قصة / منى الحبانين
مزقت صدرَها الآلام تنزف من الداخل, صراعٌ وخيالٌ وتفكير بآلام الماضي التي طوتها عميقاً لعلّ تلك الجراح تبرأ, ولكن سرعان ما يرمي لها القدر مزيداً من الجراح المرّة التي أصبحت ترتشفها يومياً مُرّةً كالعلقم، تتجرعها ليتسمم جسدها مع كل وخزةِ ألمٍ جديدة, مراراً تحاول أن تقهقه في وجه الأيام لتثنيها عما تحمله لها في كل شروق وغروب جديدين, ولكن سرعان ما تتكور على نفسها تضع رأسها على وسادة أحزانها التي غرقت بدموعها، وتستسلم محملقة عيناها تلتقي في زوايا غرفتها.
إنها ضربات الألم تنهال عليها يومياً دون رحمة, تخفي آلامها عن محبيها وتقابلهم ببسمةٍ عريضةٍ فيشعرون بالارتياح, أما هي فتهرب بعيداً بعيداً إلى هضبة عالية تطلّ على أراضٍ أحبّت كلَّ شبرٍ فيها, هنالك من أعالي الهضبة تشدو بصوت أنهكه المرض: 'نرفض نحنا نموت.. قولن راح نبقى' ثم تنهمر دموعها, إن القوة في شرايينها أعظم من الهوان الذي تشعر به، تودّ أن تتحرر من ذاك الورم لتركض دون وَهَنٍ في تلك الروابي والهضاب, تودّ أن تركض وتركض, وتركض وراءها أسرابٌ من الطيور التي هاجرت بعيداً ثم عادت, تود أن تتبعها الفراشات الصغيرة الملونة بالألوان الحمراء والخضراء والبيضاء وبأجنحتها السوداء إلى حيث الزهر الأسير لتطبع عليه قبلاتها وحنينها إليه, تود أن تتتبعها أفواج الأطفال وتنظر إليهم بمرح وهم يحومون في أرجاء تلك الهضاب والسهول دون أن يصطدموا بإشارة 'لن تمروا من هنا' فتشير إليهم بيديها ليطيحوا بتلك الإشارة بعزمٍ ويمروا حتى يشرفوا على أفق سماءٍ تغرب فيها شمسٌ تودّع الكون بترك بصماتها الرومانسية على طرف الأفق.. هنالك تلتقي أرواحهم في لحظة الوداع على أمل العودة غداً, قداسة اللحظة وطهر الطفولة يلتقيان على أمل العودة, الشعاع سيبزغ من جديد، والحياة ستتجدد رغم سواد الليل البهيم الذي يزعج أحلامهم بكوابيس مخيفة, تضحك في وجوههم، سيزول الليل وما مر لم يكن سوى كابوس ليلي وسينجلي ذاك الليل.
آه من تلك الآلام, تكابدها، ثم تشحذ عزيمتها وهي تضغط بقوة على موقع الألم.. تباً لك، دعني أكمل مسيرتي, الأطفال هنالك ينتظرون على أعالي الهضبة, سأركض أمامهم حتى نلتقي بالأفق وسأروي لهم حلم العودة, وسنمر بالحقول, سأشير لهم بيدي المرتجفة من الألم, كيف وُلد أجدادهم هنا, وكيف سردوا لي الروايات وأنا طفلة صغيرة وهم يخطون لي على الأرض مسافات قطعت وعائلات شردت, وتنهال الدمعة على ثنايا وجوههم حين نصطدم بأسلاك 'لن تمروا', وبعناد طفلة أركل ذاك السياج بقدمي البريئة وأنظر في أعينهم التي تملأها الدموع: لمَ؟ ونبقى حتى نلتقي بشمس المغيب ثم نعود أدراجنا، وأسمع صوتاً خفياً في أذني 'سنعود كما يسطع شعاع الشمس غداً معلناً بداية يوم جديد'.
ذات يومٍ سبقها الأطفال إلى حيث الملتقى مع الغروب, وجدتهم حفروا حفرةً عميقةً.. تساءلت وهي تضغط بيديها مكان الألم لتخفيه: ما هذا؟. نظروا إليها بمرح: هذا مكان النهاية, سيكون هنا مع غروب الشمس حتى يعود مع الشعاع, إشتدّت عليها أعراض المرض, فقدت توازنها, سقطت في الحفرة, نظر الأطفال باندهاش وهم يحثونها لتنهض ولكن كانت قد فارقت الحياة, جلسوا حولها يبكونها حتى انتهت جميع مراسيم الجنازة, ودُفنت حيث اختار لها الأطفال.
حمل لها الأطفال يومياً باقات الورود حتى أصبحوا في جيل الشباب، وهم ما زالوا يزورون ضريحها يومياً وينتظرون عودتها مع الشعاع, يحيون ذكراها يومياً, وكانت تعود مع الشعاع تنظر إليهم من أعالي الأفق يركضون ويركض وراءهم أفواج أطفال ينتظرون العودة.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر