أم الشـهيد
بقلم ابراهيم عوض الله الفقيه
تلقّفته عند الباب.. دخل شاحب الوجه.. رجل منهك في العقد الثالث من عمره.. توجّه إلى اقرب مقعد وألقى بثقل جسمه عليه"..
الزوجة : لهفي عليك يا زوجي العزيز، ما الذي أصابك !؟ .
الزوج : إني أموت ، اختنق .
الزوجة: ماذا أصابك !.
الزوج : رأسي.. جسدي.. كلي.. كلي تعب .
الزوجة: أنت تعبان.. وأنا مريضة .
الزوج : دائماً أنتِ مريضة . " ساخراً " .
الزوجة: هذا الطفل الذي ببطني . " تتحسّس بطنها بيديها".
الزوج : دائماً الأطفال.. الأطفال هم جنة الحياة وتعبها .
الزوجة: أنا مريضة بسببه، وأنت دائماً بعيداً عني .
الزوج : إنه عملي.. انغمس فيه وأنسى.. في العمل أنسى كل شيء..
الزوجة: وتنساني أيضاً!.. دائماً أنت وحدك وأنا وحدي .
الزوج : قلبي معك .
الزوجة: لقد تأخرت اليوم.. خفت عليك .
الزوج : أنا من خاف على نفسه.. هذا النهار كان أطول أيام حياتي.
الزوجة: هل تعبت في المستشفى ؟ .
الزوج : لقد احضروا سبعة أطفال مصابين بطلقات نارية..
الزوجة: المهم أن لا يموت أحد منهم.. هل أنقذتهم جميعا ؟ .
الزوج : كان الموت يلاحقهم .
الزوجة: الأطفال أحباب الله.. لا يموتون بسهولة .
الزوج: الأطفال هم الذين يموتون بسهولة.. " بخيبة أمل ومرارة"، يقاومون الرصاص بالحجارة.
الزوجة: وأنت لم تفعل شيئاً! .
الزوج: لمن ! .. للموت !؟ .
الزوجة: لا.. للأطفال .
الزوج : أفعل ما أستطيع.. لكن..
الزوجة : لكن ماذا ؟! .
الزوج : لا أفهم .
الزوجة: وأنا لا أفهم أيضاً متى ستنتهي هذه الحكاية .
الزوج : ستفهمين حين يرحلون..
الزوجة: الأطفال ؟!
الزوج : لا.. الأعداء.. جنود الاحتلال .
الزوجة: لكن الأطفال..
الزوج : مات أحدهم..
الزوجة: "بشهقة" وماتت جارتنا هي وابنها هذا الصباح .
الزوج :كيف ؟
الزوجة: احتراقاً .
الزوج : " صارخا " أكلتهم النيران.. عذّبتهم !.
الزوجة: بكيتُ كثيراً وأنا أتصور عذاب الخلاص والرعب وانتظار الموت والألم .
الزوج : وأمهات الأطفال بكين كثيراً هذا اليوم في المستشفى أيضاً .
الزوجة: تصوّرت صراخ الأم وانين طفلها.. ولم يخلصهما أحد من النيران .
الزوج : اعرف الألم.. آه كم اعرف ..
الزوجة: ولكنك كنت في المستشفى .
الزوج : كنت أعالج الأطفال.. كنت احلم متى يصحوا الأطفال على زقزقة العصافير .
الزوجة: وأنا كنت احلم بالشمس والرمال مع طفلي بعيداً عن الموت .
الزوج : الموت في كل مكان.. من لا يحلم بالحجر يحلم بالبندقية .
الزوجة: أنا لم أتعوّد بعد وجع الأطفال.. بكاء الأطفال يمزّق قلبي.. يعذّبني ويشلّني ..
الزوج : النساء كانت تبكي في المستشفى أيضاً.. الرجال كانوا يبكون ..كلهم .. كلهم يئنون.. والمعابر امتلأت برائحة الأدوية والجراح .
الزوجة: " تقاطعه " كنت وحدك بين ..
الزوج : كنا كلنا.. مجموعة.. أطباء وممرضات.. كنا كلنا نرحل إلى ارض الأوجاع.. آهات تنبع من الصامتين ودماء تنبع من الجروح.. الكل كان ينظر بعيون لا لون فيها .
الزوجة: الكل !..
الزوج : الكل كان يتعذب.. لم يعد أحد يسمع الصمت بين كلمتين أو جملتين.. لم يعد أحدنا يسمع الصمت الذي يسبق الموت.. لم يعد أحد يسمع الصمت الذي يأتي بعد انفلات الروح وإغماضة العيون .
الزوجة: والأطفال !؟ .
الزوج : الأطفال يفتحون أفواههم.. يئنون.. يصرخون.. تلفهم الرمال والصحراء.. وأنا مع الطفل أكافح وأتعذب..
الزوجة: لهفي عليك.. لقد عانيت الكثير من أجلهم ..
الزوج : كنت ضائعاً.. لم يكن يصرخ.. كان يتعذب بصمت .
الزوجة: محمد لم يعد من المدرسة بعد.. لقد تأخر على غير عادته ..
الزوج : كان الدم ينـزف من انفه.. كفاه تمسح الدم وشفتاه تلتقط الدم.. كان عارياً.. يتألم ويبكي بصمت.. بدأت أجفاني تتفتح ودموعي تسيل..
الزوجة: لهفي عليك وعلى أمه..
الزوج : دموعي التي كانت تسيل.. كنت احلم به يقفز جذلاً فوق المروج الخضر، يطارد القطط والعصافير.. اضمحلت أحلامه وأجبرني على الصمت ..
الزوجة: بعد شهر سنرزق بطفل ..
الزوج : اسمعيني.. استفقتُ.. ضممتُ الطفل إلى صدري وأخذته بين يدي وبدأت عملي .
الزوجة: أنت وحدك ؟! .
الزوج : أنا والممرّضة وحدنا بقينا مع الطفل.. الطفل كان يلفظ أنفاسه الأخيرة .
الزوجة: لماذا .. لماذا تركوك مع الممرضة وحدك !؟.
الزوج : كلهم تعبوا .. كلهم كانوا يبكون.. يتألمون.. كانوا يصلّون.. وأنا وحدي كنت أموت .
الزوجة: ألم يساعدك أحد ؟!.
الزوج : لفّهم الشقاء والبرد والجوع والمرض وأنين الأطفال.. أكلهم التعب وراحوا يزحفون على دمائهم أمام ظلالهم.. ينوءون تحت ثقل آهاتهم ..
الزوجة: آه ..
الزوج : آه من ثقل تلك الأنفاس .
الزوجة: أنفاس من ؟! .
الزوج : أنفاس الطفل.. من أنفاسه كنت أتعلم الحب يوماً بعد يوم.. أنفاسه انغرست بالوجع خلية خلية.. استنـزف صبري ودموعي.. ممزّق أنا والحزن غربة جديدة ..
الزوجة: أهذا كله من اجل الطفل !..
الزوج : كنت ابكي طيلة الوقت مثل الأطفال.. أوجاع الأطفال كانت تحرقني ..
الزوجة: حبيبي ..
الزوج : الأطفال.. أنتِ لم تعرفي بعد.. أنتِ لن تتحملي رؤية الأطفال يتعذبون.. هناك شيء أقوى من دموع الأطفال.. حرام.. حرام أن يتعذب الأطفال " يجهش بالبكاء ويمسح دمعه بيده " .
الزوجة: ويلي على الأطفال ..
الزوج : كان رأسه مثل الفحم الأسود ..
الزوجة " تتألم، وتتناول منديلاً ورقياً " : آه ..
الزوج : أصابته الطلقة في رأسه.. أصابعه كانت محناة بالدم.. في عينه غابة من الرؤى والسراب .. أما رأسه فكان مثل الفحم الأسود، كلون عينيه .. في عينيه شاهدتُ بحيرة من الغبار ..
الزوجة: اسكت.. أرجوك.. كلامك عذاب ..
الزوج : العذاب هنا في قلبي.. الحزن في مفاصلي.. خراب وعدم ..
الزوجة: ويلي على أمهات الأطفال.. أمهات الشهداء ..
الزوج : ويلي عليكِ أنتِ .. أنتِ غابة أحزاني الجديدة.. أنتِ أم الطفل الشهيد محمد..
" تصرخ بأعلى صوتها.. يُغمى عليها وتسقط أرضاً".
بقلم ابراهيم عوض الله الفقيه
تلقّفته عند الباب.. دخل شاحب الوجه.. رجل منهك في العقد الثالث من عمره.. توجّه إلى اقرب مقعد وألقى بثقل جسمه عليه"..
الزوجة : لهفي عليك يا زوجي العزيز، ما الذي أصابك !؟ .
الزوج : إني أموت ، اختنق .
الزوجة: ماذا أصابك !.
الزوج : رأسي.. جسدي.. كلي.. كلي تعب .
الزوجة: أنت تعبان.. وأنا مريضة .
الزوج : دائماً أنتِ مريضة . " ساخراً " .
الزوجة: هذا الطفل الذي ببطني . " تتحسّس بطنها بيديها".
الزوج : دائماً الأطفال.. الأطفال هم جنة الحياة وتعبها .
الزوجة: أنا مريضة بسببه، وأنت دائماً بعيداً عني .
الزوج : إنه عملي.. انغمس فيه وأنسى.. في العمل أنسى كل شيء..
الزوجة: وتنساني أيضاً!.. دائماً أنت وحدك وأنا وحدي .
الزوج : قلبي معك .
الزوجة: لقد تأخرت اليوم.. خفت عليك .
الزوج : أنا من خاف على نفسه.. هذا النهار كان أطول أيام حياتي.
الزوجة: هل تعبت في المستشفى ؟ .
الزوج : لقد احضروا سبعة أطفال مصابين بطلقات نارية..
الزوجة: المهم أن لا يموت أحد منهم.. هل أنقذتهم جميعا ؟ .
الزوج : كان الموت يلاحقهم .
الزوجة: الأطفال أحباب الله.. لا يموتون بسهولة .
الزوج: الأطفال هم الذين يموتون بسهولة.. " بخيبة أمل ومرارة"، يقاومون الرصاص بالحجارة.
الزوجة: وأنت لم تفعل شيئاً! .
الزوج: لمن ! .. للموت !؟ .
الزوجة: لا.. للأطفال .
الزوج : أفعل ما أستطيع.. لكن..
الزوجة : لكن ماذا ؟! .
الزوج : لا أفهم .
الزوجة: وأنا لا أفهم أيضاً متى ستنتهي هذه الحكاية .
الزوج : ستفهمين حين يرحلون..
الزوجة: الأطفال ؟!
الزوج : لا.. الأعداء.. جنود الاحتلال .
الزوجة: لكن الأطفال..
الزوج : مات أحدهم..
الزوجة: "بشهقة" وماتت جارتنا هي وابنها هذا الصباح .
الزوج :كيف ؟
الزوجة: احتراقاً .
الزوج : " صارخا " أكلتهم النيران.. عذّبتهم !.
الزوجة: بكيتُ كثيراً وأنا أتصور عذاب الخلاص والرعب وانتظار الموت والألم .
الزوج : وأمهات الأطفال بكين كثيراً هذا اليوم في المستشفى أيضاً .
الزوجة: تصوّرت صراخ الأم وانين طفلها.. ولم يخلصهما أحد من النيران .
الزوج : اعرف الألم.. آه كم اعرف ..
الزوجة: ولكنك كنت في المستشفى .
الزوج : كنت أعالج الأطفال.. كنت احلم متى يصحوا الأطفال على زقزقة العصافير .
الزوجة: وأنا كنت احلم بالشمس والرمال مع طفلي بعيداً عن الموت .
الزوج : الموت في كل مكان.. من لا يحلم بالحجر يحلم بالبندقية .
الزوجة: أنا لم أتعوّد بعد وجع الأطفال.. بكاء الأطفال يمزّق قلبي.. يعذّبني ويشلّني ..
الزوج : النساء كانت تبكي في المستشفى أيضاً.. الرجال كانوا يبكون ..كلهم .. كلهم يئنون.. والمعابر امتلأت برائحة الأدوية والجراح .
الزوجة: " تقاطعه " كنت وحدك بين ..
الزوج : كنا كلنا.. مجموعة.. أطباء وممرضات.. كنا كلنا نرحل إلى ارض الأوجاع.. آهات تنبع من الصامتين ودماء تنبع من الجروح.. الكل كان ينظر بعيون لا لون فيها .
الزوجة: الكل !..
الزوج : الكل كان يتعذب.. لم يعد أحد يسمع الصمت بين كلمتين أو جملتين.. لم يعد أحدنا يسمع الصمت الذي يسبق الموت.. لم يعد أحد يسمع الصمت الذي يأتي بعد انفلات الروح وإغماضة العيون .
الزوجة: والأطفال !؟ .
الزوج : الأطفال يفتحون أفواههم.. يئنون.. يصرخون.. تلفهم الرمال والصحراء.. وأنا مع الطفل أكافح وأتعذب..
الزوجة: لهفي عليك.. لقد عانيت الكثير من أجلهم ..
الزوج : كنت ضائعاً.. لم يكن يصرخ.. كان يتعذب بصمت .
الزوجة: محمد لم يعد من المدرسة بعد.. لقد تأخر على غير عادته ..
الزوج : كان الدم ينـزف من انفه.. كفاه تمسح الدم وشفتاه تلتقط الدم.. كان عارياً.. يتألم ويبكي بصمت.. بدأت أجفاني تتفتح ودموعي تسيل..
الزوجة: لهفي عليك وعلى أمه..
الزوج : دموعي التي كانت تسيل.. كنت احلم به يقفز جذلاً فوق المروج الخضر، يطارد القطط والعصافير.. اضمحلت أحلامه وأجبرني على الصمت ..
الزوجة: بعد شهر سنرزق بطفل ..
الزوج : اسمعيني.. استفقتُ.. ضممتُ الطفل إلى صدري وأخذته بين يدي وبدأت عملي .
الزوجة: أنت وحدك ؟! .
الزوج : أنا والممرّضة وحدنا بقينا مع الطفل.. الطفل كان يلفظ أنفاسه الأخيرة .
الزوجة: لماذا .. لماذا تركوك مع الممرضة وحدك !؟.
الزوج : كلهم تعبوا .. كلهم كانوا يبكون.. يتألمون.. كانوا يصلّون.. وأنا وحدي كنت أموت .
الزوجة: ألم يساعدك أحد ؟!.
الزوج : لفّهم الشقاء والبرد والجوع والمرض وأنين الأطفال.. أكلهم التعب وراحوا يزحفون على دمائهم أمام ظلالهم.. ينوءون تحت ثقل آهاتهم ..
الزوجة: آه ..
الزوج : آه من ثقل تلك الأنفاس .
الزوجة: أنفاس من ؟! .
الزوج : أنفاس الطفل.. من أنفاسه كنت أتعلم الحب يوماً بعد يوم.. أنفاسه انغرست بالوجع خلية خلية.. استنـزف صبري ودموعي.. ممزّق أنا والحزن غربة جديدة ..
الزوجة: أهذا كله من اجل الطفل !..
الزوج : كنت ابكي طيلة الوقت مثل الأطفال.. أوجاع الأطفال كانت تحرقني ..
الزوجة: حبيبي ..
الزوج : الأطفال.. أنتِ لم تعرفي بعد.. أنتِ لن تتحملي رؤية الأطفال يتعذبون.. هناك شيء أقوى من دموع الأطفال.. حرام.. حرام أن يتعذب الأطفال " يجهش بالبكاء ويمسح دمعه بيده " .
الزوجة: ويلي على الأطفال ..
الزوج : كان رأسه مثل الفحم الأسود ..
الزوجة " تتألم، وتتناول منديلاً ورقياً " : آه ..
الزوج : أصابته الطلقة في رأسه.. أصابعه كانت محناة بالدم.. في عينه غابة من الرؤى والسراب .. أما رأسه فكان مثل الفحم الأسود، كلون عينيه .. في عينيه شاهدتُ بحيرة من الغبار ..
الزوجة: اسكت.. أرجوك.. كلامك عذاب ..
الزوج : العذاب هنا في قلبي.. الحزن في مفاصلي.. خراب وعدم ..
الزوجة: ويلي على أمهات الأطفال.. أمهات الشهداء ..
الزوج : ويلي عليكِ أنتِ .. أنتِ غابة أحزاني الجديدة.. أنتِ أم الطفل الشهيد محمد..
" تصرخ بأعلى صوتها.. يُغمى عليها وتسقط أرضاً".
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر