قضية حق العودة التي
تخصّ فعلياً سبعة ملايين لاجئ فلسطيني ينتشرون في بقاع العالم، ويعيشون
ظروفاً إنسانية واجتماعية وسياسية صعبة بسبب الاحتلال الذي يمنع عودتهم،
بالتواطؤ مع ما يُسمى المجتمع الدولي، حيث يتم تجاهل حقهم الإنساني
الطبيعي، وتجاهل كل القرارات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان التي تكفل
عودتهم.
تخصّ فعلياً سبعة ملايين لاجئ فلسطيني ينتشرون في بقاع العالم، ويعيشون
ظروفاً إنسانية واجتماعية وسياسية صعبة بسبب الاحتلال الذي يمنع عودتهم،
بالتواطؤ مع ما يُسمى المجتمع الدولي، حيث يتم تجاهل حقهم الإنساني
الطبيعي، وتجاهل كل القرارات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان التي تكفل
عودتهم.
ماذا قال مبارك؟!
نقلت وسائل الإعلام المختلفة صباح
يوم السبت 11 تموز (يوليو) تصريح الرئيس حسني مبارك، نقلاً عن حديث أدلى
به لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية جاء فيه: «إن اللاجئين لن يعودوا..
إنني أرى بحق العودة أنه مسألة نفسية بالأساس، خُذي مثلاً لاجئاً
فلسطينياً يعيش منذ أربعين أو خمسين عاماً في أميركا، هو يريد فقط أن يعرف
أن لديه حقاً بالعودة، فبعد هذه السنوات الطويلة جداً، وبعدما درس وتزوّج
ووجد عملاً وأنجب أولاداً، لماذا يرغب بتغيير عنوانه؟ ولماذا يرغب
بالعودة؟».
وتساءل مبارك: «هل تريدون تحويل
إسرائيل إلى دولة يهودية فقط؟ هذا سيئ جداً، وأنا أقول إن هذا خطأ خطير
سيلحق ضرراً بكم، لأن دولة يهودية ستتحول إلى هدف لجميع الإرهابيين، بينما
دولة مفتوحة هي أمر آخر، وانظروا إلينا في مصر، لدينا مسلمون ومسيحيون
وأقباط ويهود». ورفض مبارك المطلب الإسرائيلي بإجراء تعديلات على مبادرة
السلام العربية، وخصوصاً في ما يتعلق ببند اللاجئين، وقال: «لماذا علينا
أن نعدّل؟ انسوا هذا الأمر فالمبادرة ليّنة جداً، وكل شيء سيتم بالاتفاق».
أهمية التصريح
هذا الموقف مهم للغاية، ويعكس بشكل
حقيقي وواقعي رؤية النظام الرسمي العربي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين
وطريقة حلّها. وبالتالي لا يمكن المرور على تصريح الرئيس المصري مرور
الكرام.
فمبارك هو رئيس أكبر دولة عربية،
ولها حدود مع الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين، ومصر موقعة على اتفاقية
«سلام» مع الكيان الصهيوني، وهي عنصر فاعل ومؤثر في كل اتفاقيات التسوية
التي وُقّعت، وكان لها بصمات كبيرة خاصة في النواحي السياسية والقانونية
في إنضاج وإخراج اتفاقيات التسوية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية
مع الاحتلال.
فالرئيس المصري كلّف مجموعة من
الخبراء القانونيين مراجعة اتفاق أوسلو الذي وُقّع عام 1993، واتفاق طابا
كاد أن يفشل لولا تدخّل الرئيس المصري ضاغطاً على عرفات الذي هدّد
بالانسحاب من حفل التوقيع، بعدما اكتشف عرفات خديعة إسرائيلية كالمعتاد في
المناطق التي من المقرّر أن يحصل انسحاب إسرائيلي منها، ولا تزال مصر إلى
اليوم ترعى أي تفاهم فلسطيني – إسرائيلي وتراجع النصوص، وتقرّب وجهات
النظر.
ولمصر وسائل ضغط وتأثير على المفاوض
الفلسطيني، فعدد كبير من المفاوضين الفلسطينيين مقربون من القيادة المصرية
ويتأثرون بقرارها، وهي على تواصل دائم مع فريق التفاوض الفلسطيني بدءاً من
محمود عباس وصولاً إلى أصغر مفاوض، ويحرص هؤلاء على استشارة السلطات
المصرية صاحبة الخبرة في التفاوض العلني والسري، من كامب ديفيد إلى
اتفاقية طابا وترتيبات الوضع في سيناء.
والأهم من ذلك أن الدولة المصرية هي
عرّاب التسوية في المنطقة، وهي أول من وقّع «السلام» مع الكيان الصهيوني،
وهي التي «تُقنع» الدول العربية بأهمية «السلام» معه، ولها نفوذ كبير داخل
الجامعة العربية. فالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى يعبّر بالمطلق
عن الموقف المصري، والإدارة الأمريكية تنسّق دائماً في المواقف مع القيادة
المصرية، ولا يمكن أن يمرّ مشروع أو قرار في الجامعة العربية يتعلق
بالتسوية وبالتفاوض مع «إسرائيل» من دون موافقة القيادة المصرية.
ولا ننسى أيضاً أن هناك علاقة وثيقة
تربط القيادة المصرية بالإدارة الأمريكية، فالرئيس المصري اعتاد على زيارة
واشنطن مرتين في العام، والأمريكيون يثقون بالمصريين في مسائل التسوية،
(مؤتمر أنابوليس مثالاً)، والرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما اختار
القاهرة لإطلاق مبادرته الجديدة في المنطقة.
التوقيت
توقيت إطلاق هذا الموقف جاء مهماً
للغاية، ولا يمكن إخراجه من أهمية التصريح ومضمونه. فالرئيس المصري قال
هذا الكلام في ظل وجود مشروع أمريكي جديد لإطلاق عملية التسوية، ولإعادة
تنشيط المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
والمعلومات تقول إن الوفد المصري
الذي زار واشنطن قبل شهرين المؤلف من وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ووزير
رئيس جهاز الاستخبارات اللواء عمر سليمان، عاد من واشنطن مقتنعاً بأن
الإدارة الأمريكية جادة في تنشيط التسوية، وأنها تسعى على نحو جاد لإنجاز
مشروع الدولة الفلسطينية.
كذلك جاء تصريح الرئيس المصري بعد
الخطاب الذي أدلى به رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو وأشار فيه
إلى أن «إسرائيل» هي دولة يهودية، داعياً الفلسطينيين إلى الاعتراف بهذا،
في شرط أساسي لإطلاق المفاوضات وللقبول بدولة فلسطينية. وإصرار نتنياهو
على مسألة يهودية الدولة في ظل موافقة أمريكية وأوروبية يعني أن هذا سيؤدي
حكماً إلى إسقاط حق العودة، وإلى منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى
ديارهم، وتعني أيضاً استعداداً إسرائيلياً لطرد الفلسطينيين الذين يعيشون
في المناطق المحتلة عام 1948 وترحيلهم.
وتجاهل نتنياهو حق عودة اللاجئين
الفلسطينيين بالكامل، وكذلك فعل أوباما قبله، ثم يأتي الرئيس المصري ليقول
إن حق العودة مسألة نفسية، فتلك مشكلة.
قراءة في المضمون
يعكس تصريح الرئيس المصري عن إسقاط
حق العودة مجموعة من الملاحظات، أهمها أنه عُدّ حق العودة مسألة نفسية
(مزاجية)، أي كأنها مسألة أدبية سلوكية فقط، لا علاقة بالأرض والتاريخ
والحضارة والثوابت الدينية والوطنية.
وبالتالي فإن الرئيس المصري أخرج
قضية اللاجئين الفلسطينيين من عمق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن عمق
أساس القضية الفلسطينية التي تقوم على ركيزتين أساسيتين: هما الأرض والشعب.
فالرئيس المصري أسقط الحق التاريخي
للفلسطينيين في أرضهم، ورأى أن الأزمة فقط أزمة سكن متعلقة بمكان الإقامة
وبالعنوان، وتجاهل معاناة سبعة ملايين لاجئ فلسطيني ومعهم خمسة ملايين
فلسطيني آخر يقيمون داخل وطنهم المحتل.
وأنهى مبارك بشكل فردي وأحادي – من
دون أن يكون له الحق- مسألة التفاوض على حق العودة، مع تحفّظنا بالكامل
على التفاوض على حق العودة.
واقترب في موقفه هذا بشكل كبير جداً
من رؤية وثيقة جنيف التي وضعها فلسطينيون وإسرائيليون مشروعاً للحل، التي
تنظر إلى مسألة اللاجئين على أنها مسألة سكن وإقامة فقط.
وتجاهل الرئيس المصري النضال الطويل
الذي مارسه الشعب الفلسطيني ولا يزال من أجل التحرير والعودة، فإذا كان
الشعب الفلسطيني لا يريد العودة، فلما يخوض إذاً معارك دائمة مع الاحتلال
في فلسطين وخارجها؟! وإذا كان الشعب الفلسطيني لا يريد حق العودة، فلماذا
كل هذه المؤتمرات والفاعليات والتحركات السياسية والشعبية من أجل حقّ
العودة؟! وإذا كان الشعب الفلسطيني لا يريد حق العودة، فلماذا إذاً
الاختلاف الفلسطيني الداخلي وجزء من أسباب الانقسام بشأن هذا الحق الذي
تصرّ منظمة التحرير على إلغائه وتتمسك به غالبية الشعب الفلسطيني وقوى
المقاومة؟!
المفعول السياسي
إن موقف الرئيس المصري بشأن إسقاط حق العودة له مفاعيل سياسية ونتائج مهمة هنا، أبرزها:
1- إن هذا الموقف فضح المبادرة
العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، وكشفت أن صلب الموقف
العربي هو إسقاط حق العودة وتوطين الفلسطينيين، ولطالما حذّرنا من أن
مبادرة السلام العربية تعني توطين الفلسطينيين، وهو ما كشفه مبارك.
2- أكد هذا الموقف وجود تطابق في
الرؤية بين القيادة المصرية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن
اللاجئين. فعباس قال في أكثر من مناسبة إنه لن يطالب بإعادة اللاجئين
الفلسطينيين إلى ديارهم لأنه لن يدمّر دولة «إسرائيل»، وبالتالي بعد موقف
مبارك ظهر أن موقف عباس يعبّر عن الرؤية العربية وأنه «مدعوم» مصرياً
وعربياً.
3- يخلق هذا التصريح أزمات ومشاكل
سياسية وأمنية للدول العربية التي يقيم فيها لاجئون فلسطينيون. فلبنان
يتخوّف من توطين الفلسطينيين، والأردن يخشى من تحويله إلى وطن بديل. وكلام
مبارك يعني أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ستحلّ على حساب الدول العربية.
4- بهذا الموقف أعفى مبارك
«إسرائيل» من كل جرائمها في قضية اللاجئين، حيث سبّبت ترحيلهم وطردهم بعد
مجازر وحشية، وأعفاها من المسؤوليات السياسية والأخلاقية والقانونية تجاه
جرائمها بحق الفلسطينيين، وأعفاها من التعويضات التي يجب أن تدفعها
للفلسطينيين وفق ما تقرّه القوانين الدولية والقرارات الأممية تجاه طردها
الفلسطينيين واستغلالها لأرضهم وأرزاقهم.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر