5 – التخريب
التخريب سلاح لا يُقَّدر ثمنه لدى الشعوب التي تخوض حرب الغوار. يتعلق تنظيمه مباشرة بالمنظمة المدنية السرية، إذ أن التخريبات لا تتم إلاَّ خارج المناطق التي يشرف عليها الجيش الثوري. غير أنه ينبغي وضع هذه المنظمة مباشرة تحت إمرة أركان حرب الغوار، وهي المخوَّلة تحديد الصناعات والمواصلات والأهداف التي يفضل إصابتها.
لا يمت التخريب بصلة إلى الإرهاب. فالإرهاب والاغتيال الفردي طرق تختلف عن التخريب اختلافاً مطلقاً. نحن على يقين صادق من أن الإرهاب سلاح سلبي لا يعطي الآثار المرغوبة أبداً وإطلاقاً. ويمكن أن يبعد الشعب عن حركة ثورية، في حين يتسبب لدى ممارسيه بخسائر بشرية لا تتناسب مع النتائج الحاصلة. غير أنه يمكن اللجوء، بالمقابل، إلى اغتيالات فردية، ولكن في بضع حالات خاصة جداً، مثلاً لإزالة أحد رؤساء القمع. ولكنه لا يجوز في أية حال استخدام عتاد بشري متخصص لإزالة قاتل صغير يمكن أن يتسبب موته في القضاء على كل العناصر الثوريين الذين اشتركوا في مقتله، بالإضافة إلى ضحايا الانتقام اللاحق.
ثمة نمطان ضروريان من التخريب: التخريب على النطاق الوطني، ضد أهداف معينة، والتخريب على مقربة من خطوط القتال. يجب أن يستهدف التخريب على النطاق الوطني بصورة أساسية تدمير المواصلات. يمكن تدمير كل نوع من المواصلات بطريقة مختلفة، بيد أنها عرضة للإصابة كلها. يسهل تدمير أعمدة البرق والهاتف بنشرها حتى ما قبل آخرها، بحيث أنها تظهر ليلاً بمظهر سليم، ثم يسقط أحدها فجأة، فيجرّ سائرها في سقوطه، مسبباً تعطيلاً واسعاً.
كما يمكن تخريب الجسور بنسفها بالديناميت. وإذا لم يتوفر الديناميت، يمكن تدمير الجسور الحديدية بحِمْلاج اكسجيني ايدروجيني. يجب قطع الجائز الرئيسي والجائز الأعلى اللذين يحملان الجسر الحديدي. ومتى تمَّ قطع هذين الجائزين بالحملاج، يعمل مثل ذلك من الطرف الآخر أيضاً. هكذا ينقلب الجسر على جنبه، فيلتوي ثم يهوي. إنها أنجع وسيلة لتدمير جسر فلزي بلا ديناميت. يجب تدمير السكك الحديدية والطرقات أيضاً، وكذلك الكهاريز. ويمكن أحياناً بث الألغام في القطارات. يتعلق ذلك دائماً بقوة الغوارة.
كذلك يسمح عتاد ملائم بتدمير الصناعات الحيوية في كل منطقة عندما تأزف الساعة. ينبغي أن تؤلف مسألة التخريب موضوع خطة شاملة، فلا يجوز تدمير مجال عمل إلاَّ في اللحظة الحاسمة، لأن تدميراً كهذا يستتبع نزوحاً جماهيرياً بين العمال ويؤدي للمجاعة. يجب القضاء على الصناعات التي تخص شخصيات العهد، وبذل الجهد لإقناع العمال بضرورة ذلك، إلاّ إذا أدى القضاء عليها إلى عواقب اجتماعية فائقة الخطورة.
إننا نلح على أهمية تخريب طرق المواصلات. إن المواصلة السريعة هي السلاح الأكبر لدى جيش العدو ضد الثائرين، في الأرض غير الوعرة. لذا يتوجب علينا أن نحاول تدمير هذا السلاح باستمرار بنسف جسور السكك الحديدية والكهاريز والأعمدة الكهربائية والهواتف وحتى أنابيب المياه، وبكلمة، تدمير كل ما لا يستغنى عنه في الحياة الحديثة.
التخريب ضروري أيضاً قرب خطوط القتال، على النحو ذاته، لكن بإقدام وتفان وتواتر أعظم بكثير. يمكن التعويل في هذه الحالة على عون فائق القيمة، هو الذي تقدمه الدوريات الجوَّالة التابعة للغوارة، والتي يمكنها هبوط المناطق المعنية ومساعدة أعضاء المنظمة المدنية في أداء مهمتهم. وهنا أيضاً يستهدف التخريب المواصلات قبل كل شيء. ينبغي تصفية كافة المعامل ومراكز الإنتاج القمينة بتزويد العدو بما يلزمه لمتابعة هجومه على القوى الشعبية.
يجب الاستيلاء على مخزونات العدو، وقَطْع تموينه، وإذا لزم الأمر، يجب إخافة مُلاَّك الأراضي الذين يودون بيعه منتجات زراعتهم وحيواناتهم، وإحراق السيارات التي تتجول على الطرق واستخدامها لسد الطرق. ولدى كل عمل تخريبي، وفي نقاط معينة، على بعد كبير أو صغير من موضع إجراء العمل، يجب إحداث مناوشات متكررة مع العدو، باستخدام طريقة الضرب والهروب على الدوام. لا ضرورة لإبداء مقاومة كبيرة. يكفي مجرد إراءة العدو أنه حيثما يحصل تخريب، ثمة قوى غوارية على أهبة القتال، لإجباره بذلك على ألاَّ يتنقل إلاَّ متألباً محترزاً.
وهكذا يتم إنزال الشلل شيئاً فشيئاً بكل المدن القريبة من مناطق نشاط الغوار.
6 – الصناعة الحربية
إن الصناعة الحربية، في منظور حرب الغوار، هي نتاج تطور طويل نوعاً ما، وهي تثبت أن الغوار قائم في وضع جغرافي مؤات. لقد قلنا سابقاً إنه عندما تكون ثمة مناطق محررة ويكون العدو قد بسط حصاراً شاملاً على التموين، ينبغي تنظيم صناعات مختلفة لا غنى عنها. ومن بين هذه الصناعات، ثمة اثنتان أساسيتان هما الحِذاوة[58] والسِراجة: لا تستطيع فرقة أن تسير بلا أحذية، في المناطق الشَجِرة الوعرة، المفروشة حجارة وشوكاً. يصعب جداً أن يتنقل المرء في هذه الظروف، ولا يطيق ذلك إلاَّ أبناء المحلة، وليس جميعهم. أما الآخرون، فيجب أن ينتعلوا. تنقسم هذه الصناعة إلى فرعين: صناعة الأحذية الجديدة، وتسكيف وإصلاح الأحذية المعطوبة. يستلزم إنشاء هذه الصناعة الحرفية تجهيزاً كاملاً لشغل الجلود. وتلحق بها السِراجة لصنع كل اللوازم الشائعة كجعب الفشك وحقائب الظهر، ويمكن صنعها من الكتان أو الجلد، وهي وإن كانت غير أساسية، إنما تساعد على راحة الفرقة وتعطيها انطباع الاكتفاء الذاتي.
إن السِلاحة[59] هي صناعة أساسية أخرى. ووظائفها متباينة، من مجرد إصلاح القطع المعطوبة لكافة البنادق والأسلحة الأخرى، إلى صناعة بعض أنماط أسلحة القتال التي يبدعها روح الاختراع الشعبي، إلى صنع الألغام ذات الآليات المختلفة. وإذا ما أتاحت الظروف، تستكمل بورشة مكلفة بصناعة الباردو. فإذا أمكن صنع المتفجر ذاته في المنطقة المحررة، إضافة إلى الصاعق، أمكن التوصل إلى منجزات عظيمة في هذا الصدد ذي الأهمية البالغة، إذ أن استخداماً حكيماً للألغام يسمح بشل الطرقات شلاً كاملاً.
هناك صف آخر من الصناعات الهامة، هي الحِدادة والصِفاحة. يجري في الحدادة إنعال المحترمل، كما يمكن أن تصنع فيها النعال ذاتها. أما في صناعة الحاجات من الصفيح، فتجري أعمال صنع الأطباق، وخاصة الصفائح. ويمكن أن يلحق بها قسم للسِباكة. فإذا تم صهر الفلزَّات الطرية، أمكن إنشاء معمل لرمَّانات اليد، يسهم بشكل رئيسي في تسليح الفرقة. كما ينبغي وجود ورشة مِهانية مختصة بالإصلاحات والإنشاءات عامة، تتولى وظائف مختلفة ومحددة تماماً، وهي ما تسمى في الثكنات "بطارية الخدمة"، غير أنها تكون هنا خالصة من روح المداونة[60]، ومكلفة بتلبية كل الحاجات على نحو فعلي.
كما ينبغي وجود مسؤول عن المواصلات. لا يكون مسؤولاً فقط عن الدعاية اللاسلكية الموجهة إلى الخارج، بل مسؤولاً أيضاً عن الهواتف والطرقات، وينبغي أن يعمل مترابطاً مع المنظمة المدنية. لا ننسَ أننا محتربون، ويمكن أن يقع علينا هجوم، وأنه كثيراً ما يتوقف حفظ أرواح كثيرة على مخابرة أُرْسِلَت في حينها.
ويَحْسُن، مرضاة للفرقة، أن توجد صناعة للسيكار أو للفائف. تُبْتَاع لهذه الغاية أوراق التبغ وتنقل إلى المنطقة المحررة حيث تحول إلى مادة صالحة للاستهلاك. الدِباغة صناعة أخرى عظيمة الشأن. هذه الصناعات كلها منشآت بسيطة يمكن تحقيقها تماماً في أي مكان مع التكيف بظروف الغوار. تستلزم الدباغة بعض الأبنية الإسمنتية الصغيرة، وهي تتطلب خاصة، كثيراً من الملح. غير أنها تسمح لصناعة الأحذية أن تتوفر لها مادتها الأولية محلياً وفي ذلك الأمر إفادة عظيمة. يجب استحضار الملح محلياً وتركيز كميات كبيرة منه، ويجب بلوغ أمكنة فيها تركيز ملحي كبير لهذه الغاية، وجعل الماء يستبخر. البحر هو بوضوح خير مصدر للملح، لكن ثمة مصادر أخرى. ولا حاجة لتخليص الملح من كل الأملاح المرافقة له، فيمكن استهلاكه على حاله، وإن كان طعمه ليس سائغاً جداً لدى الوهلة الأولى.
يجب حفظ اللحم مملحاً، وهذا ما يُسهَّل عمله ويُمكَِّن من إنقاذ أرواح كثيرة في حالات الشدة القصوى. يُمكن حفظ اللحم مدة طويلة نوعاً ما في براميل تُملأ ملحاً، ويُمكن استعماله على هذا الشكل مهما كانت الظروف.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر