في ساحة الفراغ الاستراتيجي الذي تركته الأنظمة العربية، وسعي البعض لموازنة النفوذ الإيراني في الإقليم بالنفوذ التركي، تصاعدت مؤخراً ظاهرة الحنين المفتعل للعثمانيين في بعض الأوساط، والتفجع على انقضاء قرون التجمد الحضاري خارج التاريخ، والنواح على أطلال التخلف الذي زرعوه في أرضنا على مدى قرون.
وهذا، مع أن العثمانيين لم يتركوا أثراً حضارياً واحداً في أيٍ من البلاد التي احتلوها، وكانوا دوماً يتركون البلاد التي يطئونها أسوأ حالاً مما استلموها. فكانوا بذلك أكثر احتلال متخلف في تاريخ الاحتلالات، بعد التتر والمغول. ولم يعرف عنهم إنجازٌ واحد في العلوم أو الفنون أو الآداب أو العمارة طوال فترة حكمهم (وليس فقط في نهايته)، على عكس التراث العربي-الإسلامي الغني بمثل هذه الإنجازات. وربما يشذ ابتكار "النرجيلة" – ربما - عن هذه القاعدة...
وعندما اجتاحت جحافل العثمانيين أرض العرب، لم يكن ثمة فارق حضاري كبير بين العرب وأوروبا، بالرغم من الضعف الكبير الذي كان يعتور الأمة العربية. وكانت القبائل التركية تفتقد لأبسط أسس التقدم الحضاري التي كان العرب وغيرهم من الأقوام الإسلامية قد خبروها وطوروها على مدى ألف عام تقريباً قبل العثمانيين. ويمكن أن نلحظ أن الدول الأوروبية الشرقية التي حكمها العثمانيون تتأخر خلف أوروبا الغربية والوسطى بالنسبة نفسها التي رزحت فيها تحت التخلف العثماني.
والأهم هو أن تعميق التعفن الحضاري وإعادة إنتاجه في الظل العثماني كان عامل الضعف الأهم الذي سمح للاستعمار الأوروبي أن يستخدم تقدمه العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والثقافي ليخترق الوطن العربي كما تخترق سكينٌ حادةٌ خرقةً بالية. فالعثمانيون لم يحافظوا على سيادة الأمة إزاء الاستعمار الأوروبي كما يبدو في الظاهر، بل هيئوا أفضل الظروف لهيمنة الاستعمار الأوروبي من خلال إنتاج كل عوامل الضعف الداخلي، الحضاري والاجتماعي، التي تنزع من الأمم عناصر قوتها وتجعلها أعجز من أن تتمكن من المقاومة.
والأغرب طبعاً تلك القصة التي يتسلى البعض بروايتها عن السلطان عبد الحميد وزعمهم رفضه تسليم فلسطين لليهود. والغريب في تلك القصة العجيبة أن السلطان عبد الحميد:
1) كان في حالة تفاوض مع ثيودور هيرتزل حول تقديم ديون للدولة العثمانية.
2) سمح بأول ثلاث مستعمرات يهودية أن تبني في فلسطين في ظل حكمه، وهي: ريشون ليتسيون، وبتاح تكفا، وزخرون يعقوب في القرى العربية الفلسطينية التالية بالتوالي: عيون قارة، ملبس، زمارين.
3) سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1882، وبدأت موجة الهجرة اليهودية الثانية حوالي عام 1895، حسب معظم المراجع التاريخية، ومنها مثلاً كتاب الدكتور عبد الوهاب الكيالي "تاريخ فلسطين الحديث" (الفصل الثاني). أي أن تينك الهجرتين جاءتا في فترة حكم السلطان عبد الحميد الواقعة ما بين عامي 1876 و1909، وخلالها بدأ تأسيس المستعمرات اليهودية الأولى، وخلالها أيضاً عادت الهجرة الصهيونية إلى الاشتداد عام 1905واستمرت حتى عام 1914. وساء الأمر بالتأكيد بعد وصول جماعة "تركيا الفتاة"، الصهيونية النزعة، إلى الحكم في عام 1908.
4) سمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين، ويشار في هذا الصدد أن كل جهود الحركة الصهيونية حتى عام 1948 لم تسفر عن السيطرة على أكثر من 5,6 بالمائة من أرض فلسطين التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر مربع بقليل، ولكن سجلات الطابو تظهر حسب أكثر من مرجع، ومنها كتاب ناجي علوش "الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية"، أن ما بين 420 ألف و650 ألف دونم من الأراضي العربية في فلسطين سيطر اليهود عليها خلال فترة الاحتلال العثماني.
ويشار إلى أن وجهاء القدس قاموا في 24/6/1891، أي في ظل عبد الحميد، "بتقديم عريضة لرئيس الوزارة العثمانية (الصدر الأعظم) طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها" (عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، الطبعة التاسعة، ص. 42).
وبالرغم من ذلك تجد من يزعم بأن السلطان عبد الحميد رفض تسليم فلسطين لليهود!!! فأي منطق أعوج هذا؟!
ولكن الأعجب من هذا المنطق العجائبي هو القول بأن العثمانيين كانوا يحمون الوطن العربي من التغلغل الاستعماري الأوروبي!!! فلنراجع بعض الوقائع التاريخية إذن التي تظهر بأن الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر كانت حاجزاً جغرافياً سياسياً بريطانيا لمنع تمدد النفوذ الروسي القيصري جنوباً ولمنع الوحدة العربية:
1) ففي عام 1801 عاونت القوات البريطانية العثمانيين على إخراج الفرنسيين من مصر.
2) خلال تأسيس الدولة العربية الحديثة على يد محمد علي باشا في مصر بين عامي 1831 – 1840، عاونت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى العثمانيين على إخراج محمد علي من سوريا، وقامت بريطانيا بإنزال بري على الساحل السوري، وقصفت بحريتها البحرية المصرية، وأعادت سوريا والمناطق الواقعة تحت حكم محمد علي للعثمانيين.
وقال بالمرستون وقتها، وكان وزير خارجية بريطانية آنذاك، في رسالة إلى سفير بلاده في نابولي بتاريخ 21 آذار ( مارس) 1833:
" إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية، وقد لا يحوي هذا المشروع ضرراً ما في حد ذاته ولكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا وهذا ما لا نرضى عنه، وفضلاً عن ذلك فلا نرى سبباً يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند".
وقد تبنت بريطانيا فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين على خلفية تجربة محمد علي الوحدوية.
وحول رعاية بريطانيا لتركيا العثمانية في مواجهة روسيا القيصرية تقول دراسة أعدها موقع قدس نت أن ذلك ظهر في مناسبتين:
"ففي المناسبة الأولى- وعرفت بحرب " القرم" - هزمت في بدايتها روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية فاقتحمت بريطانيا ومعها فرنسا وسردينيا وبروسيا ميدان المعركة وقلبت نصر روسيا القيصرية هزيمة وعقد مؤتمر باريس عام 1856 وقرر " تمامية السلطنة العثمانية" وتكامل أراضيها."
"أما في المناسبة الثانية فهزم روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية عام 1876 لم يؤد إلى تدخل عسكري واستطاعت روسيا القيصرية أن تفرض على الإمبراطورية العثمانية معاهدة سان ستيفانو، إلا أن بريطانيا نجحت في أن تجند دول أوروبا الكبرى وأن تفرض على روسيا القيصرية الاشتراك في مؤتمر برلين والقبول بنتائجه وأهمها إعادة الولايات التي احتلتها روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية العثمانية. ".
ورغم ذلك تجد من يقول لك أن العثمانيين كان يحاربون النفوذ الأوروبي في الوطن العربي! يا سلام!
وهذا، مع أن العثمانيين لم يتركوا أثراً حضارياً واحداً في أيٍ من البلاد التي احتلوها، وكانوا دوماً يتركون البلاد التي يطئونها أسوأ حالاً مما استلموها. فكانوا بذلك أكثر احتلال متخلف في تاريخ الاحتلالات، بعد التتر والمغول. ولم يعرف عنهم إنجازٌ واحد في العلوم أو الفنون أو الآداب أو العمارة طوال فترة حكمهم (وليس فقط في نهايته)، على عكس التراث العربي-الإسلامي الغني بمثل هذه الإنجازات. وربما يشذ ابتكار "النرجيلة" – ربما - عن هذه القاعدة...
وعندما اجتاحت جحافل العثمانيين أرض العرب، لم يكن ثمة فارق حضاري كبير بين العرب وأوروبا، بالرغم من الضعف الكبير الذي كان يعتور الأمة العربية. وكانت القبائل التركية تفتقد لأبسط أسس التقدم الحضاري التي كان العرب وغيرهم من الأقوام الإسلامية قد خبروها وطوروها على مدى ألف عام تقريباً قبل العثمانيين. ويمكن أن نلحظ أن الدول الأوروبية الشرقية التي حكمها العثمانيون تتأخر خلف أوروبا الغربية والوسطى بالنسبة نفسها التي رزحت فيها تحت التخلف العثماني.
والأهم هو أن تعميق التعفن الحضاري وإعادة إنتاجه في الظل العثماني كان عامل الضعف الأهم الذي سمح للاستعمار الأوروبي أن يستخدم تقدمه العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والثقافي ليخترق الوطن العربي كما تخترق سكينٌ حادةٌ خرقةً بالية. فالعثمانيون لم يحافظوا على سيادة الأمة إزاء الاستعمار الأوروبي كما يبدو في الظاهر، بل هيئوا أفضل الظروف لهيمنة الاستعمار الأوروبي من خلال إنتاج كل عوامل الضعف الداخلي، الحضاري والاجتماعي، التي تنزع من الأمم عناصر قوتها وتجعلها أعجز من أن تتمكن من المقاومة.
والأغرب طبعاً تلك القصة التي يتسلى البعض بروايتها عن السلطان عبد الحميد وزعمهم رفضه تسليم فلسطين لليهود. والغريب في تلك القصة العجيبة أن السلطان عبد الحميد:
1) كان في حالة تفاوض مع ثيودور هيرتزل حول تقديم ديون للدولة العثمانية.
2) سمح بأول ثلاث مستعمرات يهودية أن تبني في فلسطين في ظل حكمه، وهي: ريشون ليتسيون، وبتاح تكفا، وزخرون يعقوب في القرى العربية الفلسطينية التالية بالتوالي: عيون قارة، ملبس، زمارين.
3) سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1882، وبدأت موجة الهجرة اليهودية الثانية حوالي عام 1895، حسب معظم المراجع التاريخية، ومنها مثلاً كتاب الدكتور عبد الوهاب الكيالي "تاريخ فلسطين الحديث" (الفصل الثاني). أي أن تينك الهجرتين جاءتا في فترة حكم السلطان عبد الحميد الواقعة ما بين عامي 1876 و1909، وخلالها بدأ تأسيس المستعمرات اليهودية الأولى، وخلالها أيضاً عادت الهجرة الصهيونية إلى الاشتداد عام 1905واستمرت حتى عام 1914. وساء الأمر بالتأكيد بعد وصول جماعة "تركيا الفتاة"، الصهيونية النزعة، إلى الحكم في عام 1908.
4) سمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين، ويشار في هذا الصدد أن كل جهود الحركة الصهيونية حتى عام 1948 لم تسفر عن السيطرة على أكثر من 5,6 بالمائة من أرض فلسطين التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر مربع بقليل، ولكن سجلات الطابو تظهر حسب أكثر من مرجع، ومنها كتاب ناجي علوش "الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية"، أن ما بين 420 ألف و650 ألف دونم من الأراضي العربية في فلسطين سيطر اليهود عليها خلال فترة الاحتلال العثماني.
ويشار إلى أن وجهاء القدس قاموا في 24/6/1891، أي في ظل عبد الحميد، "بتقديم عريضة لرئيس الوزارة العثمانية (الصدر الأعظم) طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها" (عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، الطبعة التاسعة، ص. 42).
وبالرغم من ذلك تجد من يزعم بأن السلطان عبد الحميد رفض تسليم فلسطين لليهود!!! فأي منطق أعوج هذا؟!
ولكن الأعجب من هذا المنطق العجائبي هو القول بأن العثمانيين كانوا يحمون الوطن العربي من التغلغل الاستعماري الأوروبي!!! فلنراجع بعض الوقائع التاريخية إذن التي تظهر بأن الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر كانت حاجزاً جغرافياً سياسياً بريطانيا لمنع تمدد النفوذ الروسي القيصري جنوباً ولمنع الوحدة العربية:
1) ففي عام 1801 عاونت القوات البريطانية العثمانيين على إخراج الفرنسيين من مصر.
2) خلال تأسيس الدولة العربية الحديثة على يد محمد علي باشا في مصر بين عامي 1831 – 1840، عاونت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى العثمانيين على إخراج محمد علي من سوريا، وقامت بريطانيا بإنزال بري على الساحل السوري، وقصفت بحريتها البحرية المصرية، وأعادت سوريا والمناطق الواقعة تحت حكم محمد علي للعثمانيين.
وقال بالمرستون وقتها، وكان وزير خارجية بريطانية آنذاك، في رسالة إلى سفير بلاده في نابولي بتاريخ 21 آذار ( مارس) 1833:
" إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية، وقد لا يحوي هذا المشروع ضرراً ما في حد ذاته ولكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا وهذا ما لا نرضى عنه، وفضلاً عن ذلك فلا نرى سبباً يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند".
وقد تبنت بريطانيا فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين على خلفية تجربة محمد علي الوحدوية.
وحول رعاية بريطانيا لتركيا العثمانية في مواجهة روسيا القيصرية تقول دراسة أعدها موقع قدس نت أن ذلك ظهر في مناسبتين:
"ففي المناسبة الأولى- وعرفت بحرب " القرم" - هزمت في بدايتها روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية فاقتحمت بريطانيا ومعها فرنسا وسردينيا وبروسيا ميدان المعركة وقلبت نصر روسيا القيصرية هزيمة وعقد مؤتمر باريس عام 1856 وقرر " تمامية السلطنة العثمانية" وتكامل أراضيها."
"أما في المناسبة الثانية فهزم روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية عام 1876 لم يؤد إلى تدخل عسكري واستطاعت روسيا القيصرية أن تفرض على الإمبراطورية العثمانية معاهدة سان ستيفانو، إلا أن بريطانيا نجحت في أن تجند دول أوروبا الكبرى وأن تفرض على روسيا القيصرية الاشتراك في مؤتمر برلين والقبول بنتائجه وأهمها إعادة الولايات التي احتلتها روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية العثمانية. ".
ورغم ذلك تجد من يقول لك أن العثمانيين كان يحاربون النفوذ الأوروبي في الوطن العربي! يا سلام!
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر