شكل الجانب العقدي للأمة المغربية عبر تاريخها الطويل ثابتا من ثوابتها الحضارية، ومعلما من معالم هويتها الثقافية. فقد ارتبطت العقيدة الأشعرية ارتباطا قويا وطويلا بتاريخ المغرب امتد ما يقارب عشرة قرون، لذا فإن الاهتمام اليوم بتاريخ هذه العقيدة بالمغرب وتطورها أضحى مطلبا علميا من شأنه أن يثير مجموعة من القضايا والإشكالات، وعساه يكشف النقاب عن مكمن السر في تشبث المغاربة بهذا المذهب إلى يومنا هذا. لذلك فإن هذه الورقة المركزة من شأنها أن تثير مجموعة من القضايا والإشكالات علها تستنهض همم الباحثين لخوض غمارها واستجلاء أسرارها.
اعتناق أهل المغرب للعقيدة الأشعرية
تشبث المغاربة بالعقيدة الأشعرية منذ أمد بعيد حتى أضحت ثابتا من ثوابتهم الدينية ومقوما من مقوماتهم الفكرية، وقد عبر عبد الواحد ابن عاشر (ت. 1040 هـ) عن هذا المعنى في منظومته (المرشد المعين) بقوله:
في عقد الأشعري وفقه مالك *** وفي طريقة الجنيد السالك
إن تتبعنا لمختلف الأدبيات التي أرخت للفكر الأشعري بالمغرب يدلنا على أن هذا الفكر كان موجودا ومعروفا زمن المرابطين، ومن ذلك ما أورده محمد بن تاويت الطنجي في تقديمه لكتاب (ترتيب المدارك)، إذ يقول عن المدرسة الأشعرية المغربية أيام المرابطين: «هذه المدرسة المغربية كانت على علم تام بالجدل والمناظرة وأصول الدين والكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، وإن كتب الأشاعرة في علم الكلام كانت معروفة بين رجال المغرب يتدارسونها في كافة أنحاء المغرب...» ، وقد أكد الناصري في (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى) ما ذهب إليه ابن تاويت بقوله:«.. وإن كان (أي المذهب الأشعري) قد ظهر في المغرب قبل ابن تومرت ظهورا ما..» . وترجح بعض الدراسات أن يكون الفكر الأشعري قد دخل المغرب الأقصى مباشرة إلى مراكش زمن المرابطين، قبل أن ينتشر ويتوسع في مناطق أخرى من الغرب الإسلامي. وتدل بعض تلك الدراسات على أن أبا الحسن المرادي الحضرمي (تـ 489 هـ / 1086 م) هو أول من أدخل هذا الفكر العقدي الأشعري إلى الغرب الإسلامي عموما، والمغرب خصوصا. إذ جاء في كتاب (الغنية) وهو الكتاب الذي ترجم فيه عياض لشيوخه: «الحسن المرادي الحضرمي هو أول من أدخل علم الاعتقاد إلى المغرب الأقصى»، كما ينقل صاحب الغنية «... أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي كان من المشتغلين بعلم الكلام، على مذهب الأشعرية بالمغرب، وقرأت عليه أرجوزته الصغرى في الاعتقاد... وهو من تلاميذ أبي الحسن المرادي الحضرمي...».
مراحل تطور المذهب الأشعري بالمغرب
تدل مختلف الأدبيات التي أرخت للمذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، أن المذهب قد عرف في مراحله الأولى تمثلات فردية للمذهب لرجالات اعتنقوا العقيدة الأشعرية، والتزموا بمبادئها وأفكارها، إذ شهدت الفترة الممتدة من وفاة أبي الحسن الأشعري (ت. 324 هـ) إلى بداية القرن السادس الهجري بروز نخبة من المفكرين المغاربة تشبعوا بالفكر الأشعري، واستقوه من ينابيعه الأولى قبل عودتهم إلى المغرب. وإذا كان المرابطون لم يتبنوا المذهب الأشعري مذهبا رسميا للدولة، مما ضيق من أفق انتشار هذا المذهب في الأوساط العامة، لاعتبارات سياسية وتاريخية آنية، تمثلت على الخصوص في تبني هذه الدولة للعقيدة السلفية، فإن ذات الأسباب ـ أعني الظرفية السياسية والتاريخية ـ ستكون وراء تشبث الموحدين بالعقيدة الأشعرية ومحاولة تثبيتها وجعلها مذهبا رسميا للدولة الموحدية.
لذلك عمل المنظرون في الدولة الموحدية على تثبيت دعائم هذا المذهب وترسيمه؛ فقاموا بمجهودات نظرية وأخرى أيديولوجية سياسية لفرض هذا الفكر على العامة والخاصة على حد سواء، وسخروا مختلف الآليات الراهنة لفرض هذا الفكر. وضمن هذه السيرورة التاريخية، والتدافعات السياسية، فرض الفكر الأشعري نفسه موضوعا لنقاشات كلامية متقدمّة، إن على مستوى العرض والتحليل، أو على مستوى الاحتجاج للمسائل العقدية فبرز مفكرون كبار أدلوا بدلوهم في هذا الشأن من أمثال أبي الحجاج يوسف بن موسى الضرير، ومحمد بن تومرت، وأبي بكر بن العربي المعافري، وأبي عمرو عثمان السلالجي...
ومع تطور السجالات والمناقشات التي دارت رحاها بين أشاعرة الغرب الإسلامي وخاصة مع الفلاسفة منهم برزت في الأفق ظاهرة فكرية ارتبطت بحضور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي وشكلت أهم خاصية من خصائص المذهب الأشعري بالمغرب وميزة من مميزاته، وهي ظاهرة تصحيح أخطاء العامة في علم الكلام وعبر هذه المراحل كان الفكر الأشعري المغربي يتأرجح بين حركتي المد والجزر، حسب الظرفية السياسية والتاريخية إلى حدود القرن الثامن الهجري، حيث سادت ظاهرة التقليد والركون إلى القديم سيما بعد سقوط الأندلس، إلى أن ظهر الإمام عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت. 832 هـ) الذي دعا إلى تجديد الفكر الأشعري، وقاوم كل مظاهر التقليد والتبعية التي كانت سائدة آنذاك. فكان له دور بارز في ترميم المذهب الأشعري وإعادة بنائه في شروط حضارية ومعرفية متميزة، وألف لهذه الغاية عدة مصنفات أهمها: العقيدة الكبرى وهكذا ولظروف اجتماعية وسياسية ميزت المنطقة، قَبِل أهل المغرب الفكر الأشعري، ودعموه بمختلف الوسائل والآليات التي كانت تحددها كل مرحلة من مراحل تطوره في هذه المنطقة، حتى أضحى المذهب ثابتا من ثوابت الأمة المغربية.
اعتناق أهل المغرب للعقيدة الأشعرية
تشبث المغاربة بالعقيدة الأشعرية منذ أمد بعيد حتى أضحت ثابتا من ثوابتهم الدينية ومقوما من مقوماتهم الفكرية، وقد عبر عبد الواحد ابن عاشر (ت. 1040 هـ) عن هذا المعنى في منظومته (المرشد المعين) بقوله:
في عقد الأشعري وفقه مالك *** وفي طريقة الجنيد السالك
إن تتبعنا لمختلف الأدبيات التي أرخت للفكر الأشعري بالمغرب يدلنا على أن هذا الفكر كان موجودا ومعروفا زمن المرابطين، ومن ذلك ما أورده محمد بن تاويت الطنجي في تقديمه لكتاب (ترتيب المدارك)، إذ يقول عن المدرسة الأشعرية المغربية أيام المرابطين: «هذه المدرسة المغربية كانت على علم تام بالجدل والمناظرة وأصول الدين والكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، وإن كتب الأشاعرة في علم الكلام كانت معروفة بين رجال المغرب يتدارسونها في كافة أنحاء المغرب...» ، وقد أكد الناصري في (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى) ما ذهب إليه ابن تاويت بقوله:«.. وإن كان (أي المذهب الأشعري) قد ظهر في المغرب قبل ابن تومرت ظهورا ما..» . وترجح بعض الدراسات أن يكون الفكر الأشعري قد دخل المغرب الأقصى مباشرة إلى مراكش زمن المرابطين، قبل أن ينتشر ويتوسع في مناطق أخرى من الغرب الإسلامي. وتدل بعض تلك الدراسات على أن أبا الحسن المرادي الحضرمي (تـ 489 هـ / 1086 م) هو أول من أدخل هذا الفكر العقدي الأشعري إلى الغرب الإسلامي عموما، والمغرب خصوصا. إذ جاء في كتاب (الغنية) وهو الكتاب الذي ترجم فيه عياض لشيوخه: «الحسن المرادي الحضرمي هو أول من أدخل علم الاعتقاد إلى المغرب الأقصى»، كما ينقل صاحب الغنية «... أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي كان من المشتغلين بعلم الكلام، على مذهب الأشعرية بالمغرب، وقرأت عليه أرجوزته الصغرى في الاعتقاد... وهو من تلاميذ أبي الحسن المرادي الحضرمي...».
مراحل تطور المذهب الأشعري بالمغرب
تدل مختلف الأدبيات التي أرخت للمذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، أن المذهب قد عرف في مراحله الأولى تمثلات فردية للمذهب لرجالات اعتنقوا العقيدة الأشعرية، والتزموا بمبادئها وأفكارها، إذ شهدت الفترة الممتدة من وفاة أبي الحسن الأشعري (ت. 324 هـ) إلى بداية القرن السادس الهجري بروز نخبة من المفكرين المغاربة تشبعوا بالفكر الأشعري، واستقوه من ينابيعه الأولى قبل عودتهم إلى المغرب. وإذا كان المرابطون لم يتبنوا المذهب الأشعري مذهبا رسميا للدولة، مما ضيق من أفق انتشار هذا المذهب في الأوساط العامة، لاعتبارات سياسية وتاريخية آنية، تمثلت على الخصوص في تبني هذه الدولة للعقيدة السلفية، فإن ذات الأسباب ـ أعني الظرفية السياسية والتاريخية ـ ستكون وراء تشبث الموحدين بالعقيدة الأشعرية ومحاولة تثبيتها وجعلها مذهبا رسميا للدولة الموحدية.
لذلك عمل المنظرون في الدولة الموحدية على تثبيت دعائم هذا المذهب وترسيمه؛ فقاموا بمجهودات نظرية وأخرى أيديولوجية سياسية لفرض هذا الفكر على العامة والخاصة على حد سواء، وسخروا مختلف الآليات الراهنة لفرض هذا الفكر. وضمن هذه السيرورة التاريخية، والتدافعات السياسية، فرض الفكر الأشعري نفسه موضوعا لنقاشات كلامية متقدمّة، إن على مستوى العرض والتحليل، أو على مستوى الاحتجاج للمسائل العقدية فبرز مفكرون كبار أدلوا بدلوهم في هذا الشأن من أمثال أبي الحجاج يوسف بن موسى الضرير، ومحمد بن تومرت، وأبي بكر بن العربي المعافري، وأبي عمرو عثمان السلالجي...
ومع تطور السجالات والمناقشات التي دارت رحاها بين أشاعرة الغرب الإسلامي وخاصة مع الفلاسفة منهم برزت في الأفق ظاهرة فكرية ارتبطت بحضور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي وشكلت أهم خاصية من خصائص المذهب الأشعري بالمغرب وميزة من مميزاته، وهي ظاهرة تصحيح أخطاء العامة في علم الكلام وعبر هذه المراحل كان الفكر الأشعري المغربي يتأرجح بين حركتي المد والجزر، حسب الظرفية السياسية والتاريخية إلى حدود القرن الثامن الهجري، حيث سادت ظاهرة التقليد والركون إلى القديم سيما بعد سقوط الأندلس، إلى أن ظهر الإمام عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت. 832 هـ) الذي دعا إلى تجديد الفكر الأشعري، وقاوم كل مظاهر التقليد والتبعية التي كانت سائدة آنذاك. فكان له دور بارز في ترميم المذهب الأشعري وإعادة بنائه في شروط حضارية ومعرفية متميزة، وألف لهذه الغاية عدة مصنفات أهمها: العقيدة الكبرى وهكذا ولظروف اجتماعية وسياسية ميزت المنطقة، قَبِل أهل المغرب الفكر الأشعري، ودعموه بمختلف الوسائل والآليات التي كانت تحددها كل مرحلة من مراحل تطوره في هذه المنطقة، حتى أضحى المذهب ثابتا من ثوابت الأمة المغربية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر