_ وفي مثل هذه الحالة، فإن من الاحتمالات المتوقعة، أن تتعزز حاجة شعوب البلدان الفقيرة في هذا العالم الى بعث الحياة في القيم الإنسانية وتطورها ، وإخصابها ، بما يحقق التعامل بالمعنى الإيجابي مع القيم الأخلاقية الجديدة التي أفرزتها الثورة العلمية وثورة الاتصالات والإنترنت وعلوم الاستنساخ والأجنة والهندسة الوراثية.... إلخ .
_ ولكن الواقع الراهن لهذه الشعوب التي تمثل حوالي 85% من سكان هذا الكوكب، يجعل من هذه الحاجة ، هدفاً صعب المنال ، إذا لم تتوفر شروط الاستقلال الذاتي، والارادة القادرة على كسر التبعية للنظام الامبريالي ، فالعالم اليوم ، في ظل العولمة ، يسير في اتجاهين :
1. تعميق سيادة الحضارة الرأسمالية ( الغربية ) المعولمة .
2. تعميق استبداد العولمة عبر تكريس قيم الخضوع في بلدان العالم الثالث أو الأطراف ، بواسطة أنظمة كومبرادورية وبيروقراطية تابعة ومتخلفة ، لا هم لها سوى استمرار الخضوع والاستسلام لشروط العولمة الرأسمالية تحقيقاً لمصالحها الشخصية .
- وكجزء من عالم الأطراف ، يواجه الوطن العربي اليوم حالة من الانهيار الاجتماعي/ الاقتصادي/السياسي في إطار منظومة العولمة التي تعزز سيطرتها المادية على موارد ومقدرات شعوبنا، بمقدار نجاحها في فرض قيمها المعرفية السياسية والأخلاقية على واقعنا المفتوح لهذه العملية دون أي مقاومة سياسية عقلانية جدية ، سوى اللامبالاة أو الخضوع للاقدار أو صراخ خافت _ هنا أو هناك _ أشبة بصراخ اليائس أو الجريح .
_ الى جانب ذلك ، هناك الخطر الداخلي الذي نعيشه اليوم الذي يتجسد في حالة التفكك والتجزئة السياسية والتخلف وانتشار الأصولية بمذاهبها المتنوعة تحت مظلة الاسلام السياسي وبروز النزعات والحركات الطائفية وكافة مظاهر التفسخ الاجتماعي على الصعيد العربي ، والانقسام والصراع التناحري على السلطة والمحاصصة بين فتح وحماس على الصعيد الفلسطيني ، في ظل وصول ما يسمى بالعملية السلمية إلى أفق مسدود وخاصة بعد خطاب أوباما ونتنياهو، علاوة على الحصار الصهيوني، وتغلغل مظاهر الفقر والإحباط فيه بصورة غير مسبوقة .
- والمحصلة الناجمة عن المتغيرات السياسية والاقتصادية والمجتمعية السالبة على شخصية الشعوب العربية تكمن في تزايد اعتمادها _ بالجبر أو الاختيار _ على الآخر فيما تنتجه وفيما تستهلكه وفيما تتعلمه وفيما تقرأه وفيما تتلهى به ، أصبحنا عجينه يسهل تشكيلها أو تفكيكها أو تدميرها في ظل انتشار ما اسميه حالة الإحباط والإستسلام السائدة في أوساط شعوبنا العربية.
_ فمن أبرز نتائج هذا الوضع المهزوم أو المتردي : اندحار وتراجع قيم العدالة والمساواة وتراجع قيم المقاومة والصمود والوحدة الوطنية والمجتمعية ومعظم القيم الأخلاقية المرتبطة بها ، ارتباطاً بالتراجع السياسي و الاجتماعي العام على الصعيد العربي، الناتج عن هذه الهوة الواسعة بين الأغلبية الشعبية الفقيرة من جهة ، وبين الأقلية الغنية الكومبرادورية والبيروقراطية والطفيلية المتنفذة من جهة أخرى ، بما يجعل من تراكم وتفعيل قانون الصراع بالمعنى الوطني والطبقي بينهما أمراً موضوعياً وواجباً في آن واحد .
_ بالطبع قد يأخذ الصراع بين الأقلية المتنفذة والمدركة لمصالحها ، وبين الأغلبية العفوية غير المنظمة بسبب ضعف أو غياب أو انهيار القوى اليسارية القومية ، صوراً أو أشكالاً تعيد إنتاج قيم التخلف والتبعية سواء عبر حركات الاسلام السياسي التي لا تتناقض جوهريا مع النظام الرأسمالي العالمي رغم ممانعتها للعدو الاسرائيلي، أوعبر أنظمة الحكم أو السلطة ورموزها التي نجحت القوى الإمبريالية في تأطيرها وتسخيرها في خدمة مصالح التحالف الإمبريالي الصهيوني ضد مصالح الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية بما يوحي للبعض بأن "اللامبالاة " أو " الخضوع " أو عدم الاستجابة للتحدي من قبل الجماهير الشعبية الفقيرة هو حالة ثابتة أصيلة في مجتمعاتنا العربية ، يتم تسخيرها لخدمة الأخلاق والقيم الهابطة السائدة في مجتمعاتنا ، دون إدراك من هذا البعض أن هذه الأخلاق هي أخلاق الطبقة السائدة في المشهد العربي الراهن الذي يتعرض لحالة غير مسبوقة من الاستبداد والافقار والتردي والانحطاط الاجتماعي، تغذيها – بصورة مبرمجة وذكية – الفضائيات التلفزيونية المعولمة التي تعمل في خدمة الثقافة الرأسمالية الاستهلاكية تحت مسميات وبرامج متنوعة .
إن مجتمعاتنا العربية تعيش اليوم أزمة عامة تستحكم وتتشابك مظاهرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. إنها ليست مجرد أزمة من الأزمات التي تعرض لنظام من نظم الحكم في هذا القطر العربي أو ذاك فحسب، وإنما يعاني الوطن العربي في مجموعه، أزمة مجتمعية عميقة باتت تطرح، إن على مستوى الفكر أو الممارسة، تحديات ثقيلة تواجه كل من يقلقه حاضر الأمة العربي ومستقبلها المنظور.
-هذا المشهد -الذي نعيشه اليوم- في الوطن العربي ، رغم التفاوت في شكل حركته أو صورة مظهره بين قطر وآخر ، يُعَبّر -في جوهره- عن سيرورة انتقال الى حقبة شخبوطية ، أول مظاهرها -كما يقول المفكر العربي ياسين الحافظ- تصفية مشروع الدولة القومية ، والتقهقر الى مرحلة ما قبل الدولة ، أي الى الدولة العشيرة ( أو الدولة العائلة ) ، والدولة -الطغمة ، ويتجلى ذلك في الانفصال المتزايد بين الحكم والشعب ، وفي تنامي الطابع التوتاليتاري للأنظمة العربية ، والتوسع المذهل في فساد " الدولة " أو السلطة، فساداً لم يعد هامشياً أو استثنائياً ، إنه الفساد الذي يرتدي طابعاً سياسياً مملوكياً ، أي أنه لم يعد مجرد مسألة انحلال أخلاقي فحسب ، بل تعبيراً عن انفصال الحكم عن الأمة .
فإذا كان الواقع –المتخلف والتابع- هو مصدر الأفكار والمفاهيم ، فإن خصوصية هذا الواقع تُعَبّر عن مجمل العلاقات الاجتماعية الاقتصادية ، الثقافية السائدة فيه ، وهي التي تحدد طبيعة الأفكار أو المفاهيم التي يعكسها هذا الواقع ، دون ان يعني ذلك خضوعا ميكانيكيا أو قدريا ، ذلك أنّ وظيفة الفكر النقدي هي "اكتشاف العنصر العقلي أو العناصر العقلية في الظاهرات ، وفي التشكيلات والمنظومات الاجتماعية و الثقافية والخطابات السياسية …"
ومن ثم – كما يقول جاد الجباعي- " فإن الفكر الذي يستحق اسمه هو إدراك للحاضر وللواقع بالفعل، إدراك لروح الشعب ومنطق الواقع، وإدراك للمبدأ العقلي والأخلاقي في كل مجال من مجالات الحياة".
"إن الفكر أو العقل –كما يضيف الجباعي - يسعى على الدوام إلى تعرُّف ذاته في الحاضر وإلى تعرُّف حريته في القانون العام والنظام العام (أو الدستور الديمقراطي) والقوانين التي تضمن تطبيق إرادة الخير العام والنفع العام ولمصالح الوطنية العامة وثوابتها".
ففي عصرنا الراهن، لا يستقيم أن تكون أمة، كائناً أخلاقياً من دون هذه الرابطة العقلية/الأخلاقية، أي من دون عقد اجتماعي يكون بموجبه جميع المتعاقدين أحراراً ومتساوين.
فالسياسة التي تستحق اسمها، سياسة مبدؤها الفكر أو العقل، فكر الواقع أو عقل الواقع، وغايتها (علاوة على أهداف التحرر والديمقراطية) الأخلاق والحياة الأخلاقية. المبدأ والغاية هنا كالمبتدأ والخبر، لا معنى لأي منهما من غير الآخر.
لكن من المؤسف والمحزن في آن أن السياسة لم ترق عندنا بعد إلى مستوى العمل في سبيل وحدة النضال الوطني كما لم ترق –بسبب هذا التفكك والإنقسام واستمرار الصراع- إلى تظهير العقد الاجتماعي القائم في صيغة قانون عام يسري على جميع أفراد الأمة.
وإذا كان الحديث عن فساد الأنظمة العربية يثير الأسف، فإنّ الحديث عن وصول القضية الفلسطينية إلى مأزق مسدود أو الحصاد المر، إلى جانب فساد سلطة م.ت.ف والانقسام والصراع المحتدم بين فتح وحماس وانتهاك مبادئ الأخلاق في الشأن الفلسطيني ... كلها عوامل تثير الحزن والأسى بقدر ما يتوجب أن تثير في الجبهة الشعبية كل نوازع التحدي والمقاومة لتغيير هذا الواقع صوب المستقبل.
هنا نقترب من أهمية الحديث عن الجانب المعرفي للأخلاق في تطوره التاريخي تمهيداً للحديث عن مفهوم الأخلاق في الحزب الماركسي .
تعريف الأخلاق :
بدايةً ، وعلى صعيد التفسير اللغوي ، فإن في اللغة العربية كلمتان يعبر بهما عن الأوصاف التي يوصف بها السلوك البشري : خُلُق (والجمع أخلاق)، وأدَب (والجمع آداب). والكلمتان غير مترادفتين مع أن الواحدة منهما قد تنوب مناب الأخرى في كثير من الأحيان .
يورد صاحب "لسان العرب" معنى يحدد به "ماهية" الخُلق عن طريق المقارنة فيقول: "ان الخُلُقْ هو صورة الإنسان الباطنة، أو مكونه النفسي الداخلي ، بعبارة أخرى " الخلق " للنفس كـ"الخِلْقة" للجسد.
والملاحظ أن "الخلق" بهذا المعنى غير "السلوك"، فهو "ملكة"، أو "هيئة في النفس" تصدر عنها الأفعال : فهي منبع السلوك، أما السلوك فهو الممارسة الفعلية الصادرة عن المفهوم أو الصفة.
وفي هذا السياق يؤكد د.محمد عابد الجابري في كتابه "العقل الاخلاقي العربي" خلو المكتبة العربية من كتاب أو دراسة في نقد العقل الأخلاقي العربي أو في تحليل نظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية تحليلاً موضوعياً نقدياً .
ننتقل الآن إلى تعريف مفهوم الاخلاق فنقول : أنّ الأخلاق ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورة واعية و هادفة ، بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وهي أيضاً شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ،يقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ،في السياسة وفي العلم ، وفي العمل وفي البيت والأمكنة العامة ... إلخ .
وقد أجمل معجم "لالاند" تعريفات الأخلاق في دلالات أربع ] :
الأولى : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك المقبولة في عصر أو لدى جماعة من الناس. وبهذا المعنى يقال: أخلاق قاسية، أخلاق سيئة، أخلاق منحلة ، أخلاق طيبة ، كريمة أو صالحة ..الخ
والثانية : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك التي تعتبر صالحة صلاحاً لا شرطياً.
والثالثة : هي أن الأخلاق نظرية عقلية عن الخير والشر، وهذه هي الأخلاق الفلسفية.
والدلالة الرابعة : هي ان الأخلاق جملة ما يتحقق في العلاقات الإجتماعية من أهداف حياة ذات صمحترم إنسانية أعظم.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر