعاً في كفاءة الجيش الثائر للتنظيم، وفي قابلية العدو الهجومية، لأنه يستطيع تدمير طرق المواصلات هذه، كما يستطيع استخدام الدروب التي أنشأها المغاوير، لبلوغ معسكراتهم بسهولة. يجب اعتماد مبدأ جوهري هو أن الدروب معدة لتسهيل تموين المواضع التي ليس لها حل آخر، وأنه لا يجوز إنشاؤها إلاَّ إذا تم التأكد تقريباً من إمكان الصمود في الموضع أمام هجوم عنيف من جانب العدو. ويمكن القبول باستثناء من أجل الدروب التي تيسِّر الاتصال بين نقطتين ولكنها ليست حيوية فلا يؤلف إنشاؤها خطراً.
    بَيْدَ أن ثمة وسائل مواصلات أخرى، كالهاتف مثلاً، الذي يمكن إقامته في الجبل بسهولة أكبر بقدر ما يمكن اتخاذ الأشجار أعمدة له، وهذا ما يستحيل على مراقبة العدو الجوية أن تميزه. ولكنه واضح أن ذلك لا يجوز إلاَّ في منطقة ليس للعدو إليها سبيل.
    المحكمة هي الهيئة المركزية للعدالة والإدارة والقوانين الثورية، ولا غنى عنها لجيش غوار تم بناؤه في أرض محررة. يجب أن يتبوأ مسؤولية المحكمة شخص مطلع على قوانين البلد، والأفضل منه شخص يعرف الضرورات القانونية في المنطقة ويستطيع وضع سلسلة من المراسيم والأنظمة تساعد الفلاح على نَظْم الحياة وإقامة مؤسساتها داخل المنطقة الثائرة.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:26 pm

    لقد وضعنا، إبان حرب غوارنا الكوبية، قانون عقوبات، وقانوناً مدنياً، ونظاماً للإصلاح الزراعي، ونظاماً لتموين الفلاح، وفي ما بعد قانون الإصلاح الزراعي في سييرا ماسترا. كما تتولى المحكمة، بالإضافة لما سبق، كل محاسبة الجماعات المسلحة المختلفة، وتشرف على مشاكلها المالية كافة، فتتدخل مباشرة أحياناً حتى في مسائل تموينها.
    لنلاحظ أن كل هذه التوصيات الأسياسية ليست جامدة. إنها نتاج تجربة محددة جغرافياً وتاريخياً، ويمكن تعديلها وفق الُمعْطَيَات الواقعية لبيئة أخرى.
    وينبغي من جهة أخرى بذل أكبر عناية بصحة سكان المنطقة. تقدم المشافي العسكرية المركزية العناية لكل فلاح على أتم وجه ممكن. ويتعلق ذلك أيضاً بالمرحلة التي بلغتها القوى الثورية.
    تتعلق المشافي المدنية وصحة السكان المدنيين، بالجيش الثائر اللذي يضطلع بمهمة مزدوجة هي إسداء المعالجة للشعب وتثقيفه في ما يخص تحسين صحته. إن الجهل التام بأكثر أمور الصحة بداهة هو ما يجعل المسائل الصحية صعبة الحل لدى السكان، وهو ما يشدد الخطورة في وضع بائس أصلاً.
    وعندما تتحضر الغوارة، عليها أن تنشىء المخازن، بأحسن إدارة ممكنة، لتؤمن حداً أدنى من الرقابة على البضائع، وبخاصة، لتتيح مراقبتها لكي توزع توزيعاً عادلاً.
    تختلف المهمات في الجبهة الخارجية طبيعة واتساعاً. ينبغي أن تكون الدعاية، مثلاً، قومية وتعليمية في آن. يجب أن تشرح المظافر التي حققها رفاق الغوار، وتدعو العمال والفلاحين إلى خوض نضالات جماهيرية فعلية، وتقدم المعلومات عندما يمكن ذلك، حول الأظفار التي تم إحرازها في هذه الجبهة. يجب جباية الأموال بصورة سرية تماماً، ومع أعظم الاحتراز، وإقامة الفواصل في الخط الواصل بين الجابي الأول وبين خزينة المنظمة. ويجب تقسيم هذه المنطقة إلى مناطق تتكامل لتشكل كلاً واحداً. ويمكن أن تكون هذه المناطق مقاطعات، أو مدناً أو قرى، بحسب اتساع الحركة. ويجب أن توجد لجنة مالية في كل من هذه المناطق لتوجيه استخدام الواردات. وعندما يصبح نُهوج النضال متقدماً بما فيه الكفاية، يمكن جباية الضرائب، وسوف يدفعها حتى الصناعيون، إزاء القوة التي يؤلفها الجيش الثائر. يتم تنظيم التموين وفق حاجات الغوارات، بخطوط تموين متعددة، بحيث يستطاع توفير البضائع الشائعة من الجوار، بينما تجلب البضائع النادرة من المراكز الكبرى. يجب الاجتهاد في اختصار خط التموين إلى الحد الأقصى، وأن يعرفه أقل عدد ممكن من الناس، ففي ذلك ضمان لديمومته.
    يتم تنظيم أعمال التخريب من قبل المنظمة المدنية الخارجية، وتنسق مع القيادة المركزية. تفرض بعض الظروف الخاصة ضرورة اللجوء إلى الإعدام الفردي، ويحسن تحليل هذه الظروف. غير أننا نعتبره سلبياً على وجه العموم، إلاَّ إذا أزال شخصاً اشتهر بجرائمه ضد الشعب وبنجاعته في القمع. وقد بيَّنت تجربتنا في النضال الكوبي أنه كان بالإمكان توفير أرواح رفاق ذوي قيمة غالية، وقد ضُحِّي بهم لإنجاز مهمات ثانوية، وقد أتْبَع العدو بهم، على سبيل الانتقام، رفاقاً آخرين كانت خسارتهم غير متناسبة مع النتيجة الحاصلة. لا يجوز استخدام الاغتيال والإرهاب الأعمى. يفضل القيام بعمل جماهيري، وتلقين المثل الأعلى الثوري، وإنضاجه، حتى تستطيع هذه الجماهير، يدعمها الجيش الثائر، أن تتعبأ في الوقت اللازم فترجح كفة الثورة.
    ويجب لهذه الغاية عدم إهمال منظمات العمال والفلاحين الثورية، فهي تنشر المثل الأعلى الثوري في صفوفها، وتُقرىء منشورات الثورة وتنشرها، وتعلِّم الحقيقة، إذ ينبغي أن تكون الحقيقة أحد موائز الدعاية الثورية. يتم الفوز بالجماهير على هذا النحو شيئاً فشيئاً، ويمكن اصطفاء الذين يؤدون أحسن عمل لتجنيدهم في الجيش الثائر أو تسليمهم مسؤولية هامة.
    هذا هو مخطط التنظيم المدني، داخل وخارج الأرض التي يشرف عليها الغوار في لحظة معينة من النضال الشعبي. ويمكن استكمال هذه العناصر إلى الحد الأقصى، لأني أكرر، أن هذه ليست إلاَّ تجربتنا الكوبية التي أعبر عنها ههنا. ويمكن أن تأتي تجارب جديدة فتغير من هذه الطرائق وتحسنها. فنحن نقدم مخططاً، لا توراة.







    3 – دور المرأة
    تستطيع المرأة أن تقوم، إبان تطور النهوج الثوري، بدور خارق الأهمية. ويحسن التذكير بذلك، لأنه يوجد في كل بلداننا ذات الذهنية الاستعمارية استصغار واضح لشأن المرأة، يصل حتى التمييز الحقيقي.
    تستطيع المرأة أن تؤدي أصعب الأعمال وأن تقاتل إلى جانب الرجال، ولا تخلق في فرقة الجنود، كما يزعمون، نزاعاً من النمط الجنسي.
    والمرأة رفيقة، تأتي في حياة القتال الشاقة بالصفات الخاصة بجنسها، ولكنها مثل الرجل تستطيع العمل والقتال. إنها أضعف ولكنها ليست أقل احتمالاً وتستطيع النجاح مثل الرجل بإنجاز طائفة من المهمات القتالية. وقد شغلت المرأة في كوبا دوراً في المقام الأول في أوقات مختلفة من النضال.
    النساء المقاتلات هن الأقل عدداً بطبيعة الحال. وعندما يتم إنشاء جبهة داخلية متينة ونسعى قدر الإمكان إلى استبعاد المقاتلين الذين لا تتوفر فيهم الصفات الجسمية الضرورية، يمكن توجيه المرأة إلى عدد كبير من المهمات. ومن أهمها عمل الارتباط بين القوى المقاتلة المختلفة، ولا سيما في منطقة العدو. ينبغي تسليم نقل الرسائل أو المال، والأشياء ذات الحجم الصغير والأهمية الكبرى، إلى النساء المتمتعات بثقة مطلقة. أنهن يستطعن نقلها باستعمال ألف حيلة. وإذا كان القمع وحشياً، فإن معاملة المرأة تكون على العموم أقل قسوة من معاملة الرجل وتستطيع بذلك أن تنجح أكثر منه.

    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:27 pm

    تتمتع المرأة التي تؤدي وظيفة عامل ارتباط بحرية أعظم بكثير من الرجل لإنجاز مهمتها. إنها أقل مجلبة للأنظار، وأقل إيحاء بالخطر لجندي العدو. علماً بأن خشية الخطر هذه هي التي كثيراً ما تحدو بجندي العدو أن يرتكب أعماله الوحشية خوفاً من المجهول. ويمكن للنساء أن ينقلن الرسائل بين الوحدات المنعزلة، والرسائل الموجهة إلى خارج الخطوط، وحتى إلى خارج الوطن، والأشياء ذات الحجم الصغير نوعاً ما كالرصاص مثلاً، كل ذلك في أحزمة خاصة تختفي تحت التنورة.
    وتستطيع المرأة إبان هذه الفترة، أن تؤدي مهماتها المعتادة، كما في حالة السلم. وكم يكون الجندي سعيداً، وهو يعاني ظروف حرب الغوار القاسية جداً، أن يتمكن من الاعتداد بغذاء لذيذ، ذي طعم واضح (إن إحدى ضرورات الحرب المزعجة هي ازدراد طبيخ بشع لزج بارد، عديم الطعم). تستطيع طاهية أن تجوِّد الطعام بشكل محسوس ويسهل إبقاؤها في وظيفتها، لأن إحدى المسائل التي ينبغي مواجهتها هي أن الرجال لا يكترثون بالأعمال المدنية كلها ويحاولون دائماً أن يتخلوا عنها للانضمام إلى القوى المقاتلة فعلاً.
    ومن أهم مهمات المرأة تعليم القراءة والسياسة لفلاحي المنطقة وللجنود الثوريين أنفسهم. ويجب أن يرتكز تسيير المدارس، وهو جزء من التنظيم المدني، بصورة أساسية على النساء اللواتي يستطعن إيحاء مزيد من الحماس للأولاد ومزيد من العطف للسكان.
    وعندما تكون الجبهات قد استقرت وأضحت المؤخرة أمينة، تستطيع المرأة أن تمارس وظيفة الإسعاف الاجتماعي، فتحاول تلطيف الأرزاء الاقتصادية والاجتماعية قدر الإمكان في المنطقة.
    تضطلع المرأة في الميدان الصحي بدور هام كممرضة، وأحياناً كطبيبة، تؤديه بلطف فائق لا يدانيها فيه رفيق السلاح الخشن. يقدّر هذا اللطف كثيراً في اللحظات التي يقف فيها الإنسان تجاه نفسه مُعْوزاً، محروماً من الرفاه، يعاني آلاماً قد تكون شديدة، ومعرضاً للمخاطر الكثيرة الخاصة بحرب الغوار.
    وإذا ما تم بلوغ مرحلة إنشاء الصناعات الصغيرة، تستطيع المرأة هنا أيضاً أن تدلي بدلوها، ولا سيما لصنع الملابس، وهو دور تقليدي للنساء في بلدان أمريكا اللاتينية. وتستطيع إتيان العجب بآلة خياطة بسيطة وبعض النماذج. هذا وتستطيع المرأة أن تقوم مقام الرجل على أكمل وجه، وإنها لفاعلة، في سائر قطاعات التتنظيم المدني، وكذلك في حال الافتقار إلى من يحمل السلاح (وإن كانت هذه الحالة شديدة الندرة في حرب الغوار). يجب إسداء التهيئة الملائمة للرجال والنساء لاجتناب كل نوع من التجاوزات التي قد تُفْسِد أخلاق التشكيلة. غير أنه يجب السماح للأشخاص الذين يتحابون وهم غير متزوجين، وبعد أداء الشكليات البسيطة التي يقتضيها قانون الغوار، أن يعقدوا قرانهم في السييرا ويعيشوا الحياة الزوجية.





    4 – الصحة
    إن إحدى المسائل الخطيرة التي تواجه الغوارة هي افتقارها إلى ما تدفع به كل الطوارىء التي تنشأ إبان وجودها، ولا سيما الجراح والأمراض، وما أكثرها في حرب الغوار. يؤدي الطبيب وظيفة بالغة الأهمية، فهو لا ينقذ الأرواح وحسب (كثيراً ما لا تكون وظيفته العملية ههنا ذات بال، نظراً لضآلة العتاد الذي يتوفر له عامة)، بل يضطلع أيضاً باستنهاض معنويات المريض، ويشعره أن بجانبه من يعنى بتخفيف آلامه والسهر عليه حتى زوال الخطر.
    يتعلق تنظيم المشافي بالمرحلة التي بلغها الغوار، ويمكن تعداد ثلاثة أنماط أساسية من مؤسسات الإشفاء، يوافق كل منها إحدى المراحل.
    لدينا في ترتيب التطور التاريخي مرحلة بداوة أولى، حيث يتنقل الطبيب، إن وجد، مع رفاقه باستمرار. إنه رجل في عدادهم، يؤدي كافة وظائف المغاور الأخرى، بما فيها وظيفة المقاتل. ويضطلع بمهمة مضنية ومقنطة أحياناً، إذ يعالج حالات يفتقر فيها إلى الدواء الذي يسمح له بانقاذ حياة بشرية. إنها المرحلة التي يتمتع فيها الطبيب بأعظم التأثير على الفرقة، وأعظم الأهمية بالنسبة لمعنوياتها. إنه يؤدي في هذه المرحلة مِهانته أداءً كاملاً، ويحمل في حقيبته المعوزة كل العون الذي يمكن أن يقدمه للناس. فإن قرص الأسبيرين البسيط يستحوذ الأهمية لدى الإنسان المتألم، إذا ما قدمته يد الصديق الذي يتحسس آلام الرجل ويشاطره إياها. يجب أن يندمج الطبيب تماماً بالمثل العليا للثورة، في هذه المرحلة الأولى، لأن كلامه سوف ينفذ أعمق من أي فرد سواه في الفرقة.
    يمكن وصف المرحلة التالية بمرحلة نصف بدوية. إنها مرحلة المعسكرات التي تعرِّج الغوارة عليها، والبيوت الصديقة، الامينة تماماً، التي يمكن ترك العتاد فيها، وحتى الرفاق. فقد أخذت الفرقة تنحو منحى التحضر. إن مهمة الطبيب في هذه المرحلة أقل مشقة. ويمكنه أن يحوز في حقيبته تجهيزاً جراحياً للمعالجة الضرورية الأولى، وأن تتوفر له حقيبة أخرى، أهم شأناً، تودع في بيت صديق، للعمليات الأقل إلحاحاً. ويمكن ترك المرضى والجرحى ليعنى بهم الفلاحون الذين يسهرون عليهم برعاية، كما يمكن تخزين مزيد من الأدوية المصنفة تصنيفاً جيداً، في حرز أمين. ويمكن في هذه المرحلة نصف البدوية، وفي المناطق التي تثبت منعتها، إقامة مشافي في بعض البيوت، ليترك فيها المرضى والجرحى.
    لا يمكن بناء تنظيم مشفوي حقيقي إلاَّ في المرحلة الثالثة، عندما تحرز الغوارة أخيراً مناطق لا يستطيع العدو الدخول إليها. وفي المرحلة الأكثر تقدماً، يمكن اعتماد ثلاث فئات من المراكز، حسب الإمكانات المتوفرة. الفئة الأولى على مستوى خط القتال، تتألف من الطبيب الذي هو مقاتل أيضاً، وهو أحب الرجال إلى الفرقة، ولا يحتاج أن تكون معلوماته عميقة جداً. إني أؤكد هذه النقطة لأن عمل الطبيب في هذه اللحظات هو قبل كل شيء عمل ترويح وتهيئة نفسية للمريض أو الجريح. أما العمل الطبي الحقيقي، فيتم في المشافي القائمة في المؤخرة. لا يجوز التضحية بجرَّاح كُفء في خطوط النار.
    عندما يسقط رجل في الخط الأمامي، يحمله النقَّالون – إن وجدوا – إلى أول مركز. وإلاَّ، فيتولى رفاقه ذلك بأنفسهم. ينطوي نقل الجرحى في المنطقة الجبلية على مداراة بالغة الدقة. وربما كان نقل الجريح أصعب بسبب آلامه أكثر مما هو بسبب الجرح ذاته مهما كان بليغاً. ويمكن إجراء النقل بطرق مختلفة، تبعاً لأوصاف الأرض. لا يمكن السير إلاَّ رتلاً أحادياً في الأراضي الوعرة الشَجِرة، التي هي المثلى لحرب الغوار، وأفضل نقالة تكون شبكة نوم معلقة بعصا طويلة.
    وينبغي أن يتناوب الرجال كثيراً، لأن أكتافهم سوف تؤلمهم ألماً عظيماً وسرعان ما يملُّون حمل ثقل كبير وبالغ الرقة. وعندما يجتاز الجريح هذا المأزق الأول، يصل وإضبارته إلى مركز يوجد فيه جرَّاحون وأخصائيون (تبعاً لإمكانات الفرقة طبعاً) يؤمنون كل العمليات الهامة.
    أمَّا الفئة الثالثة، فهي المشافي المقامة مع أجود وسائل الترفيه الممكنة، للبحث في أسباب الأمراض التي يمكن أن تصيب سكان المنطقة وفي آثارها. توافق هذه المشافي حياة تامة التحضر وهي ليست مراكز عمليات ونقاهة وحسب، لكنها أيضاً منشآت متصلة بالسكان المدنيين، يقوم فيها خبراء صحيون بدورهم التوجيهي. كما ينبغي إنشاء مستوصفات تقوم بالرقابة الطبية على كل فرد. ويمكن بحسب إمكانات تموين المنظمة المدنية، أن تتوفر لمشافي الفئة الثالثة هذه تجهيزات تتيح لها التشخيص المخبري والشعاعي.
    المعاونون الطبيون مفيدون جداً، إلى جانب الطبيب. إنهم فتيان في أغلب الأحيان، وهم أصحاب رسالة إلى حد ما، وتتوفر لديهم بعض المعلومات، وقوة جسمية كافية، لكنهم غير مسلحين، إما بسبب عقيدتهم الشخصية، أو – وهذا هو الأغلب – لأن السلاح غير كاف للجميع. يتولى هؤلاء المعاونون مسؤولية الأدوية والنقَّالات والشبكات بمجموعها، وعليهم أن يعنوا بالجرحى في كل قتال.
    إن عمال الارتباط المتصلون بمنظمات الصحة الموجودة في مؤخرة خطوط العدو، هم الذين يؤمَّنون الأدوية اللازمة، حتى لو أمكن الحصول عليها أحياناً بوسائل أخرى بواسطة الصليب الأحمر الدولي. بَيْدَ أنه لا يجوز التعويل على هذا الاحتمال الأخير، سيما في بدء النضال. لذا يجب تنظيم جملة قادرة على نقل الأدوية ذات الضرورة الملحة بسرعة، وعلى تلبية حاجات المشافي العسكرية والمدنية على السواء. كما ينبغي، بالإضافة، إقامة الصلات مع أطباء القصبات المجاورة، الخليقين باجراء إحدى العمليات، عندما تعوز طبيب الغوارة الوسائل أو الكفاءة لإجرائها بنفسه.
    يستلزم هذا النمط من الحرب فئات مختلفة من الأطباء: الطبيب المقاتل، رفيق الرجال، وهو نموذج طبيب المرحلة الأولى. وتتضاءل وظيفته بقدر ما يغدو عمل الغوارة أكثر تعقيداً وبقدر ما يمكن بناء سلسلة من الهيئات الملحقة بها، فيغدو الجرَّاحون العامون عندئذ أفضل المجنّدين في الجيش الثائر. والأمثل وجود اختصاصي في التخدير، حتى لو كانت العمليات تجرى اعتماداً على اللارغاكتيل أو البانتوتال الصودي، اللذين هما أسهل إعطاءً للمريض من المخدرات الغازية وأسهل توفيراً وحفظاً. وبالإضافة إلى الجراحين العامين، فإن المجبَّرين مفيدون جداً، لأن طبيعة الأرض الجبلية تسبب كسوراً كثيرة. كما ينبغي للطبيب أن يعالج جماهير الفلاحين أيضاً، إذ أن أمراض جيوش المغاوير هي، بعامة، سهلة التشخيص، أما الأمراض الناجمة عن سوء التغذية، فهي أصعب علاجاً بكثير.
    ويمكن في مرحلة أكثر تقدماً بكثير، أن يتاح استخدام المخَبريين، إذا ما توفرت مشاف جيدة، بغية القيام بعمل أكثر كمالاً. ينبغي استدعاء قطاعات الاختصاص كافة عند الحاجة إليها، وكثيراً ما تُلبى هذه الدعوة. ويجب استدعاء أطباء الأسنان، ويوضح لهم أن عليهم الالتحاق مزودين بأجهزة ميدان بسيطة.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:30 pm


    5 – التخريب
    التخريب سلاح لا يُقَّدر ثمنه لدى الشعوب التي تخوض حرب الغوار. يتعلق تنظيمه مباشرة بالمنظمة المدنية السرية، إذ أن التخريبات لا تتم إلاَّ خارج المناطق التي يشرف عليها الجيش الثوري. غير أنه ينبغي وضع هذه المنظمة مباشرة تحت إمرة أركان حرب الغوار، وهي المخوَّلة تحديد الصناعات والمواصلات والأهداف التي يفضل إصابتها.
    لا يمت التخريب بصلة إلى الإرهاب. فالإرهاب والاغتيال الفردي طرق تختلف عن التخريب اختلافاً مطلقاً. نحن على يقين صادق من أن الإرهاب سلاح سلبي لا يعطي الآثار المرغوبة أبداً وإطلاقاً. ويمكن أن يبعد الشعب عن حركة ثورية، في حين يتسبب لدى ممارسيه بخسائر بشرية لا تتناسب مع النتائج الحاصلة. غير أنه يمكن اللجوء، بالمقابل، إلى اغتيالات فردية، ولكن في بضع حالات خاصة جداً، مثلاً لإزالة أحد رؤساء القمع. ولكنه لا يجوز في أية حال استخدام عتاد بشري متخصص لإزالة قاتل صغير يمكن أن يتسبب موته في القضاء على كل العناصر الثوريين الذين اشتركوا في مقتله، بالإضافة إلى ضحايا الانتقام اللاحق.
    ثمة نمطان ضروريان من التخريب: التخريب على النطاق الوطني، ضد أهداف معينة، والتخريب على مقربة من خطوط القتال. يجب أن يستهدف التخريب على النطاق الوطني بصورة أساسية تدمير المواصلات. يمكن تدمير كل نوع من المواصلات بطريقة مختلفة، بيد أنها عرضة للإصابة كلها. يسهل تدمير أعمدة البرق والهاتف بنشرها حتى ما قبل آخرها، بحيث أنها تظهر ليلاً بمظهر سليم، ثم يسقط أحدها فجأة، فيجرّ سائرها في سقوطه، مسبباً تعطيلاً واسعاً.
    كما يمكن تخريب الجسور بنسفها بالديناميت. وإذا لم يتوفر الديناميت، يمكن تدمير الجسور الحديدية بحِمْلاج اكسجيني ايدروجيني. يجب قطع الجائز الرئيسي والجائز الأعلى اللذين يحملان الجسر الحديدي. ومتى تمَّ قطع هذين الجائزين بالحملاج، يعمل مثل ذلك من الطرف الآخر أيضاً. هكذا ينقلب الجسر على جنبه، فيلتوي ثم يهوي. إنها أنجع وسيلة لتدمير جسر فلزي بلا ديناميت. يجب تدمير السكك الحديدية والطرقات أيضاً، وكذلك الكهاريز. ويمكن أحياناً بث الألغام في القطارات. يتعلق ذلك دائماً بقوة الغوارة.
    كذلك يسمح عتاد ملائم بتدمير الصناعات الحيوية في كل منطقة عندما تأزف الساعة. ينبغي أن تؤلف مسألة التخريب موضوع خطة شاملة، فلا يجوز تدمير مجال عمل إلاَّ في اللحظة الحاسمة، لأن تدميراً كهذا يستتبع نزوحاً جماهيرياً بين العمال ويؤدي للمجاعة. يجب القضاء على الصناعات التي تخص شخصيات العهد، وبذل الجهد لإقناع العمال بضرورة ذلك، إلاّ إذا أدى القضاء عليها إلى عواقب اجتماعية فائقة الخطورة.
    إننا نلح على أهمية تخريب طرق المواصلات. إن المواصلة السريعة هي السلاح الأكبر لدى جيش العدو ضد الثائرين، في الأرض غير الوعرة. لذا يتوجب علينا أن نحاول تدمير هذا السلاح باستمرار بنسف جسور السكك الحديدية والكهاريز والأعمدة الكهربائية والهواتف وحتى أنابيب المياه، وبكلمة، تدمير كل ما لا يستغنى عنه في الحياة الحديثة.
    التخريب ضروري أيضاً قرب خطوط القتال، على النحو ذاته، لكن بإقدام وتفان وتواتر أعظم بكثير. يمكن التعويل في هذه الحالة على عون فائق القيمة، هو الذي تقدمه الدوريات الجوَّالة التابعة للغوارة، والتي يمكنها هبوط المناطق المعنية ومساعدة أعضاء المنظمة المدنية في أداء مهمتهم. وهنا أيضاً يستهدف التخريب المواصلات قبل كل شيء. ينبغي تصفية كافة المعامل ومراكز الإنتاج القمينة بتزويد العدو بما يلزمه لمتابعة هجومه على القوى الشعبية.
    يجب الاستيلاء على مخزونات العدو، وقَطْع تموينه، وإذا لزم الأمر، يجب إخافة مُلاَّك الأراضي الذين يودون بيعه منتجات زراعتهم وحيواناتهم، وإحراق السيارات التي تتجول على الطرق واستخدامها لسد الطرق. ولدى كل عمل تخريبي، وفي نقاط معينة، على بعد كبير أو صغير من موضع إجراء العمل، يجب إحداث مناوشات متكررة مع العدو، باستخدام طريقة الضرب والهروب على الدوام. لا ضرورة لإبداء مقاومة كبيرة. يكفي مجرد إراءة العدو أنه حيثما يحصل تخريب، ثمة قوى غوارية على أهبة القتال، لإجباره بذلك على ألاَّ يتنقل إلاَّ متألباً محترزاً.
    وهكذا يتم إنزال الشلل شيئاً فشيئاً بكل المدن القريبة من مناطق نشاط الغوار.





    6 – الصناعة الحربية
    إن الصناعة الحربية، في منظور حرب الغوار، هي نتاج تطور طويل نوعاً ما، وهي تثبت أن الغوار قائم في وضع جغرافي مؤات. لقد قلنا سابقاً إنه عندما تكون ثمة مناطق محررة ويكون العدو قد بسط حصاراً شاملاً على التموين، ينبغي تنظيم صناعات مختلفة لا غنى عنها. ومن بين هذه الصناعات، ثمة اثنتان أساسيتان هما الحِذاوة[58] والسِراجة: لا تستطيع فرقة أن تسير بلا أحذية، في المناطق الشَجِرة الوعرة، المفروشة حجارة وشوكاً. يصعب جداً أن يتنقل المرء في هذه الظروف، ولا يطيق ذلك إلاَّ أبناء المحلة، وليس جميعهم. أما الآخرون، فيجب أن ينتعلوا. تنقسم هذه الصناعة إلى فرعين: صناعة الأحذية الجديدة، وتسكيف وإصلاح الأحذية المعطوبة. يستلزم إنشاء هذه الصناعة الحرفية تجهيزاً كاملاً لشغل الجلود. وتلحق بها السِراجة لصنع كل اللوازم الشائعة كجعب الفشك وحقائب الظهر، ويمكن صنعها من الكتان أو الجلد، وهي وإن كانت غير أساسية، إنما تساعد على راحة الفرقة وتعطيها انطباع الاكتفاء الذاتي.
    إن السِلاحة[59] هي صناعة أساسية أخرى. ووظائفها متباينة، من مجرد إصلاح القطع المعطوبة لكافة البنادق والأسلحة الأخرى، إلى صناعة بعض أنماط أسلحة القتال التي يبدعها روح الاختراع الشعبي، إلى صنع الألغام ذات الآليات المختلفة. وإذا ما أتاحت الظروف، تستكمل بورشة مكلفة بصناعة الباردو. فإذا أمكن صنع المتفجر ذاته في المنطقة المحررة، إضافة إلى الصاعق، أمكن التوصل إلى منجزات عظيمة في هذا الصدد ذي الأهمية البالغة، إذ أن استخداماً حكيماً للألغام يسمح بشل الطرقات شلاً كاملاً.
    هناك صف آخر من الصناعات الهامة، هي الحِدادة والصِفاحة. يجري في الحدادة إنعال المحترمل، كما يمكن أن تصنع فيها النعال ذاتها. أما في صناعة الحاجات من الصفيح، فتجري أعمال صنع الأطباق، وخاصة الصفائح. ويمكن أن يلحق بها قسم للسِباكة. فإذا تم صهر الفلزَّات الطرية، أمكن إنشاء معمل لرمَّانات اليد، يسهم بشكل رئيسي في تسليح الفرقة. كما ينبغي وجود ورشة مِهانية مختصة بالإصلاحات والإنشاءات عامة، تتولى وظائف مختلفة ومحددة تماماً، وهي ما تسمى في الثكنات "بطارية الخدمة"، غير أنها تكون هنا خالصة من روح المداونة[60]، ومكلفة بتلبية كل الحاجات على نحو فعلي.
    كما ينبغي وجود مسؤول عن المواصلات. لا يكون مسؤولاً فقط عن الدعاية اللاسلكية الموجهة إلى الخارج، بل مسؤولاً أيضاً عن الهواتف والطرقات، وينبغي أن يعمل مترابطاً مع المنظمة المدنية. لا ننسَ أننا محتربون، ويمكن أن يقع علينا هجوم، وأنه كثيراً ما يتوقف حفظ أرواح كثيرة على مخابرة أُرْسِلَت في حينها.
    ويَحْسُن، مرضاة للفرقة، أن توجد صناعة للسيكار أو للفائف. تُبْتَاع لهذه الغاية أوراق التبغ وتنقل إلى المنطقة المحررة حيث تحول إلى مادة صالحة للاستهلاك. الدِباغة صناعة أخرى عظيمة الشأن. هذه الصناعات كلها منشآت بسيطة يمكن تحقيقها تماماً في أي مكان مع التكيف بظروف الغوار. تستلزم الدباغة بعض الأبنية الإسمنتية الصغيرة، وهي تتطلب خاصة، كثيراً من الملح. غير أنها تسمح لصناعة الأحذية أن تتوفر لها مادتها الأولية محلياً وفي ذلك الأمر إفادة عظيمة. يجب استحضار الملح محلياً وتركيز كميات كبيرة منه، ويجب بلوغ أمكنة فيها تركيز ملحي كبير لهذه الغاية، وجعل الماء يستبخر. البحر هو بوضوح خير مصدر للملح، لكن ثمة مصادر أخرى. ولا حاجة لتخليص الملح من كل الأملاح المرافقة له، فيمكن استهلاكه على حاله، وإن كان طعمه ليس سائغاً جداً لدى الوهلة الأولى.
    يجب حفظ اللحم مملحاً، وهذا ما يُسهَّل عمله ويُمكَِّن من إنقاذ أرواح كثيرة في حالات الشدة القصوى. يُمكن حفظ اللحم مدة طويلة نوعاً ما في براميل تُملأ ملحاً، ويُمكن استعماله على هذا الشكل مهما كانت الظروف.
    جبهاوي
    جبهاوي
    مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية


    ذكر الحمل جنسيتك : اردنية
    اعلام الدول : كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Jordan_a-01
    نقاط : 214
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

    كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا Empty رد: كتاب حرب العصابات- تشي جيفارا

    مُساهمة من طرف جبهاوي الإثنين 01 يونيو 2009, 12:32 pm

    7 – الدعاية
    يجب القيام ببث الأفكار الثورية بالوسائل الملائمة وعلى أعمق نحو ممكن ويتطلب ذلك إسهام فريق كامل من المتعاملين، وإسهام منظمة تعضدهم.
    وينبغي أن تتألف هذه المنظمة من قسمين متكاملين، يغطيان نطاق الوطن كله. يجب أن تتم الدعاية من الخارج، أي ضمن المنظمة المدنية الوطنية، ومن الداخل، أي في وسط الغوار. ويجب ألاَّ توجد سوى هيئة إدارية واحدة لهما، بغية تنسيق هذين العملين الدعائيين المتلازمين تلازماً وثيقاً.
    يجب أن تتم الدعاية في النطاق الوطني الصادرة عن المنظمات المدنية الموجودة خارج الأرض المحررة، عن طريق الصحف والنشرات والإعلانات. تُعنى أهم الصحف بمسائل البلد العامة، وتخبر الجمهور بوضع قوى الغوار المضبوط، ولا تغفل لحظة المبدأ الأساسي القائل إن الحقيقة، في المدى البعيد، لا بد أن تؤتي الخير للشعوب. وإلى جانب هذه المنشورات ذات الطابع العام، توجه منشورات سواها، أكثر تخصصاً، إلى قطاعات السكان المختلفة. فعلى المنشورات الموجهة للفلاحين أن تحمل إلى هذه الطبقة رسالة رفاقهم في الأرض المحررة، الذين لمسوا آثار الثورة المنعشة، فتنطق على هذا النحو بأماني الفلاحين. وتتميز الجريدة العمالية بذات الطابع، ولكنها قد لا تتضمن دائماً رسالة المقاتلين من هذه الطبقة، إذ يحتمل ألاَّ توجد قبل المرحلة الأخيرة، منظمات عمالية في نطاق حرب الغوار.
    يجب إيضاح الشعارات الكبرى للحركة الثورية مثل شعار الإضراب العام في الوقت المناسب، وشعار مساعدة القوى الثائرة، وشعار وحدة الصف... إلخ. ويمكن أن تشرح صحف كفاحية أخرى مثلاً مهمة سائر العناصر في البلد الذين لا يقاتلون في الغوار، ولكنهم يعنون بشتى أعمال التخريب والغيلة. ويمكن في داخل المنظمة، إصدار صحف موجهة إلى جنود العدو، تشرح لهم وقائع يجهلونها. هذا وتكون النشرات والإعلانات المتعلقة بحياة الحركة مفيدة جداً.
    إن أنجع دعاية هي التي تعود إلى داخل منطقة الغوار، إذ تطال سكان المنطقة وتشرح لهم نظرية الانتفاض التي لا يعرفون منها غير وجهها العملي. ويتضمن هذا القسم، إلى جانب الإذاعة اللاسلكية، الصحيفة المركزية الناطقة باسم قوى الغوار كافة، كما يتضمن صحفاً فلاحية، ومنشورات وإعلانات.
    تشرح الإذاعة اللاسلكية كافة المسائل، ومنها مسائل درء الهجمات الجوية، ومكان وجود قوى العدو، وتذكر الأسماء المألوفة. وتوزع الدعاية ذات النطاق الوطني صحفٌ مماثلة تصف الوقائع والمعارك التي تثير اهتماماً عميقاً لدى القارىء، تضاف إليها معلومات أكثر جدِّية ودقة بكثير. أما الإعلام الدولي، فينحصر أو يكاد في التعليق على الوقائع المتصلة مباشرة بنضال التحرر.
    الدعاية الشفهية، باللاسلكي، تفوق كل شيء، فهي الدعاية الأكثر فعالية، التي تؤتي تأثيرها بأعظم قسط من الحرية في أرض الوطن قاطبة، وتطال عقل الشعب ومشاعره. إن للاسلكي أهمية حاسمة. ففي الوقت الذي يتلظى به سكان منطقة أو بلد على درجات مختلفة بحمَّى القتال، تأتي قوة الكلمة فتزيد الحمى ضراماً وتفرضها على المقاتلين الأعتاد جميعاً. إنها تشرح، وتعلِّم، وتحرِّض، وتحدد لدى الأصدقاء والأعداء مواقفهم المقبلة. ولكن الإذاعة ينبغي أن تخضع إلى المبدأ الأساسي في الدعاية الشعبية وهو الحقيقة. إن حقيقة صغيرة، ولو كان تأثيرها ضئيلاً، هي خير من أكذوبة كبيرة يكسوها ثوب دليص[61]. يجب أن تقدم الإذاعة على الأخص معلومات حية عن المعارك والاشتباكات من كل نوع، وعن الاغتيالات التي يرتكبها القمع. كما ينبغي إعطاء السكان المدنيين توجيهات فكرية، وتعاليم عملية، ومن وقت لآخر خطابات لقادة الثورة.
    نعتقد أنه مفيدة أن تحمل الصحيفة المركزية للحركة اسماً يرمز إلى العظمة ووحدة الصف، كاسم أحد أبطال البلد مثلاً. كما ينبغي أن تشرح دائماً في مقالات رئيسية أهداف الحركة المسلحة وأن تجعل الناس يدركون القضايا الوطنية الكبرى، في حين تبقى فيها طائفة من الأركان التي تحظى من القارىء باهتمام مباشر أكبر.


    8 – الإخبار والاستخبار
    "إعرف نفسك واعرف خصمك، تستطيع هكذا أن تخوض مئة معركة بلا هزيمة واحدة". تعادل هذه الحكمة الصينية بالنسبة للغوار، قيمة مزمور من التوارة. ليس للقوى المقاتلة من عون أثمن من الإخبار الصحيح. سوف يكون هذا الإخبار عفوياً، إذ يأتي سكان المنطقة إلى الجيش الصديق وإلى حلفائه، يروون لهم كل ما يحدث في كل مكان. غير أن هذا الإخبار يجب أن يكون منظماً تنظيماً كاملاً. ومثلما لا يستغنى عن البُرُد[62] والرسلاء داخل منطقة الغوار وخارجها لإقامة الاتصالات الضرورية ونقل البضائع، كذلك ينبغي أن تكون دائرة الاستخبار على تماس مباشر بجبهة العدو. ويجب أن يتسلل الرجال والنساء إلى هذه الجبهة، ولا سيما النساء، لكي يكونوا على تماس دائم بالجنود ويتحققوا من كل ما يمكن. كما ينبغي إقامة منهج من التعاون مع رجال العدو لكي يتم اجتياز الخطوط بلا صدام.
    فإذا ما تم تحقيق ذلك، وتوفر العملاء الأكفَّاء، أمكن أن ينام معسكر الثوار أنعم بالاً.
    كما قلتها آنفاً، سوف يكون الهدف الأساسي لمصلحة الاستخبار هو خط النار الأول بأجمعه، أو أولى معسكرات العدو المتاخمة للأرض السائبة. ويجب أن تتقدم هذه المصلحة بقدر ما يتقدم الغوار، وسوف يزداد دورها حتى يشمل توقع تحركات الوحدات الأوسع نطاقاً التي يمكن أن تحدث حتى في مؤخرة العدو. وحيثما تُشرف الغوارة أو تُغير، يكون السكان كافة عملاء إخبارها. غير أنه يَحْسُن توفر أُناس يختصون بمهمة الاستخبار، إذ لا يمكن الوثوق بكلام الفلاح الذي اعتاد أن يضخم كل شيء ولم يألف دقة اللغة العسكرية. وإذا تم الوصول إلى تخليق وتنظيم الأشكال العفوية التي يتخذها التعاون الشعبي، أمكن عندها جعل جهاز الاستخبار ليس أهم عون لنا وحسب، وهو شأنه أصلاً، بل عاملاً لهجومنا المعاكس أيضاً، بفضل "باذرات الرعب" مثلاً. فتستطيع أولئك النسوة أن تنشرن بين الجند معلومات تحطم معنوياتهم، وهنَّ، إذ يتظاهرن بالتواطؤ معهم، إنما يبذرن الرعب والقلق بين جنود العدو. ويمكن تنمية الجؤول، وهو مبدأنا الأساسي، إلى الحد الأقصى، فإذا ما عرفت المواضع التي يتأهب جيش العدو ليهاجم منها، يكون في غاية السهولة اجتنابها ومهاجمته بالمقابل من أبعد المواضع توقعاً لديه.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024, 12:12 am