الشيخ جمال محمد بواطنه
مفتي محافظة رام الله والبيرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
بداية لا بدّ من التعرف على معنى الثقافة في اللغة وفي الاصطلاح كي نحدد الاتجاه الصحيح لسيرنا في البحث الذي نحن بصدده.
الثقافة في اللغة:
يقال: ثقف فلان ثقفا: صار حاذقا فطنا، وثقف العلم والصناعة: حَذَقهما، وثقف الشيء: أدركه وفي التنزيل العزيز: ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم )
وثقف الشيء: أقام المعوج منه وسواه .
ويقال: تثقّف على فلان، وتثقّف في مدرسة كذا بمعنى أخذ الثقافة عن فلان.
( أنظر : المعجم الوسيط مادة : ( ثَقِفَ)
فمعنى الثقافة في اللغة تدور حول: الحذق والفطنة والإدراك والتحصيل وإقامة المعوج.
أما الثقافة في الاصطلاح: فهي العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها .
الثقافة الإسلامية:
مما سبق نستطيع تعريف الثقافة الإسلامية بأنها: الحصيلة العلمية والفكرية الناتجة عن دراسة وفهم النصوص الشّرعية المتعلقة بالعقيدة والشّريعة والأخلاق الإسلامية.
المسلمون في فلسطين هم الأغلبية السُّكانية :
يشكل المسلمون الغالبية العظمى في المجتمع الفلسطيني وهذا بدوره يؤثر تأثيرا ايجابيا وبصورة مباشرة على الثقافة ويجعلها تنحو نحو الثقافة الإسلامية بشكل طبيعي تناغما مع الغالبية التي تدين بالإسلام.
فلسطين ورياح التغيير:
لفلسطين وضع خاص يجعلها أكثر عرضة من غيرها لهبوب الرياح المتقلبة فهي تعاني من ظرف استعماري استيطاني، والأطماع فيها كثيرة والصراع عليها مرير، مما يجعلها عرضة للغزو من قبل ثقافات متعددة ومتنوعة تنازع الثقافة الإسلامية الأصيلة بشكل مباشر وغير مباشر.
بعض مرتكزات وأساسيات الثقافة الإسلامية الشائعة:
هناك مسلّمات وأمور ثقافية شائعة عند غالبية المسلمين، ومنهم المسلم الفلسطيني، قد علمت من الدين بالضرورة يحسن التذكير ببعضها لاستحالة استعراضها كاملة أو شبه كاملة فمنها على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ احترام الغير على اختلاف الأديان والألوان والأشكال؛ لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[1]
وضرورة التعاون مع الآخر على البر والتقوى والخير وكل ما هو نافع ، والاستفادة من كل البشر في كل ما هو نافع؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[2]، ويقول النبي r: (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها كان أحق الناس بها)[3]
والمسلم بطبعه دائم الاستشعار بفداحة إثم الظلم والإيذاء وبخاصة ظلم الذمي والمستأمن بشكل عام ففي الحديث النبوي الشريف: ( من آذى ذمياً فقد آذاني )
2ـ طلب العلم فريضة شرعية في كل الأوقات وفي كل الأحوال؛ لقول النبي r: (طلب العلم فريضة على كل مسلم )[4] ، والإسلام يأبى على المسلم أن يكون كالبمحترمء أو كالوعاء الأجوف يوضع فيه كل شيء دون أن يعلم كل صغيرة وكبيرة عن أي شيء يعتقده أو يتلقاه ففي محكم التنزيل يقول جل وعلى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)[5]، إنه الاعتقاد المبني على العلم والقناعة لا على الجهل والإكراه .
3ـ استشعار الرقابة الإلهية التي تقتضي الالتزام بالعمل الصالح والقول النافع البعيد عن الإثم والمخالفة الشرعية قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[6], ومن الشائع في الثقافة العربية والإسلامية أن كل من يحيد عن الصواب سرعان ما يقال له : إتق الله .
4ـ احترام المرأة والحذر من ظلمها أو الجناية عليها وتسميتها: (حرمة) لما لعرضها من الحرمة والصيانة، والتركيز عل أنها جنس ناعم وضعيف يحتاج إلى المناصرة والحماية والحفظ قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[7], ولقد مات النبيr وهو يوصي بالنساء خيراً وعاش طيلة حياته يدفع عن المرأة الظلم والإجحاف الذي لحق بها عبر القرون وعبر المفاهيم الجاهلية فالنساء شقائق الرجال والمرأة لها حقها الكامل في الميراث الشرعي (وحرمانها من الميراث ما هو إلا من الثقافة النفعية الطمعية الجاهلية البعيدة عن أحكام الشريعة الإسلامية )
والمرأة في الإسلام لها ذمتها المالية المستقلة ولها كيانها المحترم البعيد عن الانتقاص أو التجريح أو الحرمان، والأدلة على ذلك أكثر من أن تذكر وأعظم من أن تنكر.
5ـ تقوم ثقافة الفرد والمجتمع على احتقار من يجاهر بالمعاصي أو يتمسك بها ويصر على اقترافها: كالزاني وشارب الخمر والكذاب والمنافق والخائن والغاش والمغتاب والنمام ..
6ـ من الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الفردية والمجتمعية في العالم الإسلامي وعلى رأسه فلسطين نصرة المظلوم والوقوف معه ضد الظالم، وإجارة من يستجير، وقبول ما يعرف بالطنيب يقال: فلان أطنب على فلان كي يحميه وينصره أو أطنب على عشيرة كذا وهذا من باب العمل بحديث النبي r: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال: أن ترده عن ظلمه)[8].
عوامل ترسيخ وتنمية الثقافة الإسلامية في المجتمع الفلسطيني :
1ـ ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية وبخاصة سماع خطبة الجمعة بشكل دائم ؛ فمن المعلوم أنّ الصلاة والزكاة والحج تتكرر ويحتاج المسلم إلى تعلمها وإلى تطبيقها وممارستها ومعايشتها مما يتيح ثقافة عالية في هذا الجانب لدى الذين يملكون القدرة على التعلم والتفقه واستخلاص الثقافة الواعية والحاذقة والسليمة من الدخن وسوء الفهم .
أما فيما يتعلق بخطبة الجمعة فإنها تعد المنبر الأهم والرافد الأغزر للثقافة الإسلامية إذا واظب المسلم على حضورها وأنصت لها وكانت في مسجد له خطيبه المفوه والمثقف والعالم بأحكام دينه وصاحب البصيرة في الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والمعايش للواقع الداخلي والعربي والإسلامي والدولي.
عدل سابقا من قبل حمساوي في الثلاثاء 02 يونيو 2009, 10:08 am عدل 1 مرات
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر