وجدت هذه المخطوطة بين أوراق تروتسكي بعد اغتياله وطبعت في شكل مقال غير مكتمل.
يمكن تقدير المدى الذي تخلفت فيه حركة الطبقة العاملة ليس فقط بأوضاع التنظيمات الجماهيرية، بل وأيضا بالتجمعات الإيديولوجية وتلك الدراسات النظرية التي تنهمك فيها مجموعات كثيرة جدا. تصدر في باريس مجلة "ما العمل ؟" التي تعتبر نفسها لسبب ما ماركسية ولكنها تبقى تماما في الواقع ضمن إطار تجريبية المثقفين البرجوازيين اليساريين وأولئك العمال المعزولين الذين تمثلوا كل رذائل المثقفين.
وككل المجموعات التي تفتقر إلى الأساس العلمي، وبدون برنامج أو تقاليد، حاولت هذه المجلة الصغيرة أن تتعلق بأذيال الحزب العمالي للوحدة الماركسية – الذي يظهر أنه فتح أقصر جادة نحو الجماهير والنصر. ولكن هذه الروابط مع الثورة الإسبانية تبدو لأول وهلة غير متوقعة أبدا: لم تتقدم المجلة، بل على العكس، تراجعت. وفي حقيقة الأمر فإن هذا كليا من طبيعة الأمور. لقد تطورت التناقضات بين محافظية البرجوازية الصغيرة وحاجات الثورة البروليتارية إلى الحد الأقصى. وإن الشيء الطبيعي الوحيد هو أن المدافعين عن سياسة الحزب العمالي للوحدة الماركسية ومفسريها قد وجدوا أنفسهم وقد تخلفوا كثيرا في كلا الحقلين: السياسي والنظري.
ليس لمجلة "ما العمل ؟"، في ذاتها ولذاتها، أية أهمية مهما كانت. لكنها تحوز على الاهتمام لدلالتها. لهذا السبب نعتقد أنه من المفيد الخوض في تقدير هذه المجلة لأسباب انهيار الثورة الإسبانية، الحد الذي يكشف فيه هذا التقدير، بشكل بياني تماما، الملامح الأساسية التي تسود الآن في الجناح اليساري من الماركسية-المزيفة.
نبدأ بمقتطف حرفي من مراجعة لكراس "خيانة إسبانيا" Spain Betrayed بتساؤل فيه للرفيق كازانوفا: "لماذا سُحقت الثورة ؟" ويجيب الكاتب (كازانوفا): "لأن الحزب الشيوعي اتبع سياسة خاطئة تبعتها لسوء الحظ الجماهير الثورية". ولكن لماذا، بحق الشيطان، التفَّت الجماهير الثورية، التي تركت قادتها السابقين، حول لواء الحزب الشيوعي ؟ "لأنه لم يكن هنالك حزب ثوري حقا". إننا أمام لغو واضح: سياسة خاطئة للجماهير، حزب غير ناضج إما أنه يعبر عن وضع معين للقوى الاجتماعية (عدم نضج الطبقة العاملة، غياب استقلال الفلاحين) والذي يجب تفسيره انطلاقا من الوقائع، وتقديمها للآخرين من كازانوفا نفسه، أو أنه محصلة عمل أفراد أو مجموعات أفراد خبثاء، أفعال لا تتوافق مع جهود "الأفراد المخلصين" القادرين وحدهم على إنقاذ الثورة. بعد تلمس الطريق الماركسي والأول، يسلك كازانوفا الثاني، لقد قادنا إلى منطقة الشيطانية البحتة: المجرم المسؤول عن الهزيمة هو الشيطان الرئيسي ستالين، بالتواطؤ مع الفوضويين وكل الشياطين الصغار الأخر، ولم يرسل إله الثوريين لسوء الحظ (لينين) أو (تروتسكي) إلى إسبانيا كما فعل في روسيا سنة 1917. ويتبع بعدئذ الاستنتاج التالي: "هذا ما ينتج عن السعي بأي ثمن إلى فرض الأرثوذكسية المتحجرة لكنيسة ما على الوقائع". لقد أصبح هذا التعالي النظري أكثر بروزا من خلال حقيقة أنه من الصعب تخيل كم هو ضخم عدد الأشياء التافهة والسفالات والأخطاء، وعلى الأخص من النوع الهمجي المحافظ، التي يمكن حفظها في سطور قليلة.
يتجنب كاتب المقتطف الوارد أعلاه إعطاء أي تفسير لهزيمة الثورة الإسبانية، إنما يشير فقط إلى أن التفسيرات العميقة، مثل "وضع القوى الاجتماعية"، هي ضرورية. إن التهرب من أي تفسير ليس عرضيا. إن نقاد البلشفية هؤلاء كلهم جبناء نظريون، للسبب البسيط وهو عدم وجود شيء صلب تحت أقدامهم. ومن أجل أن لا يكشفوا عن فسادهم فإنهم يلفقون الوقائع ويحومون حول أفكار الآخرين ويقتصرون على التلميحات وأنصاف الأفكار وكأنه ليس لديهم الوقت ليعرضوا حكمتهم كاملة. وفي الحقيقة فإنه ليس لديهم من حكمة مطلقا. إن ترفُّعهم هذا مشبع بشعوذة ثقافية.
لنحلل خطوة خطوة تلميحات وأنصاف أفكار كاتبنا. بالنسبة إليه لا يمكن تفسير سياسة الجماهير الخاطئة إلا كسياسة "تعبر عن وضع معين للقوى الاجتماعية"، وبالتحديد عدم نضج الطبقة العاملة وغياب استقلال الفلاحين. إن من يبحث عن لغو لا يستطيع أن يجد لغوا أكثر صراحة من هذا. تفسر "سياسة الجماهير الخاطئة" بـ "عدم نضج" الجماهير. ولكن ما هو "عدم نضج" الجماهير ؟ من الواضح أنه نزوعها نحو السياسات الخاطئة. مم تشكلت السياسة الخاطئة ومن كان المبادر إليها: الجماهير أم القادة – هذا ما يقفز عنه كاتبنا بسكوت. بواسطة اللغو يضع المسؤولية على عاتق الجماهير. هذه الحيلة الكلاسيكية لكل الخونة والمتمحترمين ومفوضيهم تثير القرف والاشمئزاز، وخاصة فيما يتعلق بالبروليتاريا الإسبانية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر